فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

فصل في سبب نزول الآية:
نزلت الآية في شأن جماعة من الأنصار، كانت بينهم وبين اليهود مواصلة وخاصية، وكانوا على ذلك بعد الإسلام، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك.
ويقال: كل من كان على خلاف مذهبه ودينه لا ينبغي له أن يحادثه، لأنه يقال في المثل:
عن المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قرينه ** فَإِنَّ القَرِينَ بالمقارن يَقْتَدِي

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ} أخرج ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس قال: كان رجال من المسلمين يواصلون رجالًا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله تعالى فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم هذه الآية، وأخرج عبد بن حميد أنها نزلت في المنافقين من أهل المدينة نهي المؤمنون أن يتولوهم، وظاهر ما يأتي يؤيده، والبطانة خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره مأخوذ من بطانة الثوب للوجه الذي يلي البدن لقربه وهي نقيض الظهارة ويسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ومن متعلقة بلا تتخذوا أو بمحذوف وقع صفة لبطانة، وقيل: زائدة، و(دون) إما بمعنى غير أو بمعنى الأدون والدنيء، وضمير الجمع المضاف إليه للمؤمنين والمعنى لا تتخذوا الكافرين كاليهود والمنافقين أولياء وخواص من غير المؤمنين أو ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الشرف والديانة، والحكم عام وإن كان سبب النزول خاصًا فإن اتخاذ المخالف وليًا مظنة الفتنة والفساد ولهذا ورد تفسير هذه البطانة بالخوارج. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}:

.قال الفخر:

قال صاحب الكشاف: يقال (ألا) في الأمر يألوا، إذا قصر فيه، ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم: لا آلوك نصحًا، ولا آلوك جهدًا على التضمين، والمعنى لا أمنعك نصحًا ولا أنقصك جهدًا. اهـ.
وقال الفخر:
الخبال: الفساد والنقصان، وأنشدوا:
لستم بيد إلا يدًا أبدا مخبولة العضد

أي: فاسدة العضد منقوضتها، ومنه قيل: رجل مخبول ومخبل ومختبل لمن كان ناقص العقل، وقال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} [التوبة: 47] أي فسادًا وضررًا. اهـ.
وقال الفخر:
قوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} أي لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادكم، يقال: ما ألوته نصحًا، أي ما قصرت في نصيحته، وما ألوته شرًا مثله. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ}:

.قال الفخر:

ما مصدرية كقوله: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75] أي بفرحكم ومرحكم وكقوله: {والسماء وَمَا بناها والأرض وَمَا طحاها} [الشمس: 5- 6] أي بنائه إياها وطحيه إياها. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقال الراغب: المعاندة والمعانتة يتقاربان، لكن المعاندة هي الممانعة، والمعانتة أن تتحرّى مع الممانعة المشقة انتهى.
ويقال: عِنت بكسر النون، وأصله انهياض العظم بعد جبره. اهـ.

.قال الفخر:

تقدير الآية: أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر. اهـ.
وقال الفخر:
قال الواحدي رحمه الله: لا محل لقوله: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} لأنه استئناف بالجملة وقيل: أنه صفة لبطانة، ولا يصح هذا لأن البطانة قد وصفت بقوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} فلو كان هذا صفة أيضا لوجب إدخال حرف العطف بينهما. اهـ.
فصل:
وقال الفخر:
الفرق بين قوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} وبين قوله: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} في المعنى من وجوه:
الأول: لا يقصرون في إفساد دينكم، فإن عجزوا عنه ودوا إلقاءكم في أشد أنواع الضرر.
الثاني: لا يقصرون في إفساد أموركم في الدنيا، فإذا عجزوا عنه لم يزل عن قلوبهم حب إعناتكم.
والثالث: لا يقصرون في إفساد أموركم، فإن لم يفعلوا ذلك لمانع من خارج، فحب ذلك غير زائل عن قلوبهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم}:

.قال الفخر:

