فصل: أسئلة وأجوبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول: هب أن اليهود كذلك، لكن النصارى ليسوا كذلك فهذا يقدح في صحة هذه الآيات قلنا: هذه الآيات مخصوصة باليهود، وأسباب النزول على ذلك فزال هذا الإشكال.
السؤال الثاني: هلا جزم قوله: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}:
قلنا: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الأخبار ابتداء كأنه قيل أخبركم أنهم لا ينصرون، والفائدة فيه أنه لو جزم لكان نفي النصر مقيدًا بمقاتلتهم كتولية الأدبار، وحين رفع كان نفي النصر وعدًا مطلقًا كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم لا يجدون النصرة بعد ذلك قط بل يبقون في الذلة والمهانة أبدًا دائمًا.
السؤال الثالث: ما الذي عطف عليه قوله: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}؟
الجواب: هو جملة الشرط والجزاء، كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون وإنما ذكر لفظ {ثُمَّ} لإفادة معنى التراخي في المرتبة، لأن الأخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الأخبار بتوليتهم الأدبار. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِلاَّ أَذًى} فيه وجهان:
أحدهما: أنه متصل، وهو استثناء مفرَّغ من المصدر العام، كأنه قيل: لن يضروكم ضررًا ألبتة إلا ضرر أذى لا يبالى به- من كلمة سوء ونحوها- إمَّا بالطعن في محمد وعيسى- عليهما السلام- وَإمَّا بإظهار كلمة الكفر- كقولهم: عيسى ابنُ الله، وعُزَيْر ابن الله، وإن الله ثالث ثلاثة، وإما بتحريف نصوص التوراة والإنجيل، وإما بتخويف ضعفةِ المسلمين.
الثاني: أنه منقطع، أي: لن يضروكم بقتال وغَلَبَة، لكن بكلمة أذًى ونحوها.
قال بعض العلماء: وهذا بعيد، لأن الوجوه المذكورة توجب وقوع الغَمِّ في قلوب المسلمين، والغم ضرر. فالتقدير: لا يضروكم إلا الضرر الذي هو الأذى، فهو استثناء صحيح، والمعنى: لا يضروكم إلا ضَرَرًا يَسِيرًا. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

إن الحق سبحانه وتعالى لا يسلط على أوليائه إلا بمقدار ما يصدق إلى الله فرارهم، فإذا حق فرارهم أكرم لديه قرارهم، وإن استطالوا على الأولياء بموجب حسبأنهم انعكس الحال عليهم بالصغار والهوان. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية اشتملت على الأخبار عن غيوب كثيرة، منها أن المؤمنين آمنون من ضررهم، ومنها أنهم لو قاتلوا المؤمنين لانهزموا، ومنها أنه لا يحصل لهم قوة وشوكة بعد الانهزام وكل هذه الأخبار وقعت كما أخبر الله عنها، فإن اليهود لم يقاتلوا إلا انهزموا، وما أقدموا على محاربة وطلب رياسة إلا خذلوا، وكل ذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزًا. اهـ.

.من فوائد ابن عطية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى} معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة، فالاستثناء متصل، وقال الحسن، وقتادة وغيرهما: الأذى هو تحريفهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه.
