فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}:

.قال الفخر:

أما قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ففيه وجوه:
الأول: إن إقرارنا بنبوّة هؤلاء الأنبياء إنما كأن لاجل كوننا منقادين لله تعالى مستسلمين لحكمه وأمره، وفيه تنبيه على أن حاله على خلاف الذين خاطبهم الله بقوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السموات والأرض}.
والثاني: قال أبو مسلم {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي مستسلمون لأمر الله بالرضا وترك المخالفة وتلك صفة المؤمنين بالله وهم أهل السلم والكافرون يوصفون بالمحاربة لله كما قال: {إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33].
الثالث: أن قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} يفيد الحصر والتقدير: له أسلمنا لا لغرض آخر من سمعة ورياء وطلب مال، وهذا تنبيه على أن حالهم بالضد من ذلك فإنهم لا يفعلون ولا يقولون إلا للسمعة والرياء وطلب الأموال، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المخاطب بفعل قل هو النبي صلى الله عليه وسلم ليقول ذلك بمسمع من الناس: مسلمهم، وكافرهم، ولذلك جاء في هذه الآية قوله: {وما أنزل علينا} أي أنزل عليّ لتبليغكم فجعل إنزاله على الرسول والأمة لاشتراكهم في وجوب العمل بما أنزل، وعدّى فعل {أنزل} هنا بحرف (على) باعتبار أنّ الإنزال يقتضي علوًّا فوصول الشيء المنزَل وصول استعلاء وعدّي في آية سورة البقرة بحرف {إلى} باعتبار أنّ الإنزال يتضمن الوصول وهو يتعدّى بحرف {إلى}.
والجملة اعتراض.
واستئناف: لتلقين النبي عليه السلام والمسلمين كلامًا جامعًا لمعنى الإسلام ليدوموا عليه، ويعلن به للأمم، نشأ عن قوله: {أفغير دين الله يبغون} [آل عمران: 83].
ومعنى: {لا نفرق بين أحد منهم} أننا لا نعادي الأنبياء، ولا يحملنا حبّ نبيئنا على كراهتهم، وهذا تعريض باليهود والنصارى، وحذف المعطوف وتقديره لا نفرق بين أحد وآخر، وتقدم نظير هذه الآية في سورة البقرة.
وهذه الآية شعار الإسلام وقد قال الله تعالى: {وتؤمنون بالكتاب كله} [آل عمران: 119].
وهنا انتهت المجادلة مع نصارى نجران. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} وهمزة أحدٍ إما أصلية فهو اسمٌ موضوعٌ لمن يصلُح أن يخاطَبَ يستوي فيه المفردُ والمثنى والمجموعُ والمذكرُ والمؤنث ولذلك صح دخولُ بين عليه كما في مثل المالُ بين الناس، وإما مُبدلةٌ من الواو فهو بمعنى واحد، وعمومُه لوقوعه في حيز النفي، وصِحةُ دخولِ {بَيْنَ} عليه باعتبار معطوفٍ قد حُذف لظهوره أي بين أحدٍ منهم وغيرِه كما في قول النابغة:
فما كان بين الخيرِ إذ جاء سالما ** أبو حَجَرٍ إلا ليالٍ قلائلُ

أي بين الخير وبيني {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي منقادون أو مخلصون أنفسَنا له تعالى لا نجعلُ له شريكًا فيها، وفيه تعريضٌ بإيمان أهلِ الكتاب فإنه بمعزل من ذلك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

آمنا بالله لا بنفوسنا أو حَوْلنا أو قوتنا.
