فصل: من فوائد الشعراوي في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإلى هذا يرجع ما ورد في القرآن من دعوة إبراهيم عليه السلام: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم} [البقرة: 129]، وقد جاء في سفر التثنية قول موسى عليه السلام: قال لي الربّ أقيم لهم نبيئًا من وسط إخوتهم مثلَك وأجْعَلُ كلامي في فمه فيكلمهم بكلّ ما أوصيه به.
وإخوَةُ بني إسرائيل هم بنو إسماعيل، ولو كان المراد نبيئًا إسرائيليًا لقال أقيم لهم نبيئًا منهم على ما في ترجمة التوراة من غموض ولعلّ النص الأصلي أصرح من هذا المترجم.
والبشارات في كتب أنبياء بني إسرائيل وفي الأناجيل كثيرة ففي متى قول المسيح وتقوم أنبياء كذَبة كثيرون ويضلون كثيرين ولكنّ الذي يصبر أي يبقى أخيرًا إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادةً لجميع الأمم ثم يَأتي المنتهَى وفي إنجيل يوحنا قول المسيح وأنا أطلب من الأب فيعطيكم مُعَزِّيًا آخر ليَمكث معكم إلى الأبد وأما المُعَزِّي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلتُه لكم ومتى جاء المعزِّي روحُ الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي إلى غير ذلك.
وفي أخذ العهد على الأنبياء زيادة تنويه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى هو ظاهر الآية، وبه فسر محققو المفسرين من السلف والخلف منهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وطاووس، والسدي.
ومن العلماء من استبعد أن يكون أخذ العهد على الأنبياء حقيقة نظرًا إلى قوله: {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (توهموه متعينًا لأن يكون المراد بمن تولّى من النبيين المخاطبين، وستعلم أنه ليس كذلك) فتأوّلوا الآية بأنّ المراد أخذ العهد على أممهم، وسلكوا مسالك مختلفة من التأويل فمنهم من جعل إضافة الميثاق للنبيين إضافة تشبه إضافة المصدر إلى فاعله أي أخذ الله على الأمم ميثاق أنبيائهم منهم.
ومنهم من قدَّر حذف المضاف أي أمم النبيئين أو أولاد النبيئين وإليه مال قول مجاهد والربيع، واحتجوا بقراءة أبي، وابن مسعود، هذه الآية: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيناكم من كتاب}، ولم يقرأ ميثاق النبيئين، وزاد مجاهد فقال: إن قراءة أبي هي القرآن، وإنّ لفظ النبيئين غلط من الكتَّاب، وردّه ابن عطية وغيره بإجماع الصحابة والأمة على مصحف عثمان.
وقوله: {لما آتيناكم} قرأ الجمهور {لَمَا} بفتح اللام وتخفيف الميم فاللام موطئة للقسم، لأنّ أخذ الميثاق في معنى اليمين وما موصوله مبتدأ {وآتيناكم} صلته وحذف العائد المنصوب جرى على الغالب في مثله ومِن كتاب بيان للموصول وصلتِه، وعُطف {ثم جاءكم} على {آتيْناكم} أي الذي آتيناكموه وجاءكم بعده رسول.
ولتؤمننّ اللام فيه لام جواب القسم والجواب سدّ مسد خبر المبتدأ كما هو المعروف وضمير به عائد على المذكور أي لتؤمنّن بما آتيناكم وبالرسول، أو هو عائد على الرسول وحذف ما يعود على ما آتيناكم لظهوره.
وقرأه حمزة: بكسر لام لما فتكون اللام للتعليل متعلق بقوله: {لتؤمننّ به} أي شكرًا على ما آتيتُكم وعلى أن بعثت إليكم رسولًا مصدّقًا لما كنتم عليه من الدين ولا يضرّ عمل مَا بعد لام القسم فيما قبلها فأخْذ الميثاق عليهم مطلقًا ثم علّل جواب القسم بأنه من شكر نعمة الإيتاء والتصديق، ولا يصح من جهة المعنى تعليق {لما آتيتكم} بفعل القسم المحذوف، لأنّ الشكر علة للجواب، لا لأخْذ العهد.