قال القاضي أبو محمد: وتنقصهم المؤمنين وطعنهم عليهم جملة وأفرادًا، وهذا كله عظيم مقلق وبسببه استحقوا القتل والإجلاء، وضرب الجزية، لكن أراد الله تعالى بهذه الآية أن يلحظهم المؤمنون بعين الاحتقار حتى لا يصدوا أحدًا عن دينه ولا يشغلوه عن عبادة ربه، وهكذا هي فصاحة العرب، ومن هذا المعنى في التحقير قول ثمامة بن أثال: يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن شئت المال فاسأل منه ما شئت، فقوله: ذا دم، روي بالذال منقوطة، وبالدال غير منقوطة، فذم بفتح الذال وبكسرها أراد بها الذمام، وأما الدال غير المنقوطة، فيحتمل أنه أرد التعظيم لأمر نفسه، وذلك بأحد وجهين: إما أن يريد الوعيد، أي تقتل ذا دم مطلوب بثأره له حماة فاحذر عاقبة ذلك، وإما أن يريد تقتل ملكًا يستشفى بدمه، كما كانت العرب تعتقد في دماء الملوك، فهذا استعطاف لا وعيد، أي لا ينبغي ذلك أن تفسد مثلي، وهذا كما استعطف الأشعث بن قيس أبا بكر رضي الله عنه بهذا المعنى، ويحتمل كلام ثمامة، أنه أراد تحقير أمر نفسه وليذهب عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم المسرة بنيل مثل هذا الأمر العظيم، ويجري ذلك مجرى قول أبي جهل لعبد الله بن مسعود: وهل أعمد من رجل قتلتموه؟ ومثله قول الأسير لعمر بن عبد العزيز، حين قال له: لأقتلنك، قال إن ذلك لا ينقص من عدد الخزر شيئًا فكأن ثمامة أراد: إن تقتلني تقتل حيوانًا حقيرًا شأنه، كما يقتل كل ذي دم فما بالك تفعل ذلك وتدع الإنعام عليّ؟ فالآية تنظر إلى هذا المعنى من جهة أنه حقر عند المؤمنين ما هو عيظم في نفسه تنبيهًا لهم، وأخبر الله تعالى في قوله: {وإن يقاتلوكم} الآية، بخبر غيب صححه الوجود، فهي من آيات محمد صلى الله عليه وسلم، وفائدة الخبر هي في قوله: {ثم لا ينصرون} أي لا تكون حربهم معكم سجالًا وخص {الأدبار} بالذكر دون الظهر تخسيسًا للفارّ، وهكذا هو حيث تصرف. اهـ.

.من فوائد القاسمي:

قال رحمه الله:
{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى}.
أي: بألسنتهم لا يبالي به من طعن وتهديد: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ} أي: يومًا من الأيام: {يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ} يعني منهزمين مخذولين: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} يعني لا يكون لهم النصر عليكم، بل تنصرون عليهم. وقد صدق الله، ومن أصدق من الله قيلًا؟ لم يقاتلوا في موطن إلا كانوا كذلك.
قال ابن كثير: فإنهم يوم خيبر أذلهم الله، وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة: بني قيقناع، وبني النضير، وبني قريظة، كلهم أذلّهم الله. وكذلك النصارى بالشام، كسرهم الصحابة في غير ما موطن وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين. ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم، وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام، وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.
لطائف:
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}؟
قلت: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الأخبار ابتداء، كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون.
فإن قلت: فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟
قلت: لو جزم لكان نفي النصر مقيدًا بمقاتلتهم، كتولية الأدبار، وحين رفع كان نفي النصر وعدًا مطلقًا كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتفٍ عنهم النصر والقوة لا ينهضون بعدها بجناح، ولا يستقيم لهم أمر، وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر.
فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟
قلت: جملة الشرط والجزاء. كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون.
فإن قلت: فما معنى التراخي في ثم؟
قلت: التراخي في المرتبة، لأن الأخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الأخبار بتوليتهم الأدبار.
قال الناصر بن المنير: وهذا من الترقي في الوعد عما هو أدنى إلى ما هو أعلى، لأنهم وعدوا بتولية عدوهم الأدبار عند المقابلة، ثم ترقى الوعد إلى ما هو أتم في النجاح من أن هؤلاء لا ينصرون مطلقًا، ويزيد هذا الترقي بدخول ثم دون الواو. فإنها تستعار هاهنا للتراخي في الرتبة لا في الوجود، كأنه قال: ثم هاهنا ما هو أعلى في الامتنان، وأسمح في رتب الإحسان، وهو أن هؤلاء قوم لا ينصرون البتة- والله أعلم-. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}.
لكن الحق سبحانه يطمئن هذه الأقلية من إضرار الأكثرية بهم فيقول: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى}. أي يا أيتها الأقلية التي آمنت من أهل الكتاب- مثل عبد الله بن سلام الذي أسلُم وترك اليهودية- إياكم أن تظنوا أن الأكثرية الفاسقة قادرة على إنزال العذاب بكم؛ فالحق سبحانه يعلن أن محاولة الأكثرية لإنزال الضرر بالأقلية التي آمنت منهم لن يتجاوز الأذى.