الأفواه جمع الفم، والفم أصله فوه بدليل أن جمعه أفواه، يقال: فوه وأفواه كسوط وأسواط، وطوق وأطواق، ويقال رجل مفوه إذا أجاد القول، وأفوه إذا كان واسع الفم، فثبت أن أصل الفم فوه بوزن سوط، ثم حذفت الهاء تخفيفًا ثم أقيم الميم مقام الواو لأنهما حرفان شفويان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم.
والبغضاء: البغض، وهو ضدّ الحُبِّ.
والبغضاء مصدر مؤنث.
وخصّ تعالى الأفواه بالذِّكر دون الألسنة إشارةً إلى تَشدُّقهم وثَرْثَرَتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه.
ومن هذا المعنى نهيه عليه السَّلام أن يشتحِي الرجل فاه في عِرض أخيه.
معناه أن يفتح؛ يُقال: شحى الحمار فاه بالنهيق، وشحى الفَمُ نفسه.
وشحى اللِّجَامُ فمَ الفرس شَحْيًا، وجاءت الخيل شَواحِيَ: فاتحاتٍ أفواهَها.
ولا يفهم من هذا الحديث دليلُ خطاب على الجواز فيأخذ أحدٌ في عِرض أخيه هَمْسًا؛ فإن ذلك يُحرمُ باتفاق من العلماء.
وفي التنزيل {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12] الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن دِماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» فذِكر الشَّحْو إنما هو إشارة إلى التشدّق والانبساط، فاعلم. اهـ.

.قال النسفي:

{قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} لأنهم لا يتمالكون مع ضبطهم أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضه للمسلمين. اهـ.

.قال الطبري:

قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}.
يعني بذلك جل ثناؤه: قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها المؤمنون، أن تتخذوهم بطانة من دونكم لكم {من أفواههم}، يعني بألسنتهم. والذي بدا لهم منهم بألسنتهم، إقامتهم على كفرهم، وعداوتهم من خالف ما هم عليه مقيمونَ من الضلالة. فذلك من أوكد الأسباب في معاداتهم أهل الإيمان، لأن ذلك عداوة على الدين، والعداوة على الدين العداوة التي لا زوال لها إلا بانتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر منهما، وذلك انتقال من هدى إلا ضلالة كانت عند المنتقل إليها ضلالة قبل ذلك. فكان في إبدائهم ذلك للمؤمنين، ومقامهم عليه، أبينُ الدلالة لأهل الإيمان على ما هم عليه من البغضاء والعداوة.
وقد قال بعضهم: معنى قوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم}، قد بدت بغضاؤهم لأهل الإيمان، إلى أوليائهم من المنافقين وأهل الكفر، بإطلاع بعضهم بعضًا على ذلك. وزعم قائلو هذه المقالة أنّ الذين عنوا بهذه الآية أهل النفاق، دون من كان مصرحًا بالكفر من اليهود وأهل الشرك. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} إن حملناه على المنافقين ففي تفسيره وجهان:
الأول: أنه لابد في المنافق من أن يجري في كلامه ما يدل على نفاقه ومفارقتة لطريق المخالصة في الود والنصيحة، ونظيره قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القول} [محمد: 30].
الثاني: قال قتادة: قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار لاطلاع بعضهم بعضًا على ذلك، أما إن حملناه على اليهود فتفسير قوله: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} فهو أنهم يظهرون تكذيب نبيّكم وكتابكم وينسبونكم إلى الجهل والحمق، ومن اعتقد في غيره الإصرار على الجهل والحمق امتنع أن يحبه، بل لابد وأن يبغضه، فهذا هو المراد بقوله: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم}. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} أي ظهرت أمارات العداوة لكم من فلتات ألسنتهم وفحوى كلماتهم لأنهم لشدة بغضهم لكم لا يملكون أنفسهم ولا يقدرون أن يحفظوا ألسنتهم، وقال قتادة: ظهور ذلك فيما بينهم حيث أبدى كل منهم ما يدل على بغضه للمسلمين لأخيه، وفيه بعد إذ لا يناسبه ما بعده. اهـ.

