فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بأنهمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}.
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والفريابي وأحمد والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابي عباس في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم. فكنا كلنا، ولكن قال: {كنتم} في خاصة أصحاب محمد، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا {خير أمة أخرجت للناس}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي عمن حدثه عن عمر في قوله: {كنتم خير أمة} قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذرعن عكرمة في الآية قال: نزلت في ابن مسعود، وعمار بن يسار، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} الآية. ثم قال: يا أيها الناس من سرَّه أن يكون من تلكم الأمة فليؤدِّ شرط الله منها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} يقول: على هذا الشرط: أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، وتؤمنوا بالله. يقول: لمن أنتم بين ظهرانيه كقوله: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} [الدخان: 32].
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: خير الناس للناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة، فمن ثم قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن معاوية بن حيدة. أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: «إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا نبي الله صلى لله عليه وسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة، نحن آخرها وخيرها».
وأخرج أحمد بسند حسن عن علي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطية في الآية قال: خير الناس للناس. شهدتم للنبيين الذين كذبهم قومهم بالبلاغ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس غير هذه الأمة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف} يقول: تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، والإقرار بما أنزل الله ويقاتلونهم عليه. ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف {وتنهونهم عن المنكر} والمنكر هو التكذيب وهو أنكر المنكر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {منهم المؤمنون} قال: استثنى الله منهم ثلاثة كانوا على الهدى والحق.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وأكثرهم الفاسقون} قال: ذم الله أكثر الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {لن يضروكم إلا أذى} قال: تسمعونه منهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {لن يضروكم إلا أذى} قال: إشراكهم في عزير، وعيسى، والصليب.
وأخرج عن الحسن {لن يضروكم إلا أذى} قال: تسمعون من كذبًا على الله، يدعونكم إلى الضلالة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ضربت عليهم الذلة} قال: هم أصحاب القبالات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن {ضربت عليهم الذلة} قال: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: أدركتهم هذه الأمة، وأن المجوس لتجتنيهم الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة {ضربت عليهم الذلة} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {ضربت عليهم الذلة} قال: الجزية.
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس {إلا بحبل من الله وحبل من الناس} قال: بعهد من الله وعهد من الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} قال اجتنبوا المعصية والعدوان، فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة: {لَن تَنَالُواْ البر} الذي هو القرب من الله {حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} أي بعضه، والإشارة به إلى النفس فإنها إذا أنفقت في سبيل الله زال الحجاب الأعظم وهان إنفاق كل بعدها {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شيء فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92] فينبغي تحرّي ما يرضيه، ويحكى عن بعضهم أنه قال: المنفقون على أقسام: فمنهم من ينفق على ملاحظة الجزاء والعوض ومنهم من ينفق على مراقبة رفع البلاء والمحن ومنهم من ينفق اكتفاءًا بعلمه ولله تعالى در من قال:
