فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد أخذ الله سبحانه موثقًا رهيبًا جليلًا كان هو شاهده وأشهد عليه رسله. موثقًا على كل رسول. أنه مهما آتاه من كتاب وحكمة. ثم جاء رسول بعده مصدقًا لما معه، أن يؤمن به وينصره، ويتبع دينه. وجعل هذا عهدًا بينه وبين كل رسول.
والتعبير القرآني يطوي الأزمنة المتتابعة بين الرسل؛ ويجمعهم كلهم في مشهد. والله الجليل الكبير يخاطبهم جملة: هل أقروا هذا الميثاق وأخذوا عليه عهد الله الثقيل: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري}.
وهم يجيبون: {قالوا أقررنا}.
فيشهد الجليل على هذا الميثاق ويشهدهم عليه: {قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}:
هذا المشهد الهائل الجليل، يرسمه التعبير، فيجف له القلب ويجب؛ وهو يتمثل المشهد بحضرة البارئ الجليل، والرسل مجتمعين..
وفي ظل هذا المشهد يبدو الموكب الكريم متصلًا متساندًا مستسلمًا للتوجيه العلوي، ممثلًا للحقيقة الواحدة التي شاء الله سبحانه أن تقوم عليها الحياة البشرية، ولا تنحرف، ولا تتعدد، ولا تتعارض، ولا تتصادم.. إنما ينتدب لها المختار من عباد الله؛ ثم يسلمها إلى المختار بعده، ويسلم نفسه معها لأخيه اللاحق به. فما للنبي في نفسه من شيء؛ وما له في هذه المهمة من أرب شخصي، ولا مجد ذاتي. إنما هو عبد مصطفى، ومبلغ مختار. والله سبحانه هو الذي ينقل خطى هذه الدعوة بين أجيال البشر؛ ويقود هذا الموكب ويصرفه كيف يشاء. ويخلص دين الله- بهذا العهد وبهذا التصور- من العصبية الذاتية. عصبية الرسول لشخصه. وعصبيته لقومه. وعصبية أتباعه لنحلتهم. وعصبيتهم لأنفسهم. وعصبيتهم لقوميتهم.. ويخلص الأمر كله لله في هذا الدين الواحد، الذي تتابع به وتوالى ذلك الموكب السني الكريم.
وفي ظل هذه الحقيقة يبدو الذين يتخلفون من أهل الكتاب عن الإيمان بالرسول الأخير صلى الله عليه وسلم ومناصرته وتأييده، تمسكًا بدياناتهم- لا بحقيقتها فحقيقتها تدعوهم إلى الإيمان به ونصرته، ولكن باسمها تعصبًا لأنفسهم في صورة التعصب لها!- مع أن رسلهم الذين حملوا إليهم هذه الديانات قد قطعوا على أنفسهم عهدًا ثقيلًا غليظًا مع ربهم في مشهد مرهوب جليل.. في ظل هذه الحقيقة يبدو أولئك الذي يتخلفون فسقة عن تعليم أنبيائهم. فسقة عن عهد الله معهم.
فسقة كذلك عن نظام الكون كله المستسلم لبارئه، الخاضع لناموسه، المدبر بأمره ومشيئته: {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}.
إنه لا يتولى عن اتباع هذا الرسول إلا فاسق. ولا يتولى عن دين الله إلا شاذ. شاذ في هذا الوجود الكبير. ناشز في وسط الكون الطائع المستسلم المستجيب.
إن دين الله واحد، جاءت به الرسل جميعًا، وتعاقدت عليه الرسل جميعًا. وعهد الله واحد أخذه على كل رسول. والإيمان بالدين الجديد واتباع رسوله، ونصرة منهجه على كل منهج، هو الوفاء بهذا العهد. فمن تولى عن الإسلام فقد تولى عن دين الله كله، وقد خاس بعهد الله كله.
والإسلام- الذي يتحقق في إقامة منهج الله في الأرض واتباعه والخلوص له- هو ناموس هذا الوجود. وهو دين كل حي في هذا الوجود.
إنها صورة شاملة عميقة للإسلام والاستسلام. صورة كونية تأخذ بالمشاعر، وترتجف لها الضمائر.. صورة الناموس القاهر الحاكم، الذي يرد الأشياء والأحياء إلى سنن واحد وشرعة واحدة، ومصير واحد.
{وإليه يرجعون}.
فلا مناص لهم في نهاية المطاف من الرجوع إلى الحاكم المسيطر المدبر الجليل..
ولا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله، من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه، وفي نظام حياته، وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله. فلا ينفرد بمنهج من صنع نفسه، لا يتناسق مع ذلك النظام الكوني من صنع بارئه في حين أنه مضطر أن يعيش في إطار هذا الكون وأن يتعامل بجملته مع النظام الكوني.. والتناسق بين نظامه هو في تصوره وشعوره، وفي واقعه وارتباطاته، وفي عمله ونشاطه، مع النظام الكوني هو وحده الذي يكفل له التعاون مع القوى الكونية الهائلة بدلا من التصادم معها. وهو حين يصطدم بها يتمزق وينسحق؛ أو لا يؤدي- على كل حال- وظيفة الخلافة في الأرض كما وهبها الله له. وحين يتناسق ويتفاهم مع نواميس الكون التي تحكمه وتحكم سائر الأحياء فيه يملك معرفة أسرارها، وتسخيرها، والانتفاع بها على وجه يحقق له السعادة والراحة والطمأنينة، ويعفيه من الخوف والقلق والتناحر.. الانتفاع بها لا ليحترق بنار الكون، ولكن ليطبخ بها ويستدفئ ويستضيء!
والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي. فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب، إنما يصطدم أولا بفطرته التي بين جنبيه، فيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق. ويحيا كما تحيا البشرية الضالة النكدة اليوم في عذاب من هذا الجانب- على الرغم من جميع الانتصارات العلمية، وجميع التسهيلات الحضارية المادية!
إن البشرية اليوم تعاني من الخواء المرير.
خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها أن تصبر عليها.. حقيقة الإيمان.. وخواء حياتها من المنهج الإلهي. هذا المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون الذي تعيش فيه.
إنها تعاني من الهجير المحرق الذي تعيش فيه بعيدًا عن ذلك الظل الوارف الندي. ومن الفساد المقلق الذي تتمرغ فيه بعيدا عن ذلك الخط القويم والطريق المأنوس المطروق!
ومن ثم تجد الشقاء والقلق والحيرة والاضطراب؛ وتحس الخواء والجوع والحرمان؛ وتهرب من واقعها هذا بالأفيون والحشيش والمسكرات؛ وبالسرعة المجنونة والمغامرات الحمقاء، والشذوذ في الحركة واللبس والطعام! وذلك على الرغم من الرخاء المادي والإنتاج الوفير والحياة الميسورة والفراغ الكثير.. لا بل إن الخواء والقلق والحيرة لتتزايد كلما تزايد الرخاء المادي والإنتاج الحضاري واليسر في وسائل الحياة ومرافقها.
إن هذا الخواء المرير ليطارد البشرية كالشبح المخيف. يطاردها فتهرب منه. ولكنها تنتهي كذلك إلى الخواء المرير!
وما من أحد يزور البلاد الغنية الثرية في الأرض حتى يكون الانطباع الأول في حسه أن هؤلاء قوم هاربون! هاربون من أشباح تطاردهم. هاربون من ذوات أنفسهم.. وسرعان ما يتكشف الرخاء المادي والمتاع الحسي الذي يصل إلى حد التمرغ في الوحل، عن الأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والقلق والمرض والجنون والمسكرات والمخدرات والجريمة. وفراغ الحياة من كل تصور كريم!
إنهم لا يجدون أنفسهم لأنهم لا يجدون غاية وجودهم الحقيقية.. إنهم لا يجدون سعادتهم لأنهم لا يجدون المنهج الإلهي الذي ينسق بين حركتهم وحركة الكون، وبين نظامهم وناموس الوجود.. إنهم لا يجدون طمأنينتهم لأنهم لا يعرفون الله الذي إليه يرجعون..
ولما كانت الأمة المسلمة- المسلمة حقًا لا جغرافية ولا تاريخًا!- هي الأمة المدركة لحقيقة العهد بين الله ورسله. وحقيقة دين الله الواحد ومنهجه، وحقيقة الموكب السني الكريم الذي حمل هذا المنهج وبلغه، فإن الله يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذه الحقيقة كلها؛ ويعلن إيمان أمته بجميع الرسالات، واحترامها لجميع الرسل، ومعرفتها بطبيعة دين الله، الذي لا يقبل الله من الناس سواه: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
هذا هو الإسلام في سعته وشموله لكل الرسالات قبله، وفي ولائه لكافة الرسل حملته. وفي توحيده لدين الله كله، ورجعه جميع الدعوات وجميع الرسالات إلى أصلها الواحد، والإيمان بها جملة كما أرادها الله لعباده.
ومما هو جدير بالالتفات في الآية القرآنية الأولى هنا هو ذكرها الإيمان بالله وما أنزل على المسلمين- وهو القرآن- وما أنزل على سائر الرسل من قبل، ثم التعقيب على هذا الإيمان بقوله: {ونحن له مسلمون}.
فهذا الإقرار بالإسلام له مغزاه. بعد بيان أن الإسلام هو الاستسلام والخضوع والطاعة واتباع الأمر والنظام والمنهج والناموس. كما يتجلى في الآية قبلها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}.. فظاهر أن إسلام الكائنات الكونية هو إسلام الخضوع للأمر، واتباع النظام، وطاعة الناموس.. ومن ثم تتجلى عناية الله سبحانه ببيان معنى الإسلام وحقيقته في كل مناسبة. كي لا يتسرب إلى ذهن أحد أنه كلمة تقال باللسان، أو تصديق يستقر في القلب، ثم لا تتبعه آثاره العملية من الاستسلام لمنهج الله، وتحقيق هذا المنهج في واقع الحياة.