ما هو الضرر؟ وما هو الأذى؟
إن الأذى هو الحدث الذي يؤلم ساعة وقوعه ثم ينتهي، أما الضرر فهو أذى يؤلم وقت وقوعه، وتكون له آثار من بعد ذلك، فعندما يصفع الإنسان إنسانا آخر صفعة بسيطة فالصفعة البسيطة تؤلم، وألمها يذهب مباشرة، لكن إذا كانت الصفعة قوية وتتسبب في كدمات وتورم فهذا هو الضرر. إذن فالأذى يؤلم ساعة يُباشر الفعل فقط، وقد يكون الأذى بالكلمة كالاستهزاء، فالفاسق قد يستهزئ بالذي آمن، فينطق بكلمة الكفر أو الفُجْر، هذه الكلمة ليس لها ضرر في ذات المؤمن ولكنها تؤذي سمعه. إن الحق سبحانه يطمئن المؤمنين على أن أهل الكفر لن يضروا المؤمنين إلا الأذى، وهذا أقصى ما في استطاعتهم، وليس لهذا الأذى أثر.
إذن فقول الحق: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} يعني أنهم لن يستطيعوا أن ينالوا منكم أبدا اللهم إلا الاستهزاء أو الغمز واللمز، أو إشارة بحركة تؤذي شعور المؤمن، أو تمجد الكفر، وتعظمه أو ينطق كلمة عهر أو فجر لا يوافق عليها الدين، هذا أقصى ما يستطيعه أهل الفسق، وهم لا يملكون الضرر لأهل الإيمان. وبعد ذلك نرى أن واقع الأمر قد سار على هذا المنوال مع الدعوة المحمدية ومع جنود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد أطلقها الله كلمة: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} فصارت الكلمة قانونا. فقد وقعت الوقائع بين جند رسول الله وأهل الفسق، وثبت أن أهل الفسق لم يستطيعوا ضرر أهل الإيمان إلا أذى.
ولننظر إلى ما حدث لبني قينقاع، ولما حدث لبني قريظة، ولما حدث لبني النضير، ولما حدث ليهود خيبر، هل ضروا المؤمنين إلا أذى؟ لقد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوما أغرارا لا علم لهم بالحرب فانتصرت عليهم، فإذا أنت حاربتنا فستعرف مَن الرجال. وكان ذلك مجرد كلام باللسان.
إن التاريخ يحمل لنا ما حدث لهم جميعا، لقد هزمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد هذا أرادوا أن يرتفعوا عن الأذى إلى الضرر الحقيقي فلم يمكنهم الله؛ لأن الحق يقول: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}، فإن أراد أهل الفسق أن يُصَعِّدوا الأذى للمؤمنين ليوقعوا ضررا حقيقيا، فإن الكافرين يولون الأدبار أمام المؤمنين، فهزيمتهم أمر لا مناص منه.
ونحن نعرف في اللغة أن هناك ما نسميه الشرط وما نسميه الجواب فإنْ حرف شرط تجزم فعل الشرط وجوابه فإنْ كان الفعل من الأفعال الخمسة فإنّنا نحذف النون، لذلك نجد القول الحق: {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ}.
إن {يُقَاتِلُوكُمْ} فعل شرط محذوفه منه النون. و{يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ} أصلها يولونكم الأدبار. وهي جواب شرط حذفت منه النون، وعندما يأتي العطف بعد ذلك، فهل يكون بالرفع أو الجزم؟ إن العادة أن يكون العطف بالجزم!! لكن الحق يعطف بالرفع فيأتي قوله: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}. إنها كسرة إِعْرَابِيّة تجعل الذهن العربي يلتفت إلى أن هناك أمرا جللا، لأن المتكلم هو الله سبحانه. كيف جاءت النون؟
هنا نقف وقفة فَلننطق الآية ككلام البشر: إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصروا. وهذا القول يكون تأريخا لمعركة واحدة، لكن ما الذي سوف يحدث من بعد ذلك؟ ماذا يحدث عندما يقاتل المؤمنون أهل الكفر والفسق؟ وتكون الإجابة هي: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} إن هذا القول الحكيم يحمل قضية بعيدة عن الشرط والجزاء، إنها حكم من الله على أهل الفسق بأنهم لا يُنصرون أبدا سواء أقاتلوا أن لم يقاتلوا إنها قضية ثابتة منفصلة، وليست معطوفة على الشرط، فعلة عدم النصر، ليست القتال، ولكنها الكفر.