ويهتز للمعروف في طلب العلا ** لتذكر يومًا عند سلمى شمائله

{كُلُّ الطعام كَانَ حِلًا لّبَنِى إسرائيل إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيل على نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] قيل: فائدة الأخبار بذلك تعليم أهل المحبة أن يتركوا ما حبب إليهم من الأطعمة الشهية واللذائذ الدنيوية رغبة فيما عند الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ} وهو الكعبة التي هي من أعظم المظاهر له تعالى حتى قالوا: إنها للمحمديين كالشجرة لموسى عليه السلام {مُبَارَكًا} بما كساه من أنوار ذاته {وهدى} بما كساه من أنوار صفاته {للعالمين} [آل عمران: 96] على حسب استعدادهم {فِيهِ ءايات بينات مَّقَامُ إبراهيم} المشتمل على الرضا والتسليم والانبساط واليقين والمكاشفة والمشاهدة والخلة والفتوة أو المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو، أو جميع ذلك {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} من غوائل نفسه لأنه مقام التمكين وتطبيق ذلك على ما في الأنفس أن البيت إشارة إلى القلب الحقيقي، ويحمل ما ورد أن البيت أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض وخلق قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على وجه الماء فدحيت الأرض تحته على ذلك وظهوره على الماء حينئذٍ تعلقه بالنطفة عند خلق سماء الروح الحيوان وأرض البدن، وخلقه قبل الأرض إشارة إلى قدمه وحدوث البدن، وتقييد ذلك بألفي عام إشارة إلى تقدمه على البدن بطورين طور النفس وطور القلب تقدمًا بالرتبة إذ الألف رتبة تامة، وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره، ودحو الأرض تحته إشارة إلى تكون البدن من تأثيره وكون أشكاله وصور أعضائه تابعة لهيئاته ولا يخفى أن محل تعلق الروح بالبدن واتصال القلب الحقيقي به أولا هو القلب الصنوبري وهو أول ما يتكون من الأعضاء وأول عضو يتحرك وأخر عضو يسكن فيكون {أول بيت وضع للناس للذي ببكة} الصدر صورة، أو أول متعبد وضع لهم للقلب الحقيقي الذي هو ببكة الصدر المعنوي الذي هو أشرف مقام في النفس وموضع ازدحام القوى إليه، ومعنى كونه {مباركًا} أنه ذو بركة إلهية بسبب فيض الخير عليه، وكونه {هدى} أنه يهتدي به إلى الله تعالى والآيات التي فيه هي العلوم والمعارف والحكم والحقائق، و{مقام إبراهيم} إشارة إلى العقل الذي هو مقام قدم إبراهيم الروح يعني محل اتصال نوره من القلب ولا شك أن من دخل ذلك {كان آمنًا} من أعداء سعالى المتخيلة وعفاريت أحاديث النفس واختطاف شياطين الوهم وجن الخيالات واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران؛ 97) وهم أهل معرفته عز شأنه، وأما الجاهلون به فلا قاموا ولا قعدوا، يحكى عن بعضهم أنه قال: قلت للشبلي: إني حججت فقال: كيف فعلت؟ فقلت: اغتسلت وأحرمت وصليت ركعتين ولبيت فقال لي: عقدت به الحج؟ فقلت: نعم قال: فسخت بعقدك كل عقد عقدت منذ خلقت مما يضاد هذا العقد؟ قلت: لا قال: فما عقدت، ثم قال نزعت ثيابك؟ قلت: نعم قال: تجردت عن كل فعل فعلت؟ قلت: لا قال: ما نزعت، فقال.
تطهرت؟ قال: نعم قال: أزلت عنك كل علة؟ فقلت: لا قال فما تطهرت، قال لبيت؟ قلت: نعم قال: وجدت جواب التلبية مثلًا بمثل؟ قلت: لا قال: ما لبيت، قال دخلت الحرم؟ قلت: نعم قال: اعتقدت بدخولك ترك كل محرم؟ قلت: لا قال: ما دخلت، قال: أشرفت على مكة؟ قلت: نعم قال: أشرف عليك حال من الله تعالى؟ قلت لا قال: ما أشرفت، قال: دخلت المسجد الحرام؟ قلت: نعم قال: دخلت الحضرة؟ قلت: لا قال: ما دخلت المسجد الحرام، قال: رأيت الكعبة؟ قلت: نعم قال: رأيت ما قصدت له؟ قلت: لا قال ما رأيت الكعبة، قال رملت وسعيت؟ قلت: نعم قال: هربت من الدنيا ووجدت أمنًا مما هربت؟ قلت: لا قال: ما فعلت شيئًا، قال: صافحت الحجر؟ قلت: نعم قال: من صافح الحجر فقد صافح الحق ومن صافح الحق ظهر عليه أثر الأمن أفظهر عليك ذلك؟ قلت: لا قال: ما صافحت؛ قال: أصليت ركعتين بعد؟ قلت: نعم قال: أوجدت نفسك بين يدي الله تعالى؟ قلت: لا قال: ما صليت.
قال: خرجت إلى الصفا؟ قلت: نعم قال: أكبرت؟ قلت: نعم فقال: أصفا سرك وصغرت في عينك الأكوان؟ قلت: لا قال: ما خرجت ولا كبرت.
