فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الكلبي: إن ناسًا من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الأشرف بالمدينة، فسألهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول الله في كتابكم؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا. قالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله. قال كعب: لقد حرمكم الله خيرًا كثيرًا. لقد قدمتم عليّ وأنا أريد أن أميركم وأكسوا عيالكم فحرمكم الله وحرم عيالكم. فقالوا: فإنه شبه لنا فرويدًا حتى نلقاه. فانطلقوا وكتبوا صفة سوى صفته ثم انتهوا إلى رسول الله فكلموه وسألوه ثم رجعوا فقالوا: لقد كنا نرى أنه رسول الله فلما أتيناه إذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا، ووجدنا نعته مخالفًا للذي عندنا. وأخرجوا الذين كتبوا فنظر إليه كعب ففرح وأمارهم وأنفق عليهم فنزلت.
وعن الأشعث بن قيس: خاصمت رجلًا في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «شاهداك أو يمينه». فقلت: إذًا يحلف ولا يبالي. فقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف عليّ يمين يستحق بها مإلا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ونزلت الآية على وفقه.
وقيل: نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه. ومعنى يشترون يستبدلون، وعهود الله مواثيقه، واليمين هي التي يؤكد الإنسان بها خبره من وعد أو وعيد أو إنكار أو إقرار بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته أو ما يجري مجراه. والثمن القليل متاع الدنيا من المال والجاه ونحوهما. ثم أنه تعالى رتب على الشراء بعهد الله وبأيمانهم ثمنًا قليلًا خمسة أنواع من الجزاء فقوله: {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} إشارة إلى أنه لا نصيب لهم في منافعها ونعيمها. وقوله: {ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم} إشارة إلى حرمانهم عما عند الله من الكرامات والقرب. وقوله: {ولهم عذاب أليم} إشارة إلى ما يحصل لهم هنالك من صنوف الآلام وضروب الأهوال. قال المحققون ومنهم القفال: المقصود من هذه الكلمات بيان شدة سخط الله عليهم لأن من منع كلامه في الدنيا غيره فإنما ذلك لسخطه عليه، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول: لا أكلمك ولا أرى وجهك. وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل. قال في الكشاف: لا ينظر إليهم مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم. تقول: فلأن لا ينظر إلى فلان تريد نفي اعتداده به. وأصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثمة نظر. ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجردًا لمعنى الإحسان مجازًا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر.
قلت: لعله أراد بهذا المجاز الاستعارة كأنه شبه هذا النظر بذاك النظر، ثم حذف المشبه وأداة التشبيه فبقي استعارة. وفي التفسير الكبير: لا يجوز أن يكون المراد من هذا النظر الرؤية لأنه تعالى يراهم كما يرى غيرهم، ولا يجوز أن يكون المراد من النظر تقليب الحدقة إلى جانب المرئي التماسًا لرؤيته لأن هذا من صفات الأجسام وهو تعالى منزه عن ذلك، وقد احتج المخالف بهذه الآية على أن النظر المقرون بحرف إلى ليس بمعنى الرؤية وإلا لزم من هذه الآية أن لا يكون الله رائيًا وذلك باطل. قلت: يجوز أن يراد بهذا النظر النظر المعهود وهو الذي سيخص الله تعالى به أولياءه من أنه ينظر إليهم وينظرون إليه {وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22، 23] وعلى هذا جاز أن يكون النظر بمعن الرؤية لأنه لا يلزم من نفي رؤية يراه العباد أيضا وقتئذٍ نفي رؤية لا يرونه حينئذٍ {وإن منهم لفريقًا} عن ابن عباس هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة وكتبوا كتابًا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم {يلوون ألسنتهم بالكتاب} قال القفال: معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفوها في حركات الإعراب تحريفًا يتغير به المعنى. فإن الليَّ عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية. وإنما كانوا يفعلون مثل ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي غيرها بحسب أغراضهم الفاسدة. وفي الكشاف: أي يقتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف. أقول: وذلك أن لي اللسان أشبه بالتشدق والتنطع والتكلف مذموم، فعبر الله عن قراءتهم لذلك الكتاب الباطل بليّ اللسان ذمًا لهم وتقريعًا، ولم يعبر عنها بالقراءة، والعرب تفرق بين ألفاظ المدح والذم في الشيء الواحد {لتحسبوه} أي المحرف الذي دل عليه {يلوون}.
