فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لكن اليهود لم يفعلوا ذلك؛ لأن الرسول جاء ليعيد هداية الجماعة التي آمنت بالرسل والتي تؤمن بإله، وكان مجيء محمد صلى الله عليه وسلم بالمنهج الواضح العقيدة والأخبار الصحيحة غير المحرفة والقصص التي تدعم المنهج كما جاء بالتشريع المناسب وكان مجيء النبي الخاتم مزلزلا لمن استمرءوا السلطة الزمنية، فمنهم من أصر على اتباع رسولهم فقط وبالمنهج الذي تم تحريفه ورفضوا اتباع الرسول الجديد، ومنهم جماعة أخرى آمنت، بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك جماعة ثالثة تؤمن برسول آخر، والخيبة تأتي نتيجة للتعصب، ولذلك كانت دعوة الإسلام هي لتصفية العقائد، ودعوة لكل متبع لأي رسالة سابقة أن يدرس ويناقش، هل الدين الخاتم قد جاء بما يختلف عن الأديان السابقة في العقائد؟ أو جاء مصدقًا لها؟
لقد جاء الدين الخاتم مصدقا لما سبقه في العقائد والأخبار والقصص وإن اختلف في التشريعات التي تناسب زمنا ولا تناسب زمنا آخر، فكأن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعصم البشرية من العصبية الهوجاء، والعصبية العمياء التي تنشأ من اتباع رسول لتقف سدا حائلا أمام رسول آخر؛ فالله حين أرسل كل رسول قد أعطاه الأخبار والحقائق وأنه سبحانه قد أخذ الميثاق على كل نبي أرسله بأن يكون على استعداد هو والمؤمنون معه لتصديق كل رسول يأتي معاصرا ومصدقا لما معهم، وأن يؤمنوا به، وأن يبلغ كل رسول أمته بضرورة هذا الإيمان.
لماذا؟ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد من الركب الإيماني المتمثل في مواكب الرسل ألا يكون بعضهم لبعض عدوّا، بل عليهم أن يواجهوا أعداء قضية الدين كلها. فالذي يجعل الإلحاد متفشيا في هذا العصر هو أن المنسوبين إلى الأديان السماوية مختلفون، وربما كانت العداوة بينهم وبين بعضهم أقوى من العداوة بينهم وبين الملحدين والمنكرين لله، وهذا الاختلاف يعطي المجال للملحدين فيقولون: لو كانت هذه الأديان حقا لا تفقوا وما اختلفوا، فما معنى أن يقول أتباع كل رسول إنهم يتبعون رسولا قادما من السماء؟
إن الملحدين يجدون من اختلاف أتباع الديانات السماوية فرصة ليبذروا في الناس بذور الإلحاد، ولا يجدون تكتلا ولا قوة إيمانية لمن يؤمن بالسماء أو بمنهج السماء لكن الحق سبحانه يقول: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ} وهذا يعني أنه سبحانه قد أخذ الميثاق على كل نبي ساعة أرسله أنه قد آتاه الكتاب والحكمة، وإنه إذا جاءكم رسول مصدق لهذا الكتاب وتلك الحكمة فعليكم الإيمان به، ولا يكفي إعلان الإيمان فقط، بل لابد أن يكون النبي ومن معه في نصرة الرسول الجديد نقول: ولو عمل أتباع كل نبيّ بهذا العهد والميثاق لما كان لهؤلاء الملحدين حجة ويضيف سبحانه: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ} والإقرار سيد الأدلة كما يقولون؛ والإصر هو العهد الشديد، ولذلك يقال: آصره المودة أي الرابطة الشديدة المعقودة. قال الموكب الإيماني للأنبياء موجهين إقرارهم لله تعالى: {أَقْرَرْنَا}، فقال الحق سبحانه: {فَاشْهَدُواْ}. والشهادة دائما تقتضي شاهدا ومشهودا عليه ومشهودا به.