قال: هرولت في سعيك؟ قلت: نعم قال: هربت منه إليه؟ قلت: لا قال: ما هرولت، قال: وقفت على المروة؟ قلت: نعم قال: رأيت نزول السكينة عليك وأنت عليها: قلت لا قال: ما وقفت على المروة، قال: خرجت إلى منى؟ قلت: نعم قال: أعطيت ما تمنيت؟ قلت: لا قال: ما خرجت، قال: دخلت مسجد الخيف؟ قلت: نعم قال: تجدد لك خوف؟ قلت: لا قال: ما دخلت، قال: مضيت إلى عرفات؟ قلت: نعم قال: عرفت الحال الذي خلقت له والحال الذي تصير إليه؟ وهل عرفت من ربك ما كنت منكرًا له؟ وهل تعرف الحق إليك بشيء؟ قلت: لا قال: ما مضيت، قال: نفرت إلى المشعر الحرام؟ قلت: نعم قال: ذكرت الله تعالى فيه ذكرًا أنساك ذكر ما سواه؟ قلت لا قال: ما نفرت، قال: ذبحت؟ قلت: نعم قال: أفنيت شهواتك وإراداتك في رضاء الحق؟ قلت: لا قال: ما ذبحت، قال: رميت؟ قلت: نعم قال: رميت جهلك منك بزيادة علم ظهر عليك؟ قلت: لا قال: ما رميت، قال: زرت؟ قلت: نعم قال: كوشفت عن الحقائق؟ قلت: لا قال: ما زرت، قال: أحللت؟ قلت: نعم قال: عزمت على الأكل من الحلال قدر ما تحفظ به نفسك؟ قلت: لا قال: ما أحللت، قال: ودعت؟ قلت نعم قال: خرجت من نفسك وروحك بالكلية؟ قلت: لا قال: ما ودعت ولا حججت وعليك العود إن أحببت وإذا حججت فاجتهد أن تكون كما وصفت لك انتهى.
فهذا الذي ذكره الشبلي هو الحج الذي يستأهل أن يقال له حج، ولله تعالى عباد أهّلهمْ لذلك وأقدرهم على السلوك في هاتيك المسالك فحجهم في الحقيقة منه إليه وله فيه فمطافهم حظائر القربة على بساط الحشمة وموقفهم عرفة العرفان على ساق الخدمة ليس لهم غرض في الجدران والأحجار وهيهات هيهات ما غرض المجنون من الديار إلا الديار، ومن كفر وأعرض عن المولى بهوى النفس {فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] فهو سبحانه غني عنه لا يلتفت إليه {قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب لَمَن تَكْفُرُونَ بئيات الله} الدالة على توحيده {والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 98] إذ هو أقرب من حبل الوريد {قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب لَمَن تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} بالإنكار على المؤمنين {مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} بإيراد الشبه الباطلة {وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} عالمون بأنها حق لا اعوجاج فيها {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99] فيجازيكم به {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} الإيمان الحقيقي {إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} خوفًا من إنكارهم ما أنتم عليه من الحقيقة والطريق الموصل إليه سبحانه: {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمانكم} الراسخ فيكم {كافرين} [آل عمران: 100] لأن إنكار الحقيقة كفر كإنكار الشريعة، {وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِىَ إلى صراط مّسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] أي من يعتصم به منه فقد اهتدى إليه به، قال الواسطي: ومن زعم أنه يعتصم به من غيره فقد جهل عظمة الربوبية، وحقيقة الاعتصام عند بعضهم انجذاب القلب عن الأسباب التي هي الأصنام المعنوية والتبري إلى الله تعالى من الحول والقوة، وقيل: الاعتصام للمحبين هو اللجأ بطرح السوي، ولأهل الحقائق رفع الاعتصام لمشاهدتهم أنهم في القبضة {مّسْتَقِيمٍ يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} بصون العهود وحفظ الحدود والخمود تحت جريان القضاء بنعت الرضا، وقيل: حق التقوى عدم رؤية التقوى {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] أي لا تموتن إلا على حال إسلام الوجود له أي ليكن موتكم هو الفناء في التوحيد {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا} [آل عمران: 103] وهو عهده الذي أخذه على العباد يوم {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} باختلاف الأهواء {واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} بالهداية إلى معالم التوحيد المفيد للمحبة في القلوب {إِذْ كُنتُم أَعْدَاء} لاحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} بالتحاب في الله تعالى لتنورها بنوره {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ} عليكم {إِخْوَانًا} في الدين {وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النار} وهي مهوى الطبيعة الفاسقة وجهنم الحرمان {فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا} [آل عمران: 103] بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح وروح جنة الذات {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ} كالعلماء العارفين أرباب الاستقامة في الدين {يَدْعُونَ إِلَى الخير} أي يرشدون الناس إلى الكمال المطلق من معرفة الحق تعالى والوصول إليه {وَيَأْمُرُونَ بالمعروف} المقرب إلى الله تعالى: {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر}.