فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ترك النكاح أفضل وذلك لأنه تعالى مدحه بترك النكاح، وذلك يدل على أن ترك النكاح أفضل في تلك الشريعة، وإذا ثبت أن الترك في تلك الشريعة أفضل، وجب أن يكون الأمر كذلك في هذه الشريعة بالنص والمعقول، أما النص فقوله تعالى: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وأما المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان والنسخ على خلاف الأصل. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَنَبِيًّا}:

قال الفخر:
اعلم أن السيادة إشارة إلى أمرين:
أحدهما: قدرته على ضبط مصالح الخلق فيما يرجع إلى تعليم الدين.
والثاني: ضبط مصالحهم فيما يرجع إلى التأديب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما الحصور فهو إشارة إلى الزهد التام فلما اجتمعا حصلت النبوة بعد ذلك، لأنه ليس بعدهما إلا النبوة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله: {مّنَ الصالحين}:

.قال الفخر:

فيه ثلاثة أوجه:
الأول: معناه أنه من أولاد الصالحين.
والثاني: أنه خير كما يقال في الرجل الخير (أنه من الصالحين).
والثالث: أن صلاحه كان أتم من صلاح سائر الأنبياء، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «ما من نبي إلا وقد عصى، أو هم بمعصية غير يحيى فإنه لم يعص ولم يهم».
فإن قيل: لما كان منصب النبوة أعلى من منصب الصلاح فلما وصفه بالنبوة فما الفائدة في وصفه بعد ذلك بالصلاح؟
قلنا: أليس أن سليمان عليه السلام بعد حصول النبوة قال: {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ في عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] وتحقيق القول فيه: أن للأنبياء قدرًا من الصلاح لو انتقص لانتفت النبوة، فذلك القدر بالنسبة إليهم يجري مجرى حفظ الواجبات بالنسبة إلينا، ثم بعد اشتراكهم في ذلك القدر تتفاوت درجاتهم في الزيادة على ذلك القدر، وكل من كان أكثر نصيبًا منه كان أعلى قدرًا والله أعلم. اهـ.

.قال في روح البيان:

والصلاح صفة تنتظم الخير كله والمراد به هنا ما فوق الصلاح الذي لابد منه في منصب النبوة ألبتة من أقاصى مراتبه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله جلّ ذكره: {فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى في المِحْرَابِ}.
لما سأل السؤال، ولازم البال أَتَتْهُ الإجابةُ.
وفيه إشارة إلى أن من له إلى الملوك حاجة فعليه بملازمة الباب إلى وقت الإجابة.
ويقال حكم الله سبحانه أنه إنما يقبل بالإجابة على من هو مُعَانِقٌ لخدمته، فأمَّا مَنْ أعرض عن الطاعة ألقاه في ذُلِّ الوحشة.
قوله جلّ ذكره: {أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
قيل سمَّاه يحيى لحياة قلبه بالله، ولسان التفسير أنه حي به عقر أمه.
ويقال أنه سبب حياة من آمن به بقلبه.
قوله: {مصدقًا بكلمة من الله}: أن تصديقه بكلمة الله فيما تعبده به أو هو مكوَّن بكلمة الله.
وقوله: {وَسَيِّدًا}: السيدُ من ليس في رق مخلوق، تحرَّر عن أسر هواه وعن كل مخلوق، ويقال السيد من تحقق بعلويته سبحانه، ويقال السيد من فاق أهل عصره، وكذلك كان يحيى عليه السلام.
ويقال سيد لأنه لم يطلب لنفسه مقامًا، ولا شَاهَدَ لنفسه قَدْرًا. ولما أخلص في تواضعه لله بكل وجهٍ رقَّاه على الجملة وجعله سيدًا للجميع.
وقوله: {وَحَصُورًا} أي مُعْتَقًا من الشهوات، مكفيًا أحكام البشرية مع كونه من جملة البشر. ويقال متوقيًا عن المطالبات، مانعًا نفسه عن ذلك تعززًا وتقربًا، وقيل منعته استئصالات بواده الحقائق عليه فلم يبق فيه فَضْلٌ لحظِّ.
{وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} أي مستحقًا لبلوغ رتبتهم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}.
هل كل الملائكة اجتمعوا أو نادوا زكريا؟ لا، لأن جبريل عليه السلام الذي ناداه. ولماذا جاء القول الحق هنا بأن الملائكة هي التي نادته؟ لقد جاء هذا القول الحق لنفطن إلى شيء هو، أن الصوت في الحدث- كالإنسان- له جهة يأتي منها، أما الصوت القادم من الملأ الأعلى فلا يعرف الإنسان من أين يأتيه، إن الإنسان يسمعه وكأنه يأتي من كل الجهات، وكأن هناك ملكا في كل مكان.
والعصر الحديث الذي نعيشه قد ارتقى في الصوتيات ووصل لدرجة أن الإنسان أصبح قادرا على جعل المؤثر الصوتي يحيط بالإنسان من جهات متعددة، إذن فقوله الحق: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} فهذا يعني أن الصوت قد جاء لزكريا من جميع الجهات.
{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].
لقد نادته الملائكة في أورع لقاءاته مع ربه، أو هو حينما دعا أخذ ما علمه الله للأنبياء إذا حزبهم أمر قاموا إلى الصلاة. أليس طلبه من الله؟ إذن فليقف بين يدي الله. وليجربها كل واحد منا عندما يصعب عليك أي شيء، وتتأزم الأمور، وتمتنع الأسباب، فليقم ويتوضأ وضوءا جديدا ويبدأه بالنية حتى ولو كان متوضئا. وليقف بين يدي الله، وليقل- أنه أمر يارب عزّ عليّ في أسبابك، وليصل بخشوع، وأنا أجزم بأن الإنسان ما إن يسلم من هذه الصلاة إلاّ ويكون الفرج قد جاء. ألم نتلق عن رسول الله هذا السلوك البديع؟ أنه كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة؟
ومعنى حزبه أمر، أي أن أسبابه ضاقت، لذلك يذهب إلى الصلاة لخالق الأسباب، إنها ذهاب إلى المسبب. وبدلا من أن تلف وتدور حول نفسك، اذهب إلى الله من أقصر الطرق وهو الصلاة، لماذا تتعب نفسك أيها العبد ولك رب حكيم؟ وقديما قلنا: إن من له أب لا يحمل هما، والذي له رب أليس أولى بالإطمئنان؟
إن زكريا قد دعا الله في الأمر الذي حزبه، وبمجرد أن دعا في الأمر الذي حزبه، قام إلى الصلاة، فنادته الملائكة، وهو قائم يصلي، إن الملائكة لم تنتظر إلى أن ينتهي من صلاته، {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ}.
والبشارة هي إخبار بخير زمنه لم يأت، فإذا كانت البشارة بخير زمنه لم يأت فلنر من الذي يخبر بالبشارة؟ أمن يقدر على إيجاده أم من لا يقدر؟ فإذا كان الله هو الذي يبشر، فهو الذي يقدر، لذلك فالمبشر به قادم لا محالة، {أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} لقد قال له الله: سأعطيك. وزيادة على العطاء سماه الله بـ {يَحْيَى} وفوق كل ذلك: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله}.
ولننظر إلى دقة الحق حين يقول: {بِيَحْيَى مُصَدِّقًا}. هذا دليل على أنه سيعيش بمنهج الله وما يعرفه من الطاعات سيسير في هذا الطريق وهو مصدق، وهو سيأتي بكلمة من الله، أو هو يأتي ليصدق بكلمة من الله، لأن سيدنا يحيى هو أول من آمن برسالة عيسى عليه السلام. وهو موصوف بالقول الحق: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}. أي ممنوعا عن كل ما حُرم عليه، أو ممنوعا عن قمة الغرائز وهي الشهوة، وهو نبيّ، أي قدوة في اتباع الرسول الذي يجيء في عصره، لقد دعا زكريا، وقام ليصلي، وتلقى البشارة بيحيى، وهنا ارتجت الأمور على بشرية زكريا، ويصوره الحق بقوله: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (40):

