فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (37):

قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر بدعائها أخبر بإجابتها فيه فقال: {فتقبلها} فجاء بصيغة التفعل مطابقة لقولها {فتقبل}، ففيه إشعار بتدرج وتطور وتكثر، كأنه يشعر بأنها مزيد لها في كل طور تتطور إليه، من حيث لم يكن فاقبل مني فلم تكن إجابته {فقبلها}، فيكون إعطاء واحدًا منقطعًا عن التواصل والتتابع، فلا تزال بركة تحريرها متجددًا لها في نفسها وعائدًا بركته على أمها حتى تترقى لى العلو المحمدي فيتكون في أزواجه ومن يتصل به- انتهى.
وجاء بالوصف المشعر بالإحسان مضافًا إليها إبلاغًا في المعنى فقال: {ربها} قال الحرالي: وظهر سر الإجابة في قوله سبحانه وتعالى: {بقبول حسن} حيث لم يكن بتقبل- جريًا على الأول.
ولما أنبأ القبول عن معنى ما أوليته باطنًا أنبأ الإنبات عما أوليته ظاهرًا في جسمانيتها، وفي ذكر الفعل من افعل في قوله: {وأنبتها} والاسم من فعل في قوله: {نباتًا حسنًا} إعلام بكمال الأمرين من إمدادها في النمو الذي هو غيب عن العيون وكمالها في ذاتية النبات الذي هو ظاهر للعين، فكمل في الإنباء والوقوع حسن التأثير وحسن الأثر، فأعرب عن إنباتها ونباتها معنى حسنًا- انتهى.
فوقع الجواب لأنها عناية من الله سبحانه وتعالى بها على ما وقع سؤالها فيه، فلقد ضل وافترى من قذفها وبهتها، وكفر وغلا من ادعى في ولدها من الإطراء ما ادعى.
وقال الحرالي: وقد أنبأ سبحانه وتعالى في هذه السورة الخاصة بقصة مريم عليها الصلاة والسلام من تقبلها وإنباتها وحسن سيرتها بما نفي اللبس في أمرها وأمر ولدها، لأن المخصوص بمنزل هذه السورة ما هو في بيان رفع اللبس الذي ضل به النصارى، فيذكر في كل سورة ما هو الأليق والأولى بمخصوص منزلها، فلذلك ينقص الخطاب في القصة الواحدة في سورة ما يستوفيه في سورة أخرى لاختلاف مخصوص منزلها، كذلك الحال في القصص المتكررة في القرآن من قصص الأنبياء وما ذكر فيه لمقصد الترغيب والتثبيت والتحذير وغير ذلك من وجوه التنبيه- انتهى، وفيه تصرف.
ولما كان الصغير لابد له فيما جرت به العادة من كبير يتولى أمره قال: {وكفلها} قال الحرالي: من الكفل وهو حياطة الشيء من جميع جهاته حتى يصير عليه كالفلك الدائر {زكريا} وفي قراءة التشديد إنباء بأن الله سبحانه وتعالى هو في الحقيقة كفيلها بما هو تقبلها، وفي استخلاص لزكريا من حيث جعله يد وكالة له فيها- انتهى.
ولما كان من شأن الكفيل القيام بما يعجز عنه المكفول بين سبحانه وتعالى أن تلك الكفالة إنما كانت جريًا على العوائد وأنه تبين أن تقبل الله لها أغناها عن سواه فقال في جواب من لعله يقول: ما فعل في كفالتها؟: {كلما} أي كان كلما {دخل عليها زكريا المحراب} أي موضع العبادة.
