فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {كَثِيرًا} نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير ذلك المصدر، أو نعت لزمان محذوف تقديره: ذِكْرًا كثيرًا، أو زمانًا كثيرًا، والباء في قوله: {بِالْعَشِيِّ} بمعنى في أي: في العشي والإبكار.
والعشي: يقال من وقت زوال الشمس إلى مَغيبها، كذا قال الزمخشريُّ.
وقال الراغب: العشيُّ من زوال الشمسِ إلى الصباحِ. والأول هو المعروف.
قال الشاعر: [الطويل]
فَلاَ الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ ** وَلاَ الْفَيْءُ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ

وقال الواحديُّ: العَشِيّ: جمع عشية، وهي آخر النهارِ.
والعامة قرءوا: {والإبْكَارِ} بكسر الهمزة، وهو مصدر أبكر يُبْكِر إبكارًا- أي: خرج بُكْرَةً، ومثله: بَكَرَ- بالتخفيف- وابتكر.
قال عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]
أمِنْ آلِ نُعْمٍ أنْتَ غَادٍ فَمُبْكر

وقال: [الخفيف]
أيُّهَا الرَّائِحُ المُجِدُّ ابْتِكَارًا

وقال أيضا: [الطويل]
بَكَرْنَ بُكُورًا وَاسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ ** فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ

وقرئ شاذًا {والأبْكَار}- بفتح الهمزة- وهو جمع بَكَرَ- بفتح الفاء والعين- ومتى أريد به هذا الوقت من يوم بعينه امتنع من الصرف والتصرُّف، فلا يُستعمَل غيرَ ظرف، تقول: أتيتك يوم الجمعة بَكَر. وسبب مَنْع صَرْفه التعريفُ والعدل عن أل.
فلو أرِيدَ به وقت مُبْهَم انصرف نحو أتيتك بكرًا من الأبكار ونظيره سحر وأسْحار- في جميع ما تقدم.
وهذه القراءة تناسب قوله: {بالعشي} عند من يجعلها جمع عَشِيَّة؛ ليتقابل الجَمْعَان.
ووقت الإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
وقال الراغب: أصل الكلمة هي البكرة- أول النهار- فاشتقَّ من لفظه لفظُ الفعل، فقيل: بكر فلان بُكُورًا- إذا خرج بُكْرَةً. والبَكور: المبالغ في البكور، وبَكَّر في حاجته، وابتكر وبَاكَر. وتصور فيها معنى التعجيل؛ لتقدُّمِها على سائر أوقاتِ النهار فقيل لكل مُتَعَجِّل: بَكَّر.
وظاهر هذه العبارة أن البَكَر مختص بطلوع الشمس إلى الضُّحَى، فإن أريد به من أول طلوع الفجر إلى الضحى فإنه على خلاف الأصلِ.
وقد صرح الواحديُّ بذلك، فقال: هذا معنى الإبكارِ، ثم يُسَمَّى ما بين طلوعِ الفجر إلى الضُّحَى إبكارًا كما يسمى إصْبَاحًا. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إن لله تعالى في كل ذرة من ذرات الموجودات وحركة من حركاتها أسرارًا لا يعلمها إلا الله.
فانظر ماذا أخرج الله من الأسرار عن إطعام طائر فرخه، وماذا أظهر من الآيات والمعجزات من تلك الساعة إلى يوم القيامة بواسطة مريم وعيسى {فتقبل مني} راجع إلى المحرر لا إلى التحرير أي تقبلها مني أن تتكفلها وتربيها تربية المحررين {فتقبلها ربها} أي تقبلها ربها أن يربيها {بقبول حسن} كقبول ذكر أو قبولًا أخرج منها مثل عيسى {وكفلها زكريا} من كمال رأفته أنه جعل كفالتها إلى زكريا حيث أراد أن يخرج عيسى منها بلا أب لئلا يدخل عليها غيره فتكون أبعد من التهمة.
{وجد عندها رزقًا} أي من فتوحات الغيب الذي يطعم الله به خواص عباده الذين يبيتون عنده لا عند أنفسهم ولا عند الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} ما لم يكن في حسابها من الولد بلا أب، ومن الفاكهة بلا شجرة، ومن المعجزات بلا نبوة، ومن العلوم اللدنية بلا واسطة {هنالك دعا زكريا ربه} كما أنه تعالى جعل إطعام الطائر فرخه سبب تحريك قلب حنة لطلب الولد، فكذلك جعل حالة مريم وما كان يأتيها من الرزق خارقًا للعادة سبب تحريك قلب زكريا {قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة} أي ولدًا يكون روحه من الصف الأول من صفوف الأرواح المجندة، وهو المطهر من لوث الحجاب والوسط الصالح للنبوة والولاية بخلاف الصف الثاني الذي هو لأرواح الأولياء وبينه وبين الله تعالى حجاب الصف الأول، وبخلاف الصف الثالث الذي هو لأرواح المؤمنين، وبخلاف الصف الرابع الذي هو لأرواح المنافقين والمشركين {فنادته الملائكة وهو قائم} بالله {يصلي} بسائر سره في الملكوت يحارب نفسه وهواه {في المحراب إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى} لأنه منذ خلق ما ابتلى بالموت لا بموت القلب بالمعاصي ولا بموت الصورة لأنه استشهد والشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون.
{مصدقًا بكلمة من الله} وهي قوله: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} [مريم: 12] {وسيدًا} أي حرًا من رق الكونين بل سيدًا لرقيقي الكونين {وحصورًا} نفسه عن التعليق بالكونين {ونبيًا من الصالحين} من أهل الصف الأول {رب أنى يكون لي غلام} لم يكن استبعاده من قبل القدرة الإلهية ولكن من جهة استحقاقه لهذه الكرامة {آيتك ألا تكلم الناس} لغلبات الصفات الروحانية عليك واستيلاء سلطان الحقيقة على قلبك، فإن النفس الناطقة تكون مغلوبة في تلك الحالة بشواهد الحق في الغيب، فلا تفرغ لإجراء عادتها في الشهادة بالكلام {إلا رمزًا} ولهذا يقوى الروح الحيواني وتستمد منه القوة البشرية فيحيى الله تعالى به الشهوة الميتة فسمى ما تولد من الشهوة الميتة التي أحياها الله يحيى. ولاستمرار هذه الحالة في الأيام الثلاثة أمر بالمراقبة ليلًا ونهارًا وعشيًا وإبكارًا حسبي الله. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أنك سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال: إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولدًا فذلك حين دعا ربه.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال: لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها: أنى لك هذا في غيره حينه؟ فقالت: هذا رزق من عند الله يأتي به الله {أن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فطمع زكريا في الولد فقال: أن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي، ويهب لي منها ولدًا، فعند ذلك {دعا زكريا ربه} وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم. قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال: يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك يعني من عندك ذرية طيبة يعني تقيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ذرية طيبة} يقول: مباركة.
{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {فنادته الملائكة} قال: جبريل.
وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال: في قراءة ابن مسعود {فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب}.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: ذكروا الملائكة ثم تلا {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} [النجم: 27] وكان يقرأها {فناداه الملائكة}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فنادته الملائكة} بالتاء.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم قال: كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ {فنادته الملائكة} بالتاء {أن الله} بنصب الألف {يبشرك} مثقلة.
قوله تعالى: {وهو قائم يصلي}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت قال: الصلاة خدمة الله في الأرض، ولو علم الله شيئًا أفضل من الصلاة ما قال: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي}.
قوله تعالى: {في المحراب}.
أخرج ابن المنذر عن السدي. المحراب المصلى.
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا هذه المذابح». يعني المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: اتقوا هذه المحاريب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد. يعني الطاقات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر قال: أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي. أنه كره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم. أنه كان يكره الصلاة في الطاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد. أنه يكره المذابح في المساجد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب. أنه كره المذابح في المسجد.
وأخرج ابن جرير عن معاذ الكوفي قال: من قرأ {يبشر} مثقلة فإنه من البشارة، ومن قرأ {يبشر} مخففة بنصب الباء فإنه من السرور.
وأخرج ابي جرير وابن المنذر عن قتادة قال: أن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {أن الله يبشرك بيحيى} قال: إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان.
وأخرج ابن عدي والدارقطني في الافراد والبيهقي وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعًا: «خلق الله فرعون في بطن أمه كافرًا، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنًا».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {مصدقًا بكلمة من الله} قال: عيسى ابن مريم، والكلمة يعني تكوّن بكلمة من الله.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد قال: قالت امرأة زكريا لمريم: إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك، فوضعت امرأة زكريا يحيى عليه السلام، ومريم عيسى عليه السلام. وذلك قوله: {مصدقًا بكلمة من الله} قال: يحيى مصدق بعيسى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله: {مصدقًا بكلمة من الله} قال: كان يحيى أول من صدق بعيسى، وشهد أنه كلمة من الله. قال: وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {مصدقًا بكلمة من الله} يقول: مصدق بعيسى، وعلى سنته ومنهاجه.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس {مصدقًا بكلمة من الله} قال: كان عيسى ويحيى ابني خالة، وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى، وكلمة عيسى. ويحيى أكبر من عيسى.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لقيت أم يحيى أم عيسى وهذه حامل بيحيى، وهذه حامل بعيسى فقالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك. فذلك قوله تعالى: {مصدقًا بكلمة من الله}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وسيدًا} قال: حليمًا تقيًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: السيد الكريم على الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير عن عكرمة قال: السيد الذي لا يغلبه الغضب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: السيد الفقيه العالم.
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال: السيد الحسن الخلق {والحصور} الذي حصر عن النساء.
وأخرج أحمد في البيهقي في سننه عن مجاهد قال: (الحصور) الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: نادى منادٍ من السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء، وأن جورجيس سيد الشهداء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: السيد الحليم، والحصور الذي لا يأتي النساء.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {وسيدًا وحصورًا} قال: السيد الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحصور الذي لا ينزل الماء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: الحصور الذي لا يقرب النساء. ولفظ ابن المنذر: العنين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يلقى الله إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا، فإن الله يقول: {وسيدًا وحصورًا} قال: وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب، وأشار بأنملته».
وخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو. موقوفًا وهو أقوى إسنادًا من المرفوع.