وآمنا بما أنزل علينا بالله، وأَنَّا لا نُفَرِّق بين أحد منهم- بالله سبحانه- لا بحولنا واختيارنا، وجهدنا واكتسابنا، ولولا أنه عرَّفنا أنه مَنْ هو ما عرفنا وإلا فمتى عَلِمْنا ذلك. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{قُلْ ءامَنَّا بالله} أمر للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن نفسه والمؤمنين بالإيمان بما ذكر، فضمير {آمنا} للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة، وقال المولى عبد الباقي: لما أخذ الله تعالى الميثاق من النبيين أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام وينصروه أمر محمدًا أيضا صلى الله عليه وسلم أن يؤمن بالأنبياء المؤمنين به وبكتبهم فيكون {مِنَ} في موضع آمنت لتعظيم نبينا عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام، أو لما عهد مع النبيين وأممهم أن يؤمنوا أمر محمدًا عليه الصلاة والسلام وأمته أن يؤمنوا بهم وبكتبهم. والحاصل أخذ الميثاق من الجانبين على الإيمان على طريقة واحدة ولم يتعرض هنا لحكمة الأنبياء السالفين إما لأن الإيمان بالكتاب المنزل إيمان بما فيه من الحكمة، أو للإشارة إلى أن شريعتهم منسوخة في زمن هذا النبي صلى الله عليه وسلم وكلاهما على تقدير كون الحكمة بمعنى الشريعة ولم يتعرض لنصرته عليه الصلاة والسلام لهم إذ لا مجال بوجه لنصرة السلف، ويؤيد دعوى أخذ الميثاق من الجانبين ما أخرجه عبد الرزاق وغيره عن طاوس أنه قال: أخذ الله تعالى ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضًا.
{وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم أولًا وعليهم بواسطة تبليغه إليهم، ومن هنا أتى بضمير الجمع، وقد يعتبر الإنزال عليه عليه الصلاة والسلام وحده، ولكن نسب إلى الجمع ما هو منسوب لواحد منه مجازًا على ما قيل، ويحتمل أن تكون النون نون العظمة لا ضمير الجماعة، وعدى الإنزال هنا بعلى وفي البقرة (136) بإلى لأنه له جهة علو باعتبار ابتدائه وانتهاء باعتبار آخره، وقد جعل الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم فناسبه الاستعلاء وهناك للعموم، فناسب الانتهاء كذا قيل، ويرد عليه قوله تعالى: {وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب ءامِنُواْ} [آل عمران: 72] والتحقيق أنه لا فرق بين المعدى بإلى والمعدى بعلى إلا بالاعتبار، فإن اعتبرت مبدأه عديته بعلى لأنه فوقاني وإن اعتبرت انتهاءه إلى من هو له عديته بإلى ويلاحظ أحد الاعتبارين تارة والآخر أخرى تفننًا بالعبارة، وفرّق الراغب بأن ما كان واصلًا من الملأ الأعلى بلا واسطة كان لفظ على المختص بالعلو أولى به، وما لم يكن كذلك كان لفظ إلى المختص بالإيصال أولى به وقيل: أنزل عليه يحمل على أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره، وأنزل إليه يحمل على ما خص به نفسه لأن إليه انتهاء الإنزال وكلا القولين لا يخلو عن نظر.
{وَمَا أُنزِلَ على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وَيَعْقُوبَ والاسباط} قيل: خص هؤلاء الكرام بالذكر لأن أهل الكتاب يعترفون بنبوتهم وكتبهم، والمراد بالموصول الصحف كما هو الظاهر وقدم المنزل عليه عليه الصلاة والسلام على المنزل عليهم إما لتعظيمه والاعتناء به، أو لأنه المعرف له ومعرفة المعرف تتقدم على معرفة المعرف، والأسباط الأحفاد لا أولاد البنات، والمراد بهم على رأي أبناء يعقوب الإثنا عشر وذراريهم، وليس كلهم أبناءًا خلافًا لزاعمه {وَمَا أُوتِىَ موسى وعيسى} من التوراة والإنجيل وسائر المعجزات كما يشعر به إيثار الإيتاء على الإنزال الخاص بالكتاب وقيل: هو خاص بالكتابين، وتغيير الأسلوب للاعتناء بشأن الكتابين، وتخصيص هذين النبيين بالذكر لما أن الكلام مع اليهود والنصارى {والنبيون} عطف على {موسى وعيسى} أي وبما أوتي النبيون على تعدد أفرادهم واختلاف أسمائهم {مّن رَّبّهِمُ} متعلق بأوتي، وفي التعبير بالرب مضافًا إلى ضميرهم ما لا يخفى من اللطف.
{لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ} أي بالتصديق والتكذيب ما فعل اليهود والنصارى والتفريق بغير ذلك كالتفضيل جائز {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} أي مستسلمون بالطاعة والانقياد في جميع ما أمر به ونهى عنه، أو مخلصون له في العبادة، وعلى التقديرين لا تكون هذه الجملة مستدركة بعد جملة الإيمان كما هو ظاهر، وقيل: إن أهل الملل المخالفة للإسلام كانوا كلهم يقرون بالإيمان ولم يكونوا يقرون بلفظ الإسلام فلهذا أردف تلك الجملة بهذه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{قُلْ آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.
عندما ننظر إلى هذه الآية بخواطرنا فإننا نجد أن الحق يمزج الرسول والمؤمنين به والمرسل إليهم في الإيمان به، ويتحدث إلى الرسول والمؤمنين كوحدة إيمانية، إن قول الحق: {قل} هو خطاب لمفرد هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمقول: {آمَنَّا} دليل على انسجام الرسول مع الأمة المؤمنة به، فكأن الأمة الإسلامية قد انصهرت في {قل}، وكأن الرسول موجود في {آمَنَّا}، وبذلك يتحقق الامتزاج والانسجام بين الرسول وبين المؤمنين به، ويصير خطاب الحق إليهم هو خطاب لوحدة إيمانية واحدة لا انفصام فيها.
وقد جاء الحق بهذا الأسلوب ليوضح لنا أن الرسول لم يأت ليتعالى على أمته، بل جاء ليحمل أعْباءَ هذه الأمة، ولذلك قلنا من قبل: إن للرسول صلى الله عليه وسلم إيمانين، لقد آمن بالله، وأمن للمؤمنين، وهو صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا، لأنه قد أدى مُؤدى يسع أمته كلها، لقد أتم البلاغ وخضع للتكليف بما يسع أمته كلها، ولذلك يقول الحق: {قُلْ آمَنَّا}، كان القياس أن يقول: قل آمنت، أو أن يقول: {قُولُوا آمَنَّا}. لكن الحق في قرآنه الكريم يضع كل كلمة في موضعها، فتصبح الكلمة جاذبة لمعناها، ويصبح كل معنى عاشقا لكلمته، وقد قال الحق هنا: {قُلْ آمَنَّا} ليتضح لنا أن محمدا رسول ممتزج في أمته، وأمة الإسلام في طواعية لرسولها، والأمر يأتي لرسول الله من الحق سبحانه، والتنفيذ لهذا الأمر يكون من الجميع، وفي هذا إشعار للخصوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون ذا عصبية إيمانية قوية، فلو قال: قل آمنت لكان معنى ذلك أن الرسول لن يملك إلا إيمانه فقط، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم آمن به قومه، وكثير غيرهم وجاء على يديه فتح مكة كما قال الحق: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا} [النصر: 1- 2].
وعندما نقرأ قوله الحق: {قُلْ آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} فلنا أن نلتفت إلى أن العلماء لهم وقفة في مسألة الإنزال، فمرة يقول الحق: {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4].
ومرة أخرى يقول الحق: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64].
وهكذا نجد أن الإنزال يأتي مرة متعديا بإلى، ويأتي مرة مرة أخرى متعديا بعلى.
وقال بعض من العلماء: إن الكلام حينما يكون موجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالحق يقول: أنزل عليك، وكأن هؤلاء العلماء- دون قصد منهم- يفصلون بين بلاغ الله للرسول عن البلاغ إلى أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يلتفتوا إلى أن الغاية من إنزال المنهج على الرسول هو هداية الأمة.
ونحن نقول: إن علينا ألا نأخذ الأمر بسطحية من أسلوب ظهر لنا؛ ذلك أن هناك أسلوبا خفيَّا، وهو أن إلى وعلى إنما تفيدان أن المنهج نزل للأمة والرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمرة يأتي الحق بالنزول متعديا بإلى والخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم كقوله الحق: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83].
