فصل: من ردود ابن تيمية على شبه النصارى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من ردود ابن تيمية على شبه النصارى:

قال عليه الرحمة والرضوان ما نصه:
فصل:
وقولهم: فالإله واحد خالق واحد رب واحد. هو حق في نفسه لكن قد نقضوه بقولهم في عقيدة إيمانهم نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد إله حق من إله حق من جوهر أبيه مساو الأب في الجوهر فأثبتوا هنا إلهين ثم أثبتوا روح القدس إلها ثالثا وقالوا أنه مسجود له فصاروا يثبتون ثلاثة آلهة ويقولون إنما نثبت إلها واحدا وهو تناقض ظاهر وجمع بين النقيضين بين الإثبات والنفي.
ولهذا قال طائفة من العقلاء إن عامة مقالات الناس يمكن تصورها إلا مقالة النصارى وذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا بل تكلموا بجهل وجمعوا في كلامهم بين النقيضين ولهذا قال بعضهم لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر قولا وقال آخر لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم لقال الرجل قولا وامرأته قولا آخر وابنه قولا ثالثا فصل.
وقولهم لا يتبعض ولا يتجزأ مناقض لما ذكروه في أمانتهم ولما يمثلونه به.
فإنه يمثلونه بشعاع الشمس والشعاع يتبعض ويتجزأ فإن ما يقوم منه بهذا الموضع بعض وجزء منه ويمكن زوال بعضه مع بقاء بعض فإنه إذا وضع على مطرح الشعاع شيء فصل ما بين جانبيه وصار الشعاع الذي كان بينهما على ذلك الفوقاني فاصلا بين الشعاعين السافلين.
يبين ذلك أن الشعاع قائم بالأرض والهواء وكل منهما متجزئ متبعض وما قام بالمتبعض فهو متبعض فإن الحال يتبع المحل وذلك يستلزم التبعض والتجزئ فيما قام به.
ويقولون أيضا أنه اتحد بالمسيح وأنه صعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب وعندهم أن اللاهوت منذ اتحد بالناسوت لم يفارقه بل لما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الأب كان الصاعد عندهم هو المسيح الذي هو ناسوت ولاهوت إله تام وإنسان تام فهم لا يقولون إن الجالس عن يمين الأب هو الناسوت فقط بل اللاهوت المتحد بالناسوت جلس عن يمين اللاهوت فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا.
وليس هذا من كلام الأنبياء حتى يقال إن له معنى لا نفهمه بل هو من كلام أكابرهم الذي وضعوه وجعلوه عقيدة إيمانهم فإن كانوا تكلموا بما لا يعقلونه فهم جهال لا يجوز أن يتبعوا وإن كانوا يعقلون ما قالوه فلا يعقل أحد من كون اللاهوت المتحد بالناسوت جلس عن يمين اللاهوت المجرد عن الاتحاد إلا أن هذا اللاهوت المجرد منفصل مباين للاهوت المتحد وليس هو متصلا به بل غايته أن يكون مماسا له بل يجب أن يكون الذي يماس اللاهوت المجرد هو الناسوت مع اللاهوت المتحد به فهذا حقيقة التبعيض والتجزئة مع انفصال أحد البعضين عن الآخر.
وأيضا فيقال لهم المتحد بالمسيح أهو ذات رب العالمين أم صفة من صفاته فإن كان هو الذات فهو الأب نفسه ويكون المسيح هو الأب نفسه وهذا مما اتفق النصارى على بطلانه فإنهم يقولون هو الله وهو ابن الله كما حكى الله عنهم ولا يقولون هو الأب والابن والأب عندهم هو الله وهذا من تناقضهم.
وإن قالوا المتحد بالمسيح صفة الرب فصفة الرب لا تفارقه ولا يمكن اتحادها ولا حلولها في شيء دون الذات.
وأيضا فالصفة نفسها ليست هي الإله الخالق رب العالمين بل هي صفته ولا يقول عاقل إن كلام الله أو علم الله أو حياة الله هي رب العالمين الذي خلق السماوات والأرض فلو قدر أن المسيح هو صفة الله نفسها لم يكن هو الله ولم يكن هو رب العالمين ولا خالق السماوات والأرض.