ويجوز أن يقدر مضاف محذوف أي يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب {وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله} نفى أوّلًا كونه من الكتاب، ثم عطف عليه النفي العام ليعلم أنه كما أنه ليس من الكتاب ليس بسنة ولا إجماع ولا قياس. فإن كل هذا يصدق عليه أنه من عند الله بمعنى كونه حكمًا من أحكامه المستنبطة من الأصول. ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فقط وبقولهم: {هو من عند الله} أنه موجود في كتاب سائر الأنبياء. وذلك أن القوم في نسبة ذلك المحرف إلى الله كانوا متحيرين خابطين. فإن وجدوا قومًا من الأغمار الجاهلين بالتوراة قالوا: أنه من التوراة. وإن وجدوا قومًا عقلاء زعموا أنه موجود في كتب سائر الأنبياء.
واعلم أنه إن كان المراد من التحريف تغيير ألفاظ التوراة أو إعراب ألفاظها فالذين أقدموا على ذلك يجب أن يكونوا طائفة يسيرة يجوز التواطؤ منهم على الكذب، وإن كان المعنى تشويش دلالة تلك الآيات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشكوك والشبهات في وجوه الاستدلالات كما يفعله المبطلون في ملتنا إذا استدل المحقون بآية من كتاب الله تعالى لم يبعد إطباق الخلق الكثير والجم الغفير عليه. احتج الجبائي والكعبي بالآية على أن فعل العبد ليس بخلق الله تعالى وإلا صدق اليهود في قولهم هو من عند الله، لكن الله كذبهم. والغلط فيه أن القوم ما ادعوا أن التحريف من عند الله وبخلقه، وإنما ادعوا أن المحرف منزل من عند الله، أو هو حكم من أحكامه فتوجه التكذيب تكذيب الله إياهم إلى هذا الذي زعموا لا إلى ما لم يزعموا، فلم يبق لهما في الآية استدلال. ثم من جملة ما حرفه أهل الكتاب أن زعموا أن عيسى كان يدعي الإلهية ويأمر قومه بعبادته فلهذا قال عز من قائل: {ما كان لبشر} الآية. وقيل: إن أبا رافع القرضي من اليهود والسيد من نصارى نجران قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريد أن نعبدك ونتخذك ربًا؟ فقال: معاذ الله أن نعبد غير الله أو أن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت. وقيل: إن رجلًا قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله» وقيل: زعمت اليهود أن أحدًا لا ينال من درجات الفضل ما نالوه فقال لهم الله: إن كان الأمر كما قلتم وجب أن لا تشتغلوا باستعباد الناس واستخدامهم وهذا الوجه يحتمله لفظ الآية فإن قوله: {ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله} كقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبأنهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31] ومعنى قوله: {ما كان لبشر} قال الأصم: لو أرادوا أن يقولوا ذلك لمنعهم الله منه نظيره {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} [الحاقة: 44، 45] {لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات} [الإسراء: 74، 75] وقيل: معناه أنه تعالى لا يشرف عبدًا بالنبوة إلا إذا علم منه أنه لا يقول مثل ذلك الكلام. وقيل: إن الرسول يدعي تبليغ الأحكام عن الله تعالى ويحتج على صدقه بالمعجزة. فلو أمرهم بعبادة نفسه بطل دلالة المعجزة على كونه صادقًا. والتحقيق أن الأنبياء موصوفون بصفات لا يحصل معها هذا الادعاء، لأن النفس ما لم تكن كاملة بحسب قوتها النظرية والعملية لم تكن مستعدة لقبول نزول الكتاب السماوي عليه وللحكم وهو فهم ذلك الكتاب وبيانه.