ولام {لتؤمِننّ} لام جواب القسم، على الوجه الأول، وموطئة للقسم على الوجه الثاني.
وقرأ نافع، وأبو جعفر: آتيناكم بنون العظمة وقرأه الباقون {آتيتكم} بتاء المتكلم.
وجملة قال: {أأقررتم} بدل اشتمال من جملة {أخذ الله ميثاق النبيين}.
والإقرار هنا مستعمل في معنى التحقيق بالوفاء مما أخذ من الميثاق.
والإصر: بكسر الهمزة، العهد المؤكد الموثق واشتقاقه من الإصار بكسر الهمزة وهو ما يعقد ويسدّ به، وقد تقدم الكلام على حقيقته ومجازه في قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا} في سورة [البقرة: 286].
(وقوله: {فاشهدوا} إن كان شهادة على أنفسهم فهي بمعنى التوثق والتحقيق وكذلك قوله: {وأنا معكم من الشاهدين} كقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] وإن كانت شهادة على أممهم بتبليغ ذلك الميثاق فالمعنى فاشهدوا على أممكم بذلك، والله شاهد على الجميع كما شهد النبيئون على الأمم.
وقوله: {فمن تولى بعد ذلك} أي من تولّى مِمن شهدتم عليهم، وهم الأمم، ولذلك لم يقل فمن تولّى بعد ذلك منكم كما قال في الآية التي خوطب فيها بنو إسرائيل في سورة [المائدة: 12]: {فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبيل}.
ووجه الحَصر في قوله: {فأولئك هم الفاسقون} أنه للمبالغة لأنّ فسقهم في هذه الحالة أشد فسق فجعل غيره من الفسق كالعدَم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيتين:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}.
هذه الآية تجعلنا نتعرف على أسباب بعث الحق لموكب الرسل، ونعرف جميعا أن المنهج الأول قد أنزله الله على آدم عليه السلام متضمنا كل ما يجعل الحياة تسير إلى انسجام، وبلّغ آدم أولاده هذا المنهج كما علمهم أمور حياتهم، تماما مثلما يعلم الأب أبناءه ما يخدم أمور حياتهم، كما يقوم بإبلاغ الأبناء مطلوب الدين، والأبناء يبلغون أبناءهم، وتتواصل البلاغ من جيل إلى جيل كي يكتمل وصول المنهج للذرية، ولكن مع توالي الزمن وتتابعه نجد أن بعضا من مطلوبات الدين يتم نسيانها.
إن هذا دليل على أن الناس قد غفلت عن المنهج وهكذا نرى أن الغفلة عن المنهج إنما تتم على مراحل، فبعد بلاغ المنهج نجد إنسانا يغفل عن جزئية، ما في هذا المنهج، وتنبهه نفسه وتلومه على تركه لتلك الجزئية، ونسمي صاحب هذا الموقف بصاحب النفس اللوامة، أنه يفعل السيئة لكن نفسه تعود إلى اليقظة لمنهج الله؛ لأنه يتمتع بوجود خلية المناعة الإيمانية فيه، وهناك إنسان آخر يستمرئ المخالفة للمنهج وتلح عليه نفسه بالمخالفة؛ أنه صاحب النفس الأمارة بالسوء، وتتوالى به دواعي ارتكاب السيئات، ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى غيره من خارج نفسه ليلفته إلى الخير.
وماذا يحدث للمجتمع إذا صار افراده جميعا من أصحاب النفس الأمارة بالسوء؟
إن معنى ذلك أن الفساد قد طم، ولابد من مجيء رسول؛ لأن مراد الحق سبحانه هو هداية الناس، لقد خلقنا سبحانه وله كل صفات الكمال، ولم يضف خلقُنا إليه شيئا. وها هو ذا الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، ياعبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لم أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا إلى صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياه، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
إن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا وهو من الأزل إلى الأبد، في تمام صفات الكمال ولم يضف له هذا الخلق شيئا، وهو القائل: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 57- 58].