وقال الحرالي: هو صدر البيت ومقدمه الذي لا يكاد يوصل إليه إلا بفضل منه وقوة وجهد حرب {وجد عندها رزقًا} وذلك كما وجد عند خبيب بن عدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه قطف العنب- كما سيأتي في آخر المائدة، ومثل ذلك كثير في هذه الأمة، وفي هذه العبارة أي من أولها إلاحة لمعنى حسن كفالته وأنه كان يتفقدها عند تقدير حاجتها إلى الطعام بما تفيده كلمة {كلما} من التكرار، فيجد الكفيل الحق قد عاجلها برزق من غيب بما هو سبحانه وتعالى المتولي لإنباتها ليكون نباتها من غيب رزقه فتصلح لنفخ روحه ومستودع كلمته، ولا يلحقها بعد الإعاذة ما فيه مس من الشيطان الرجيم الذي أعاذها الله سبحانه وتعالى منه بكثرة الاختلاط في موجودات الأرزاق، فكان من حفظها أن تولى الله سبحانه وتعالى أرزاقها من غيب إلا ما يطيبه من باد، وليكون حسن نباتها من أحسن رزق الله سبحانه وتعالى كما يقال: من غذي بطعام قوم غذي بقلوبهم ومن غذي بقلوبهم آل إلى منقلبهم، وكانت هي مثل ما كفلها كافلها ظاهرًا كفلته باطنًا حين أبدى الله سبحانه وتعالى له من أمره ما لم يكن قبل بدًا له، فكان لمريم عليها الصلاة والسلام توطئة في رزقها لما يكون كماله في حملها فيكون رزقها بالكلمة ابتداء ليكون حملها بالكلمة، فعند ذلك طلب زكريا عليه السلام نحو ما عاين لها من أن يرزقه الولد في غير إبأنه كما رزق مريم الرزق في غير أوانه، وفي تعيين محلها بالمحراب ما يليح معنى ما ذكر من رجوليتها باطنًا من حيث إن محل النساء أن يتأخرن فأبدى الله سبحانه وتعالى في محلها ذكر المحراب إشارة بكمالها، والمحراب صدر البيت المتخذ للعبادة، ويف لزومها لمحرابها في وقت تناول الرزق إعلام بأن الحبيس والمعتكف بيته محرابه ومحرابه بيته، بخلاف من له متسع في الأرض ومحل من غير بيت الله، إنما المساجد بيوت أهل الله المنقطعين إليه، فهو محلهم في صلاتهم ومحلهم في تناول أرزاقهم، ففيه إشعار بحضورها، وحضور أهل العكوف حضور سواء في صلاتهم وطعامهم، ولذلك أنمى حال العبد عند ربه بما هو عليه في حال تناول طعامه وشرابه، فأهل الله سواء محياهم ومماتهم وأكلهم وصلاتهم، من غفل عند طعامه قلبه لم يستطع أن يحضر في صلاته قلبه، ومن حضر عند طعامه قلبه لم يغب في صلاته قلبه، وفي ذكر الرزق شائعًا إشعار بأنها أنواع من أرزاق من حيث أنه لو اختص يخص به ما هو أخص من هذا الاسم- انتهى.
ولما كان كأنه قيل: فما كان يقول لها إذا رأى ذلك؟ قيل: كان كلما وجد ذلك، أو: لما تكرر وجدانه لذلك {قال يا مريم أنّى} أي من أين {لك هذا} قال الحرالي: كلمة أنى تشعر باستغرابه وجود ذلك الرزق من وجوه مختلفة: من جهة الزمان أنه ليس زمانه، ومن جهة المكان أنه ليس مكانه، ومن جهة الكيف ووصوله إليها أنه ليس حاله، وفي ذكر الضمير في قوله: {قالت هو من عند الله} إيذان بنظرها إلى مجموع حقيقة ذلك الرزق لا إلى أعيانه، فهو إنباء عن رؤية قلب، لا عن نظر عين لأن هو كلمة إضمار جامعة لكل ما تفصلت صورة مما اتحد مضمره، ولما لم يكن من معهود ما أظهرته حكمته سبحانه مما يجريه على معالجات أيدي الخلق قالت {من عند الله} ذي الجلال والإكرام، لأن ما خرج من معهود معالجة الحكمة فهو من عنده، وما كان مستغربًا فيما هو من عنده فهو من لدنه، فهي ثلاث رتب: رتبة لدنية، ورتبة عندية، ورتبة حكمية عادية؛ فكان هذا وسط الثلاث- كما قال تعالى: {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنه علمًا} [الكهف: 65] حيث كان مستغربًا عند أهل الخصوص كما قال: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71] والأمر العجب، ولعلو رتبته عن الرتبة العادية جرى النبأ عنه مضافًا إلى الاسم العظيم الذي هو مسمى الأسماء كلها من حيث لم يكن {من عند ربي} لما في ذكر اسم الربوبية من إشعار بمادة أو قريب منها أو ما كان من نحوها كما قال: {هذا من فضل ربي} [النمل: 40] لما كان من عادته المكنة على الملوك، وكان ممكنًا فيما أحاط به موجود الأركان الأربعة- انتهى.