وقد يعبر عنه بالسنة والنبوة وهو كونه مأمورًا بتبليغ ما فهم إلى الخلق، وما أحسن هذا الترتيب، وإذا كانت كاملة بحسب القوتين وما يتبعهما امتنع من مثله مل هذا القول والاعتقاد، لأن غاية جهد النبي وقصارى أمره صرف القلوب والأرواح من الخلق إلى الحق، فكيف يعقل منه ضده؟ فتبين أنه ليس المراد من قوله: {ما كان لبشر} إلى قوله: {كونوا عبادًا لي من دون الله} أنه يحرم عليه هذا الكلام لأن ذلك محرم على كل الخلق. ولو كان المراد منه التحريم لم يكن فيه تكذيب للنصارى في ادعائهم ذلك على المسيح، لأن من ادعى على رجل فعلًا فقيل له إن فلانًا لا يحل له أن يفعل ذلك لم يكن مكذبًا له فيما ادعاه عليه. ومثله {ما كان لله أن يتخذ من ولد} [مريم: 35] على سبيل النفي لذلك عن نفسه لا على وجه التحريم والحظر. وكذا قوله: {ما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 161] ومعناه النفي لا النهي. ومعنى {ثم} في قوله: {ثم يقول} تبعيد هذا القول عن مثل ذلك البشر {ولكن كونوا} ولكن يقول كونوا {ربانيين} قال سيبويه: الرباني منسوب إلى الرب بمعنى كونه عالمًا به ومواظبًا على طاعته كما يقال: رجل إلهي إذا كان مقبلًا على معرفة الإله وطاعته. وزيادة الألف والنون في النسبة فقط للدلالة على كمال هذه الصفة كما قالوا: شعراني ولحياني ورقباني للموصوف بكثرة الشعر وطول اللحية وغلظ الرقبة. وقال المبرد: والربانيون أرباب العلم واحدها ربان وهو الذي يرب العلم ويرب الناس بتعليمهم وإصلاحهم والقيام بأمرهم. والألف والنون كما في ريان وعطشأن لا يختص بحال النسبة. والربانيون بهذا التفسير يشمل الولاة أيضا. قال القفال: يحتمل أن يكون الوالي يسمى ربانيًا لأن يطاع كالرب تعالى فينسب إليه. فمعنى الآية: ولكن يدعوكم إلى أن تكونوا ملوكًا وعلماء باستعمالكم أمر الله تعالى ومواظبتكم على طاعته. وقال أبو عبيدة: أحسب أن هذه الكلمة ليست بعربية إنما هي عبرانية أو سريانية. وسواء كانت عربية أو عبرية تدل على الإنسان الذي علم وعمل بما علم ثم اشتغل بتعليم طرق الخير.
عن محمد ابن الحنفية أنه قال حين مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة. والباء في قوله: {بما كنتم} للسببية وما مصدرية و{تعلمون} من التعليم أو العلم على القراءتين فيعلم منه أن التعليم أو العلم أو الدراسة وهي القراءة توجب على صاحبها كونه ربانيًا، والسبب لا محالة مغاير للمسبب فهذا يقتضي أن يكون كونه ربانيًا أمرًا مغايرًا لكونه عالمًا ومعلمًا ومواظبًا على قراءة العلم، وما ذاك إلا بأن يكون تعلمه لله وتعليمه لله ودراسته لله.
فمن اشتغل بالعلم والتعليم والدراسة لا لهذا الغرض خاب وخسر وكان السبب بينه وبين ربه منقطعًا وكان مثله كمن غرس شجرة تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «نعوذ بالله من قلب لا يشخع ومن علم لا ينفع» وفي الآية دليل على صحة قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» تأمل تفهم بإذن الله.
{ولا يأمركم} من قرأ بالنصب فوجهان: أحدهما أن تجعل {لا} مزيدة لتأكيد النفي أي ما ينبغي لبشر أن ينصبه الله منصب الدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة ثم يخالفه إلى أن يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمركم {أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا} كما نقول: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ويستخف بي. والثاني أن يكون حرف النفي غير زائد فيرجع المعنى إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسل كان ينهي قريشًا عن عبادة الملائكة، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح بحيث قالوا له: أنتخذك ربًا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء، فيكون عدم الأمر في معنى النهي. ويراد بالنبيين غيره صلى الله عليه وسلم كأنه أخرج نفسه بتلك الدعوى عن زمرة الأنبياء. ومن قرأ بالرفع على الاستئناف فظاهر وتنصره قراءة عبد الله بن مسعود {ولن يأمركم} والضمير فيه على قراءة الرفع- قال الزجاج- لله. وقال ابن جريج لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: لعيسى. وإنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا بعبادة غير الله لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة وعبادة المسيح.