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان مطلوبه ولدًا يقوم مقامه فيما هو فيه من النبوة التي لا يطيقها إلا الذكور الأقويا الكلمة، وكانت العادة قاضية بأن ولد الشيخ يكون ضعيفًا لاسيما إن كان حرثه مع الطعن في السن في أصله غير قابل للزرع أحب أن يصرح له بمطلوبه فقال: {أنّى} أي كيف ومن أين {يكون لي} وعبر بما تدور مادته على الغلبة والقوة زيادة في الكشف فقال: {غلام} وفي تعبيره به في سياق الحصور دليل على أنه في غاية ما يكون من صحة الجسم وقوته اللازم منه شدة الداعية إلى النكاح، وهو مع ذلك يمنع نفسه منه منعًا زائدًا على الحد، لما عنده من غلبة لاشهود اللازم منه الإقبال على العبادة بكليته والإعراض عن كل ما يشغل عنها جملة لاسيما النكاح، بحيث يظن أنه لا إرب له فيه، وهذا الموافق للتعبير الأول للحصور في القاموس، وهو الذي ينبغي ألا يعرج على غيره لأنه بناء مبالغة من متعد، ولأنه أمدح له صلى الله عليه وسلم، ومهما دار الشيء على صفة الكمال في الأنبياء عليهم السلام وجب أن لا يعدل عنه، وما ورد- كما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة مريم عليها السلام- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذكره مثل هذه القذاة» فقد ضعفوه، وعلى تقدير صحته فيكون ذلك إخبارًا عن أنه لما أعرض عنه رأسًا ضعف ما معه لذلك، فهو إخبار عن آخر أمره الذي أدت إليه عزيمته، والآية مشيرة إلى ما اقتضته خلقته وغريزته وإن كان الجمع لكمال الوجود الإنساني بالنكاح أكمل كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم ويقع لعيسى عليه السلام بعد نزوله {وقد} أي والحال أنه قد {بلغني الكبر} إلى حد لا يولد فيه عادة {وامرأتى عاقر} قال الحرالي: من العقر وهو البلوغ إلى حد انقطاع النسل هرمًا- انتهى؛ كذا قال، وآية سورة مريم تدل على أن المعنى أنها لم تزل عقيمًا، وعليه يدل كلام أهل اللغة، قال في القاموس في الراء: العقرة وتضم: العقم، وقد عُقرت كعُنى فهي عاقر، ورجل عاقر وعقير: لا يولد له ولد، والعُقَرة كهمزة: خرزة تحملها المرأة لئلا تلد، وقال في الميم: العقم بالضم: هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد، عقمت كفرح ونصر وكرم وعُنى، ورحم عقيم وامرأة عقيم ورجل عقيم: لا يولد له، وقال الإمامان أبو عبد الله القزاز في ديوانه وعبد الحق في واعيه: والعقر بضم العين وسكون القاف مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر، يقال: الإمام أبو غالب ابن التياني في كتابه الموعب صاحب تلقيح العين: العقر مصدر العاقر من النساء وهي التي لا تحمل من غير داء ولا كبر، لكن خلقة، ثم قال وتعقرت: إذا ولدت ثم أمسكت- والله الموفق.
ثم وصل به قوله: {قال كذلك} أي مثل هذا الفعل الجليل البعيد الرتبة.
ولما كان استنباؤه عن القوة والكمال لا عن الخلق عبر سبحانه في تعليل ذلك بالفعل بخلاف ما يأتي في قصة مريم عليها السلام فقال: {الله يفعل ما يشاء}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قيل: الرب هنا جبريل، أي قال لجبريل: ربَّ أي يا سيدي أنَّي يكون لي غلام؟ يعني ولدا؛ وهذا قول الكلبي.
وقال بعضهم: قوله: {رب} يعني الله تعالى. اهـ.

.قال الماوردي:

فإن قيل: فَلِمَ راجع بهذا القول بعد أن بُشَّرَ بالولد، ففيه جوابان:
أحدهما: أنه راجع ليعلم على أي حال يكون منه الولد، بأن يُرّدّ هو وامرأته إلى حال الشباب، أم على حال الكبر، فقيل له: كذلك الله يفعل ما يشاء، أي على هذه الحال، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنه قال ذلك استعظامًا لمقدور الله وتعجبًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر}:

.قال الفخر:

قال أهل المعاني: كل شيء صادفته وبلغته فقد صادفك وبلغك، وكلما جاز أن يقول: بلغت الكبر جاز أن يقول بلغني الكبر يدل عليه قول العرب: لقيت الحائط، وتلقاني الحائط.
فإن قيل: يجوز بلغني البلد في موضع بلغت البلد، قلنا: هذا لا يجوز، والفرق بين الموضعين أن الكبر كالشيء الطالب للإنسان فهو يأتيه بحدوثه فيه، والإنسان أيضا يأتيه بمرور السنين عليه، أما البلد فليس كالطالب للإنسان الذاهب، فظهر الفرق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي سنة يومئذ ستة أقوال:
أحدها: أنه كان ابن مائة وعشرين سنة، امرأته بنت ثمان وتسعين سنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه كان ابن بضع وسبعين سنة، قاله قتادة.
والثالث: ابن خمس وسبعين، قاله مقاتل.
والرابع: ابن سبعين.
حكاه فضيل بن غزوان.
والخامس: ابن خمس وستين.
والسادس: ابن ستين، حكاهما الزجاج. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وامرأتى عَاقِرٌ}:

.قال الفخر:

اعلم أن العاقر من النساء التي لا تلد، يقال: عقر يعقر عقرًا، ويقال أيضا عقر الرجل، وعقر بالحركات الثلاثة في القاف إذا لم يحمل له، ورمل عاقر: لا ينبت شيئًا، واعلم أن زكريا عليه السلام ذكر كبر نفسه مع كون زوجته عاقرًا لتأكيد حال الاستبعاد. اهـ.