فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إنْ رأى صدرًا خارجًا قال: تأخر، وكان نزوله في غدوة الوادي، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد.
وأمر عبد الله بنَ جبير على الرماة وقال لهم: انصحوا عنا بالنبل لا يأتونا من ورائنا.
وتبوئ جملة حالية من ضمير المخاطب.
فقيل: هي حال مقدرة، أي خرجت قاصد التبوئة، لأن وقت الغدوّ لم يكن وقت التبوئة.
وقرأ الجمهور تبوئ من بوّأ.
وقرأ عبد الله: تبوِّئ من أبوأ، عداه الجمهور بالتضعيف، وعبد الله بالهمزة.
وقرأ يحيى بن وثاب: تبوى بوزن تحيا، عداه بالهمزة، وسهل لام الفعل بإبدال الهمزة ياء نحو: يقرى في يقرئ.
وقرأ عبد الله: للمؤمنين بلام الجر على معنى: ترتب وتهيئ.
ويظهر أنَّ الأصل تعديته لواحد بنفسه، وللآخر باللام لأن ثلاثيه لا يتعدى بنفسه، إنما يتعدى بحرف جر.
وقرأ الأشهب: مقاعد القتال على الإضافة، وانتصاب مقاعد على أنه مفعول ثان لتبوى.
ومَنْ قرأ للمؤمنين كان مفعولًا لتبوئ، وعداه باللام كما في قوله: {وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت} وقيل: اللام في لابراهيم زائدة، واللام في للقتال لام العلة تتعلق بتبوئ.
وقيل: في موضع الصفة لمقاعد.
وفي الآية دليل على أن الأئمة هم الذين يتولون أمر العساكر ويختارون لهم المواضع للحرب، وعلى الأجناد طاعتهم قاله: الماتريدي.
وهو ظاهر. اهـ.

.قال ابن عادل:

العامل في {إذْ} مضمَر، تقديره: واذكر إذْ غدوت، فينتصب المفعول به لا على الظرف، وجوَّز أبو مسلم أن يكون معطوفًا على {فِئَتَيْنِ} في قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} [آل عمران: 13] أي: قد كان لكم آية في فئتين، وفي إذْ غَدَوْتَ، وهذا لا ينبغي أن يعرَّج عليه.
وقال بعضهم: العامل في {إذْ} {محيط} تقديره: بما يعملون محيط إذْ غَدَوْتَ.
قال بعضهم: وهذا لا يَصحّ؛ لأن الواو في {وَإِذْ} يمنع في عمل {مُحِيطٌ} فيها.
والغُدوّ: الخروج أول النهار، يقال: غدا يغدو، أي: خرج غدوة، وفي هذا دليل على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال؛ لأن المفسِّرين أجمعوا على أنه إنما خرج بعد أن صَلَّى الجمعة.
ويُسْتَعْمَل بمعنى: صار عند بعضهم، فيكون ناقصًا، يرفع الاسم، وينصب الخبر، وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ توكُّلِهِ لَرَزَقكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وتَرُوحُ بِطَانًا».
قوله: {من أهلك} متعلق بـ {غَدَوْتَ}، وفي {مِنْ} وجهان:
أحدهما: أنها لابتداء الغاية، أي: من بين أهلك.
قال أبو البقاء: وموضعه نصب، تقديره فارقت أهلَك.
قال شهابُ الدِّيْنِ: وهذا الذي قاله ليس تفسير إعراب، ولا تفسير معنى؛ فإن المعنى على غير ما ذكر.
الثاني: أنها بمعنى: مع أي: مع أهْلك، وهذا لا يساعده لفظ، ولا معنى.
قوله: {تبوئ} يجوز أن تكون الجملة حالًا من فاعل: {غَدَوْتَ}، وهي حال مقدرة، أي: قاصدًا تَبْوئةَ المؤمنين؛ لأن وقت الغدو ليس وقتًا للتبوئة، ويُحْتَمَل أن تكون حالًا مقارنة؛ لأن الزمان متسع.
و{تبوئ} أي تُنزل، فهو يتعدى لمفعولين، إلى أحدهما بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر، وقد يُحْذَف- كهذه الآية- ومن عدم الحذف قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت} [الحج: 26] وأصله من المباءة- وهي المرجع-.
قال الشاعر: [الطويل]
وَمَا بَوَّأ الرَّحْمَنُ بَيْتَكَ مُنْزِلًا ** بِشَرْقيٍّ أجْيَادِ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ

وقال آخر: [مجزوء الكامل].
كَمْ صَاحِبٍ لِيَ صَالِحٍ ** بَوَّأتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا

وقد تقدم اشتقاقه.
وقيل: اللام في قوله: {لإبراهيم} مزيدة، فعلى هذا يكون متعديًا لاثنين بنفسه.
و{مقَاعِدَ} جمع مَقْعَد، والمراد به- هنا- مكان القعود، وقعد قد يكون بمعنى: صار في المثل خاصة.
قال الزمخشري: وقد اتُّسِعَ في قَامَ، وقَعَدَ، حتى أجْرِيَا مُجْرَى صار.
قال أبو حيان: أما إجراء قَعَدَ مُجْرَى صار، فقال بعض أصحابنا: إنما جاء ذلك في لفظة واحدة شاذة في المثل قولهم: شَحَذَ شَفْرَتَه حتَّى قَعَدَتْ كأنَّهَا حَرْبَةٌ، ولذلك نُقِد على الزمخشري تخريجُه قوله تعالى: {فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا} [الإسراء: 22] بمعنى تصير؛ لأنه لا يَطَّرِد إجراء قَعَدَ مُجْرَى صار.
قال شهابُ الدين: وهذا- الذي ذكره الزمخشري- صحيح، من كون قَعَد بمعنى: صار في غير ما أشار إليه هذا القائل؛ حكى أبو عمر الزاهد- عن ابن الأعرابي- أن العرب تقول: قعد فلان أميرًا بعد أن كان مأمورًا، أي: صار.
ثم قال أبو حيان: وأما إجراء قام مُجْرَى صار، فلا أعلم أحدًا عدَّها في أخَوَاتِ كأن، ولا جعلها بمعنى صار إلا ابن هشام الخَضْراوي، فإنه ذكر- في قول الشاعر: [الوافر]
عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ ** كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ

أنها من أفعال المقاربة.
قال شهابُ الدين: وغيرُه من النحويين من يجعلها زائدةً، وهو شاذٌّ، أيضا.
وقرأ العامة: {تبوّئ} بعدَّوْه بالتضعيف، وقرأ عبد الله: {تُبْوِئ}، بسكون الباء فعدَّاه بالهمزة، فهو مضارع أبْوَأ- كأكرم.
وقرأ يحيى بن وثَّاب {تُبْوِي} كقراءة عبد الله، إلا أنه سَهَّل بإبدالها ياءً، فصار لفظه كلفظ: يُحيي.
وقرأ عبد الله: للمؤمنين- بلام الجر- كقوله: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} وقد تقدم أن في هذه اللام قولين، والظاهر أنها معدية؛ لأنه قبل التضعيف، والهمزة غيرُ متعدٍّ بنفسه. ويحتمل أن يكون قد ضمَّنه- هنا- تهيِّئ، وترتِّب.
وقرأ الأشهب {مقاعد القتال}- بإضافتها للقتال- واللام في {لِلْقِتَالِ}- في قراءة الجمهور- فيها وجهان:
أوّلهما:- وهو أظهر-: أنها متعلقة بـ {تبوئ} على أنها لام العلة.
والثاني: أنها متعلقة بمحذوف؛ لأنها صفة لِـ {مَقَاعِدَ} أي: مقاعد كائنة، ومُهَيَّأة للقتال، ولا يجوز تعلقها بـ {مقاعد}، وإن كانت مشتقة؛ لأنها مكان، والأمكنة لا تعمل. اهـ..

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}:

قال الفخر:
{والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لأقوالكم عليم بضمائركم ونياتكم، فإنا ذكرنا أنه عليه السلام شاور أصحابه في ذلك الحرب، فمنهم من قال له: أقم بالمدينة، ومنهم من قال: اخرج إليهم، وكان لكل أحد غرض آخر فيما يقول، فمن موافق، ومن مخالف فقال تعالى: أنا سميع لما يقولون عليم بما يضمرون. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}.
أقامَه صلى الله عليه وسلم بتبوئه الأماكن للقتال، فانْتُدِب لذلك بأمره ثم أظهر في ذلك الباب مكنونات سِرِّه، فالمدار على قضائه وَقَدَرِه، والاعتبار بإجرائه واختياره. اهـ.

