فصل: من فوائد السبكي في الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الرابع: قوله تعالى حكاية عن المؤمنين 60: 4: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.
الخامس: قوله تعالى 73: 8 9: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}.
السادس: قوله تعالى 43: 10: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.
فهذه ستة مواضع يجمع فيها بين الأصلين وهما: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها والاستعانة وسيلة إليها ولأن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} متعلق بألوهيته واسمه الله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} متعلق بربوبيته واسمه الرب فقدم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كما قدم اسم الله على الرب في أول السورة ولأن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسم الرب فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الله تعالى لكونه أولى به: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسم العبد فكان من الشطر الذي له وهو: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة.
ولأن العبادة المطلقة: تتضمن الاستعانة من غير عكس فكل عابد لله عبودية تامة: مستعين به ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب.
ولأن الاستعانة جزء من العبادة من غير عكس ولأن الاستعانة طلب منه والعبادة طلب له.
ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص والاستعانة تكون من مخلص ومن غير مخلص.
ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك والاستعانة طلب العون على العبادة وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك وأداء حقه: أهم من التعرض لصدقته.
ولأن العبادة شكر نعمته عليك والله يحب أن يشكر والإعانة فعله بك وتوفيقه لك فإذا التزمت عبوديته ودخلت تحت رقها أعانك عليها فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم.
و العبودية محفوفة بإعانتين إعانة قبلها على التزامها والقيام بها وإعانة بعدها على عبودية أخرى وهكذا أبدا حتى يقضي العبد نحببه.
ولأن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} له: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} به وماله مقدم على ما به لأن ماله متعلق بمحبته ورضاه وما به متعلق بمشيئته وما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته فإن الكون كله متعلق بمشيئته والملائكة والشياطين والمؤمنون والكفار والطاعات والمعاصي والمتعلق بمحبته طاعاتهم وإيمانهم فالكفار أهل مشيئته والمؤمنون أهل محبته ولهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا وكل ما فيها فإنه به تعالى وبمشيئته.
فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وأما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين ففيه أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم وفيه الإهتمام وشدة العناية به وفيه الإيذان بالإختصاص المسمى بالحصر فهو في قوة لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك والحاكم في ذلك ذوق العربية والفقه فيها واستقراء موارد استعمال ذلك مقدما وسيبويه نص على الإهتمام ولم ينف غيره.
ولأنه يقبح من القائل: أن يعتق عشرة أعبد مثلا ثم يقول لأحدهم: إياك أعتقت ومن سمعه أنكر ذلك عليه وقال وغيره أيضا أعتقت ولولا فهم الإختصاص لما قبح هذا الكلام ولا حسن إنكاره.
وتأمل قوله تعالى 2: 40: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} 2: 41: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} كيف تجده في قوة: لا ترهبوا غيري لا تتقوا سواي؟ وكذلك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هو في قوة: لا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك وكل ذي ذوق سليم يفهم هذا الإختصاص من علة السياق.
ولا عبرة بجدل من قل فهمه وفتح عليه باب الشك والتشكيك فهؤلاء هم آفة العلوم وبلية الأذهان والفهوم مع أن في ضمير إياك من الإشارة إلى نفس الذات والحقيقة ما ليس في الضمير المتصل ففي إياك قصدت وأحببت من الدلالة على معنى حقيقتك وذاتك قصدي ما ليس في قولك قصدتك وأحببتك وإياك أعني فيه معنى نفسك وذاتك وحقيقتك أعني.
ومن هاهنا قال من قال من النحاة: إن إياّ اسم ظاهر مضاف إلى الضمير المتصل ولم يرد عليه برد شاف.
ولولا أنّا في شأن وراء هذا لأشبعنا الكلام في هذه المسألة وذكرنا مذاهب النحاة فيها ونصرنا الراجح ولعلنا أن نعطف على ذلك بعون الله.
وفي إعادة: {إِيَّاك} مرة أخرى دلالة على تعلق هذه الأمور بكل واحد من الفعلين ففي إعادة الضمير من قوة الإقتضاء لذلك ما ليس في حذفه فإذا قلت لملك مثلا إياك أحب وإياك أخاف كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والاهتمام بذكره ما ليس في قولك إياك أحب وأخاف. اهـ.

