فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن الثاني والثالث أن ذلك يفضي إلى بلوغ الإعجاز حد الإلجاء، وأنه ينافي التكليف. والتلبيس المذكور قد أزاله تلامذة عيسى الحاضرون منه العالمون بالواقعة.
وعن الرابع أنه تواتر منقطع الأول لأنهم كانوا قليلين في ذلك الوقت فلا يفيد العلم. إذ شرط التواتر استواء الطرفين والوسط.
وعن الخامس ما روي أن الذي ألقي عليه الشبه كان من خواص أصحابه، فلهذا صبر. على أنا نقول: قد ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه، فهذه الاحتمالات تمتنع أن تصير معارضة للنص القاطع والله ولي الهداية. قال: {ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} وفيه بشارة لعيسى بأنه سيحكم بين المؤمنين وبين الجاحدين. وتفسيره قوله: {فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابًا شديدًا في الدنيا} بالقتل والسبي والذلة وأنواع المصائب والرزايا التي لا ثواب عليها {والآخرة} بدخول النار خالدين فيها {وما لهم من ناصرين} {وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين} الواضعين الشيء في غير موضعه، التكذيب في مقام التصديق، والعمل السيء مكان العمل الصالح، وذلك أن المحبة عبارة عن إيصال الخير إليه.
وهو وإن أراد كفر الكافر إلا أنه لم يوصل الثواب إليه، وقالت المعتزلة: المحبة والإرادة واحدة، فالمعنى أنه لا يريد ظلم الظالمين.
{ذلك} الذي سبق من نبأ عيسى عليه السلام وغيره وهو مبتدأ خبره {نتلوه عليك} والتلاوة والقصص كلاهما يؤل إلى معنى واحد وهو ذكر الشيء بعضه على إثر بعض. جعل تلاوة الملك لما كانت بأمره كتلاوته.
{من الآيات} خبر بعد خبر أو خبر بعد مبتدأ محذوف والمراد بها آيات القرآن، ويحتمل أن يراد أنه من العلامات الدالة على ثبوت رسالتك لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ من كتاب أو من يوحى إليه، وظاهر أنك لا تكتب ولا تقرأ فبقي أن يكون من الوحي. ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي و{نتلوه} صلته و{من الآيات} الخبر. ويجوز أن ينتصب ذلك بمضمر يفسره {نتلوه}. والذكر الحكيم القرآن. وصف بصفة من هو سببه، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه، أو هو بمعنى الحاكم كالعليم بمعنى أن الأحكام تستفاد منه، أو بمعنى المحكم أحكمت آياته أي عن تطرق وجوه الخلل إليه. وقيل: الذكر الحكيم اللوح المحفوظ الذي منه نقلت جميع كتب الله المنزلة على الأنبياء، أخبر أنه تعالى أنزل هذه القصص مما كتب هناك. قال المفسرون: إن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: وما أقول؟ قالوا: تقول أنه عبد. قال: أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقًا فأرنا مثله فأنزل الله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} أي حاله الغريبة كحاله. ووجه الشبه أن كلًا منهما وجد وجودًا خارجا عن العادة المستمرة، بل الوجود من غير أب وأم أغرب، فشبه الغريب بالأغرب. لأن المشبه به ينبغي أن يكون أقوى حالًا من المشبه في وجه الشبه. ثم فسر كيفية خلق آدم بقوله: {خلقه من تراب} أي قدّره جسدًا من طين. قيل: اشتقاق آدم من الأدمة، وقال ابن عباس: سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض كلها أحمرها وأسودها طيبها وخبيثها، فلذلك كان في ولده الأسود والأحمر والطيب والخبيث. وقيل: أنه اسم أعجمي كآزر ووزنه فاعل لا افعل.
والضمير عائد إلى آدم الموجود كقولك: هذا الكون أصله من الطين {ثم قال له} أي لذلك المقدّر {كن فيكون} وهذا كقوله: {ثم أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14] وإنما لم يقل فكان إما لأنه حكاية حال ماضية، وإما تصوير لتلك الحالة العجيبة كقوله:
فأصر بها بلا دهش فخرت

