فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قد قالت: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} وقال الله: {وليس الذكر كالأنثى}.
إن الحق يقول لها: لا تظني أن الذكر الذي كنت تتمنينه سيصل إلى مرتبة هذه الأنثى، إن هذه الأنثى لها شأن عظيم. أو أن القول من تمام كلامها: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} ويكون قول الحق: {وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} هو جملة اعتراضية ويكون تمام كلامها {وليس الذكر كالأنثى}. أي أنها قالت: يارب إن الذكر ليس كالأنثى، إنها لا تصلح لخدمة البيت.
وليأخذ المؤمن المعنى الذي يحبه، وسنجد أن المعنى الأول فيه إشراق أكثر، أنه تصور أن الحق قد قال: أنت تريدين ذكرا بمفهومك في الوفاء بالنذر، وليكون في خدمة البيت، ولقد وهبت لك المولود أنثى، ولكني سأعطي فيها آية أكبر من خدمة البيت، وأنا أريد بالآية التي سأعطيها لهذه الأنثى مساندة عقائد، لا مجرد خدمة رقعة تقام فيها شعائر.
إنني سأجعل من هذه الآية مواصلة لمسيرة العقائد في الدنيا إلى أن تقوم الساعة. ولأنني أنا الخالق، سأوجد في هذه الأنثى آية لا توجد في غيرها، وهي آية تثبت طلاقة قدرة الحق، ولقد قلت من قبل: إن طلاقة القدرة تختلف عن القدرة العادية، إن القدرة تخلق بأسباب، ولكن من أين الأسباب؟ إن الحق هو خالق الأسباب أيضا.
إذن فما دام الخالق للأسباب أراد خلقا بالأسباب فهذه إرادته. ولذلك أعطانا الحق القدرة على رؤية طلاقة قدرته؛ لأنها عقائد إيمانية، يجب أن تظل في بؤرة الشعور الإيماني، وعلى بال المؤمن دائما. لقد خلق الله بعضا من الخلق بالأسباب كما خلقنا نحن، وجمهرة الخلق عن طريق التناسل بين أب وأم، أما خلق الحق لآدم عليه السلام فقد خلقه بلا أسباب. ونحن نعلم أن الشيء الدائر بين اثنين له قسمة عقلية ومنطقية، فما دام هناك أب وأم، ذكر وأنثى، فسيجيء منهما تكاثر.. إن الحق يقول: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].
وعندما يجتمع الزوجان، فهذه هي الصورة الكاملة، وهذه الأولى في القسمة المنطقية والتصور العقلي، وإما أن ينعدم الزوجان فهذه هي الثانية في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
أو أن ينعدم الزوج الأول ويبقى الطرف الثاني، وهذه هي الثالثة في القسمة المنطقية والتصور العقلي، أو أن ينعدم الزوج الثاني ويبقى الطرف الأول، وهذه هي الرابعة في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
تلك إذن أربعة تصورات للقسمة العقلية. وجميعنا جاء من اجتماع العنصرين، الرجل والمرأة. أما آدم فقد خلقه الله بطلاقة قدرته ليكون السبب. وكذلك تم خلق حواء من آدم. وأخرج الحق من لقاء آدم وحواء نسلا. وهناك أنثى وهي مريم ويأتي منها المسيح عيسى ابن مريم بلا ذكر. وهذه هي الآية في العالمين، وتثبت قمة عقدية. فلا يقولن أحد: ذكرًا، أو أنثى، لأن نية امرأة عمران في الطاعة أن يكون المولود ذكرا، وشاء قدر ربكم أن يكون أسمى من تقدير امرأة عمران في الطاعة، لذلك قال: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}. أي أن الذكر لن يصل إلى مرتبة هذه الأنثى.
وقالت امرأة عمران: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. إن امرأة عمران قالت ما يدل على شعورها، فحينما فات المولودة بأنوثتها أن تكون في خدمة بيت الله فقد تمنت امرأة عمران أن تكون المولودة طائعة، عابدة، فسمتها مريم لأن مريم في لغتهم- كما قلنا- معناها العابدة.
