فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لماذا؟ لأن كل إنسان يعلم جزئية من أحداثه الحياتية الخاصة، يكون هذا العلم خاصا به، وكل إنسان- مثلا- يأكل طعامه بألوان مختلفة يعرفها هو، ولا يعرفها الآخرون. إن الأمر الأول كخلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، هي أمور عامة للكل. أما الإنباء بألوان الطعام التي يأكلها كل إنسان فهي خاصية أحداث، لأن كل واحد يأكل أكلا معينا فيقول له عيسى ابن مريم ماذا أكل. وليس من المعقول أن يكون عيسى ابن مريم قد دخل كل بيت أو جاءت له أخبار عن كل بيت.
وكذلك أمر الادخار. وذلك حتى تنتفي شبهة أنه كان يشم رائحة الإنسان فيعرف لون الطعام الذي يأكله، لذلك كان الأخبار بما يدخر كل واحد في بيته، فهذه مسألة توضح بالجلاء التام أنها آية من إخبار من يعلم مغيبات الأمور.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49].
إن هذه آية عجيبة تثبت أن هناك قوة أعلى قاهرة هي قوة الله الحق هي التي تعطيه هذه الأشياء، فإن كنتم مؤمنين بوجود قوة أعلى فعليكم تصديق الرسالة التي جاء بها عيسى ابن مريم، لأن معنى (رسول) أنه مخلوق اصطفاه الله وأرسله سبحانه إلى الأدنى منه، فالذي يؤمن الآية هو الذي يؤمن بوجود إله أعلى قادر ومن يريد أن يتثب- مع إيمانه بالله- من الآية التي بعثها الله مع عيسى ابن مريم، فالآية واضحة. بالله فلن تفيده الآية في الإيمان. ويقول الحق متابعا على لسان عيسى ابن مريم: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}.
أخرج ابن جرير عن ابن إسحق أن عيسى جلس يومًا مع غلمان من الكتاب، فأخذ طينًا ثم قال: أجعل لكم من هذا الطين طائرًا؟ قالوا: أو تستطيع ذلك؟ قال: نعم. بإذن ربي. ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ثم قال: كن طائرًا باذن الله فخرج يطير من بين كفيه، وخرج الغلمان بذلك من أمره، فذكروه فأفشوه في الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج، أن عيسى قال: أي الطير أشد خلقًا؟ قال: الخفاش إنما هو لحم ففعل.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: إنما خلق عيسى طيرًا واحدًا. وهو الخفاش.
قوله تعالى: {وأبرئ الأكمه والأبرص}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس {الأكمه} الذي يولد وهو أعمى.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال: {الأكمه} الأعمى الممسوح العين.
وأخرج أبو عبيد والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال: {الأكمه} الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن عكرمة قال: {الأكمه} الأعمش.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى، والزمنى، والعميان، والمجانين، وغيرهم. اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك، أنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك، قدرتك في السماء كقدرتك في الأرض، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء، أسألك باسمك الكريم، ووجهك المنير، وملكك القديم، أنك على كل شيء قدير. قال وهب: هذا للفزع والمجنون يقرأ عليه، ويكتب له، ويسقى ماؤه إن شاء الله تعالى.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن وهب قال: لما صار عيسى ابن اثنتي عشر سنة اوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر- وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر- أن اطلعي به إلى الشام ففعلت، فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، وكانت نبوّته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه. وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفًا. من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق ذلك منهم أتاه فمشى إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله تعالى.
قوله تعالى: {وأحيي الموتى بإذن الله}.
