فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مثال ذلك، للنظر إلى السكك الحديدية، ألا يوجد موظف اسمه المحولجي؟ ومعنى هذه الوظيفة هو أن القائم بها يقوم بتحويل القاطرة القادمة من طريق معين إلى مسار محدد حتى لا تدهم قاطرة أخرى جاءت من الطريق نفسه. إن ذلك من فعل الإنسان فيما صنع من قطارات ومواصلات، لقد صنع أيضا وسائل تمنع تصادمها، فما بالنا بالحق- وله المثل الأعلى- وهو الذي خلق الإنسان؟ أنه سبحانه قد وضع المنهج حتى لا تصطدم حركة في الوجود بحركة أخرى.
ولننظر إلى الأشياء التي جاءت بقانون التسخير، والأشياء التي دخلت في ظل الاختيار. أسمعنا أن جملين سارا في طريقين متعارضين واصطدم الجمل بجمل؟ لم يحدث ذلك أبدا، فالجمل يفادي نفسه وما يحمل من الجمل الآخر وما يحمله، لكننا نسمع عن تصادم سيارة مع سيارة، ذلك أن السيارة لا تسير بذاتها بل تسير بقيادة إنسان مختار، وهو الذي يصدم وهو الذي قد تأتي منه في غفلته الكوارث.
إذن فتصادم حركة بحركة إنما ينشأ في الأمور الاختيارية، أو غفلة إنسان عن مهمته، كغفلة المحولجي عن عمله في تنظيم مرور القطارات، لكن تصادم حركة في الوجود بحركة أخرى في الوجود هو أمر مستحيل، ولا يحدث أبدا، لأن الأمر الذي ما زال في يد المهيمن الأعلى، مهيمن الأرض والسماء، وهو الله الذي يسير الكون منسجما ويعرفنا بصفاته فيقول: {الله لا إله إلا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}.
ومعناه: أني أنا القائم بأسبابكم ومدبر أمركم ولا أنام أو تأخذنا سنة أو غفلةاي فناموا أنتم فقد سخرت الوجود كله من أجلكم.
وما دام الأمر في الإسلام هكذا، والوجود ينسجم مع نفسه، فلماذا تشذ أنت أيها الإنسان عن الوجود؟ ولماذا تشِّذُ عن ملكات نفسك؟
لماذا لا تكون منسجما مع الكون؟ أنك إن انسجمت مع نفسك ومع الكون صرت الإنسان السعيد.
وفي عصرنا الحديث نرى ارتقاء العالم ماديا بصورة عالية، بحيث يقع الحدث في أمريكا مثلا فنراه على شاشة التلفزيون فورا، ويركب الإنسان مركبا صاروخيا إلى الفضاء ولكن هل استراح العالم؟ لا، لقد ازداد العالم عناء، وكأنه يكد ذهنه ويرهق العلماء في معاملهم لابتكار أشياء تعطي للعالم مزيدا من القلق والاضطراب وتتصادم وتتعارض. وبذلك صار الكون لا يفرغ أبدا من حرب باردة أو ساخنة.
كل ذلك إنما ينشأ من إدارة أمور العالم بأهواء البشر، فلسنا جميعا مردودون إلى منهج واحد يأمرنا فنأتمر، وينهانا فننتهي، بل كل إنسان يتبع في عمله هواه، لذلك نرى القلق والاضطراب، ونرى الصرخات تملأ الدنيا من أهوال ومصائب، منها مثلا المخدرات هو إنسان غير راضٍ عن واقع حياته، فلا يريد مواجهة حياته، إنما يحاول الهرب منها بالإدمان، ونقول لمثل هذا الإنسان: ليس هذا حلا للمشكلة؛ لأن الإنسان عندما تأتيه مشكلة فهو يحتاج عقلا على عقله ليواجه هذه المشكلة، وأنت بهذا الإدمان إنما تُضَيِّع عقلك، رغم أنك مطالب بأن تأتي بعقل آخر بجانب عقلك لتحل مشكلتك، فالهرب من المشكلة لا يحلها، إنما الهروب غباء وقلة فطنة فالمشكلة زادت تعقيدا ونقول للمجتمعات التي تشكو من مثل هذه البلايا لو أخذتم شرائعكم من منهج الله لكان ذلك حماية لكم من مثل تلك الكوارث.
وهكذا نرى أن كل الابتكارات تُوجه دائما إلى الشر أولا، فإذا لم يوجد لها ميدان شر فإننا نوجهها إلى الخير، ويا ليته خير خالص لوجه الله، لا، أنه خير مجنح ومنحرف عن الخير لأن الذي لا يملك هذا اللون من الاختراعات كالشعوب النامية والعالم الثالث قد جعله المخترعون بوساطة هذه الاكتشافات والاختراعات مستعبدا ومقهورا لهم؛ إنهم جعلوا تقدمهم استعبادا وإذلالا لغيرهم وإن تظاهروا بغير ذلك.
