فصل: من فوائد الزمخشري في فاتحة الكتاب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة أنه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال: اختمه بآمين فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، وقال أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوجب إن ختم. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب».
وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين».
وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين».
وأخرج ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة أشياء، إفشاء السلام، واقامة الصف، وآمين».
الطبراني في الأوسط عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن اليهود قوم حسد، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام، وإقامة الصفوف، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة آمين».
وأخرج الحرث بن أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف، وأعطيت السلام وهو تحية أهل الجنة، وأعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هرون، فإن موسى كان يدعو وهرون يؤمن. ولفظ الحكيم: إن الله أعطى أمتي ثلاثًا لم يعطها أحد قبلهم: السلام وهو تحية أهل الجنة، وصفوف الملائكة، وآمين إلا ما كان من موسى وهرون».
وأخرج الطبراني في الدعاء وابن عدي وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين». وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال: «قلت يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال: رب أفعل».
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس. مثله.
وأخرج وكيع وابن شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا آمين اسم من أسماء الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير. مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: كان يستحب إذا قال الإِمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} أن يقال: اللهم اغفر لي آمين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: إذا قال الإِمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقل: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الربيع بن خيثم قال: إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فاستعن من الدعاء ما شئت.
وأخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل بن مسلم قال: في حرف أبي بن كعب: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين آمين بسم الله} قال إسماعيل: وكان الحسن إذا سئل عن آمين ما تفسيرها؟ قال: هو اللهم استجب.
وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال آمين، لم يبق في السماء ملك مقرب إلا استغفر له». اهـ.

.من فوائد الزمخشري في فاتحة الكتاب:

قال رحمه الله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)} الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها. تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته.
وأمّا الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّى ثلاثةً ** يَدِي ولِسَانِى والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا

أى لم يكن تعظيمي إياكم وافيا بحق عطائكم، ولكنني أردت من الاجتهاد في تعظيمكم مذهبا، وبينه بقوله: إن نعمتكم على إفادتكم من يدي ولساني وجناني، فهي وأعمالها لكم، قال السيد الشريف: هو استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الموارد الثلاثة، وبيان أنه جعلها جزاء للنعمة، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة، فكأنه قال: كثرت نعمتكم عندي فوجب على استيفاء أنواع الشكر لكم، وبالغ في ذلك حتى جعل مواردها ملكا لهم، وقيل: النعماء جمع للنعمة، لكن ظاهر عبارة اليد أنها بمعناها، ورواية البيت الأول بعد الثاني أحسن موقعا وأظهر استشهادًا.
والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه السلام: «الحمد رأس الشكر، ما شكر اللَّه عبد لم يحمده» وإنما جعله رأس الشكر لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كلّ خفى ويجلى كل مشتبه.
والحمد نقيضه الذمّ، والشكر نقيضه الكفران، وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو للَّه وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم: شكرًا، وكفرًا، وعجبًا، وما أشبه ذلك، ومنها: سبحانك، ومعاذ اللَّه، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدّون بها مسدّها، لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. ومنه قوله تعالى: {قالُوا سَلامًا قالَ سَلام} رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدّده وحدوثه. والمعنى: نحمد اللَّه حمدًا، ولذلك قيل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأنه بيان لحمدهم له، كأنه قيل: كيف تحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. فإن قلت: ما معنى التعريف فيه؟ قلت: هو نحو التعريف في أرسلها العراك، وهو تعريف الجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو، والعراك ما هو، من بين أجناس الأفعال. والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم. وقرأ الحسن البصري: {الحمد للَّه} بكسر الدال لإتباعها اللام. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: {الحمد للَّه} بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك- والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة- تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، بخلاف قراءة الحسن.
الرب: المالك. ومنه قول صفوان لأبى سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلىّ من أن يربني رجل من هوازن. تقول: ربه يربه فهو رب، كما تقول: نمّ عليه ينمّ فهو نمّ.
ويجوز أن يكون وصفًا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الرب إلا في اللَّه وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم: رب الدار، ورب الناقة، وقوله تعالى: {ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ} {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ}. وقرأ زيد بن على رضي الله عنهما: {رب العالمين} بالنصب على المدح، وقيل بما دل عليه الْحَمْدُ لِلَّهِ، كأنه قيل: نحمد اللَّه رب العالمين.
العالم: اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وقيل: كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض. فإن قلت: لم جمع؟ قلت: ليشمل كل جنس مما سمى به. فإن قلت: هو اسم غير صفة، وإنما تجمع بالواو والنون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام.
قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم.
[سورة الفاتحة: آية 4]:
{مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} قرئ: ملك يوم الدين، ومالك، وملك بتخفيف اللام. وقرأ أبو حنيفة رضي اللَّه عنه:
مَلَكَ يومَ الدين، بلفظ الفعل ونصب اليوم، وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مالكَ بالنصب.
وقرأ غيره: مَلَك، وهو نصب على المدح؛ ومنهم من قرأ: مالك، بالرفع.
وملك: هو الاختيار، لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله: {لمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16]، ولقوله: {مَلِكِ الناس} [الناس: 2]، ولأن الملك يعم والملك يخص.
ويوم الدين: يوم الجزاء.
ومنه قولهم: كما تدين تدان.
وبيت الحماسة:
ولَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا ** نِ دِنَّاهمْ كما دَانُوا