والنصارى يقولون إن المسيح رب العالمين خالق كل شيء وهو خالق آدم ومريم وإن كان ابن آدم ومريم فإنه خالق ذلك بلاهوته وهو ابن آدم ومريم بناسوته.
فلو قدر أن المسيح هو صفة الرب لم تكن الصفة هي الخالق فكيف والمسيح ليس هو صفة الله نفسها بل هو مخلوق بكلمة الله وسمى كلمة الله لأن الله كونه بكن.
وقال تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}.
وسماه روحه لأنه خلقه من نفخ روح القدس في أمه لم يخلقه كما خلق غيره من أب آدمي.
قال الله تعالى: {إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}.
وإن قالوا المتحد به بعض ذلك دون بعض فقد قالوا بالتبعيض والتجزئة فهم بين أمرين إما بطلان مذهبهم وإما اعترافهم بالتبعيض والتجزئة مع بطلانه.
وأيضا فقولهم إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو للأب في الجوهر ابن الله الوحيد المولود قبل كل الدهور.
يقال لهم هذا الابن المولود المساوي للأب في الجوهر الذي هو إله حق من إله حق هل هو صفة قائمة بغيرها أو عين قائمة بنفسها.
فإن كان الأول فالصفة ليست إلها ولا هي خالقة ولا يقال لها مولودة من الله ولا أنها مساوية لله في الجوهر ولم يسم قط أحد من الأنبياء ولا أتباع الأنبياء صفات الله لا ابنا له ولا ولدا ولا قال إن صفة الله تولدت منه ولا قال عاقل إن الصفة القديمة تولدت من الذات القديمة.
وهم يقولون إن المسيح إله خلق السماوات والأرض لاتحاد ناسوته بهذا الابن المولود قبل كل الدهور المساوي الأب في الجوهر.
وهذا كله نعت عين قائمة بنفسها كالجواهر القائمة بنفسها لا نعت صفات قائمة بغيرها وإذا كان كذلك كان التبعيض والتجزئة.
لازمة لقولهم فإن القول بالولادة الطبيعية مستلزم لأن يكون خرج منه جزء قال تعالى...... سورة الزخرف الآيات 15- 19.
وأما هذا المعنى الذي يثبته من يثبته من علماء النصارى ويسمونه ولادة وبنوة فيسمونه الصفة القديمة الأزلية القائمة بالموصوف ابنا ويسمونها تارة النطق وتارة الكلمة وتارة العلم وتارة الحكمة ويقولون هذا مولود من الله وابن الله.
فهذا لم يقله أحد من الأنبياء وأتباعهم ولا من سائر العقلاء غير هؤلاء المبتدعة من النصارى ولا يفهم أحد من العقلاء من اسم الولادة والبنوة هذا المعنى.
والأنبياء لم يطلقوا لفظ الابن إلا على مخلوق وهم يقولون هو أب للمسيح بالطبع ولغيره بالوضع فلا يعقل جمهور العقلاء وغيرهم من هذا المعنى إلا البنوة المعقولة بانفصال جزء من الوالد وهذا ينكره من ينكره من علمائهم.
لكنهم لم يتبعوا الأنبياء ولم يقولوا ما تعقله العقلاء فضلوا فيما نقوله عن الأنبياء وأضلوا أتباعهم فيما قالوه وعوامهم وإن كانوا لا يقولون إن ولادة الله مثل ولادة الحيوان بانفصال شيء يوجد فيقولون ولادة لاهوتية بانفصال جزء من اللاهوت حل في الناسوت لا يعقل من الولادة غير هذا.
وأيضا فقولهم ونؤمن بروح القدس الرب المحي المنبثق من الأب الذي هو مع الأب مسجود له وممجد ناطق في الأنبياء فقولهم المنبثق من الأب الذي هو مع الأب مسجود له وممجد يمتنع أن يقال هذا في حياة الرب القائمة به فإنها ليست منبثقة منه كسائر الصفات إذ لو كان القائم بنفسه منبثقا لكان علمه وقدرته وسائر صفاته منبثقة منه بل الانبثاق في الكلام أظهر منه في الحياة فإن الكلام يخرج من المتكلم وأما الحياة فلا تخرج من الحي فلو كان في الصفات ما هو منبثق لكان الصفة التي يسمونها الابن ويقولون هي العلم والكلام أو النطق والحكمة أولى بأن تكون منبثقة من الحياة التي هي أبعد عن ذلك من الكلام.