وما دام الحق سبحانه هو الذي يقول للنبيين الذين أخذوا منه العهد والميثاق الحق: {فَاشْهَدُواْ}، إذن فهم في موقف الشاهد، وما المشهود عليه؟ وما المشهود به؟ هل يشهدون على أنفسهم؟
أو يشهد كل نبي على الأنبياء الآخرين؟
أو يشهد أنه قد بلغ أمته هذا القرار الإلهي؟
إن الرسول يشهد على أمته، وأن الأنبياء يشهد بعضهم لبعض.
إذن قد يكون الشاهد نبيا، والمشهود له نبي آخر، والمشهود به أن يؤمنوا بالرسول القادم وينصروه.
وقد يكون الشاهد النبي، والمشهود عليه هي أمته بأنه قد بلغها ضرورة الإيمان بالرسول القادم بمنهج السماء؛ لأن الأمة ما دامت قد آمنت برسول فعليهم مؤازرة هذا الرسول، ومؤازرة مَنْ يأتي من بعده، وذلك حتى لا يتبدد ركب الإيمان ؤمام باطل الإلحاد: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
ولنرتب الشهادات التي وردت في هذه الآية الكريمة: الأنبياء يشهد بعضهم على بعض، أو الأنبياء يشهدون على أممهم، ثم شهادة الله على الأنبياء.
وما دام الأمر قد جاء بهذا التوثيق فعلينا أن ننبه أنه إذا ما وجدنا دينا سابقا يتعصب أمام دين لاحق، بعد أن يأتي هذا الدين بالمعجزة الدالة على صدق بلاغ ذلك الرسول عن الله فلنعلم أنهم خانوا هذه القضية. وسبب ذلك يرجع إلى أن الله يريد أن يحتفظ للدعوة إلى الإيمان، بانسجام تام، فلا يتعصب رسول لنفسه ولا لقوميته ولا لبيئته، ولا يتعصب أهل رسول لملتهم أو نحلتهم؛ لأنهم جميعا مبلغون عن إله واحد لمنهج واحد، فيجب أن يظل المنهج مترابطا فلا يتعصب كل قوم لنبيهم أو دينهم، وهذا ليكون موكب الرسالات موكبا متلاحما متساندا متعاضدا، فلا حجة من بعد ذلك لنبي، ولا لتابع نبي أن يصادم دعوة أي رسول يأتي، ما دام مصدقا لما بين يديه.
لقد أعلمنا الحق أنه قد عرض شهادة الأنبياء على بعضهم، وشهادة الأنبياء على أممهم، وشهادة الله سبحانه على الجميع، وذلك أوثق العهود وآكدها. ولذلك يزداد موكب الإيمان تآزرا وتلاحما، فلا يأتي مؤمن برسالة من السماء ليصادم مؤمنا آخر برسالة من السماء.. ولندع المصادمة لمن لا يؤمنون برسالة السماء، وحين يتكاتف المؤمنون برسالة السماء يستطيعون الوقوف أمام هؤلاء الملاحدة، وبعد هذا البيان الواضح يقول الحق: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
معنى تولى هي مقابل أقبل. وأقبل تعني أنه جاء بوجه عليك. وتولى أعرض كما نقول نحن في تعبيراتنا الشائعة: أعطاني ظهره. ومعنى هذا أنه لم يأبه لي، ولم يقبل علي. إذن فالمراد مِنْ أَخْذ العهدِ أن يُقْبَل الناسُ على ذلك الدين، فالذي يُعرض ويعطي الإيمان الجديد ظهره يتوعده الله ويصفه بقوله: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} بعد ماذا؟ أنه التولي بعد أخذ العهد والميثاق على النبيين، وشهادة الأمم بعضها على بعضها، وشهادة الله على الجميع، إذن فلا عذر لأحد. فمن أعطى ظهره للنبي الجديد، فماذا يكون وعيد الله له؟
إن الحق يصفهم بقوله: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي أن الوعيد هو أن الله يحاسبه حساب الفاسقين، والفسق- كما نعلم- هو الخروج عن منهج الطاعة. والمعاني- كما تعرف- أخذت وضعها من المحسوسات. لأن الأصل في الوعي البشرى هو الشيء المحس أولا، ثم تأتي المعنويات لتأخذ من ألفاظ المحسوسات. والفسق في أصل اللغة هو خروج الرطبة عن قشرتها؛ فالبلح حين يرطب، يكون حجم كل ثمرة قد تناقص عن قشرتها. وحينما يتناقص الحجم الطبيعي عن القشرة تصبح القشرة فضفاضة عليه، وتصبح أي حركة عليه هي فرصة لانفلات الرطبة من قشرتها.
