فصل: تفسير الآية رقم (98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} فقام رجل من هذيل فقال: يا رسول الله من تركه كفر؟ قال: «من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: {ومن كفر} قال: «من كفر بالله واليوم الآخر».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه سئل عن قول الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ما هذا الكفر؟ قال: من كفر بالله واليوم الآخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء بن أبي رباح. في الآية قال: من كفر بالبيت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ {إن أول بيت وضع للناس} إلى قوله: {سبيلًا} ثم قال: من كفر بهذه الآيات.
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال: ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: لو كان لي جار موسر، ثم مات ولم يحجَّ لم أصلِّ عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ {ولله على الناس حج البيت} بكسر الحاء.
وأخرج عن عاصم بن أبي النجود {ولله على الناس حج البيت} بنصب الحاء.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم الحج في كل سنة. أو مرة واحدة؟ قال: «لا. بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوّع». اهـ.

.تفسير الآية رقم (98):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَالله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه وعز شأنه البراهين وأحكم الدلائل عقلًا وسمعًا، ولم يبق لمتعنت شبهة، ولم يبادروا الإذعان، بل زادوا في الطغيان، وكادوا أن يوقعوا الضراب والطعان بين أهل الإيمان، أعرض سبحانه وتعالى عن خطابهم إيذانًا بشديد الغضب ورابع الانتقام فقال سبحانه وتعالى مخاطبًا لرسوله الذي يكون قتلهم على يده: {قل} وأثبت أداة دالة على بعدهم عن الحضرة القدسية فقال: {يا أهل الكتاب} أي من الفريقين {لم تكفرون} أي توقعون الكفر {بآيات الله} أي وهي- لكونه الحائز بجميع الكمال- البينات نقلًا وعقلًا الدالة على أنكم على الباطل لما وضح من أنكم على غير ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ولما كان كفرهم ظاهرًا ذكر شهادته تعالى فقال مهددًا {والله} أي والحال أن الله الذي هو محيط بكل شيء قدرة وعلمًا فلا إله غيره وقد أشركتم به {شهيد على} كل {ما تعملون} أي لكونه يعلم سبحانه السر وأخفى وإن حرفتم وأسررتم.
ثم استأنف إيذانًا بالاستقلال تقريعًا آخر لزيادتهم على الكفر التكفير فقال: {قل يا آهل الكتاب} أي المدعين للعلم واتباع الوحي، كرر هذا الوصف لأنه مع أنه أبعد في التقريع أقرب إلى التطلف في صرفهم عن ضلالهم {لم تصدون} أي بعد كفركم {عن سبيل الله} أي الملك الذي له القهر والعز والعظمة والاختصاص بجميع صفات الكمال، وسبيله دينه الذي جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقدمه اهتمامًا به.
ثم ذكر المفعول فقال: {من أمن} حال كونكم {تبغونها} أي السبيل {عوجًا} أي بليكم ألسنتكم وافترائكم على الله، ولم يفعل سبحانه وتعالى إذ أعرض عنهم في هذه الآية ما فعل من قبل إذ أقبل عليهم بلذيذ خطابه تعالى جده وتعاظم مجده إذ قال: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} [آل عمران: 65] {يا أهل الكتاب لم تكفرون} [آل عمران: 70] والآية التي بعدها بغير واسطة.
ولما ذكر صدهم وإرادتهم العوج الذي لا يرضاه ذو عقل قال موبخًا: {وأنتم شهداء} أي باستقامتها بشهادتكم باستقامة دين إبراهيم مع قيام أدلة السمع والعقل أنها دينه وأن النبي والمؤمنين أولى الناس به لانقيادهم للأدلة.
ولما كان الشهيد قد يغفل، وكانوا يخفون مكرهم في صدهم، هددهم بإحاطة علمه فقال: {وما الله} أي الذي تقدم أنه شهيد عليكم وله صفات الكمال كلها {بغافل} أي أصلًا {عما تعملون}. اهـ. بتصرف يسير.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله}.
ابتداء كرم رُجع به إلى مجادلة أهل الكتاب وموعظتهم فهو مرتبط بقوله تعالى: {قل صدق الله} الآية.
أمر الرّسول عليه الصلاة والسّلام بالصدع بالإنكار على أهل الكتاب.
بعد أن مهّد بين يدي ذلك دلائل صحَّة هذا الدّين ولذلك افتتح بفعل {قل} اهتمامًا بالمقول، وافتتح المقولُ بنداء أهل الكتاب تسجيلًا عليهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في كيفية النظم وجهين:
الأول: وهو الأوفق: أنه تعالى لما أورد الدلائل على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام مما ورد في التوراة والإنجيل من البشارة بمقدمه، ثم ذكر عقيب ذلك شبهات القوم.
فالشبهة الأولى: ما يتعلق بإنكار النسخ.
وأجاب عنها بقوله: {كُلُّ الطعام كَانَ حِلًا لّبَنِى إسرائيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيل على نَفْسِهِ} [آل عمران: 93].
والشبهة الثانية: ما يتعلق بالكعبة ووجوب استقبالها في الصلاة ووجوب حجها.
وأجاب عنها بقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96] إلى آخرها، فعند هذا تمت وظيفة الاستدلال وكمل الجواب عن شبهات أرباب الضلال، فعند ذلك خاطبهم بالكلام اللين وقال: {لِمَ تَكْفُرُونَ بآيات الله} بعد ظهور البينات وزوال الشبهات، وهذا هو الغاية القصوى في ترتيب الكلام وحسن نظمه.
الوجه الثاني: وهو أنه تعالى لما بين فضائل الكعبة ووجوب الحج، والقوم كانوا عالمين بأن هذا هو الدين الحق والملة الصحيحة قال لهم: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله} بعد أن علمتم كونها حقة صحيحة.
واعلم أن المبطل إما أن يكون ضالًا فقط، وإما أن يكون مع كونه ضالًا يكون مضلًا، والقوم كانوا موصوفين بالأمرين جميعًا فبدأ تعالى بالإنكار عليهم في الصفة الأولى على سبيل الرفق واللطف. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
قوله: {يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَاتِ الله} واختلفوا فيمن المراد بأهل الكتاب، فقال الحسن: هم علماء أهل الكتاب الذين علموا صحة نبوته، واستدل عليه بقوله: {وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} وقال بعضهم: بل المراد كل أهل الكتاب لأنهم وإن لم يعلموا فالحجة قائمة عليهم فكأنهم بترك الاستدلال والعدول إلى التقليد بمنزلة من علم ثم أنكر. اهـ.