.من فوائد السبكي في الفاتحة:

قال عليه الرحمة:
سُورَة ُفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَكِّيَّة وَقِيلَ: مَدَنِيَّة، وَهُوَ ضَعِيف، وَقِيلَ: مَكِّيَّة وَمَدَنِيَّة، تُسَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ؛ وَسُورَةَ الْكَنْزِ وَالْوَاقِيَةَ وَالْحَمْدَ وَالْمَثَانِيَ وَسُورَةَ الصَّلَاةِ وَسُورَةَ الشِّفَاءِ وَالشَّافِيَةَ وَالرُّقْيَةَ وَالْأَسَاسَ وَالنُّورَ وَسُورَةَ تَعْلِيمِ الْمَسْأَلَةِ وَسُورَةَ الْمُنَاجَاةِ وَسُورَةَ التَّفْوِيضِ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ بِإِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ سِتّ وَقِيلَ ثَمَان وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ، وَجُمْهُورُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ عَدُّوا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً وَلَمْ يَعُدُّوا: {أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ} وَجُمْهُورُ بَقِيَّةِ الْعَادِّينَ عَلَى الْعَكْسِ.
وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِاسْمِ اللَّهِ أَقْرَأُ أَوْ أَتْلُو لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُو التَّسْمِيَةَ مَقْرُوء وَقَدَّرَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ هُنَا وَجَاءَ مُتَقَدِّمًا فِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ هُنَاكَ أَهَمُّ، وَعَلَّقَهُ الْكُوفِيُّونَ بِفِعْلٍ مُتَقَدِّمٍ وَالْبَصْرِيُّونَ بِاسْمٍ مُتَقَدِّمٍ هُوَ خَبَر لِمُبْتَدَأٍ تَقْدِيرُهُ ابْتِدَائِي كَائِن بِاسْمِ اللَّهِ، وَمَعْنَى الْبَاءِ هُنَا الاستعانة وَقِيلَ الْإِلْصَاقُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ أَعْرَبُ وَأَحْسَنُ وَالْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْعِبَادِ كَيْفَ يَتَبَرَّكُونَ بِاسْمِهِ وَيَحْمَدُونَهُ، وَالِاسْمُ فِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ اسْم بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَسَمَ وَسْمًا كَهَدْيٍ وَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَلِكَ أُثْبِتَتْ فِي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} وَالِاسْمُ إذَا أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمُسَمَّى مَدْلُولُهُ وَالتَّسْمِيَةُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَيْهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَاَللَّهُ عَلَم عَلَى الْمَعْبُودِ مُرْتَجَل وَقِيلَ مُشْتَقّ وَمَادَّتُهُ مِنْ أَلِهَ بِمَعْنَى فَزِعَ أَوْ عَبَدَ أَوْ تَحَيَّرَ أَوْ سَكَنَ، وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلِيهُ إذَا ارْتَفَعَ وَقِيلَ مِنْ لَاهَ يَلُوهُ إذَا احْتَجَبَ.
وَقِيلَ مِنْ وَلِهَ أَيْ طَرِبَ وَهُوَ ضَعِيف فَعَلَى الْأَوَّلِ أَصْلُهُ أَلِهَ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ اعْتِبَاطًا أَوْ حُذِفَتْ لِلنَّقْلِ مَعَ الِادِّغَامِ، وَأَلْ فِيهِ زَائِدَة لَازِمَة وَشَذَّ حَذْفُهَا فِي قَوْلِهِمْ لَاهَ أَبُوك وَقِيلَ إنَّ أَلْ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ وَرُدَّ بِامْتِنَاعِ تَنْوِينِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَزْنُهُ فِعَالًا.
وَتَفْخِيمُ لَامِهِ سُنَّة إذَا لَمْ يَقَعْ مَا قَبْلَهُ مَكْسُورًا، وَقِيلَ أَنَّهُ اسْم أَعْجَمِيّ مُعْرَب أَنَّهُ صِفَة.