أو المراد اعلم يا محمد أن ما قال له ربك {كن} فإنه يكون لا محالة. وقيل: معنى ثم تراخي الخبر عن الخبر لا تراخي المخبر عن المخبر كقول القائل أعطيت زيدًا ألفًا اليوم ثم أنا أعطيته أمس ألفين أي ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمس ألفين فكذا قوله: {خلقه من تراب} أي صيره بشرًا سويًا. ثم أنه يخبركم أنه إنما خلقه بأن قال له {كن}.
وقيل: إن معنى الخلق يرجع إلى علمه تعالى بكيفية وقوعه وإرادته لإيقاعه على الوجه المخصوص. والمراد بـ {كن} إدخاله في الوجود. قالت الحكماء: إنما خلق آدم من التراب لوجوه: ليكون متواضعًا وليكون ستارًا وليكون أشد التصاقًا بالأرض فيصلح للخلافة فيها، ولما فيه من إظهار القدرة فخلق الشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام السفلية وابتلاهم بظلمات الضلالة، وخلق الملائكة من الهواء الذي هو أرق الأجرام وأعطاهم كمال القوة والقدرة، وخلق السموات من أمواج مياه البحار وأبقاها معلقة في الفضاء، وخلق آدم من التراب الذي هو أكثف الأجرام فآتاه النور والهداية، وكل ذلك برهان باهر ودليل ظاهر على أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج والخالق بلا مزاج. وعلاج خلق البشر من التراب لإطفاء نيران الشهوة والحرص والغضب، وخلقه من الماء {خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا} [الفرقان: 54] ليكون صافيًا تتجلى فيه صور الأشياء. ثم مزج بين التراب والماء لامتزاج اللطيف بالكثيف فصار طينًا {إني خالق بشرًا من طين} [ص: 71] ثم أنه سل من ألطف أجزاء الطين {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} [المؤمنون: 13] ثم جعله طينًا لازبًا {إنا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11] ثم سنه وغير رائحته {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإٍ مسنون} [الحجر: 26].
عن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم: لم تعبدون عيسى عليه السلام؟ قالوا: لأنه لا أب له. قال: فآدم أولى لأنه لا أبوين له. قالوا: كان يحيي الموتى. قال: فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وأحيا حزقيل ثمانية آلاف. فقالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص. قال: فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالمًا.
{الحق من ربك} خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق يعني الذي أنبأتك من شأن عيسى لا الذي اعتقد النصارى فيه أنه إله، ولا الذي يزعم اليهود من رميها بيوسف النجار، أو {الحق} مبتدأ و{من ربك} خبره كما يقال: الحق من الله والباطل من الشيطان.
{فلا تكن من الممترين} الشاكين. قال ابن الأنباري: أصله من مريت الناقة والشاة حلبتها فكأن الشاك يجتذب بشكه شرًا. وفي هذا النهي ترغيب له في زيادة الثبات والطمأنينة ولطف للأمة وقد مر نظائره في سورة البقرة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (61):

قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتاهم سبحانه وتعالى من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام بالفصل في البيان الذي ليس بعده إلا العناد، فبين أولًا ما تفضل فيه عيسى عليه الصلاة والسلام من أطوار الخلق الموجبة للحاجة المنافية للإلهية، ثم فضح بتمثيله بآدم عليه الصلاة والسلام شبهتَهم، ألزمهم عل تقديره بالفيصل الأعظم للمعاند الموجب للعذاب المستأصل أهل الفساد فقال سبحانه وتعالى: {فمن} أي فتسبب عما آتيناك به من الحق في أمره أنا نقول لك: من {حآجك فيه} أي خاصمك بإيراد حجة، أي كلام يجعله في عداد ما يقصد.
ولما كان الملوم إنما هو من بلغته هذه الآيات وعرف معناها دون من حاج في الزمان الذي هو بعد نزولها دون اطلاعه عليها قال: {من} أي مبتدئًا المحاجة من، ويجوز أن يكون الإتيان بمن لئلا يفهم أن المباهلة تختص بمن استغرق زمان البعد بالمجادلة {بعدما جاءك من العلم} أي الذي أنزلنان إليك وقصصناه عليك في أمره {فقل تعالوا} أي اقبلوا أيها المجادلون إلى أمر نعرف فيه علو المحق وسفول المبطل {ندع أبناءنا وأبناءكم} أي الذي هم أعز ما عند الإنسان لكونهم بعضه {ونساءنا ونساءكم} أي اللاتي هن أولى ما يدافع عنه أولو الهمم العوالي {وأنفسنا وأنفسكم} فقدم ما يدافع عنه ذوو الأحساب ويفدونه بنفوسهم، وقدم منه الأعز الألصق بالأكباد وختم بالمدافع، وهذا الترتيب على سبيل الترقي إذا اعتبرت أنه قدم الفرع ثم الأصل وبدأ بالأدنى وختم بالأعلى، وفائدة الجمع الإشارة إلى القطع بالوثوق بالكون على الحق.
ثم ذكر ما له هذا الجمع مشيرًا بحرف التراخي إلى خطر الأمر وأنه مما ينبغي الاهتمام به والتروي له وإمعان النظر فيه لوخامة العاقبة وسوء المنقلب للكاذب فقال: {ثم نبتهل} أي نتضرع- قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما نقله الإمام أبو حيان في نهره.
وقال الحرالي: الابتهال طلب البهل، والبهل أصل معناه التخلي والضراعة في مهم مقصود- انتهى.
{فنجعل لعنت الله} أي الملك الذي له العظمة كلها فهو يجبر ولا يجار عليه، أي إبعاد وطرده {على الكاذبين} وقال ابن الزبير بعد ما تقدم من كلامه: ثم لما أتبعت قصة آدم عليه الصلاة والسلام- يعني في البقرة- بذكر بني إسرائيل لوقوفهم من تلك القصص على ما لم تكن العرب تعرفه، وأنذروا وحذروا؛ أتبعت قصة عيسى عليه الصلاة والسلام- يعني هنا- بذكر الحواريين وأمر النصارى إلى آية المباهلة- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الله تعالى بيّن في أول هذه السورة وجوهًا من الدلائل القاطعة على فساد قول النصارى بالزوجة والولد، وأتبعها بذكر الجواب عن جميع شبههم على سبيل الاستقصاء التام، وختم الكلام بهذه النكتة القاطعة لفساد كلامهم، وهو أنه لما لم يلزم من عدم الأب والأم البشريين لآدم عليه السلام أن يكون ابنًا لله تعالى لم يلزم من عدم الأب البشري لعيسى عليه السلام أن يكون ابنًا لله، تعالى الله عن ذلك ولما لم يبعد انخلاق آدم عليه السلام من التراب لم يبعد أيضا انخلاق عيسى عليه السلام من الدم الذي كان يجتمع في رحم أم عيسى عليه السلام، ومن أنصف وطلب الحق، علم أن البيان قد بلغ إلى الغاية القصوى، فعند ذلك قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ} بعد هذه الدلائل الواضحة والجوابات اللائحة فاقطع الكلام معهم وعاملهم بما يعامل به المعاند، وهو أن تدعوهم إلى الملاعنة فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} إلى آخر الآية. اهـ.
وقال الفخر:
روي أنه عليه السلام لما أورد الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصروا على جهلهم، فقال عليه السلام: «إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم» فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فلما رجعوا قالوا للعاقب: وكان ذا رأيهم، يا عبد المسيح ما ترى، فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدًا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيًا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لكان الاستئصال فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: «إذا دعوت فأمنوا»، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثم قالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك فقال صلوات الله عليه: «فإذا أبيتم الباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين»، وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: «فإني أناجزكم القتال»، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة: ألفا في صفر، وألفا في رجب، وثلاثين درعًا عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: «والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارًا، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا».
وروي أنه عليه السلام لما خرج في المرط الأسود، فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ثم فاطمة، ثم علي رضي الله عنهما ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث. اهـ.