ويقال: فسقت الرطبة أي خرجت عن قشرتها. وأَخَذَ الدينُ هذا التعبير وجعله وصفًا لمن يخرج عن منهج الله، فكأن منهج الله يحيط بالإنسان في كل تصرفاته، فإذا ما خرج الإنسان عن منهج الله، كان مثل الرطبة التي خرجت عن قشرتها.
ونحن أمام فسق من نوع أكبر، فهناك فسق صغير، وهناك فسق كبير. وهنا نسأل أيكون الفسق هنا مجرد خروج عن منهج طاعة الرسول؟ لكن هذا الخروج يوصف به كل عاصٍ، أي أن صاحبه مؤمن بمنهج وفسق جزئيا، إننا نقول عن كل عاصٍ: إنه فسق أي أنه مؤمن بمنهج وخرج عن جزئية من هذا المنهج، أما الفسق الذي يتحدث عنه الحق هنا فهو فسق القمة؛ لأنه فسق عن ركب الإيمان كله، فإذا كان الله قد أخذ العهد، وشهد الأنبياء على أممهم، وشهدت الأمم بعضها على بعض، وشهد الله على الجميع، أبعد ذلك تكون هناك فرصة لأن يتولى الإنسان ويعرض؟
ثم لماذا يتولى ويعرض؟ أنه يفعل ذلك لأنه يريد منهجا غير هذا المنهج الذي أنزله الله، فلو كان قد اقتنع بمنهج الله لأقبل على هذا المنهج، أما الذي لم يقتنع فإنه يعرض عن المنهج ويطلب منهجا غيره فأي منهج تريد يا من لا ترضى هذه الشهادة ولا هذا التوثيق؟ خصوصا وأنت تعلم أنه لا يوجد منهج صحيح إلا هذا المنهج، فليس هناك إله آخر يرسل مناهج أخرى.
وهكذا نعرف أنه لا يأتي منهج غير منهج الله، إلا منهج من البشر لبعضهم بعضا، ولنا أن نقول لمن يتبع منهجا غير منهج الله: من الذي جعل إنسانا أولى بأن يتبعه إنسان؟ إن التابع لابد أن يبحث عمن يتبعه، ولابد أن يكون الذي يتبعه أعلى منه، لكن أن يتبع إنسان إنسانا آخر في منهج من عنده، فهذا لا يليق، وهو فسق عن منهج الله؛ لأن المساوي لا يتبع مساويًا له أبدا، ومن فضل الله سبحانه أنه جعل المنهج من عنده للناس جميعا حتى لا يتبع إنسان إنسانا آخر. لماذا؟ حتى لا يكون هوى إنسان مسيطرا على مقدرات إنسان آخر، والحق سبحانه لا هوى له. إن كل إنسان يجب أن يكون هواه تابعا لله الذي خلق كل البشر.
وما دام ليس هناك إله آخر فما المنهج الذي يرتضيه الإنسان لنفسه؟
إن المنهج الذي يرتضيه الإنسان لنفسه لو لم يتبع منهج الله هو منهج من وضع البشر، والمنهج الذي يضعه البشر ينبع دائما من الهوى، وما دامت الأهواء قد وجدت، فكل مشرِّع من البشر له هوى، وهذا يؤدي إلى فساد الكون. قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71].
فإذا كانوا لا يرضون منهج الله، فأي فسق هم فيه؟ أنه فسق عظيم؛ لأن الله قد أخذ عليهم العهد وعلى أنبيائهم ووثق هذا العهد، أفغير الله يبغون؟ نعم، إنهم يبغون غير الله ومن هو ذلك الغير؟ أهو إله آخر؟ لا، فليس مع الله إله آخر، بل هم قد جعلوا الخلق مقابل الخالق، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}.