.قال الطبري:

يعني بذلك: يا معشر يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر من ينتحل الدِّيانة بما أنزلَ الله عز وجل من كتبه، ممن كفَر بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحد نبوَّته: {لم تكفرون بآيات الله}، يقول: لم تجحدونُ حجج الله التي آتاها محمدًا في كتبكم وغيرها، التي قد ثبتت عليكم بصدقه ونبوَّته وحُجته.
وأنتم تعلمون: يقول: لم تجحدون ذلك من أمره، وأنتم تعلمون صدقه؟ فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم متعمِّدون الكفر بالله وبرسوله على علم منهم، ومعرفةٍ من كفرهم. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة في قوله تعالى: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله} دلالة على أن الكفر من قبلهم حتى يصح هذا التوبيخ وكذلك لا يصح توبيخهم على طولهم وصحتهم ومرضهم.
والجواب عنه: المعارضة بالعلم والداعي. اهـ.
قال الفخر:
المراد {مِنْ آيات الله} الآيات التي نصبها الله تعالى على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام، والمراد بكفرهم بها كفرهم بدلالتها على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: {والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} الواو للحال والمعنى: لم تكفرون بآيات الله التي دلتكم على صدق محمد عليه الصلاة والسلام، والحال أن الله شهيد على أعمالكم ومجازيكم عليها وهذه الحال توجب أن لا تجترؤا على الكفر بآياته. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