وإذا دققنا الفهم في العبارة حروفا- بعد أن دققنا فيها الفهم جملا- لوجدنا معنى جديدا، فقد يظن إنسان أن القول كان يفترض أن يتأتى على نحو مغاير، هو يولوكم الأدبار فلا ينصرون لأن الذي يأتي بعد الفاء يعطي أنهم لا ينتصرون عليكم في بداية عهدكم، وهذا ما تفيده الفاء لأنها للترتيب والتعقيب. لكن الحق أورد حرف ثم وهو يفيد التراخي، وهذا يعني أنهم لا ينتصرون عليكم أيها المؤمنون حتى لو استعدوا بعد فترة لمعركة يَرُدُّن بها على توليهم الأدبار. أنه حكم تأبيدي، لأن ثم تأتي للتعقيب مع التراخي، والفاء تأتي للتعقيب المباشر بدون تراخ. لذلك فعندما نقرأ القرآن نجد وضع الفاء كالآتي: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21].
لأن دخول القبر يكون بعد الموت مباشرة، وبعدها يقول الحق: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ} [عبس: 22].
فإذا كان هناك تعقيب بعد مدّة زمنية فالحق يأتي بثم، وإذا كان هناك تعقيب فوري بلا مدة يأتي الحق بف. والتعقيب في الآية التي نتناولها يأتي بعد ثم، وكأن هذا حكم مستمر من الحق بأن أهل الفسق لن ينتصروا على أهل الإيمان، ولم بعد انتهاء المعركة القائمة الآن بينهم، إنها هزيمة بحكم نهائي، هذا هو القول الفصل: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} وهو أشد وقعا مما لو جاء لاَ ينتصرون لماذا؟ لأن من الممكن ألاّ ينتصر أهل الكفر بذواتهم، ولكن الأيضاح يؤكد أنهم- أهل الكفر- لا ينتصرون لا بذواتهم، ولا يُنصرون بغيرهم أيضا.
إن {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} قضية دائمة فليست المسألة مقصورة على عهد رسول الله فقط، ولكنها ستظل إلى أبد الآبدين.
ومن السطحية في الفهم أن نقول: إن الآية كانت تتطلب أن يكون القول ثُمَّ لاَ يُنصَرُوا لأن الاعراب يقتضي ذلك. لكن المعنى اللائق بالمتكلم وهو الحق سبحانه وتعالى الذي يعطي الضمان والاطمئنان للأمة المسلمة أمام خصومها لابد أن يقول: {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} وهي أكثر دقة حتى من لاَ ينتصرون لأن ينتصرون فيها مدخلية الأسباب منهم، أما {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} فهي تعني أن لا نصر لهم أبدًا، حتى وإن تعصب لأهل الفسق قوم غيرهم وحاولوا أن ينصروهم فلن يستطيعوا ذلك.
فإن رأيتم- أيها المسلمون- نصرا للكافرين عليكم منهم أو بتعصب قوم لهم فاعلموا أنكم دخلتم معهم على غير منهج الله. وقد يأتي إنسان ويقول: كيف ينتصر علينا اليهود ونحن مسلمون؟ ونقول: هل نحن نتبع الآن منهج وروح الإسلام؟ وماذا عندنا من الإسلام ومن الإيمان؟ هل تحسب نفسك على ربك أثناء هزيمتك؟ وهل دخلت معركتك كمعركة إسلامية؟
لا، لقد انتبهنا إلى كل شيء إلاّ الإسلام.، قدمنا الانتماء لعصبية وقومية وعرقية على الإيمان فكيف نطلب نصرا من الله؟ لا يحق لنا أن نطلب نصرة لله إلا إذا دخلنا المعركة ونحن من جند الله. والهزيمة تحدث عندما لا نكون جندًا لله؛ لأن الله ضمن النصر والغلبة لجنوده فقال: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
فإذا لم نغلب فتأكدوا أننا لسنا من جنود الله. اهـ.