وأول ما يعترض العبودية هو الشيطان. أنه هو الذي يجعل الإنسان يتمرد على العبودية. إن الإنسان يريد أن يصير عابدا، فيجيء الشيطان ليزين له المعصية. وأرادت إمرأة عمران أن تحمي ابنتها من نزغ الشيطأن لانها عرفت بتجربتها أن المعاصي كلها تأتي من نزغ الشيطان، وقد سمتها مريم حتى تصبح عابدة لله، ولأن إمرأة عمران كانت تمتلك عقلية إيمانية حاضرة وتحمل المنهج التعبدي كله لذلك قالت: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.إن المستعاذ به هو الله، والمستعاذ منه هو الشيطان، وحينما يدخل الشيطان مع خلق الله في تزيين المعاصي، فهو يدخل مع المخلوق في عراك، ولكن الشيطأن لا يستطيع أن يدخل مع ربه في عراك، ولذلك يقال عن الشيطان أنه إذا سمع ذكر الله فإنه يخنس أي يتراجع، ووصفه القرآن الكريم بأنه الخنَّاس، إن الشيطان إنما ينفرد بالإنسان حين يكون الإنسان بعيدا عن الله، ولذلك فالحق يُعَلِّمُ الإنسان: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِالله أنه سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
إن الشيطان يرتعد فرقا ورعشة من الإستعاذة بالله. وعندما يتكرر ارتعاد الشيطان بهذه الكلمة؛ فإنه يعرف أن هذا الإنسان العابد لن يحيد عن طاعة الله إلى المعاصي. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجيء الرجل امرأته، ومجيء الأهل هو مظنة لمولود قد يجيء، فيقول العبد: «اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني» (من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم).
إن من يقول هذا القول قبل أن يحدث التخلق فلن يكون للشيطان ولاية أو قدرة على المولود الذي يأتي بإذن الله. ولذلك قالت إمرأة عمران: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
والذرية قد يفهمها الناس على أنها النسل المتكاثر، ولكن كلمة ذرية تطلق على الواحد وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة أو أكثر. والذرية هنا بالنسبة لمريم عليها السلام هي عيسى عليه السلام، وتنتهي المسألة. وبعد دعاء إمرأة عمران {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} يجيء القول الحق: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الله اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي أنك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وآل إبراهيم وآل عمران} قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر الله أهل بيتين صالحين، ورجلين صالحين، ففضلهم على العالمين، فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم.
وأخرج ابن جرير وأبي أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: فضلهم الله على العالمين بالنبوّة على الناس كلهم، كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ذرية بعضها من بعض} قال: في النية، والعمل، والإخلاص، والتوحيد.
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، أن عليًا قال للحسن قم فاخطب الناس قال: إني أهابك أن أخطب وأنا أراك. فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه وتكلم. ثم نزل فقال علي رضي الله عنه {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {إن الله اصطفى} يعني اختار من الناس لرسالته {آدم ونوحًا وآل إبراهيم} يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط {وآل عمران على العالمين} يعني اختارهم للنبوّة والرسالة على عالمي ذلك الزمان. فهم ذرية بعضها من بعض، فكل هؤلاء من ذرية آدم، ثم ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم {إذ قالت امرأة عمران} بن ماثان واسمها حنة بنت فاقوذ. وهي أم مريم {رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا} وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض، فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخًا له، فتحركت نفسها للولد، فدعت الله أن يهب لها ولدًا، فحاضت من ساعتها، فلما طهرت أتاها زوجها، فلما أيقنت بالود قالت: لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررًا. وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود. والمحرر لا يعمل للدنيا، ولا يتزوّج، ويتفرغ لعمل الآخرة. يعبد الله تعالى، ويكون في خدمة الكنيسة، ولم يكن محررًا في ذلك الزمان إلا الغلمان. فقالت لزوجها: ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا، وإني جعلت ما في بطني نذيرة تقول: نذرت أن أجعله لله فهو المحرر. فقال زوجها: أرأيت أن كان الذي في بطنك أنثى والأنثى عورة- فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك {رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا فتقبل مني أنك السميع العليم} يعني تقبل مني ما نذرت لك.
{فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} والأنثى عورة، ثم قالت {وإني سميتها مريم} وكذلك كان اسمها عند الله {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} يعني الملعون، فاستجاب الله لها، فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى.
قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل، إلا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما» قال ابن عباس: لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل الأنثى محررة، فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم، وكان إمام القراء من ولد هرون. أيهم يأخذها فقال زكريا وهو رأس الأحبار أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي يعني أم يحيى فقال القراء: وإن كان القوم من هو أفقر إليها منك؟ ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها ولكنها محررة، غير أنا نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي {أيهم يكفل مريم} يعني أيهم يقبضها فقرعهم زكريا.
وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها فقالوا لبعض خدم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم: أدخل يدك فأخرج قلمًا منها، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا: لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها. فألقوا أقلامهم في نهر الأردن، فارتفع قلم زكريا في جرية الماء فقالوا: نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها. فألقوا أقلامهم، فجرى قلم زكريا مع الماء، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا. فذلك قوله: {وكفلها زكريا} يعني قبضها ثم قال: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا} يعني رباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرعت، وبنى لها زكريا محرابًا في بيت المقدس، وجعل له بابه في وسط الحائط لا يصعد إليها إلا بسلم.
وكان استأجر لها ظِئْرًا، فلما تم لها حولان فطمت وتحركت، فكان يغلق عليها الباب والمفتاح معه لا يأمن عليه أحدًا، لا يأتيها بما يصلحها أحد غيره حتى بلغت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عكرمة قال: اسم أم مريم حنة.
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: حنة ولدت مريم أم عيسى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {نذرت لك ما في بطني محررًا} قال: كانت نذرت أي تجعله في الكنيسة يتعبد بها، وكانت ترجو أن يكون ذكرًا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: نذرت أي تجعله محررًا للعبادة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {محررًا} قال: خادمًا للبيعة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله: {محررًا} قال: خالصًا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها، وكانوا إنما يحررون الذكور، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى، فعند ذلك قالت {وليس الذكر كالأنثى}.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {محررًا} قال: جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلامًا أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب، فقالت: هذا محرر لكم يخدمكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: إن امرأة عمران كانت عجوزًا عاقرًا تسمى، حنة، وكانت لا تلد، فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت: اللهم إن عليَّ نذرًا شكرًا إن رزقتني ولدًا أن أتصدق به على بيت المقدس، فيكون من سدنته وخدامه {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى... وليس الذكر كالأنثى} يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال، ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال: وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا: هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة فقال زكريا: ادفعوها إليَّ فإن خالتها تحتي فقالوا: لا تطيب أنفسنا بذلك. فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ {والله أعلم بما وضعت}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ {بما وضعت} برفع التاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين {والله أعلم بما وضعت} قال: على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى.
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها {والله أعلم بما وضعت} بنصب العين.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها {والله أعلم بما وضعت} بنصب العين.
أما قوله تعالى: {وإني أعيذها} الآية.
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها» ثم قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي، إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها، فإن أمها قالت حين وضعتها {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} فضرب بينهما حجاب، فطعن في الحجاب».
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال: هذا حدث مكانكم. فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئًا، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء، ثم طار أيضا فوجد عيسى عليه السلام قد ولد عند مدود حمار، وإذا الملائكة قد حفَّت حوله، فرجع إليهم فقال إليهم فقال: إن نبيًا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا. فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى ابن مريم وأمه، جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما شيء». وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم.
وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر، مما أعطاه الله من اليقين والإِخلاص.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم قال: وقال عيسى عليه السلام فيما يثني على ربه: وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لولا أنها قالت {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} إذن لم تكن لها ذرية. اهـ.