وقد قالوا أيضا أنه مع الأب مسجود له وممجد والصفة القائمة بالرب ليست معه مسجود لها وقالوا هو ناطق في الأنبياء وصفة الرب القائمة به لا تنطق في الأنبياء بل هذا كله صفة روح القدس الذي يجعله الله في قلوب الأنبياء أو صفة ملك من الملائكة كجبريل فإذا كان هذا منبثقا من الأب والانبثاق الخروج فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا.
وإذا شبهوه بانبثاق الشعاع من الشمس كان هذا باطلا من وجوه:
منها أن الشعاع عرض قائم بالهواء والأرض وليس جوهرا قائما بنفسه وهذا عندهم حي مسجود له وهو جوهر.
ومنها أن ذلك الشعاع القائم بالهواء والأرض ليس صفة للشمس ولا قائما بها وحياة الرب صفة قائمة به.
ومنها أن الانبثاق خصوا به روح القدس ولم يقولوا في الكلمة إنها منبثقة.
والانبثاق لو كان حقا لكان بالكلمة أشبه منه بالحياة وكلما تدبر العاقل كلامهم في الأمانة وغيرها وجد فيه من التناقض والفساد ما لا يخفى إلا على أجهل العباد ووجد فيه من مناقضته التوراة والإنجيل وسائر كتب الله ما لا يخفى من تدبر هذا وهذا ووجد فيه من مناقضة صريح المعقول ما لا يخفى إلا على معاند أو جهول فقولهم متناقض في نفسه مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول عن جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم وسلامه أجمعين.
فصل:
قالوا وأما تجسم كلمة الله الخالقة بإنسان مخلوق وولادتهما معا أي الكلمة مع الناسوت فإنه لم يخاطب الباري أحدا من الأنبياء إلا وحيا أو من وراء حجاب حسب ما جاء في هذا الكتاب بقوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء}.
وإذا كانت اللطائف لا تظهر إلا في الكثائف روح القدس وغيرها فكلمة الله التي بها خلقت اللطائف والكثائف تظهر في غير كثيف كلا.
ولذلك ظهر في عيسى بن مريم إذ الإنسان أجل ما خلقه الله ولهذا خاطب الخلق وشاهدوا منه ما شاهدوا.
والجواب من طرق:
أحدها: أنه يقال هذا الذي ذكروه وادعوا أنه تجسم كلمة الله الخالقة بإنسان مخلوق وولادتهما معا أي الكلمة مع الناسوت وهو الذي يعبر عنه باتحاد اللاهوت بالناسوت هو أمر ممتنع في صريح العقل وما علم أنه ممتنع في صريح العقل لم يجز أن يخبر به رسول فإن الرسل إنما تخبر بما لا يعلم بالعقل أنه ممتنع فأما ما يعلم بصريح العقل أنه ممتنع فالرسل منزهون عن الأخبار عنه.
الطريق الثاني: أن الأخبار الإلهية صريحة بأن المسيح عبد الله ليس بخالق العالم والنصارى يقولون هو إله تام وإنسان تام.
الطريق الثالث: الكلام فيما ذكروه.
فأما الطريق الأول فمن وجوه:
أحدها: أن يقال المتحد بالمسيح إما أن يكون هو الذات المتصفة بالكلام أو الكلام فقط وإن شئت قلت المتحد به إما الكلام مع الذات وإما الكلام بدون الذات فإن كان المتحد به الكلام مع الذات كان المسيح هو الأب وهو الابن وهو روح القدس وكان المسيح هو الأقانيم الثلاثة.
وهذا باطل باتفاق النصارى وسائر أهل الملل وباتفاق الكتب الإلهية وباطل بصريح العقل كما سنذكره إن شاء الله.
