فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحى}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحى}:

.قال الفخر:

ذكر المفسرون فيه وجوهًا:
أحدها: يخرج المؤمن من الكافر كإبراهيم من آزر، والكافر من المؤمن مثل كنعان من نوح عليه السلام.
والثاني: يخرج الطيب من الخبيث وبالعكس.
والثالث: يخرج الحيوان من النطفة، والطير من البيضة وبالعكس.
والرابع: يخرج السنبلة من الحبة وبالعكس، والنخلة من النواة وبالعكس، قال القفّال رحمه الله: والكلمة محتملة للكل.
أما الكفر والإيمان فقال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} [الأنعام: 122] يريد كان كافرًا فهديناه فجعل الموت كفرًا والحياة إيمانًا، وسمى إخراج النبات من الأرض إحياء، وجعل قبل ذلك ميتة فقال: {يحيي الأرض بعد موتها} [الروم: 19] وقال: {فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] وقال: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} فقال الحسن: معناه تُخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، ورُوي نحوه عن سَلْمَان الفارسي.
وروى مَعْمر عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على نسائه فإذا بامرأة حسنة الهيئة قال: «من هذه»؟ قلن إحدى خالاتك.
قال: «ومن هي»؟ قلن: هي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سبحان الذي يخرج الحيّ من الميت» وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرًا.
فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن؛ فالموت والحياة مستعاران.
وذهب كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقتان؛ فقال عِكرمة: هي إخراج الدَّجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة، وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية.
وقال ابن مسعود: هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي، ويخرج الرجل منها حيًا وهي ميتة.
وقال عِكرمة والسّدي: هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة، والنواة من النخلة والنخلة تخرج من النواة؛ والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه. اهـ.

.قال ابن عطية:

ولفظ الإخراج في تنقل النطفة حتى تكون رجلًا إنما هو عبارة عن تغير الحال كما تقول في صبي جيد البنية: يخرج من هذا رجل قوي، وهذا المعنى يسميه ابن جني: التجريد أي تجرد الشيء من حال إلى حال هو خروج، وقد يحتمل قوله تعالى: {ويخرج الميت من الحي} أن يراد به أن الحيوان كله يميته فهذا هو معنى التجريد بعينه وأنشد ابن جني على ذلك:
أَفَاءَتْ بَنُوا مَرْوانَ ظُلْمًا دِمَاءَناَ ** وفي الله إنْ لَمْ يُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ

.قال الألوسي:

ولا يلزم من الآية أن يكون إخراج كل حي من ميت وكل ميت من حي ليلزم التسلسل في جانب المبدئ إذ غاية ما تفهمه الآية أن لله تعالى هذه الصفة وأما أنه لا يخلق شيئًا إلا من شيء فلا كما لا يخفى. اهـ.

.قال الماوردي:

قال قتادة: وإنما سَمَّى الله يحيى بن زكريا بيحيى لأن الله عز وجل أحياه بالإيمان. اهـ.

.قال أبو حيان:

والأظهر في قوله: {الحي من الميت} تصور اثنين وقيل: عنى بذلك شيئًا واحدًا يتغير به الحال، فيكون ميتًا ثم يحيا، وحيًا ثم يموت. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} اختلف القراء في لفظة {الْمَيِّتِ} فقرأ ابنُ كثير وأبو عَمْرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم لفظ {الْمَيْتِ} من غير تاء تأنيث- مُخَفَّفًا، في جميع القرآن، سواء وصف به الحيوان نحو: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} [آل عمران: 27] أو الجماد نحو: {فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} [فاطر: 9]- مُنَكَّرًا أو معرفًا كما تقدم ذكره- إلا قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقوله: {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17]- في إبراهيم- مما لم يمت بعد، فإن الكل ثقلوه، وكذلك لفظ {الميتة} في قوله: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة} [يس: 33] دون الميتة المذكورة مع الدم- فإن تلك لم يشدِّدْها إلا بعضُ قُرَّاء الشواذ- وكذلك قوله: {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} [الأنعام: 139]، وقوله: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} [الزخرف: 11]، وقوله: {إِلاَّ أن يكون مَيْتَة} [الأنعام: 145] فإنها مخَفَّفاتٌ عند الجميع، وثَقّل نافعٌ جميعَ ذلك، والأخوان وحفص- عن نافع- وافقوا ابن كثير ومن معه في الأنعام في قوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاه} [الأنعام: 122]، وفي الحجرات: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتا} [الحجرات: 12]، وفي يس: {الأرض الميتة} [يس: 33]، ووافقوا نافعًا فيما عدا ذلك، فجمعوا بين اللغتين؛ إيذانًا بأن كلًا من القراءتين صحيح، وهما بمعنًى؛ لأن فَيْعِل يجوز تخفيفه في المعتل بحَذْف إحْدى ياءَيْه، فيقال: هَيْن وهيِّن، لَيْن وليِّن، ميْت وميِّت، وقد جمع الشاعر بين اللغتين في قوله: [الخفيف]
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ ** إنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ

إنَّمَا الْمَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا ** كَاسِفًا بِالُهُ قَليلَ الرَّجَاءِ

وزعم بعضهم أن {ميتًا} بالتخفيف- لمن وقع به الموت، وأن المشدّد يُستعمَل فيمن مات ومن لم يَمُتْ، كقولهً- تعالى-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30].
وقسم لا خلاف في تخفيفه- وهو ما تقدم في قوله: {الميتة والدم} {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} [الأنعام: 139] {إِلاَّ أن يكون مَيْتَة}، وقوله: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} [الزخرف: 11].
وقسم فيه الخلاف- وهو ما عدا ذلك- وتقدم تفصيله. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}:

.قال الفخر:

فيه وجوه:
الأول: أنه يعطي من يشاء ما يشاء لا يحاسبه على ذلك أحد، إذ ليس فوقه ملك يحاسبه بل هو الملك يعطي من يشاء بغير حساب.
والثاني: ترزق من تشاء غير مقدور ولا محدود، بل تبسطه له وتوسعه عليه كما يقال: فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤه بالكثرة، ونظيره قولهم في تكثير مال الإنسان: عنده مال لا يحصى.
والثالث: ترزق من تشاء بغير حساب، يعني على سبيل التفضل من غير استحقاق لأن من أعطى على قدر الاستحقاق فقد أعطى بحساب، وقال بعض من ذهب إلى هذا المعنى: أنك لا ترزق عبادك على مقادير أعمالهم، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير تضييق ولا تقتير؛ كما تقول: فلان يعطِي بغير حساب؛ كأنه لا يحسب ما يعطي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الرزق ما ينتفع به الإنسان فيطلق على الطعام والثمار كقوله: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37] وقوله: {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19]، ويطلق على أعم من ذلك مما ينتفع به كما في قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} ثم قال: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 51- 54] وقوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ الله} ومن ثم سميت الدراهم والدنانير رزقا: لأن بها يعوض ما هو رزق، وفي هذا إيماء إلى بشارة للمسلمين بما أخبئ لهم من كنوز الممالك الفارسية والقيصرية وغيرها. اهـ.

.قال الزمخشري:

ذكر قدرته الباهرة، فذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما، وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم، ويؤتيه العرب ويعزهم. انتهى. اهـ.

.قال في الأمثل:

إننا نعلم أنّ الإنسان حرّ في كسب رزقه بغير إجبار، وذلك بموجب قانون الخلق وحكم العقل ودعوة الأنبياء، فكيف تقول هذه الآية إنّ كلّ هذه الأُمور بيد الله؟
في الجواب نقول: إن المصدر الأوّل لعالم الخلق وجميع العطايا والإمكانات الموجودة عند الناس هو الله، فهو الذي وضع جميع الوسائل في متناول الناس لبلوغ العزّة والسعادة. وهو الذي وضع في الكون تلك القوانين التي إذا لم يلتزمها الناس انحدروا إلى الذلّ والتعاسة. وعلى هذا الأساس يمكن إرجاع كلّ تلك الأُمور إليه، وليس في ذلك أيّ تعارض مع حرّية إرادة البشر، لأنّ الإنسان هوالذي يتصرّف بهذه القوانين والمواهب والقوى والطاقات تصرّفًا صحيحًا أو خاطئًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