ولما أخبرت بخرقه سبحانه وتعالى لها العادة عللت ذلك بقولها مؤكدة تنبيهًا على أن ذلك ليس في قدرة ملوك الدنيا: {إن الله} أي الذي له الإحاطة الكلية.
قال الحرالي: في تجديد الاسم العظيم في النبأ إشعار باتساع النبأ وإيذان وإلاحة بأن ذلك يكون لك ولمن شاء الله كما هو لي بما شاء الله، من حيث لم يكن أنه فيكون مليحًا لاختصاص ما بها، ويؤيده عموم قولها: {يرزق من يشاء} وقولها: {بغير حساب} يشعر بأنه عطاء متصل، فلا يتحدد ولا يتعدد، فهو رزق لا متعقب عليه، لأن كل محسوب في الإبداء محاسب عليه في الإعادة، فكان في الرزق بغير حساب من علاج الحكمة بشرى برفع الحساب عنهم في المعاد وكفالة بالشكر عنه، لأن أعظم الشكر لرزق الله سبحانه وتعالى معرفة العبد بأنه من الله تعالى، إنما يشكر رزق الله من أخذه من الله سبحانه وتعالى- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنما قال: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} ولم يقل: فتقبلها ربها بتقبل لأن القبول والتقبل متقاربان قال تعالى: {والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] أي إنباتًا، والقبول مصدر قولهم: قبل فلان الشيء قبولًا إذا رضيه، قال سيبويه: خمسة مصادر جاءت على فعول: قبول وطهور ووضوء ووقود وولوغ، إلا أن الأكثر في الوقود إذا كان مصدرا الضم، وأجاز الفراء والزجاج: قبولًا بالضم، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي يقال: قبلته قبولًا وقبولا، وفي الآية وجه آخر وهو أن ما كان من باب التفعل فإنه يدل على شدة اعتناء ذلك الفاعل بإظهار ذلك الفعل كالتصبر والتجلد ونحوهما فإنهما يفيدان الجد في إظهار الصبر والجلادة، فكذا هاهنا التقبل يفيد المبالغة في إظهار القبول.
فإن قيل: فلم لم يقل: فتقبلها ربها بتقبل حسن حتى صارت المبالغة أكمل؟
والجواب: أن لفظ التقبل وإن أفاد ما ذكرنا إلا أنه يفيد نوع تكلف على خلاف الطبع، أما القبول فإنه يفيد معنى القبول على وفق الطبع فذكر التقبل ليفيد الجد والمبالغة، ثم ذكر القبول ليفيد أن ذلك ليس على خلاف الطبع، بل على وفق الطبع، وهذه الوجوه وإن كانت ممتنعة في حق الله تعالى، إلا أنها تدل من حيث الاستعارة على حصول العناية العظيمة في تربيتها، وهذا الوجه مناسب معقول. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا} الجمهور على {فَتَقَبَّلَهَا} فعلًا ماضيًا على تفعل بتشديد العينِ- و{رَبُّهَا} فاعل به، وتفعل يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون بمعنى المجرَّد- أي فقبلها- بمعنى رَضِيها مكان الذَّكر المنذورِ، ولم يقبل أنثى منذورة- قبل مريم- كذا ورد في التفسير، و- تفعل يأتي بمعنى فَعَل مُجَرَّدًا، نحو تعجب وعَجب من كذا، وتَبَرَّأ وبَرِئَ منه.
والثاني: أن تفعل بمعنى: استفعل، أي: فاستقبلها ربُّها، يقال: استقبلت الشيءَ أي: أخذته أول مرة.
والمعنى: أن اللهَ تولاَّها من أول أمرها وحين ولادتها.
ومنه قول الشاعر: [الوافر]
وَخَيْرُ الأمر مَا اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ ** وَلَيْسَ بِأنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعا

ومنه المثل: خذ الأمر بقوابله. وتفعل بمعنى استفعل كثير، نحو: تعظم، واستعظم، وتكبر، واستكبر، وتعجَّل واستعجل.
قال بعضُ العلماء: إن ما كان من باب التفعُّل، فإنه يدل على شدة اعتناء ذلك الفاعل بإظهار ذلك الفعل، كالتصبُّر والتجلُّد، ونحوهما، فإنهما يُفيد أن الجِدَّ في إظهار الصَبْرِ والجَلَدِ، فكذا هنا التقبل يفيد المبالغة في إظهار القبولِ.