أخرج البيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن رجل، أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الركعة الأولى {تبارك الذي بيده الملك} [الملك: 1] وفي الثانية {تنزيل الكتاب} [السجدة: 2] فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء. يا قديم، يا حي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد. قال البهقي: ليس هذا بالقوي. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل بلفظه، وزاد في آخره وكانت إذا أصابته شدة دعا بسبعة أسماء أخرى. يا حي، يا قيوم، يا الله، يا رحمن، يا ذا الجلال والإكرام، يا نور السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، يا رب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن معاوية بن قرة قال: سألت بنو إسرائيل عيسى فقالوا: إن سام بن نوح دفن هاهنا قريبًا فادع الله أن يبعثه لنا. فهتف فخرج أشمط. قالوا: أنه قد مات وهو شاب فما هذا البياض؟ قال: ظننت أنها الصيحة ففزعت.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: كانت اليهود يجتمعون إلى عيسى ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة، وما ادخر في بيته لغد. فيخبرهم فيسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم، وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض، فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها...؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها. فصلى عيسى ركعتين ثم نادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر، ثم نادى الثانية فانصدع القبر، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الآخرة، وأن يهوّن علي كرب الموت. فدعا ربه، فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبًا، وكان ملك منهم في ناحية في مدينة لها نصيبين جبارًا عاتيًا، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة، فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون فقال لأصحابه: ألا رجل منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول: إن عيسى عبد الله ورسوله. فقام رجل من الحواريين يقال له يعقوب فقال: أنا يا روح الله. قال: فاذهب فأنت أول من يتبرأ مني، فقام آخر يقول له توصار وقال له: أنا معه قال: وأنت معه ومشيا، فقام شمعون فقال: يا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أن أنال منك أن اضطررت إلى ذلك؟ قال: نعم.
فانطلقوا حتى إذا كانوا قريبًا من المدينة قال لهما شمعون: ادخلا المدينة فبَلَّغا ما أُمِرْتُمَا، وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما أقبلت لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى، وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه. فنادى أحدهما وهو الأول: ألا أن عيسى عبدالله ورسوله، فوثبوا إليهما من القائل أنْ عيسى عبدالله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال: ما قلت شيئًا فقال الآخر: قد قلت وأنا أقول: إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيرًا لكم، فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جبارًا طاغيًا فقال له: ويلك ما تقول؟! قال: أقول: إن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. قال: كذبت. فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له: تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا. قال: لا أفعل. قال: إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك، وسمرت عينيك. فقال: افعل بنا ما أنت فاعل. ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم.
ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم: ما بال هذا المسكين؟ قالوا: يزعم أن عيسى عبدالله ورسوله فقال شمعون: أيها الملك أتأذن لي فادنو منه فاسأله؟ قال: نعم. قال له شمعون: أيها المبتلى ما تقول؟ قال: أقول ان عيسى عبدالله ورسوله. قال: فما آية تعرفه؟ قال: {يبرئ الأكمه والأبرص} والسقيم. قال: هذا يفعله الأطباء فهل غيره؟ قال: نعم {يخبركم بما تأكلون وما تدخرون} قال: هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا؟ قال: نعم {يخلق من الطين كهيئة الطير} قال: هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم. فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله. قال: هل غير هذا؟ قال: نعم.
{يحيي الموتى}.
قال: أيها الملك أنه ذكر أمرًا عظيمًا وما أظن خلقًا يقدر على ذلك إلا بإذن الله، ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب، فإن لم يكن عيسى رسولًا فلا يقدر على ذلك، وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه {أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن.
وأخرج ابن جرير عن السدي وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض، فنزلوا في قرية على رجل، فأضافهم وأحسن إليهم، وكان لتلك المدينة ملك جبار، فجاء ذلك الرجل يومًا حزينًا، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها: ما شأن زوجك أراه حزينًا؟ قالت: إن لنا ملكًا يجعل على كل رجل منا يومًا يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر، فإن لم تفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت: قولي له فلا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك.
قالت مريم لعيسى في ذلك. فقال عيسى: يا أماه إني إنْ فعلت كان في ذلك شر قالت: لا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا. قال عيسى: قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء. فملأهن فدعا الله تعالى، فتحوّل ما في القدور لحمًا، ومرقًا، وخبزًا، وما في الخوابي خمرًا لم ير الناس مثله قط. فلما جاءه الملك أكل منه، فلما شرب الخمر قال: من أين لك هذا الخمر؟! قال: هو من أرض كذا وكذا... قال الملك: فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا! قال: هو من أرض أخرى. فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال: إني أخبرك... عندي غلام لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمرًا فقال له الملك: وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل بأيام، وكان أحب الخلق إليه فقال: إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمرًا ليستجابن له يحيي ابني.
فدعا عيسى فكلمه وسأله ان يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى: لا تفعل فإنه ان عاش كان شرًا قال الملك: لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام: فإني حييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء؟ فقال الملك: نعم. فدعا الله فعاش الغلام. فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه. فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي، وكان مع اليهودي رغيفان، ومع عيسى رغيف. فقال له عيسى: تشاركني؟ فقال اليهودي: نعم. فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف. فيأكل لقمة فيقول له عيسى: ما تصنع؟ فيقول له: لا شيء... حتى فرغ من الرغيف.