قيل: وتضمنت هذه الآيات أنواعًا من: الفصاحة، والبلاغة، والبديع.
الاستفهام الذي معناه التعجب في {ألم تر إلى الذين}.
والإشارة في {نصيبًا من الكتاب} فإدخال: من، يدل على أنهم لم يحيطوا بالتوراة علمًا ولا حفظًا، وذلك إشارة إلى الإزراء بهم، وتنقيص قدرهم وذمهم، اذ يزعمون أنهم أخيار وهم بخلاف ذلك، وفي قوله: {ذلك بأنهم} إشارة إلى توليهم وإعراضهم اللذين سببهما افتراؤهم، وفي {ووفيت كل نفس} إشارة إلى أن جزاء أعمالهم لا ينقص منه شيء.
والتكرار في {نصيبًا من الكتاب} {يدعون إلى كتاب الله} إما في اللفظ والمعنى إن كان المدلول واحدًا، وإما في اللفظ إن كان مختلفًا.
وفي التولي والإعراض إن كانا بمعنى واحد.
وفي: {مالك الملك} {تؤتي الملك} {وتنزع الملك} وتكراره في جمل للتفخيم والتعظيم إن كان المراد واحدًا، وإن اختلف كان من تكرار اللفظ فقط، وتكرار {من تشاء} وفي {تولج} وفي {تخرج} وفي متعلقيهما.
والاتساع في جعل: في، بمعنى: على، على قول من زعم ذلك في قوله: {تولج الليل في النهار} أي على النهار، {وتولج النهار في الليل} أي على الليل.
وعبر بالإيلاج عن العلو والتغشية.
والنفي المتضمن الأمر في {لا ريب فيه} على قول الزجاج، أي لا ترتابوا فيه، والتجنيس المماثل في {مالك الملك} والطباق: في: تؤتي وتنزع، وتعز وتذل، وفي الليل والنهار، وفي الحي والميت.
ورد العجز على الصدر في: تولج، وما بعده، والحذف وهو في مواضع مما يتوقف فهم الكلام على تقديرها.
كقوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي من تشاء أن تؤتيه.
والإسناد المجازي في {ليحكم بينهم} أسند الحكم إلى الكتاب لأنه يبين الأحكام فهو سبب الحكم. اهـ.

.قال ابن عادل:

اشتملت هذه الآيةُ على أنواع من البديع:
منها: التجنيس المماثل في قوله تعالى: {مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك}.
ومنها: الطباق، وهو الجمع بين متضادين أو شبههما- في قوله: {تُؤتي} {وتَنْزعُ} {وتعزُّ} {وتُذِلُّ} وفي قوله: {بِيَدِكَ الخير} أي: والشَّرُّ- عند بعضهم-، وفي قوله: {اللَّيْل} و{النَّهَار} و{الحيّ} و{الميّت}.
ومنها رَدُّ الأعجازِ على الصدورِ، والصدورِ على الأعجاز في قوله: {تُولِجُ الليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي الليل}، وفي قوله: {وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} ونحوه عادات الشاذات شاذات العاداتِ.
وتضمنت من المعاني التوكيد بإيقاع الظاهر موقع المُضْمَر في قوله: {تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ} وفي تجوُّزه بإيقاع الحرف مكان ما هو بمعناه، والحذف لفهم المعنى. اهـ.

.قال الفيروزآبادي:

وقد ورد الحساب في التنزيل على عشرة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى الكثرة {عَطَاءً حِسَابًا} أي كثِيرًا.
الثانى: بمعنى الأَجر والثواب {إِنْ حِسَابُهُمْ إلا على رَبِّي} أي أَجرهم.
الثالث: بمعنى العقوبة والعذاب {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا} أي لا يخافون عذابًا.
الرّابع: الحَسِيب بمعنى الحفيظ {إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} أي حفيظًا.
الخامس: الحسِيب بمعنى الشاهد الحاضر {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} أي شهيدًا.
السّادس: الحساب بمعنى العَرْض على الملِك الأَكبر {يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} أي الْعَرْض على الرّحمن.
السّابع: بمعنى العدد {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} أي عدد الأَيام.
الثامن: بمعنى المنَّة {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي بغير مِنَّة عليهم ولا تقتير.
التَّاسع: الحُسْبان بمعنى دوران الكواكب في الفَلَك {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي يدوران حول القُطْب كدوران الرّحى.
العاشر: الحِسْبان بالكسر بمعنى الظن {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا} {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا} وله نظائر.
وأَمّا قوله تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ} فقيل معناه نارًا وعذابًا، وإِنما هو في الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحَسَبه. اهـ.