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} قال: هي خطأ من الكتاب. وهي قراءة ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وأخرج ابن جرير عي الربيع أنه قرأ {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} قال: وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب. قال الربيع: ألا ترى أنه يقول: {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} يقول: لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولتنصرنه. قال: هم أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرؤون {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة} ونحن نقرأ {ميثاق النبيين} فقال ابن عباس: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن طاوس في الآية قال: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن، وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم يبعث الله نبيًا؛ آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن بعث وهو حي ليؤمنن به، ولينصرنه. ويأمره فيأخذ العهد على قومه. ثم تلا {وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابي جرير عن قتادة في الآية قال: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضًا، وأن يبلِّغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويصدقوه، وينصروه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: لم يبعث الله نبيًا قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه؛ ليؤمنن بمحمد، ولينصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء.
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين ليبلغن آخركم أوّلكم، ولا تختلفوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم يعني على أهل الكتاب وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا. فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم. إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين».
وأخرج أبو يعلى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. إنكم أما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وأنه والله لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني».
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {لما آتيتكم} ثقل لما.
وأخرج عن عاصم أنه قرأ {لما} مخففة {آتيتكم} بالتاء على واحدة يعني أعطيتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {إصري} قال: عهدي.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله: {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم {فمن تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فأولئك هم الفاسقون} هم العاصون في الكفر. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

أسئلة وأجوبة الفخر:
السؤال الأول: ما وجه قوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ} والرسول لا يجيء إلى النبيّين وإنما يجيء إلى الأمم؟.
والجواب: إن حملنا قوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} على أخذ ميثاق أممهم فقد زال السؤال وإن حملناه على أخذ ميثاق النبيّين أنفسهم كان قوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ} أي جاء في زمانكم.
السؤال الثاني: كيف يكون محمد صلى الله عليه وسلم مصدقًا لما معهم مع مخالفة شرعه لشرعهم؟
والجواب: المراد به حصول الموافقة في التوحيد، والنبوات، وأصول الشرائع، فأما تفاصيلها وإن وقع الخلاف فيها؛ فذلك في الحقيقة ليس بخلاف، لأن جميع الأنبياء عليهم السلام متفقون على أن الحق في زمان موسى عليه السلام ليس إلا شرعه وأن الحق في زمان محمد صلى الله عليه وسلم ليس إلا شرعه، فهذا وإن كان يوهم الخلاف، إلا أنه في الحقيقة وفاق، وأيضا فالمراد من قوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ} هو محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بكونه مصدقًا لما معهم هو أن وصفه وكيفية أحواله مذكورة في التوراة والإنجيل، فلما ظهر على أحوال مطابقة لما كان مذكورًا في تلك الكتب، كان نفس مجيئه تصديقًا لما كان معهم، فهذا هو المراد بكونه مصدقًا لما معهم.
السؤال الثالث: حاصل الكلام أن الله تعالى أخذ الميثاق على جميع الأنبياء بأن يؤمنوا بكل رسول يجيء مصدقًا لما معهم فما معنى ذلك الميثاق.
والجواب: يحتمل أن يكون هذا الميثاق ما قرر في عقولهم من الدلائل الدالة على أن الانقياد لأمر الله واجب، فإذا جاء الرسول فهو إنما يكون رسولًا عند ظهور المعجزات الدالة على صدقه فإذا أخبرهم بعد ذلك أن الله أمر الخلق بالإيمان به عرفوا عند ذلك وجوبه، فتقدير هذا الدليل في عقولهم هو المراد من أخذ الميثاق، ويحتمل أن يكون المراد من أخذ الميثاق أنه تعالى شرح صفاته في كتب الأنبياء المتقدمين، فإذا صارت أحواله مطابقة لما جاء في الكتب الإلهية المتقدمة وجب الانقياد له، فقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ} يدل على هذين الوجهين، أما على الوجه الأول، فقوله: {رَّسُول} وأما على الوجه الثاني، فقوله: {مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ}. اهـ.