لماذا يحدث كل ذلك؟ لأننا لم نكن منطقيين- كما يجب- مع أنفسنا ولا مع واقع الأمور النهوضية التي نحن فيها فالطموحات العلمية التي لا حد لها لا يصح أن تسبب لنا كل هذا التعب، بل كان المفروض بعد الوصول إلى تحقيق هذه الطموحات ان نستريح، ولكن لِمَ لم يحدث هذا؟ لأن زمامنا نحن البشر بيد أهوائنا، والأهواء ليست هي اليد الأمينة، إن اليد الأمينة هي شرع الله الذي لم يشرع إلا لمصلحة من خلق، وما دام الإسلام يرسم طريق الأمان مع الخالق والنفس والكون الذي نحياه، بما فيه من الأجناس الأخرى، إذن فالدين عند الله هو الإسلام، وهذه هي النتيجة الحتمية لذلك يقول الحق سبحانه: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ويتبعها الحق سبحانه بقوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}.
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} أما من في السموات فالملائكة، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأما كرهًا فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون.
وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: «الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض».
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال: عبادتهم لي أجمعين {طوعًا وكرهًا} وهو قوله: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [الرعد: 15].
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات} قال: هذه مفصولة {ومن في الأرض طوعًا وكرهًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {وله أسلم} قال: المعرفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] فذلك إسلامهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: كل آدمي أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده. فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبودية فهو الذي أسلم طوعًا.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: أكره أقوام على الإسلام، وجاء أقوام طائعين.
وأخرج عن مطر الوراق في الآية قال: الملائكة طوعًا، والأنصار طوعًا، وبنو سليم وعبد القيس طوعًا، والناس كلهم كرهًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن فأسلم طائعًا فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله، فلم ينفعه ذلك، ولم يقبل منهم {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85].
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: في السماء الملائكة طوعًا، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعًا.
وأخرج عن الشعبي {وله أسلم من في السماوات} قال: استقادتهم له.
وأخرج عن أبي سنان {وله أسلم من في السماوات والأرض} قال: المعرفة. ليس أحد تسأله إلا عرفه.
وأخرج عن عكرمة في قوله: {وكرهًا} قال: من أسلم من مشركي العرب والسبايا: ومن دخل في الإسلام كرهًا.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه {أفغير دين الله يبغون}».
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم} الآية. إلا ذلت له بإذن الله عز وجل. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قيل: لم عدَّى {أَنَزلَ} في هذه الآية بحرف الاستعلاء، وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء؟
قلنا: لوجود المعنيين جميعًا، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر، وقيل أيضا إنما قيل {عَلَيْنَا} في حق الرسول، لأن الوحي ينزل عليه وإلينا في حق الأمة لأن الوحي يأتيهم من الرسول على وجه الانتهاء وهذا تعسف، ألا ترى إلى قوله: {بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4] وأنزل إليك الكتاب وإلى قوله: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} [آل عمران: 72]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (85):

قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أمر سبحانه وتعالى بإظهار الإيمان بهذا القول، وكان ذلك هو الإذعان الذي هو الإسلام قال- محذرًا من الردة عنه عاطفًا على {آمنا} ومظهرًا لما من حقه الإضمار لولا إرادة التنبيه على ذلك مشيرًا بصيغة الافتعال إلى مخالفة الفطرة الأولى-: {ومن يبتغ} أي يتطلب {غير} دين {الإسلام} الذي هو ما ذكر من الانقياد لله سبحانه وتعالى المشتمل على الشرائع المعروفة التي أساسها الإيمان بعد التلبس به حقيقة بإظهار اتباع الرسل أو مجازًا بالكون على الفطرة الأولى بما أشعر به الابتغاء- كما تقدم، وكرر الإسلام في هذا السياق كثيرًا لكونه في حيز الميثاق المأخوذ بمتابعة الرسول المصدق حثًا على تمام الانقياد له {دينًا} وأتى بالفاء الرابطة إعلامًا بأن ما بعدها مسبب عما قبلها ومربوط به فقال: {فلن يقبل منه} أي في الدنيا، وأشعر ترتيب هذا على السبب بأنه يرجى زوال السبب لأنه مما عرض للعبد كما جرى في الردة في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه، فإنه رجع إلى الإسلام أكثر المرتدين وحسن إسلامهم، وقوله: {وهو في الآخرة من الخاسرين} معناه: ولا يقبل منهم في الآخرة، مع زيادة التصريح بالخسارة- وهي حرمان الثواب- المنافية لمقاصدهم، والقصد الأعظم بهذا أهل الكتاب مع العموم لغيرهم لإقرارهم بهذا النبي الكريم وتوقعهم له، عالمين قطعًا بصدقه لما في كتبهم من البشارة به. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما قال في آخر الآية المتقدمة {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 84] أتبعه بأن بيّن في هذه الآية أن الدين ليس إلا الإسلام، وأن كل دين سوى الإسلام فإنه غير مقبول عند الله، لأن القبول للعمل هو أن يرضى الله ذلك العمل، ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه، ولذلك قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: 27] ثم بيّن تعالى أن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لا يكون مقبولًا عند الله، فكذلك يكون من الخاسرين، والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب، وحصول العقاب، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل واعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان مقبولًا لقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} إلا أن ظاهر قوله تعالى: {قَالَتِ الأعراب ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يقتضي كون الإسلام مغايرًا للإيمان ووجه التوفيق بينهما أن تحمل الآية الأولى على العرف الشرعي، والآية الثانية على الوضع اللغوي. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قال مجاهد والسُّدِّي: نزلت هذه الآية في الحارث بن سُويد أخو الجُلاَس بن سويد، وكان من الأنصار، ارتد عن الإسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفارًا، فنزلت هذه الآية، ثم أرسل إلى أخيه يطلب التوبة.