وإن كان المتحد به هو الكلمة فقط فالكلمة صفة والصفة لا تقوم بغير موصوفها والصفة ليست إلها خالقا والمسيح عندهم إله خالق فبطل قولهم على التقديرين وإن قالوا المتحد به الموصوف بالصفة فالموصوف هو الأب والمسيح عندهم ليس هو الأب وإن قالوا الصفة فقط فالصفة لا تفارق الموصوف ولا تقوم بغير الموصوف والصفة لا تخلق ولا ترزق وليست الإله والصفة لا تقعد عن يمين الموصوف والمسيح عندهم صعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه.
وأما كونه هو الأب فقط وهو الذات المجردة عن الصفات فهذا أشد استحالة وليس فيهم من يقول بهذا.
الوجه الثاني: أن الذات المتحدة بناسوت المسيح مع ناسوت المسيح إن كانتا بعد الاتحاد ذاتين وهما جوهران كما كانا قبل الاتحاد فليس ذلك باتحاد.
وإن قيل صارا جوهرا واحدا كما يقول من يقول منهم إنهما صارا كالنار مع الحديدة أو اللبن مع الماء فهذا يستلزم استحالة كل منهما وانقلاب صفة كل منهما بل حقيقته كما استحال الماء واللبن إذا اختلطا والنار مع الحديدة وحينئذ فيلزم أن يكون اللاهوت استحال وتبدلت صفته وحقيقته والاستحالة لا تكون إلا بعدم شيء ووجود آخر فيلزم عدم شيء من القديم الواجب الوجود بنفسه.
وما وجب قدمه استحال عدمه وما وجب وجوده امتنع عدمه فإن القديم لا يكون قديما إلا لوجوبه بنفسه أو لكونه لازما للواجب بنفسه إذ لو لم يكن لازما له بل كان غير لازم له لم يكن قديما بقدمه والواجب بنفسه يمتنع عدمه ولازمه لا يعدم إلا بعدمه فإنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم.
الوجه الثالث: أن يقال الناس لهم في كلام الله عز وجل عدة أقوال وقول النصارى باطل على جميع الأقوال التي قالها الناس في كلام الله فثبت بطلانه على كل تقدير وذلك أن كلام الله سبحانه إما أن يكون صفة له قائما به وإما أن يكون مخلوقا له بائنا عنه وإما أن يكون لا هذا ولا هذا بل هو ما يوجد في النفوس وهذا الثالث هو أبعد الأقوال عن أقوال الأنبياء وهو قول من يقول من الفلاسفة والصابئة إن الرب لا تقوم به الصفات وليس هو خالقا باختياره.
ويقولون مع ذلك أنه ليس عالما بالجزئيات ولا قادرا على تغيير الأفلاك بل كلامه عندهم ما يفيض على النفوس وربما سموه كلاما بلسان الحال.
وهؤلاء ينفون الكلام عن الله ويقولون ليس بمتكلم وقد يقولون متكلم مجازا لكن لما نطقت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطلقه من دخل في الملل منهم ثم فسره بمثل هذا وهذا أحد قولي الجهمية.
والقول الثاني: أنه متكلم حقيقة لكن كلامه مخلوق خلقه في غيره وهو قول المعتزلة وغيرهم والقول الآخر للجهمية.
وعلى هذين القولين فليس لله كلام قائم به حتى يتحد بالمسيح أو يحل به والمخلوق عرض من الأعراض ليس بإله خالق وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى من يقول بهذا وهذا.
وأما القول الأول: وهو قول سلف الأئمة وأئمتها وجمهورها وقول كثير من سلف أهل الكتاب وجمهورهم فإما أن يقال الكلام قديم النوع بمعنى أنه لم يزل يتكلم بمشيئته أو قديم العين وإما أن يقال ليس بقديم بل هو حادث والأول هو القول المعروف عن أئمة السنة والحديث.
وأما القائلون بقدم العين فهم يقولون الكلام لا يتعلق بمشيئته وقدرته لاعتقادهم أنه لا تحله الحوادث وما كان بمشيئته وقدرته لا يكون إلا حادثا.
ولهم قولان منهم قال القديم معنى واحد أو خمسة معان وذلك المعنى يكون أمرا ونهيا وخبرا وهذه صفات له لا أقسام له وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة.
ومنهم من قال هو حروف أو حروف وأصوات قديمة الأعيان.