الخطاب بهذه الآية لتأكيد الحجة عليهم، ومن حيث الحقيقة والقهر يَسُدُّ الحجة عليهم، فهم مدعوون- شرعًا وأمرًا، مطرودون- حُكْمًا وقهرًا. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بئايات الله} خاطبهم بعنوان أهلية الكتاب الموجبة للإيمان به وبما يصدقه مبالغة في تقبيح حالهم في تكذيبهم بذلك والاستفهام للتوبيخ والإشارة إلى تعجيزهم عن إقامة العذر في كفرهم كأنه قيل: هاتوا عذركم إن أمكنكم. والمراد من الآيات مطلق الدلائل الدالة على نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق مدعاه الذي من جملته الحج وأمره به، وبه تظهر مناسبة الآية لما قبلها، وسبب نزولها ما أخرجه ابن إسحاق وجماعة عن زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس وكان شيخًا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابًا معه من يهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس وهبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها الآن وغضب الفريقان جميعًا وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة والظاهرة الحرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله تعالى إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد لهم من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضًا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله تعالى عنهم كيد عدو الله تعالى شماس، وأنزل الله تعالى في شأن شاس وما صنع {قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب لَمَن تَكْفُرُونِ} إلى قوله سبحانه: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98، 99] وأنزل في أوس بن قيظي وهبار ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا {المحسنين يا أيها الذين ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ} [آل عمران: 149] الآية، وعلى هذا يكون المراد من أهل الكتاب ظاهرًا اليهود. وقيل: المراد منه ما يشمل اليهود والنصارى.
{والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} جملة حالية العامل فيها {تَكْفُرُونِ} وهي مفيدة لتشديد التوبيخ والإظهار في موضع الإضمار لما مرّ غير مرة والشهيد العالم المطلع، وصيغة المبالغة للمبالغة في الوعيد وجعل الشهيد بمعنى الشاهد تكلف لا داعي إليه، وما إما عبارة عن كفرهم، وإما على عمومها وهو داخل فيها دخولًا أوليًا والمعنى لأي سبب تكفرون، والحال أنه لا يخفى عليه بوجه من الوجوه جميع أعمالكم وهو مجازيكم عليها على أتم وجه ولا مرية في أن هذا مما يسد عليكم طرق الكفر والمعاصي ويقطع أسباب ذلك أصلًا. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قيل: ولم خص أهل الكتاب بالذكر دون سائر الكفار؟
قلنا لوجهين: الأول: أنا بينا أنه تعالى أورد الدليل عليهم من التوراة والإنجيل على صحة نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام، ثم أجاب عن شبههم في ذلك، ثم لما تمّ ذلك خاطبهم فقال: {يا أَهْل الكتاب} فهذا الترتيب الصحيح.
الثاني: أن معرفتهم بآيات الله أقوى لتقدم اعترافهم بالتوحيد وأصل النبوّة، ولمعرفتهم بما في كتبهم من الشهادة بصدق الرسول والبشارة بنبوته. اهـ.

.تفسير الآية رقم (99):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنه تعالى لما أنكر عليهم في ضلالهم ذكر بعد ذلك الإنكار عليهم في إضلالهم لضعفة المسلمين فقال: {قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءَامَنَ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {قل يا أهل الكتاب لم تصدون} توبيخ ثان وإنكار على مجادلتهم لإضلالهم المؤمنين بعد أن أنكر عليهم ضلالهم في نفوسهم، وفُصِل بلا عطف للدلالة على استقلاله بالقصد، ولو عطف لصحّ العطف. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ ءامَنَ} كرر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم، وإشعارًا بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العذاب. اهـ.

.قال الفخر:

قال المفسرون: وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من المسلمين وكانوا ينكرون كون صفته صلى الله عليه وسلم في كتابهم. اهـ.