.قال ابن عادل:

يجوز في مَنْ وجهان:
أحدهما: أن تكونَ شرطية- وهو الظاهرُ- أي: إن حاجَّكَ أحدٌ فقُل له كيت وكيت.
ويجوز أن تكونَ موصولة بمعنى: الذي وإنما دخلت الفاءُ في الخبرِ لتضمُّنه معنى الشرطِ والمحاجةِ مفاعلة وهي من اثنين، وكانَ الأمر كذلِكَ.
{فِيهِ} متعلق بـ {حَاجَّكَ} أى: جادلَكَ في شأنِهِ، والهاء فيها وجهان:
أولهما: وهو الأظهرُ- عودُها على عيسى عليه السلامُ.
الثاني: عودها على {الْحَقِّ}؛ لأنه أقربُمذكورٍ، والأول أظْهَرُ؛ لأنَّ عيسى هو المحدَّثُ عنهُ، وهو صاحبُ القصة.
قوله: {مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ} متعلق بـ {حَاجَّكَ} أيضا وما يجوز أن تكون موصولة اسمية، ففاعل {جَاءَكَ} ضمير يعود عليها، أي: من بعد الذي جاءك هو.
{مِنَ الْعِلْمِ} حال من فاعل {جَاءَكَ}.
ويجوز أن تكونَ موصولةً حرفيَّةً، وحينئذٍ يقال: يلزم من ذلك خُلُوُّ الفعل من الفاعلِ، أو عَوْد الضمير على الحرف؛ لأن {جَاءَكَ} لابد له من فاعل، وليس معنا شيء يصلح عوده عليه إلا ما وهي حرفية.
والجوابُ: أنه يجوز أن يكون الفاعل قوله: {مِنَ الْعِلْمِ} و{من} مزيدة-: من بعد ما جاءك العلم- وهذا إنما يتخرج على قول الأخفش؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئًا. و{مِنْ} في قوله: {مِنَ الْعِلْمِ} يحتمل أن تكون تبعيضيَّة- وهو الظاهر- وأن تكون لبيان الجنس. والمراد بالعلم هو أنَّ عيسى عبد الله ورسوله، وليس المراد- هاهنا- بالعلم نفس العلم؛ لن العلمَ الذي في قلبه لا يؤثر في ذلك، بل المرادُ بالعلم، ما ذكره من الدلائل العقلية، والدلائل الواصلة إليه بالوحي. اهـ.

.قال الفخر:

{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ} أي في عيسى عليه السلام، وقيل: الهاء تعود إلى الحق، في قوله: {الحق مِن رَّبّكَ} [هود: 17] {مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} [البقرة: 145] بأن عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام وليس المراد هاهنا بالعلم نفس العلم لأن العلم الذي في قلبه لا يؤثر في ذلك، بل المراد بالعلم ما ذكره بالدلائل العقلية، والدلائل الواصلة إليه بالوحي والتنزيل، فقل تعالوا: أصله تعاليوا، لأنه تفاعلوا من العلو، فاستثقلت الضمة على الياء، فسكنت، ثم حذفت لاجتماع الساكنين، وأصله العلو والارتفاع، فمعنى تعالى ارتفع، إلا أنه كثر في الاستعمال حتى صار لكل مجيء، وصار بمنزلة هلم. اهـ.