إذن فعندما يشرع لنا الحق أمرًا فهو يشرعه لمصلحتنا؛ أنه سبحانه يحب لصنعته أن تظفر بسعادة المنهج؛ لذلك أنزل المنهج بافعل ولا تفعل وحين يقول المنهج: افعل ولا تفعل فهو لا يريد أن يحدد حرية الحركة على الخلق الا بما يحميهم، أنه يحدد حرية هنا ليحمي حرية هناك. فعندما حرم الله السرقة- على سبيل المثال- فالأمر شامل لكل البشر، فلا يسرق أحدا أحدا.
إن الحق سبحانه حين منع يدَ واحدٍ من السرقة، كان في ذلك منع لملايين الأيدي أن تسرق من هذا الإنسان، وفي هذا حماية لكل البشر من أن يسرق إنسان إنسانا آخر، وفي ذلك كسب لكل إنسان، فساعة تأخذ التشريع لا تأخذه على أنه مطلوب منك، ولكن خذه على أنه مطلوب منك ومطلوب لك أيضا.
ومثال آخر، لقد حرم المنهج على العبد المؤمن أن يمد عينيه إلى محارم غيره، ولم يكن هذا التحريم لعبد واحد، إنما لكل إنسان مؤمن، وبذلك لا تمتد أي عين إلى محارم هذا العبد، لقد جاء الأمر لك بغض البصر عن محارم غيرك وأنت واحد، وكففنا من أجلك ملايين الأبصار كيلا تمتد إلى محارمك.
إذن فكل عبد مؤمن يكسب حياة مطمئنة من وجود التشريع، وكل التشريعات إنما جاءت لصالحنا جميعا، ولذلك كان الحق رحيما بنا لأن رَكْبَ الرسل قد تواصل واستمر في الكون منذ آدم، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، والمنهج الذي جاء به كل هؤلاء الرسل لا تناقض فيه أبدا، لأن في هذا المنهج مصلحة للخلق، لذلك فلا يمكن أن يكون موكب رسول قد أتى، ليناقض موكب رسول آخر.
لكن ما الذي يأتي بالتناقض بين الأديان والمشرع واحد؟ وكل الناس عيال له؟
إننا نبرئ الرسل من التناقض، وإن حاول البعض أن يصوروا الأمر كذلك فلنعلم أن أتباع الرسل هم الذين يريدون لأنفسهم سلطة زمنية يتحكمون بها في الدنيا، فالذين كانت لهم سلطة زمنية في دين كاليهودية أو النصرانية فعلوا ذلك.
وعندما جاءت النصرانية على اليهودية قال أحبار اليهود: نحن لا نريد النصرانية لماذا؟ لأن السلطة الزمنية كانت في أيديهم، ولو أن هؤلاء الأحبار ظلوا باقين على ما أنزله الله عليهم من منهج لقَبَّلُوا يدي أي رسول قادم شاكرين له مقدَمَة ومجيئه وقالوا له: ساعدنا على أن نعمق فهمنا لمنهج الله.
إذن فالخلاف لا يحدث إلا حين توجد أهواء لها سلطات زمنية، وموكب الرسالات من يوم أن خلق الله الإنسان هو منهج متساند لا متعاند.
وحينما يأتي رسول ليجد أناسا غير مؤمنين بإله فالمشكلة تكون سهلة، لأنه سيلفتهم إلى إله واحد، وبالمنهج الذي يريده الله، لكن المشكلة تكون كبيرة مع الجماعة التي لها رسول وهم منسوبون إلى السماء فإذا ما جاء رسول من الله فهو يجيء وهؤلاء الأتباع قد أخذوا من ادعائهم بالانتساب لرسالة رسول سابق سلطة زمنية كما حدث مع اليهود والنصارى، فتعصبوا للدين الذي كانوا عليه متناسين أن كبارهم قد حرفوا المنهج لحساب السلطة الزمنية.
وقد استمر موكب الرسل إلى الخلق ليحمي الله الخلق من سيادة الانحراف واصطفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قد ضمن بقاء الخير في هذه الأمة، فإذا رأيت أناسا بالغوا في الإلحاد فثق أن هناك أناسا زادهم الله في المدد حتى يحدث التوازن؛ لأن الحق هو القائل: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول الحق سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].
