فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {إِنَّ هَذَا} إشارة إلى ما تقدم ذكره من الدلائل، ومن الدعاء إلى المباهلة {لَهُوَ القصص الحق} والقصص هو مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي إلى الدين، ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة فبين تعالى إن الذي أنزله على نبيه هو القصص الحق ليكون على ثقة من أمره، والخطاب وإن كان معه فالمراد به الكل. اهـ.

.قال ابن عادل:

قال أبو مُسْلِمٍ: هذا الكلام متصل بما قبله، ولا يجوز الوقف على قوله: {الكاذبين}، وتقدير الآية: فنجعلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِيْنَ بأن هذا هو القصص الحقُ، وعلى هذا التقدير كان حق إنَّ أن تكون مفتوحةً، إلا أنها كُسِرَت؛ لدخول اللاَّمِ في قوله: {لَهُوَ الْقَصَصُ}، كما في قوله: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} [العاديات: 11].
قال الباقون: الكلام تمّ عند قوله: {عَلَى الكاذبين} وما بعده جملة أخْرَى مستقلة غير مُتعَلِّقةٍ بما قبلها، فَقوله: {هذا} الكلام إشارةٌ إلى ما تقدم من الدلائلِ والدعاءِ إلى الْمُبَاهَلَةِ، وأخبار عيسى.
وقيل: هو إشارة لما بعده- وهو قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله}- وضُعفَ هذا بوجهين:
أحدهما: أنَّ هذا ليس بقصصٍ.
الثاني: أن مقترن بحرف العطف.
واعتذر بعضهم عن الأول، فقال: إن أراد بالقصص الخبر، فيصح على هذا، ويكون التقدير: إن الخبر الحق {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} ولكن الاعتراض الثاني باقٍ، لم يُجَبْ عنه.
وهو يجوز أن يكون فَصْلًا، و{القصص} خبر إن، و{الْحَقُّ} صفته، ويجوز أن يكون هو مبتدأ و{الْقَصَصُ} خبره، والجملة خبر إنَّ.
والقصص مصدر قولهم: قَصَّ فلانٌ الحديثَ، يَقُصُّهُ، قَصًّا، وقَصَصًا وأصله: تتبع الأثَر، يقال: فلان خرج يقصُّ أثَرَ فلان، أي: يتبعه، ليعرف أين ذَهَبَ. ومنه قوله: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]، أي، اتبعي أثره، وكذلك القاصّ في الكلام، لأنه يتتبع خَبرًا بعد خبر. وقد تقدم التنبيه على قراءتي {لهْو} بسكون الهاء وضمها؛ إجراء لها مجرى عضد.
قال الزمخشريُّ: فإن قلتَ: لم جاز دخولُ اللامِ على الفَصْل؟
قلت: إذا جاز دخولُها على الخبر كان دخولُها على الفَصْل أجودَ؛ لأنه أقرب إلى المبتدأ منه وأصلها أن تدخل على المبتدأ. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله}:

.قال الفخر:

{وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} هذا يفيد تأكيد النفي، لأنك لو قلت عندي من الناس أحد، أفاد أن عندك بعض الناس، فإذا قلت ما عندي من الناس من أحد، أفاد أنه ليس عندك بعضهم، وإذا لم يكن عندك بعضهم، فبأن لا يكون عندك كلهم أولى فثبت أن قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} مبالغة في أنه لا إله إلا الله الواحد الحق سبحانه وتعالى.
ثم قال: {وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم} وفيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى، وذلك لأن اعتمادهم على أمرين أحدهما: أنه قدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فكأنه تعالى قال: هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلهية، بل لابد وأن يكون عزيزًا غالبًا لا يدفع ولا يمنع، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى ما كان كذلك، وكيف وأنتم تقولون إن اليهود قتلوه؟
والثاني: أنهم قالوا: أنه كان يخبر عن الغيوب وغيرها، فيكون إلها، فكأنه تعالى قال: هذا القدر من العلم لا يكفي في الإلهية، بل لابد وأن يكون حكيمًا، أي عالمًا بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور، فذكر {العزيز الحكيم} هاهنا إشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أول السورة من قوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 6]. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن {مِنْ إله} مبتدأ، و{مِنْ} مزيدة فيه، و{إلاَّ اللهُ} خبره، تقديره: ما إلَهٌ إلا اللهُ، وزيدت {مِنْ} للاستغراق والعموم.
قال الزمخشريُّ: و{مِنْ} في قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله}- بمنزلة البناء على الفتح في: لا إله إلا اللهُ- في إفادة معنى الاستغراق.
قال شهابُ الدينِ: الاستغراق في: لا إله إلاَّ اللهُ، لم نستفده من البناء على الفتح، بل استفدناه من {مِنْ} المقدَّرة، الدالة على الاستغراق، نَصَّ النحويون على ذلك، واستدلوا عليه بظهورها في قول الشاعر: [الطويل]
فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ ** وَقَالَ: ألاَ لاَ مِنْ سَبيلٍ إلَى هِنْدٍ