ومرة يأتي الحق بالنزول متعديا بعلى والخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم كقوله الحق: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64].
ومرة ثالثة يأتي الحق بالإنزال في حديث إلى المؤمنين: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].
إنه كتاب منزل من السماء وملحوظ فيه العلو، والغاية من النزول هو مصلحة الأمة، فالإتيان بـ {على} يْفيد العلو، ولمصلحة الأمة، العلية هنا لتزيد مقام المنهج بالنسبة للمؤمنين فهو قد نزل لمصلحتهم. إذن فالنزول يقتضي علِّية، وهو من حيث العلو يأتي بعلى، ومن حيث الغاية يأتي بإلى، فهو منهج نزل من الحق الأعلى ونزل إلى الرسول وعلى الرسول ليبلغه إلى المؤمنين لمصلحتهم. ولذلك قلنا: إننا إذا رأينا حكما يقيد من حرية الفرد فلا يصح أن نفهم أن الله قد قصد هذا الفرد ليقيد حريته، إنما جاء مثل هذا القيد لقيد الملايين من أجل حرية الفرد، مثال ذلك ساعة يحرم المنهج السرقة على الإنسان، فهو أمر لكل إنسان من الملايين وهو لمصلحة كل إنسان، فالقرآن قد نزل لمصلحتك، ومصلحة المؤمنين جميعا.
وعندما نقرأ قوله الحق: {قُلْ آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. فهذا القول يوضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء بمنهج يضم صحيح العقائد والقصص والأخبار، وهو يوافق ما جاء في موكب الرسالات من يوم أن خلق الله الأرض وأرسل الرسل. وقد أخذ الله العهد على الأمم والأنبياء من قبل، بأنه إذا جاء رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به، وكذلك أخذ الله على رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن يؤمن بالرسل السابقين، فهو صلى الله عليه وسلم لم يأت ليهدم أديانا، ولكن ليكمل أديانا، وهكذا نرى النص القرآني الجليل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3].
كأن الأديان السابقة بكل ما جاء فيها من صحيح العقائد، والقصص، والأخبار موجودة في الإسلام، وفوق كل ذلك جاء الإسلام بشرائع تناسب كل زمان ومكان، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «إنما مثلى ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بني بنيانا فأحسنه وأجمله وأكمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون به ويقولون ما رأينا أحسن من هذا لولا موضع هذه اللبنة فكنت أنا اللبنة».
إذن فزمام كل الأمر انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخذ الله العهد على غيره أن يصدقوه عندما يجيء، وهو صلى الله عليه وسلم آمن وصدق بمن سبق من الرسل، ولم يجيء من بعده شيء يطلب من رسول الله ولا من أمته أن يصدقوه، وقال الحق تذييلا لهذه الآية الكريمة: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
أي أنه لا يوجد لأتباع أي رسول من الرسل السابقين ما يعطيهم سلطة زمنية، بل المسألة كلها تبدأ من الله، وتنتهي إلى الله. وتلك هي القضية النهائية في موكب الرسالات. وما دام الإسلام هو ذلك الانقياد الذي يختاره الإنسان لنفسه ليكون منسجما مع نفسه في الإسلام لله، ويكّون انسجاما مع الكون الآخر وما يحتويه من حيوان ونبات وجماد وغيرها في أنه أسلم خضوعا لله، وبذلك يصبح الكون بما فيه الإنسان المؤمن المسلم لله كله مسخَّرًا لله سبحانه وتعالى. وما دام الكون بالإنسان قد صار مسخرا لله فلا تضاد في حركة لِتعاند حركة أخرى؛ لأن الذي يهيمن هذه الهيمْنة هو الذي وضع لكل إنسان في مجال حركته في الحياة قانونا يعصمه من أن يصطدم بغيره، وإذا كان البشر قد استطاعوا أن يضعوا لأنفسهم معايير تمنع التصادم في الحركة، ذلك التصادم الذي يؤدي إلى كوارث ومصائب.