{أيأمركم} أي البشر وقيل: الله {بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} ومعنى الاستفهام الإنكار أي أنه لا يفعل ذلك. قيل: وفيه دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجدوا له. قلت: وضع الشيء ابتداء أسهل من رفع نقيضه ثم وضعه، فيحتمل أن يكون المراد ما صح ولا يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبادة نفسه أول ما استنبئ، فكيف يعقل أن يأمرهم بذلك بعد الفهم بالإسلام واستنارة باطنهم بنور الهدى والإيمان بالله؟. اهـ.

.قال الفخر:

قال الجبائي: الآية دالة على فساد قول من يقول: الكفر بالله هو الجهل به والإيمان بالله هو المعرفة به، وذلك لأن الله تعالى حكم بكفر هؤلاء، وهو قوله تعالى: {أَيَأْمُرُكُم بالكفر} ثم إن هؤلاء كانوا عارفين بالله تعالى بدليل قوله: {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ الله} وظاهر هذا يدل على معرفته بالله فلما حصل الكفر هاهنا مع المعرفة بالله دل ذلك على أن الإيمان به ليس هو المعرفة والكفر به تعالى ليس هو الجهل به.
والجواب: أن قولنا الكفر بالله هو الجهل به لا نعني به مجرد الجهل بكونه موجودًا بل نعني به الجهل بذاته وبصفاته السلبية وصفاته الإضافية أنه لا شريك له في المعبودية، فلما جهل هذا فقد جهل بعض صفاته. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بنصب {يَأمُرَكُمْ} والباقون بالرفع وأبو عمرو على أصله من جواز تسكين الراء والاختلاس، وهي قراءة واضحة، سهلة التخريج، والمعنى، وذلك أنها على القطع والاستئناف.
أخبر تعالى- بأن ذلك الأمر لا يقع، والفاعل فيه احتمالان:
أحدهما: هو ضمير الله- تعالى-.
الثاني: هو ضمير الموصوف المتقدم.
والمعنى: ولا يأمركم الله، وقال ابن جريج وجماعة: ولا يأمركم محمد أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا وقيل: لا يأمركم عيسى.
وقيل: لا يأمركم الأنبياء أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرْبابًا، كفعل قريش والصابئين- حيث قالوا في المسيح هو العزير.
والمعنى على عوده على {بَشَر} أنه لا يقع من بشر موصوفٍ بما وُصِفَ به أن يَجْعَل نفسه ربًّا، فيُعْبَدَ، ولا يأمر- أيضا- أن تُعْبَد الملائكةُ والنبيون من دون الله، فانتفى أن يدعوَ الناسَ إلى عبادة نفسه، وإلى عبادة غيره- والمعنى- على عَوْده على الله- تعالى- أنه تعالى أخْبَر أنه لم يَأمُرْ بذلك، فانتفى أمر الله وأمر أنبيائه بعبادة غيره تعالى.
وأما قراءة النصب ففيها وجوهٌ:
أحدها: قول أبي علي وغيره، وهو أن يكون المعنى: دلالة أن يأمركم، فقدروا أن مضمرة بعده وتكون لا مؤكِّدة لمعنى النفي السابق، كما تقول: ما كان من زيد إتيان ولا قيام وأنت تريد انتفاء كل واحد منهما عن زيد، فلا للتوكيد لمعنى النفي السابق، وبقي معنى الكلام: ما كان من زيد إتيان، ولا منه قيام.
الثاني: أن يكون نصبه لنَسَقه على {أَن يُؤْتِيهُ} قال سيبويه: والمعنى: وما كان لبَشَرٍ أن يأمركم أن تتخِذُوا الملائكة.
قال الواحديُّ: ويُقوي هذا الوجهَ ما ذكرنا من أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أتريد يا محمدُ أن نتخذَك رَبًّا؟ فنزلت.
الثالث: أن يكون معطوفًا على {يَقُولُ} في قراءة العامة- قاله الطَّبَريُّ.
قال ابن عطيةَ: وهذا خَطأ لا يلتئم به المعنى، ولم يبين أبو مُحَمدٍ وَجْهَ الخَطَأ ولا عدم التآم المعنى.