الثاني: أن يكون الخبر مُضْمَرًا، تقديره: وما من إله لنا إلا الله، و{إِلاَّ الله} بدل من موضع {مِنْ إله}، لأن موضعه رفع بالابتداء، ولا يجوز في مثله الإبدالُ من اللفظ، لِئَلاّ يلزم زيادة {مِنْ} في الواجب، وذلك لا يجوز عند الجمهور.
ويجوز في مثل هذا التركيب نصب ما بعد {إِلاَّ} على الاستثناء، ولكن لم يُقرأ به، إلا أنه جائز لُغَةً أنْ يُقَالَ لا إله إلاَّ اللهُ- برفع لفظ الجلالة بدلًا من الموضع، ونصبها على الاستثناء من الضمير المستكن في الخبر المقدر؛ إذ التقدير: لا إله استقر لنا إلا الله.
وقال بَعْضُهُم: دخلت {مِنْ} لإفادة تأكيد النفي؛ لأنك لو قلتَ: ما عندي من الناس أحد، أفاد أن عندك بعض الناس. فإذا قلتَ: ما عندي من الناس من أحدٍ، أفاد أن ليس عندك بعضهم وإذا لم يكن عندك بعضهم فبأن لا يكون عندك كلهم أوْلَى، فثبت أن قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} مبالغة في أنه لا إله إلا الله الواحدُ الحقُّ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} رد النصارى في تثليثهم، وكذا فيه رد على سائر الثنوية، و{مِنْ} زائدة للتأكيد كما هو شأن الصلات، وقد فهم أهل اللسان كما قال الشهاب أنها لتأكيد الاستغراق المفهوم من النكرة المنفية لاختصاصها بذلك في الأكثر، وقد توقف محب الدين في وجه إفادة الكلمات المزيدة للتأكيد بأي طريق هي فإنها ليست وضعية، وأجاب بأنها ذوقية يعرفها أهل اللسان، واعترض بأن هذا حوالة على مجهول فلا تفيد، فالأولى أن يقال: إنها وضعية لكنه من باب الوضع النوعي فتدبر.
{وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز} أي الغالب غلبة تامة، أو القادر قدرة كذلك، أو الذي لا نظير له {الحكيم} أي المتقن فيما صنع، أو المحيط بالمعلومات، والجملة تذييل لما قبلها، والمقصود منها أيضا قصر الإلهية عليه تعالى ردًا على النصارى أي قصر إفراد فالفصل والتعريف هنا كالفصل والتعريف هناك فما قيل: إنهما ليسا للحصر إذ الغالب على الأغيار لا يكون إلا واحدًا فيلغو القصر فيه إلا أن يجعل قصر قلب، والمقام لا يلائمه مما لا عصام له كما لا يخفى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد ابن عاشور:

قال عليه الرحمة:
جملة {إن هذا لهو القصص الحق} وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله: {الكاذبين} [آل عمران: 61] لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبد الله، وزعموا أنه غلب فإثبات أنه عبد هو الحق.
واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى.
والضمير في قوله لَهو القصصُ ضمير فصل، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادَها ضمير الفصل؛ لأنّ اللام وَحدها مفيدة تقوية الخبر وَضمير الفصل يفيد القصر أي هذا القصص لا ما تَقُصُّه كتُب النصارى وعَقائِدهم.
والقصَص بفتح القاف والصاد اسم لما يُقَص، يقال: قَصّ الخبر قَصًّا إذا أخبر به، والقَصُّ أخص من الأخبار؛ فإنّ القص إخبار بخبرٍ فيه طولٌ وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يُخبر بها قِصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقُصها القُصّاص، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قَصّاص بفتح القاف.
فالقصصُ اسم لما يُقص: قال تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} وقيل: هو اسم مصدر وليس هو مصدرًا، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين، فالقصّ بالإدغام مصدر، والقصص بالفَكّ اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص.
وقوله: {وما من إله إلا الله} تأكيد لحقيَّة هذا القصص.
ودخلت من الزائدة بعد حرف نفي تنصيصًا على قصد النفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد، ونفي الشريك بالصراحة، ودلالةِ المطابقة، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله، فيوهم أنه قد يكون إلاَ هَان أو أكثر في شقّ آخر، وإن كان هذا يؤول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام.
وقوله: {وإن الله لهو العزيز الحكيم} فيه ما في قوله: {إن هذا لهو القصص الحق} فأفاد تقوية الخَبر عَن الله تعالى بالعزّة والحكم، والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذِلّة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه، وهو أيضا إبطال لإلهيته على اعتقادنا؛ لأنه كان محتَاجًا لإنقاذه من أيدي الظالمين. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وقوله الحق: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} يلفتنا إلى أن ما يرويه الحق لنا هو الحق المطلق، وليس مجرد حكاية أو قصة، أو مزج خيال بواقع، كما يحدث في العصر الحديث، عندما أُخذت كلمة القصة في العرف الأدبي الحديث- القادم من حضارة الغرب- إن القصة بشكلها الحديث المعروف إنما يلعب فيها الخيال دورا كبيرا، لكن لو عرفنا أن كلمة قصة مشتقة من قص الأثر لبحث أهل الأدب فيما يكتبون من روايات وخيالات عن كلمة أخرى غير قصة، فالقصص هو تتبع ما حدث بالفعل لا تبديل فيه ولا أخيلة.
وها هو ذا الحق سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله} فإذا جاء القصص من الإله الواحد فلنطمئن إلى أنه لا يوجد إله آخر سيأتي بقصص أخرى، ولأن الله الواحد هو {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي الغالب على أمره، ومع أنه غالب على أمره فهو حكيم في تصرفه.
لكن هل اتعظ القوم الذين جادلوا؟ لا، إن الحق يقول: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (63):

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ثبت ذلك كله سبب عنه تهديدهم على الإعراض بقوله- منبهًا بالتعبير بأداة الشك على أنه لا يعرض عن هذا المحل البين إلا من كان عالمًا بأن مبطل، ومثل ذلك لا يظن بذي عقل ولا مروة، فمن حق ذكره أن يكون من قبيل فرض المحالات: {فإن تولوا} أي عن إجابتك إلى ما تدعوا إليه {فإن الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {عليهم} بهم، هكذا كان الأصل، فعدل عنه لتعليق الحكم بالوصف تنفيرًا من مثل حالهم فقال: {بالمفسدين} أي فهو يحكم فيهم بعلمه فينتقم منهم فسادهم بعزته انتقامًا يتقنه بحكمته فينقلبون منه بصفقة خاسر ولا يجدون من ناصر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} يجوز أن يكون مضارعًا- حُذِفَتْ منه إحدى التاءَين، تخفيفًا- على حَدِّ قراءة: {تَنَزَّلُ الملائكة} [القدر: 4] و{تَذَكَّرُون} [الأنعام: 152]- ويؤيد هذا نسق الكلام، ونظمُه في خطاب من تقدم في قوله: {تَعَالَوْا} ثم جرى معهم في الخطاب إلى أن قال لهم: فَإن تولّوا.
قال أبو البقاء: ويجوز أن يكون مستقبلًا، تقديره: تتولوا- ذكره النَّحَّاسُ- وهو ضعيفٌ؛ لأن حَرْفَ الْمُضَارَعِ لا يُحْذَف.
قال شهاب الدين: وهذا ليس بشيء؛ لأن حرف المضارعة يُحْذَف- في هذا النحو- من غير خِلافٍ. وسيأتي من ذلك طائفة كثيرة.
وقد أجمعوا على الحذف في قوله: {تَنَزَّلُ الملائكة وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4].
ويجوز أن يكون ماضيًا، أي: فإن تَوَلَّى وَفْدُ نجرانَ المطلوب مباهلتهم، ويكون- على ذلك- في الكلام التفات؛ إذْ فيه انتقال من خطابٍ إلى غيبةٍ.
قوله: {بِالْمُفْسِدِينَ} من وقوع الظاهر موقعَ المُضْمَرِ، تنبيهًا على العلة المقتضية للجزاءِ، وكان الأصل: فإن الله عليم بكم- على الأول- وبهم- على الثاني. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والمعنى: فإن تولوا عما وصفت من أن الله هو الواحد، وأنه يجب أن يكون عزيزًا غالبًا قادرًا على جميع المقدورات، حكيمًا عالمًا بالعواقب والنهايات مع أن عيسى عليه السلام ما كان عزيزًا غالبًا، وما كان حكيمًا عالمًا بالعواقب والنهايات.
فاعلم أن توليهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم إلى الله، فإن الله عليم بفساد المفسدين، مطلع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة، قادر على مجازاتهم. اهـ.