فلما أصبحا قال له عيسى: هلم بطعامك، فجاء برغيف فقال له عيسى: أين الرغيف الآخر؟ قال: ما كان معي إلا واحد. فسكت عنه وانطلقوا، فمروا براعي غنم فنادى عيسى: يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك. قال: نعم. فأعطاه شاة فذبحها وشواها، ثم قال لليهودي: كل ولا تكسر عظمًا. فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال: قومي بإذن الله. فقامت الشاة تثغو فقال: يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي: من أنت؟! قال: أنا عيسى ابن مريم قال: أنت الساحر؟ وفر منه.
قال عيسى لليهودي: بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو- كم رغيف كان معك- فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد.
فمر بصاحب بقر فقال: يا صاحب البقر أجزرنا من بقرك هذه عجلًا. فأعطاه فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر فقال له عيسى: كل ولا تكسر عظمًا. فلما فرغوا قذف العظام في الجلد، ثم ضربه بعصاه وقال: قم بإذن الله تعالى، فقام له خوار فقال: يا صاحب البقر خذ عجلك. قال: من أنت؟ قال: أنا عيسى قال: أنت عيسى الساحر؟ ثم فر منه.
قال عيسى لليهودي: بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها، والعجل بعدما أكلناه كم رغيفًا كان معك؟ فحلف بذلك ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا حتى نزلا قرية، فنزل اليهودي في أعلاها، وعيسى في أسفلها، وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال: أنا اليوم أحيي الموتى. وكان ملك تلك القرية مريضًا شديد المرض. فانطلق اليهودي ينادي: من يبغي طبيبًا؟ فأُخْبِرَ بالملك وبوجعه فقال: ادخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه فقيل له: إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك! قال: ادخلوني عليه، فأُدْخِلَ عليه، فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات، فجعل يضربه وهو ميت ويقول: قم بإذن الله تعالى. فأخذوه ليصلبوه، فبلغ عيسى فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة فقال: أرأيتم أن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي؟ فقالوا: نعم. فأحيا عيسى الملك فقام. وأنزل اليهودي فقال: يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة والله لا أفارقك أبدًا.
قال عيسى أنشدك بالذي أحيا الشاة والعجل بعدما أكلناهما، وأحيا هذا بعد ما مات، وأنزلك من الجذع بعد رفعك عليه لتصلب. كم رغيفًا كان معك؟ فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا فمرا بثلاث لبنات، فدعا الله عيسى فصيرهن من ذهب قال: يا يهودي لبنة لي، ولبنة لك، ولبنة لمن أكل الرغيف. قال: أنا أكلت الرغيف.
وأخرج ابن عساكر عن ليث قال: صحب رجل عيسى ابن مريم، فانطلقا فانتهينا إلى شاطئ نهر، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة، فأكلا رغيفين وبقي رغيف. فقام عيسى إلى النهر يشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف. فقال للرجل: من أكل الرغيف؟ قال: لا أدري! فانطلق معه فرأى ظبية معها خشفان، فدعا أحدهما، فأتاه فذبحه وشواه وأكلا ثم قال للخشف: ثم بإذن الله فقال للرجل: أسألك بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف؟ قال: لا أدري! ثم انتهيا إلى البحر، فأخذ عيسى بيد الرجل، فمشى على الماء ثم قال: أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ فقال: لا أدري.
ثم انتهيا إلى مفازة وأخذ عيسى ترابًا وطينًا فقال: كن ذهبًا بإذن الله. فصار ذهبًا، فقسمه ثلاثة أثلاث فقال: ثلث لك، وثلث لي، وثلث لمن أخذ الرغيف. قال: أنا أخذنه. قال: فكله لك وفارقه عيسى، فانتهى إليه رجلان فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال: هو بيننا أثلاثًا، فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعامًا.
فبعثوا أحدهم فقال الذي بُعِثَ: لأي شيء أقاسم هؤلاء المال، ولكن أضع في الطعام سمًا فاقتلهما. وقال ذانك: لأي شيء نعطي هذا ثلث المال، ولَكِن إذا رجع قتلناه. فلما رجع إليهم قتلوه وأكلا الطعام فماتا. فبقي ذلك المال في المفازة، وأولئك الثلاثة قتلى عنده.