إذن فإن امتنع الوازع النفسي في النفس اللوامة عند فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فسوف يأتي أناس مسلمون ينبهونه إلى المنهج، والحق سبحانه وتعالى لا يعصم الناس من أن يخطئوا فهو القائل: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ} [العصر: 1- 3].
إن الحق جاء بكلمة {وتواصوا}، ولم يأتِ بكلمة وصوا وذلك لنفهم أن التوصية أمر متبادل بين الجميع، فساعة يوجد إنسان في لحظة ضعف أمام المنهج توجد لحظة قوة عند غيره فيوصيه.
وترد هذه المسألة أيضا إلى الموصى، فقد تأتي له لحظة ضعف أمام المنهج؛ فيجد من يوصيه وهكذا نرى أنه لا يوجد أناس مخصوصون ليوصوا، وآخرون مهمتهم تلقى التوصية، إنما الأمر متبادل بينهم، وهذا هو التكافل الإيماني، والإنسان قد يضعف في مسألة من المسائل فيأتي أخ مؤمن يقول له: ابتعد عن هذا الضعف، إن هذه المسألة تحدث بالتناوب لمقاومة لحظات الأغيار في النفس البشرية؛ لأن لحظات الأغيار لا تجعل الإنسان يثبت على حال، فإذا ما رأينا إنسانا قد ضعف أمام التزام ما فعلينا أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، وأنت أيضا حين تضعف ستجد من أخوتك الإيمانية مَنْ يوصيك.
هذا هو الحال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأمم السابقة عليها فقد كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولذلك كأن لابد أن تتدخل السماء وتأتي برسول جديد ومعه معجزة جديدة تلفت العقول لفتا قسريا إلى أن هناك أشياء تأتي بها المعجزة، وهي خرق ناموس الكون، وفي ذلك لفت من الله للناس إلى مناطق القدرة.
6.
وأخذ الله الميثاق على الأنبياء بأن يبلغ كل نبي قومه هذا البلاغ، انتظروا أن ترسل إليكم السماء رسلا، وساعة يجيء الرسول المبلغ عن الله منهجه فكونوا معه، وأيدوه.
كان الرسل عليهم جميعا السلام مأمورين أن يضعوا في المنهج. وصلبه أن السماء حينما تتدخل وتأتي برسول جديد فلابد أن يتبعه أقوامهم، وألا يتعصبوا ضد الرسول القادم، بل يسلمون معه ويرحبون به؛ لأن الرسول إنما يجيء ليعاون الناس على المنهج الصحيح، لكن الأتباع الذين يعشقون السلطة الزمنية تعمدوا التحريف، ومن أجل أن يحمي الحقُّ خلقه من هذا المرض أنزل الميثاق الذي أخذه على النبيين، فقال: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81].
قد يقول قائل: إن هذا القول يصلح عندما يأتي رسول معاصر لرسول مثلما عاصر شعيب سيدنا موسى عليه السلام، وكما عاصر لوط سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونقول: هذا يحدث- أيضا- وإن لم تتعاصر الرسل، فالحق سبحانه قد أراد لكل رسول أن يعطي لقومه البلاغ الواضح، وإن لم يتعاصر الرسولان فلابد أن يعطي الرسول مناعة ضد التعصب، فما داموا قد آمنوا بالرسول واتبعوه فعليهم حسنَ استقبال الرسول القادم من بعد رسولهم، وكان على كل رسول أن يبلغ قومه: كونوا في انتظار أن تتدخل السماء في أي وقت، فإذا تدخلت السماء في أي وقت من الأوقات، وجاءت برسول مصدق لما معكم فإياكم أن تقفوا منه موقف المضارّة، وإياكم أن تقفوا منه موقف العداوة، بل عليكم أن تنصروه وهذا قول واضح وجلى ولا لبس فيه.
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}.
ونقول في شرح معنى: {رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}.
أن الدين يأتي بقضايا متفق عليها؛ لأن العقائد واحدة، والأخبار واحدة، والقصص واحد، لكن الذي يختلف هو الحكم التشريعي الذي قد يناسب زمنا ولا يناسب زمنا آخر، فإذا جاء الرسول بكتاب مصدق لما معكم في الأمور الدائرة في منهج العقائد، أو منهج القصص فلابد لكم أن تصدقوه.