والباء- في قوله: {بِقَبُولٍ}- فيها وجهانِ:
أحدهما: أنها زائدة، أي: قبولًا، وعلى هذا فينتصب قبولًا على المصدر الذي جاء على حذف الزوائد؛ إذْ لو جاء على تَقَبُّل لقيل: تَقَبُّلًا، نحو تَكَبَّرَ تَكَبُّرًا.
وَقَبُول: من المصادر التي جاءت على فَعُول- بفتح الفاء- قال سيبويه: خمسة مصادر جاءت على فَعُول قَبُول، وطَهُور، ووَقُود، ووَضُوء، وولُوع، إلا أن الأكثر في الوقود- إذا كان مصدرًا- الضَّمّ، يقال: قَبلتُ الشيءَ قَبُولًا، وأجاز الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ ضم القافِ من قَبُول وهو القياس، كالدخولِ والخروجِ، وحكاها ابنُ الأعرابي عن الأعراب: قبلت قَبُولًا- بفتح القافِ وضمها- سماعًا، وعلى وجهه قُبُول- لا غير- يعني لم يُقَل هنا إلا بالضم، وأنشدوا: [السريع].
قَدْ يُحْمَد الْمَرْءُ وَإنْ لَمْ يُبَلْ ** بالشّرِّ وَالْوَجْهُ عَلَيْهِ الْقُبُولْ

بضم القاف- كذا حكاه بعضهم.
قال الزَّجَّاجُ: إن قَبُولًا هذا ليس منصوبًا بهذا الْفِعْلِ حتى يكونَ مصدرًا على غير المصدر، بل هو منصوب بفعل موافقٍ له،- أي: مجردًا- قال: والتقدير: فتقبلها بتقبُّلٍ حَسَنٍ، وقَبِلَها قبولًا حَسَنًا، أي: رضيها، وفيه بُعَدٌ.
والوجه الثاني: أن الياء ليست بزائدة، بل هي على حالها، ويكون المرادُ بالقبول- هنا- اسمًا لما يقبل به الشيءُ، نحو اللدود، لما يُلَدُّ به. والمعنى بذلك اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكرِ في النذر. اهـ.

.قال الفخر:

ذكر المفسرون في تفسير ذلك القبول الحسن وجوهًا:
الوجه الأول: أنه تعالى عصمها وعصم ولدها عيسى عليه السلام من مس الشيطان روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إلا مريم وابنها» ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم {وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشيطان} طعن القاضي في هذا الخبر وقال: أنه خبر واحد على خلاف الدليل فوجب رده، وإنما قلنا: أنه على خلاف الدليل لوجوه:
أحدها: أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر والصبي ليس كذلك.
والثاني: أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وإفساد أحوالهم.
والثالث: لم خص بهذا الاستثناء مريم وعيسى عليهما السلام دون سائر الأنبياء عليهم السلام.
الرابع: أن ذلك النخس لو وجد بقي أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء، فلما لم يكن كذلك علمنا بطلانه، واعلم أن هذه الوجوه محتملة، وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر والله أعلم.
الوجه الثاني: في تفسير أن الله تعالى تقبلها بقبول حسن، ما روي أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون، وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، وقالت: خذوا هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم فقال لهم زكريا: أنا أحق بها عندي خالتها فقالوا لا حتى نقترع عليها، فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون الوحي بها على أن كل من ارتفع قلمه فهو الراجح، ثم ألقوا أقلامهم ثلاث مرات، ففي كل مرة كان يرتفع قلم زكريا فوق الماء وترسب أقلامهم فأخذها زكريا.
الوجه الثالث: روى القفال عن الحسن أنه قال: إن مريم تكلمت في صباها كما تكلم المسيح ولم تلتقم ثديًا قط، وإن رزقها كان يأتيها من الجنة.
الوجه الرابع: في تفسير القبول الحسن أن المعتاد في تلك الشريعة أن التحرير لا يجوز إلا في حق الغلام حين يصير عاقلًا قادرًا على خدمة المسجد، وهاهنا لما علم الله تعالى تضرع تلك المرأة قبل تلك الجارية حال صغرها وعدم قدرتها على خدمة المسجد، فهذا كله هو الوجوه المذكورة في تفسير القبول الحسن. اهـ.