وهي لفتة ذات قيمة قبل التقرير الشامل الدقيق الأكيد: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
إنه لا سبيل- مع هذه النصوص المتلاحقة- لتأويل حقيقة الإسلام، ولا للي النصوص وتحريفها عن مواضعها لتعريف الإسلام بغير ما عرفه به الله، الإسلام الذي يدين به الكون كله. في صورة خضوع للنظام الذي قرره الله له ودبره به.
ولن يكون الإسلام إذن هو النطق بالشهادتين، دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها. وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة. ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه. ودون أن يتبع شهادة أن محمدًا رسول الله معناها وحقيقتها. وهي التقيد بالمنهج الذي جاء به من عند ربه للحياة، واتباع الشريعة التي أرسله بها، والتحاكم إلى الكتاب الذي حمله إلى العباد.
ولن يكون الإسلام إذن تصديقًا بالقلب بحقيقة الألوهية والغيب والقيامة وكتب الله ورسله.. دون أن يتبع هذا التصديق مدلوله العملي، وحقيقته الواقعية التي أسلفنا..
ولن يكون الإسلام شعائر وعبادات، أو إشراقات وسبحات، أو تهذيبًا خلقيًا وإرشادًا روحيًا.. دون أن يتبع هذا كله آثاره العملية ممثلة في منهج للحياة موصول بالله الذي تتوجه إليه القلوب بالعبادات والشعائر، والإشراقات والسبحات، والذي تستشعر القلوب تقواه فتتهذب وترشد.. فإن هذا كله يبقى معطلًا لا أثر له في حياة البشر ما لم تنصب آثاره في نظام اجتماعي يعيش الناس في إطاره النظيف الوضيء.
هذا هو الإسلام كما يريده الله؛ ولا عبرة بالإسلام كما تريده أهواء البشر في جيل منكود من أجيال الناس! ولا كما تصوره رغائب أعدائه المتربصين به، وعملائهم هنا أو هناك!
فأما الذين لا يقبلون الإسلام على النحو الذي أراده الله، بعدما عرفوا حقيقته، ثم لم تقبلها أهواؤهم، فهم في الآخرة من الخاسرين. ولن يهديهم الله، ولن يعفيهم من العذاب: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}.
وهي حملة رعيبة يرجف لها كل قلب فيه ذرة من إيمان؛ ومن جدية الأمر في الدنيا وفي الآخرة سواء. وهو جزاء حق لمن تتاح له فرصة النجاة ثم يعرض عنها هذا الإعراض.
ولكن الإسلام- مع هذا- يفتح باب التوبة، فلا يغلقه في وجه ضال يريد أن يتوب؛ ولا يكلفه إلا أن يطرق الباب. بل أن يدلف إليه فليس دونه حجاب. وإلا أن يفيء إلى الحمى الآمن، ويعمل صالحًا فيدل على أن التوبة صادرة من قلب تاب: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
فأما الذين لا يتوبون ولا يثوبون. الذين يصرون على الكفر ويزدادون كفرًا والذين يلجون في هذا الكفر حتى تفلت الفرصة المتاحة وينتهي أمد الاختبار، ويأتي دور الجزاء. هؤلاء وهؤلاء لا توبة لهم ولا نجاة. ولن ينفعهم أن يكونوا قد أنفقوا ملء الأرض ذهبًا فيما يظنون هم أنه خير وبر، ما دام مقطوعًا عن الصلة بالله. ومن ثم فهو غير موصول به ولا خالص له بطبيعة الحال. ولن ينجيهم أن يقدموا ملء الأرض ذهبًا ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة. فقد أفلتت الفرصة وأغلقت الأبواب: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}.
وهكذا يحسم السياق القضية بهذا التقرير المروع المفزع، وبهذا التوكيد الواضح الذي لا يدع ريبة لمستريب.
وبمناسبة الإنفاق على غير درب الله، وفي غير سبيله وبمناسبة الافتداء يوم لا ينفع الفداء، يبين البذل الذي يرضاه: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}.
وقد فقه المسلمون وقتها معنى هذا التوجيه الإلهي، وحرصوا على أن ينالوا البر- وهو جماع الخير- بالنزول عما يحبون، وببذل الطيب من المال، سخية به نفوسهم في انتظار ما هو أكبر وأفضل.
روى الإمام أحمد- بإسناده- عن أبي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا، وكان أحب أمواله إليه بَيْرَحاء وكانت مستقبلة المسجد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.. قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بَيْرَحاء وإنها صدقة لله أرجو بها برها وذخرها عند الله تعالى. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ. ذاك مال رابح. ذاك مال رابح. وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. (أخرجه الشيخان).
وفي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله لم أصب مالًا قط، هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر. فما تأمرني به؟ قال: «احبس الأصل وسبل الثمرة».
وعلى هذا الدرب سار الكثيرون منهم يلبون توجيه ربهم الذي هداهم إلى البر كله، يوم هداهم إلى الإسلام. ويتحررون بهذه التلبية من استرقاق المال، ومن شح النفس، ومن حب الذات؛ ويصعدون في هذا المرتقى السامق الوضيء أحرارًا خفافًا طلقاء. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ (92)}.
أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلًا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله ان الله يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وان أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذاك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.