ورُوي ذلك عن ابن عباس وغيره.
قال ابن عباس: وأسلم بعد نزول الآيات. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} نزلت في جماعة ارتدوا وكانوا اثني عشر رجلًا وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارًا، منهم الحرث بن سويد الأنصاري، والإسلام قيل: التوحيد والانقياد، وقيل: شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام بين تعالى أن من تحرى بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم غير شريعته فهو غير مقبول منه، وقبول الشيء هو الرضا به وإثابة فاعله عليه، وانتصاب {دِينًا} على التمييز من {غَيْرِ} وهي مفعول {يَبْتَغِ} وجوز أن يكون {دِينًا} مفعول {يَبْتَغِ} و{غَيْرِ} صفة قدمت فصارت حالًا، وقيل: هو بدل من {غَيْرَ الإسلام} والجمهور على إظهار الغينين، وروي عن أبي عمرو الإدغام، وضعفه أبو البقاء بأن كسرة الغين الأولى تدل على الياء المحذوفة {وَهُوَ في الآخرة مِنَ الخاسرين} إما معطوفة على جواب الشرط فتكون في محل جزم، وإما في محل الحال من الضمير المجرور فتكون في محل نصب، وإما مستأنفة فلا محل لها من الإعراب، و{فِى الآخرة} متعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده أي وهو خاسر في الآخرة أو متعلق بالخاسرين على أن الألف واللام ليست موصولة بل هي حرف تعريف، والخسران في الآخرة هو حرمان الثواب وحصول العقاب، وقيل: أصل الخسران ذهاب رأس المال، والمراد به هنا تضييع ما جبل عليه من الفطرة السليمة المشار إليها في حديث «كل مولود يولد على الفطرة» وعدم الانتفاع بذلك وظهوره بتحقق ضده {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] والتعبير بالخاسرين أبلغ من التعبير بخاسر كما أشرنا إليه فيما قبل وهو منزل منزلة اللازم ولذا ترك مفعوله، والمعنى وهو من جملة الواقعين في الخسران واستدل بالآية على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان غيره لم يقبل، واللازم باطل بالضرورة فالملزوم مثله، وأجيب بأن {فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} ينفي قبول كل دين يباين دين الإسلام والإيمان، وإن كان {غَيْرَ الإسلام} لكنه لا يغاير دين الإسلام بل هو هو بحسب الذات، وإن كان غيره بحسب المفهوم، وذكر الإمام أن ظاهر هذه الآية يدل على عدم المغايرة، وقوله تعالى: {قَالَتِ الاعراب ءامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يدل على المغايرة، ووجه التوفيق بينهما أن تحمل الآية الأولى على العرف الشرعي، والثانية على الوضع اللغوي. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا} قال الكلبي: نزلت في شأن مرثد بن أبي مرثد، وطُعْمَة بن أَبَيْرق، ومقيس بن صبابة، والحارث بن سُوَيد، وكانوا عشرة.
وقال مقاتل: كانوا اثني عشر.
وقال الضحاك: يعني لا يقبل من جميع الخلق من أهل الأديان دينًا غير دين الإسلام، ومن يتدين غير الإسلام دينًا {فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخرة مِنَ الخاسرين} أي من المغبونين، لأنه ترك منزله في الجنة، واختار منزله في النار. اهـ.