فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

فبين الله سبحانه أن نفاقهم كُشِف للمسلمين، وأن ذلك لا ينفعُهم أمَّا في الدنيا فَلإِطْلاع الله نبيُّه عليه السلام والمؤمنين- عليه، وأَمَّا في الآخرة فَلِفَقْدِ إخلاصهم فيه. اهـ.

.من فوائد القرطبي:

قال عليه الرحمة:
نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيّف وغيرهما، قالوا للسفلة من قومهم: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار، يعني أوّله.
وسمي وجهًا لأنه أحسنه، وأوّل ما يُوَاجه منه أوّلُه.
قال الشاعر:
وتُضِيءُ في وجه النهارِ منيرةٌ ** كجُمَانة البحرِيّ سُلّ نِظامُها

وقال آخر:
من كان مسرورًا بمقتل مالكٍ ** فليأتِ نسوتنا بوجه نهارِ

وهو منصوب على الظرف، وكذلك آخرَه.
ومذهب قتادة أنهم فعلوا ذلك ليشككوا المسلمين.
والطائفة الجماعة، من طاف يطوف، وقد يستعمل للواحد على معنى نفس طائفة.
ومعنى الآية أن اليهود قال بعضهم لبعض: أظهروا الإيمان بمحمد في أوّل النهار ثم اكفروا به آخرَه؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك ظهر لمن يتبعه ارتياب في دينه فيرجعون عن دينه إلى دينكم، ويقولون إن أهل الكتاب أعلم به منا.
وقيل: المعنى آمنوا بصلاته في أوّل النهار إلى بيت المقدس فإنه الحق، واكفروا بصلاته آخر النهار إلى الكعبة لعلهم يرجعون إلى قِبلتكم؛ عن ابن عباس وغيره.
وقال مقاتل: معناه أنهم جاءوا محمدًا صلى الله عليه وسلم أوّل النهار ورجعوا من عنده فقالوا للسّفلة: هو حق فاتبعوه، ثم قالوا: حتى ننظر في التوراة ثم رجعوا في آخر النهار فقالوا: قد نظرنا في التوراة فليس هو به.
يقولون أنه ليس بحق، وإنما أرادوا أن يُلبسوا على السّفلة وأن يُشكِّكوا فيه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (73):

قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى الله أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أن يؤتى} بهمزتين وتليين الثانية: ابن كثير. الباقون بهمزة واحدة {يؤدهى ولا يؤدهى} ابن كثير ونافع غير قالون وابن عامر وعلي وخلف وحفص والمفضل وعباس وسهل وزيد عن يعقوب، وقرأه أبو جعفر وقالون يعقوب غير زيد وأبو عمرو في رواية الزيدي طريق أبي أيوب الهاشمي بالاختلاس. الباقون ساكنة الهاء.
{تعلمون} بالتشديد. عاصم وعلي وحمزة وخلف وابن عامر. فحذف المفعول الأول للعلم به وهو الناس. الباقون {تعلمون} بالتخفيف من العلم.
{ولا يأمركم} بالرفع: ابن كثير وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وعلي والأعشى والبرجمي وأبو زيد غير المفضل، وقرأ أبو عمرو بالاختلاس. الباقون بالنصب.

.الوقوف:

{يرجعون} ج للعطف {دينكم} ط {هدى الله} (لا) لأن التقدير ولا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أويتم إلا لمن تبع دينكم. وقوله: {قل} مع مقوله معترض. ومن قرأ {آن يؤتى} مستفهمًا وقف عليها.
{عند ربكم} ط {بيد الله} ج ط لأن {يؤتيه} لا يتعلق بما قبله مع أن ضمير فاعله عائد إلى الله.
{من يشاء} ط {عليم} o ط ج لاحتمال الاستئناف والصفة.
{من يشاء} ط {العظيم} o {إليك} الأولى ج لتضاد الجملتين معنى مع اتفاقهما لفظًا.
{قائمًا} ط {سبيل} ج لأن الواو للاستئناف مع اتساق معنى الكلام {يعلمون} o {للمتقين} o {يزكيهم} ص {أليم} o {وما هو من الكتاب} ج لعطف المتفقتين مع وقوع العارض {وما هو عند الله} ج {يعلمون} o {تدرسون} o لا لمن قرأ {ويأمركم} بالنصب عطفًا على {أن يؤتيه} {أربابًا} ط {مسلمون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{ولا تؤمنوا} أي توقعوا التصديق الحقيقي {إلا لمن تبع دينكم} فصوبوا طريقته وصدقوا دينه وعقيدته.
ولما كان هذا عين الضلال أمره سبحانه وتعالى أن يعجب من حالهم منبهًا على ضلالهم بقوله معرضًا عنهم إيذانًا بالغضب: {قل إن الهدى هدى الله} أي المختص بالعظمة وجميع صفات الكمال، أي لا تقدرون على إضلال أحد منا عنه، ولا نقدر على إرشاد أحد منكم إليه إلا بإذنه، ثم وصل به تقريعهم فقال: أن بإثبات همزة الإنكار في قراءة ابن كثير، وتقديرها في قراءة غيره، أي أفعلتم الإيمان على الصورة المذكورة خشية أن {يؤتى أحد} أي من طوائف الناس {مثل ما أوتيتم} أي من العلم والهدى الذي كنتم عليه أول الأمر {أو} كراهة أن {يحاجوكم} أي يحاجكم أولئك الذين أوتوا مثل ما أوتيتم {عند ربكم} الذي طال إحسانه إليكم بالشهادة عليكم أنهم آمنوا وكفرتم بعد البيان الواضح فيفضحوكم.
ولما كانت هذه الآية شبيهة بآية البقرة {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} [البقرة: 105] في الحسد على ما أوتي غيرهم من الدين الحق وكالشارحة لها ببيان ما يلبيسونه لقصد الإضلال ختمت بما ختمت به تلك، لكن لما قصد بها الرد عليهم في كلا هذين الأمرين اللذين دبروا هذا المكر لأجلهما زيدت ما له مدخل في ذلك فقال تعالى مجيبًا لمن تشوف إلى تعليم ما لعله يكف من مكرهم ويؤمن من شرهم معرضًا عنهم بالخطاب بعد الإقبال عليهم به إيذانًا بشديد الغضب: {قل إن الفضل} في التشريف بإنزال الآيات وغيرها {بيد الله} المختص بأنه لا كفوء له، فله الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وأتبعه نتيجته فقال: {يؤتيه من يشاء} فله مع كمال القدرة كمال الاجتباء، ثم قال مرغبًا مرهبًا ورادًا عليهم في الأمر الثاني: {والله} الذي له من العظمة وسائر صفات الكمال ما لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأوهام {واسع عليم} أي يوسع على من علم فيه خيرًا، ويهلك من علم أنه لا يصلح لخير، ويعلم دقيق أمركم وجليله، فلا يحتاج سبحانه وتعالى إلى تنبيه أحد بمحاجتكم عليه عنده.
ولما كان هذا من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تأكيد انتقل عنه إلى تأكيد الرد عليهم في الأمر الأول بثمرة هذه الجملة ونتيجتها من أنه فاعل بالاختيار تام الاقتدار فقال: {يختص برحمته من يشاء} ثم أكد تعظيم ما لديه دفعًا لتوهم من يظن أن اختصاص البعض لضيق الرحمة عن العموم فقال: {والله} الذي كل شيء دونه فلا ينقص ما عنده {ذو الفضل العظيم} وكرر الاسم الأعظم هنا تعظيمًا لما ذكر من النعم مشيرًا بذلك كله إلى التمكن من الإعطاء باختباره وغزارة فضله وإلى القدرة على الإنجاء من حبائل المكر بسعة علمه. اهـ.

.قال الفخر:

اتفق المفسرون على أن هذا بقية كلام اليهود، وفيه وجهان:
الأول: المعنى: ولا تصدقوا إلا نبيًا يقرر شرائع التوراة، فأما من جاء بتغيير شيء من أحكام التوراة فلا تصدقوه، وهذا هو مذهب اليهود إلى اليوم، وعلى هذا التفسير تكون اللام في قوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ} صلة زائدة فإنه يقال صدقت فلانًا.
ولا يقال صدقت لفلان، وكون هذه اللام صلة زائدة جائز، كقوله تعالى: {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] والمراد ردفكم والثاني: أنه ذكر قبل هذه الآية قوله: {آمنوا وجه النهار واكفروا آخره}.
ثم قال في هذه الآية: {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} أي لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل من تبع دينكم، كأنهم قالوا: ليس الغرض من الإتيان بذلك التلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم، فالمعنى ولا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل من تبع دينكم، فإن مقصود كل واحد حفظ أتباعه وأشياعه على متابعته.
ثم قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} قال ابن عباس رضي الله عنهما.
معناه: الدين دين الله ومثله في سورة البقرة {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} [البقرة: 120].
واعلم أنه لابد من بيان أنه كيف صار هذا الكلام جوابًا عما حكاه عنهم؟ فنقول: أما على الوجه الأول وهو قولهم لا دين إلا ما هم عليه، فهذا الكلام إنما صلح جوابًا عنه من حيث أن الذي هم عليه إنما ثبت دينًا من جهة الله، لأنه تعالى أمر به وأرشد إليه وأوجب الانقياد له وإذا كان كذلك، فمتى أمر بعد ذلك بغيره، وأرشد إلى غيره، وأوجب الانقياد إلى غيره كان نبيًا يجب أن يتبع، وإن كان مخالفًا لما تقدم، لأن الدين إنما صار دينًا بحكمه وهدايته، فحيثما كان حكمه وجبت متابعته، ونظيره قوله تعالى جوابًا لهم عن قولهم: {مَا ولاهم عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لّلَّهِ المشرق والمغرب} [البقرة: 142] يعني الجهات كلها لله، فله أن يحول القبلة إلى أي جهة شاء، وأما على الوجه الثاني فالمعنى أن الهدى هدى الله، وقد جئتكم به فلن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف.
ثم قال تعالى: {أَن يؤتى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ}.
واعلم أن هذه الآية من المشكلات الصعبة، فنقول هذا إما أن يكون من جملة كلام الله تعالى أو يكون من جملة كلام اليهود، ومن تتمة قولهم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم}، وقد ذهب إلى كل واحد من هذين الاحتمالين قوم من المفسرين.
أما الاحتمال الأول: ففيه وجوه:
الأول: قرأ ابن كثير {أن يؤتى} بمد الألف على الاستفهام والباقون بفتح الألف من غير مد ولا استفهام، فإن أخذنا بقراءة ابن كثير، فالوجه ظاهر وذلك لأن هذه اللفظة موضوعة للتوبيخ كقوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا قَالَ أساطير الأولين} [القلم: 14، 15] والمعنى أمن أجل أن يؤتي أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع ينكرون اتباعه؟ ثم حذف الجواب للاختصار، وهذا الحذف كثير يقول الرجل بعد طول العتاب لصاحبه، وتعديده عليه ذنوبه بعد كثرة إحسانه إليه أمن قلة إحساني إليك أمن إهانتي لك؟ والمعنى أمن أجل هذا فعلت ما فعلت؟ ونظيره قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ الليل ساجدا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الأخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ} [الزمر: 9] وهذا الوجه مروي عن مجاهد وعيسى بن عمر.
أما قراءة من قرأ بقصر الألف من أن فقد يمكن أيضا حملها على معنى الاستفهام كما قرئ {سَوَاءَ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [البقرة: 6] بالمد والقصر، وكذا قوله: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} قرئ بالمد والقصر، وقال امرؤ القيس:
تروح من الحي أم تبتكر؟ ** وماذا عليك ولم تنتظر

أراد أروح من الحي؟ فحذف ألف الاستفهام، وإذا ثبت أن هذه القراءة محتملة لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.
الوجه الثاني: أن أولئك لما قالوا لأتباعهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتي أحد سواكم من الهدى مثل ما أوتيتموه {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} يعني هؤلاء المسلمين بذلك {عِندَ رَبّكُمْ} إن لم تقبلوا ذلك منهم، أقصى ما في الباب أنه يفتقر في هذا التأويل إلى إضمار قوله فلا تنكروا لأن عليه دليلًا وهو قوله: {إِنَّ الهدى هُدَى الله} فإنه لما كان الهدى هدى الله كان له تعالى أن يؤتيه من يشاء من عباده ومتى كان كذلك لزم ترك الإنكار.
الوجه الثالث: إن الهدى اسم للبيان كقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} [فصلت: 17] فقوله: {إِنَّ الهدى} مبتدأ وقوله: {هُدَى الله} بدل منه وقوله: {أَن يؤتى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} خبر بإضمار حرف لا، والتقدير: قل يا محمد لا شك أن بيان الله هو أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وهو دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان وأن لا يحاجوكم يعني هؤلاء اليهود عند ربكم في الآخرة لأنه يظهر لهم في الآخرة أنكم محقون وأنهم مضلون، وهذا التأويل ليس فيه إلا أنه لابد من إضمار حرف {لا} وهو جائز كما في قوله تعالى: {أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 44] أي أن لا تضلوا.
الوجه الرابع: {الهدى} اسم و{هُدَى الله} بدل منه و{أَن يؤتى أَحَدٌ} خبره والتقدير: إن هدى الله هو أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم، وعلى هذا التأويل فقوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ} لابد فيه من إضمار، والتقدير: أو يحاجوكم عند ربكم فيقضى لكم عليهم، والمعنى: أن الهدى هو ما هديتكم به من دين الإسلام الذي من حاجكم به عندي قضيت لكم عليه، وفي قوله: {عِندَ رَبّكُمْ} ما يدل على هذا الإضمار ولأن حكمه بكونه ربًا لهم يدل على كونه راضيًا عنهم وذلك مشعر بأنه يحكم لهم ولا يحكم عليهم.
والاحتمال الثاني: أن يكون قوله: {أَن يؤتى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من تتمة كلام اليهود، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم، قل إن الهدى هدى الله، وأن الفضل بيد الله، قالوا، والمعنى لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم، وأسروا تصديقكم، بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا إلى أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم ثباتًا ودون المشركين لئلا يدعوهم ذلك إلى الإسلام. اهـ.