وَإِضَافَةُ اسْمِ إلَى اللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِك: بَدَأْت بِاسْمِ زَيْدٍ فَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ الْمُضَافِ اللَّفْظِ، وَيَزِيدُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَدْلُولَهُ.
فَاسْمُ زَيْدٍ الْمَبْدُوءُ بِهِ هُوَ لَفْظُ زَيْدٍ وَلَوْ قُلْتَ بَدَأْتُ بِزَيْدٍ لَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّك بَدَأْتَ بِذَاتِهِ هَكَذَا الْمَعْنَى هُنَاكَ بِجَعْلِ اسْمِ اللَّهِ مَذْكُورًا فِي أَوَّلِ الْأَشْيَاءِ.
وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِلْصَاقِ فِي الْبَاءِ أَحْسَنُ مِنْ مَعْنَى الاستعانة، كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وَلَوْ قُلْتَ بَدَأْتُ بِاَللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى الاستعانة دُونَ الْإِلْصَاقِ.
فَافْهَمْ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا أَرْتَضِيه.
و{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قِيلَ دَلَالَتُهُمَا وَاحِدَة.
وَقِيلَ الرَّحْمَنُ أَبْلُغُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مُبَالَغَةَ رَحْمَنٍ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِلَاءِ وَالْغَلَبَةِ كَغَضْبَانَ. وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى. وَمُبَالَغَةَ رَحِيمٍ مِنْ حَيْثُ التَّكْرَارِ وَالْوُقُوعِ بِمَحَالِّ الرَّحْمَةِ. وَلِذَلِكَ تَتَعَدَّى. قَالَتْ الْعَرَبُ: حَفِيظُ عِلْمِك وَقِيلَ مَرْفُوعًا: «الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ الْآخِرَةِ» وَقِيلَ: رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ رَحْمَنُ الْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الدُّنْيَا.
وَفِي صَرْفِ الرَّحْمَنِ قَوْلَانِ يُسْنَدُ أَحَدُهُمَا إلَى أَصْلٍ عَامٍّ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الِاسْمِ الصَّرْفُ، وَالْآخَرُ إلَى أَصْلٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ فَعْلَانَ الْمَنْعُ لِغَلَبَتِهِ فِيهِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ لِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُؤَنَّث عَلَى فَعْلَى وَلَا عَلَى فَعْلَانَةَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى نَظَائِرِهِ؛ نَحْوَ عُرْيَانَ وَسَكْرَانَ.
وَوَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ مَجَاز عَنْ إنْعَامِهِ. فَيَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ وَقِيلَ إرَادَةُ الْخَيْرِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَذَلِكَ فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ الرَّحْمَنَ عَلَى الرَّحِيمِ وَلَمْ يَسْلُكْ طَرِيقَ التَّرَقِّي لِأَنَّ الرَّحْمَنَ تَنَاوَلَ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَعَظَائِمَهَا وَأُصُولَهَا فَأَرْدَفَهُ الرَّحِيمَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ. وَهَذَا تَنْبِيه عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ مَدْلُولِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ. وَالرَّحِيمُ فَعِيل بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَفِي إعْرَابِ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} خِلَاف فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صِفَة لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْبَيَانُ، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي مَجْرَى الْإِعْلَامِ.
وَقَالَ الْأَعْلَمُ: بَدَل، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاسْمَ الْأَوَّلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينٍ. الْحَمْدُ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ مِنْ صِفَةٍ أَوْ نِعْمَةٍ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ وَنَقِيضُهُ الذَّمُّ. وَالشُّكْرُ الثَّنَاءُ عَلَى النِّعْمَةِ وَآلَتُهُ اللِّسَانُ أَوْ الْعَمَلُ. فَبَيْنَهُمَا عُمُوم وَخُصُوص مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ الْحَمْدُ بِدُونِ الشُّكْرِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي فِي الْمَحْمُودِ، وَيَكُونُ الشُّكْرُ بِدُونِ الْحَمْدِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى النِّعْمَةِ الصَّادِرَةِ مِنْهُ بِالْعَمَلِ وَيَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا أَثْنَى عَلَى الْمُنْعِمِ بِاللِّسَانِ، وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيلَ الْحَمْدُ أَعَمُّ.
وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَقَوْلُنَا عَلَى الْجَمِيلِ. وَعَلَى النِّعْمَةِ أَيْ بِسَبَبِهِمَا. فَالثَّنَاءُ عَلَى الْمَحْمُودِ وَالْمَشْكُورِ وَبِسَبَبِهِمَا.
وَالْحَمْدُ مَصْدَر، وَالتَّعْرِيفُ إمَّا لِلْعَهْدِ، أَيْ الْحَمْدُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَكُمْ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقَدْ أَجْمَعَ السَّبْعَةُ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّوَاذِّ. {لِلَّهِ} اللَّامُ لِلِاسْتِحْقَاقِ.
{رَبِّ} مَصْدَر وُصِفَ بِهِ أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ حُذِفَتْ أَلِفُهُ كَبَارٍّ وَبَرٍّ.
وَلَا يُطْلَقُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ هُنَا: إمَّا السَّيِّدُ وَإِمَّا الْمَالِكُ أَوْ الْمَعْبُودُ أَوْ الْمُصْلِحُ أَلْ فِي الْعَالَمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَجَمْعُ الْعَالَمِ شَاذّ، لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَشَذُّ لِاخْتِلَالِ الشُّرُوطِ وَحَسَّنَهُ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ.
وَالْعَالَمُ اسْم لِذَوِي الْعِلْمِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالثَّقَلَيْنِ وَقِيلَ بَلْ مَا عُلِمَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وَقِيلَ الْمُكَلَّفُونَ لِقوله تعالى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} وَلَا دَلِيلَ فِيهِ بَلْ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ.
قَرَأَ: {مَالِكِ} بِالْأَلِفِ عَاصِم وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَف فِي اخْتِيَارِهِ.
وقرأ: {مَلِكِ} بَاقِي السَّبْعَةِ.
وَالْكَافُ مَكْسُورَة فِيهِمَا فِي الْمُتَوَاتِرِ.
وَبَيْنَ الْمَلِكِ وَالْمَالِكِ عُمُوم وَخُصُوص مِنْ وَجْهٍ.
لَكِنَّ الْمُلْكَ- بِضَمِّ الْمِيمِ- أَمْدَحُ وَقِيلَ عَكْسُهُ.
وَيَشْهَدُ لَهُ: {لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ}.
وفي مَلِكِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قِرَاءَةً لَمْ نُرِدْ ذِكْرَ الشَّاذِّ مِنْهَا. قَالَ اللُّغَوِيُّونَ: وَالْمُلْكُ وَالْمِلْكُ رَاجِعَانِ إلَى الْمِلْكِ وَهُوَ الشَّدُّ وَالرَّبْطُ وَمِنْهُ مَلَكَ الْعَجِينَ وَقِيلَ مَلِك وَمَالِك بِمَعْنًى كَفَرِهٍ وَفَارِهٍ. الْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَأْتِ مِمَّا فَاؤُهُ يَاء وَعَيْنُهُ وَاو إلَّا يَوْمَ وَيُوحَ اسْم لِلشَّمْسِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا زَمَان مُمْتَدّ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الْحِسَابُ وَيَسْتَقِرُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ: {الدِّينِ} الْجَزَاءُ وَالْحِسَابُ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ إلَى الظَّرْفِ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّسَاعِ وَقِيلَ إلَى الْمَفْعُولِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
وَفِي إضَافَةِ مَالِكِ إشْكَال، لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَهِيَ غَيْرُ مَحْضَةٍ فَلَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ فَلَا تَكُونُ صِفَةً لِلْمَعْرِفَةِ وَلَا بَدَلًا.
لِأَنَّ الْبَدَلَ بِالصِّفَاتِ ضَعِيف فَقِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّ الْإِضَافَةَ بِمَعْنَى الْمَاضِي، وَهُوَ حَقّ، لِأَنَّ الْمَلِكَ مُتَقَدِّم وَإِنْ تَأَخَّرَ الْمَمْلُوكُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ- بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ- وَجْهَيْنِ.