.قال القرطبي:

وفي هذه الآية دليل على أن شهادة العدوّ على عدوّه لا يجوز، وبذلك قال أهل المدينة وأهل الحجاز؛ ورُوي عن أبي حنيفة جواز ذلك.
وحكى ابن بَطّال عن ابن شعبان أنه قال: أجمع العلماء على أنه لا تجوز شهادة العدوّ على عدوّه في شيء وإن كان عدلًا، والعداوة تزيل العدالة فكيف بعداوة كافر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة، ولهذا قال أحمد: لا يستعين الإمام بأهل الذِّمة على قتال أهل الحرب. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}:

قال الفخر:
يعني الذي يظهر على لسان المنافق من علامات البغضاء أقل مما في قلبه من النفرة، والذي يظهر من علامات الحقد على لسانه أقل مما في قلبه من الحقد. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}:

.قال الفخر:

{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أي من أهل العقل والفهم والدراية، وقيل: {إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} الفصل بين ما يستحقه العدو والولي، والمقصود بعثهم على استعمال العقل في تأمل هذه الآية وتدبر هذه البينات، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

(والآيات) في قوله: {قد بينا لكم الآيات} بمعنى دلائل سوء نوايا هذه البطانة كما قال: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [الحجر: 75] ولم يزل القرآن يربّي هذه الأمّة على إعمال الفكر، والاستدلال، وتعرّف المسبَّبات من أسبابها في سائر أحوالها: في التَّشريع، والمعاملة ليُنشئها أمَّة علم وفطنة.
ولكون هذه الآيات آياتِ فراسةٍ وتوسّم، قال: {إن كنتم تعقلون} ولم يقل: إن كنتم تعلمون أو تفقهون، لأنّ العقل أعمّ من العلم والفقه. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أي إن كنتم من أهل العقل، أو إن كنتم تعلمون الفضل بين الولي والعدو، أو إن كنتم تعلمون مواعظ الله تعالى ومنافعها، وجواب (إن) محذوف لدلالة الكلام عليه، ثم إن هذه الجمل ما عدا وما تخفي صدورهم أكبر لأنها حال لا غير جاءت مستأنفات جوابًا عن السؤال عن النهي وترك العطف بينها إيذانًا باستقلال كل منها في ذلك، وقيل: إنها في موضع النعت لبطانة إلا قد بينا لظهور أنها لا تصلح لذلك، والأول أحسن لما في الاستئناف من الفوائد وفي الصفات من الدلالة على خلاف المقصود أو إيهامه لا أقل وهو تقييد النهي وليس المعنى عليه، وقيل: إن ودوا ما عنتم بيان وتأكيد لقوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} فحكمه حكمه وما عدا ذلك مستأنف للتعليل على طريق الترتيب بأن يكون اللاحق علة للسابق إلى أن تكون الأولى علة للنهي ويتم التعليل بالمجموع أي لا تتخذوهم بطانة لأنهم لا يألونكم خبالًا لأنهم يودّون شدّة ضرركم بدليل أنهم قد تبدو البغضاء من أفواههم وإن كانوا يخفون الكثير ولابد على هذا من استثناء قد بينا إذ لا يصلح تعليلا لبدو البغضاء ويصلح تعليلًا للنهي فافهم. اهـ.

.قال الطبري:

{إن كنتم تعقلون}، يعني: إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه، وتعرفون مواقع نفع ذلك منكم، ومبلغ عائدته عليكم. اهـ.

.قال ابن كثير:

يقول تبارك وتعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي: يُطْلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خَبَالا أي: يَسْعَوْنَ في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعونه من المكر والخديعة، ويودون ما يُعْنتُ المؤمنين ويخرجهم ويَشُقّ عليهم.
وقوله: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} أي: من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل: هم خاصّة أهله الذين يطلعون على داخل أمره.
وقد روى البخاري، والنسائي، وغيرهما، من حديث جماعة، منهم: يونس، ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وابن أبي عتيق- عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِي وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَة إلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخيرِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالسُّوءِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَم اللهُ».