فإن قلت: ما هذه الإضافة؟
قلت: هي إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على طريق الإتساع، مُجرى مجرى المفعول به كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، والمعنى على الظرفية.
ومعناه: مالك الأمر كله في يوم الدين، كقوله: {لمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16].
فإن قلت: فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقة فلا تكون معطية معنى التعريف، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟
قلت: إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، فكان في تقدير الانفصال، كقولك: مالك الساعة، أو غدًا.
فأمّا إذا قصد معنى الماضي، كقولك: هو مالك عبده أمس، أو زمان مستمرّ، كقولك: زيد مالك العبيد، كانت الإضافة حقيقية، كقولك: مولى العبيد، وهذا هو المعنى في: {مالك يَوْمِ الدين} ويجوز أن يكون المعنى: ملك الأمور يوم الدين، كقوله: {وَنَادَى أصحاب الجنة} [الأعراف: 44]،: {ونادى أصحاب الاعراف} [الأعراف: 48]، والدليل عليه قراءة أبي حنيفة: {مَلَكَ يومَ الدين} وهذه الأوصاف التي أجريت على الله سبحانه من كونه ربًا مالكًا للعالمين لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته، ومن كونه منعمًا بالنعم كلها الظاهرة والباطنة والجلائل والدقائق، ومن كونه مالكًا للأمر كله في العاقبة يوم الثواب والعقاب بعد الدلالة على اختصاص الحمد به وأنه به حقيق في قوله الحمد للَّه- دليل على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله.
[سورة الفاتحة: آية 5]:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} إيا ضمير منفصل للمنصوب، واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في قولك: إياك، وإياه، وإياى، لبيان الخطاب والغيبة والتكلم، ولا محل لها من الإعراب، كما لا محل للكاف في أرأيتك، وليست بأسماء مضمرة، وهو مذهب الأخفش وعليه المحققون، وأما ما حكاه الخليل عن بعض العرب: «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب» فشيء شاذ لا يعوّل عليه، وتقديم المفعول لقصد الاختصاص، كقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا}. والمعنى نخصك بالعبادة، ونخصك بطلب المعونة. وقرئ: إياك بتخفيف الياء، وأياك بفتح الهمزة والتشديد، وهياك بقلب الهمزة هاء. قال طفيل الغنوي:
فَهَيَّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَرَاحَبَتْ ** مَوَارِدُهُ ضاقَتْ عليْكَ مَصادِرُهُ

والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل. ومنه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة وقوّة النسج، ولذلك لم تستعمل إلا في الخضوع للَّه تعالى، لأنه مولى أعظم النعم فكان حقيقًا بأقصى غاية الخضوع. فإن قلت: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت: هذا يسمى الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم، كقوله تعالى: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ}. وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات:
تَطَاوَلَ لَيْلُكَ بالإثْمدِ ** ونَامَ الخَلِىُّ ولَم تَرْقُدِ

وبَاتَ وباتَتْ لهُ لَيْلة ** كلَيْلةِ ذِى العائرِ الأرْمَدِ

وذلِكَ مِنْ نَبَإ جَاءَنى ** وخُبِّرْتُهُ عن أبي الأَسْوَدِ

وذلك على عادة افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه، ولأنّ الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد. ومما اختص به هذا الموضع: أنه لما ذكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه تلك الصفات العظام، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل: إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك ولا نستعينه، ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به. فإن قلت: لم قرنت الاستعانة بالعبادة؟