.من فوائد أبي السعود:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ غَدَوْتَ} كلامٌ مستأنفٌ سيق للاستشهاد بما فيه من استتباع عدمِ الصبرِ والتقوى للضرر، على أن وجودَهما مستتبِعٌ لما وُعِد من النجاة من مضرَّة كيدِ الأعداءِ وإذْ نُصبَ على المفعولية بمضمر خوطب به النبيُّ صلى الله عليه وسلم خاصة مع عموم الخطابِ فيما قبله وما بعده له وللمؤمنين لاختصاص مضمونِ الكلامِ به عليه السلام أي واذكر لهم وقت غُدُوِّك ليتذكروا ما وقع فيه من الأحوال الناشئةِ عن عدم الصبرِ فيعلموا أنهم إن لزِموا الصبرَ والتقوى لا يضرُهم كيدُ الكفرةِ، وتوجيهُ الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات للمبالغةِ في إيجابها كُرْهًا واستحضارِ الحادثةِ بتفاصيلها كما سلف بيانُه في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة} الخ والمرادُ به خروجُه عليه السلام إلى أُحد وكان ذلك من منزل عائشةَ رضي الله عنها وهو المرادُ بقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِكَ} أي من عند أهلِك {تبوئ المؤمنين} أي تنْزِلُهم أو تهيِّيءُ وتسوّي لهم {مقاعد} ويؤيده قراءتُه من قرأ تبويءُ المؤمنين، والجملة حالٌ من فاعل غدوتَ لكن لا على أنها حالٌ مقدرةٌ أي ناويًا وقاصدًا للتبْوِئة كما قيل بل على أن المقصودَ تذكيرُ الزمانِ الممتدِّ المتسعِ لابتداء الخروجِ والتبْوِئة وما يترتب عليها إذْ هو المُذكِّرُ للقصة، وإنما عُبّر عنه بالغدو الذي هو الخروجُ غُدوةً مع كون خروجِه عليه السلام بعد صلاةِ الجمعةِ كما ستعرفه، إذْ حينئذٍ وقعت التبوئةُ التي هي العُمدةُ في الباب إذِ المقصودُ بتذكير الوقت تذكيرُ مخالفتِهم لأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتزايُلِهم عن أحيازهم المعيَّنةِ لهم عند التبوئة وعدمِ صبرِهم، وبهذا يتبين خللُ رأي من احتج به على جواز أداءِ صلاةِ الجمعة قبل الزوال، واللام في قوله تعالى: {لِلْقِتَالِ} إما متعلقةٌ بتبوِّيء أي لأجل القتالِ وإما بمحذوف وقع صفةً لمقاعدَ أي كائنةً.
ومقاعدُ القتالِ أماكنُه ومواقِفُه فإن استعمالَ المقعدِ والمقامِ بمعنى المكانِ اتساعًا شائعٌ ذائعٌ كما في قوله تعالى: {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} وقوله تعالى: {قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ}. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ غَدَوْتَ} أي واذكر إذ خرجت غدوة {مِنْ} عند {أَهْلِكَ} والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة والكلام مستأنف سيق للاستشهاد بما فيه من استتباع عدم الصبر والتقوى للضرر على أن وجودهما مستتبع لما وعد من النجاة عن مضرة كيد الأعداء وكان الخروج من حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها {تُبَوّئ المؤمنين} أي توطنهم قاله ابن جبير وقيل: تنزلهم، وقيل: تسوي وتهيء لهم، ويؤيده قراءة للمؤمنين إذ ليس محل التقوية والزيادة غير فصيحة {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي مواطن ومواقف ومقامات له، وأصل المقعد والمقام محل القعود والقيام ثم توسع فيه فأطلق بطريق المجاز على المكان مطلقًا وإن لم يكن فيه قيام وقعود، وقد يطلق على من به كقولهم المجلس السامي والمقام الكريم وجملة {تُبَوّئ} حال من فاعل {غَدَوْتَ} ولكون المقصود تذكير الزمان الممتد المتسع لابتداء الخروج والتبوئة وما يترتب عليها إذ هو المذكر للقصة لم يحتج إلى القول بأنها حال مقدرة أي ناويًا وقاصدًا للتبوئة، ومقاعد مفعول ثان لتبوئ والجار والمجرور متعلق بالفعل قبله أو بمحذوف وقع صفة لمقاعد، ولا يجوز كما قال أبو البقاء أن يتعلق به لأن المراد به المكان وهو لا يعمل. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
إنه في هذه المرة- في غزوة أحد- جاء الكفار بثلاثة آلاف وكان المسلمون قلة، سبعمائة مقاتل فقط، وحتى يبين الحق صدق قضاياه في قوله: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} وليس المقصود هنا الكيد التبييتي بل عملهم العلني، أي واذكر صدق هذه القضية: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ}، والغدوة هي: أول النهار، والرواح: آخر النهار، والأهل: تطلق ويراد بها الزوجة، والمقصود هنا حجرة عائشة؛ لأن الرسول كان فيها في هذا الوقت الذي أراد فيه كفار قريش أن يثأروا لأنفسهم من قتلى بدر وأسراهم، لقد جمعوا حشودهم، فكل موتور من معركة بدر كان له فرسان وله رجال، حتى انهم بعد معركة بدر قال زعيمهم أبو سفيأن لاصحابه: قل للنساء لا تبكين قتلاكم فإن البكاء يذهب الحزن، فالدموع يسمونها غسل الحزن، أو ذوب المواجيد، فساعة يبكي إنسان حزين يقول من حوله: دعوه يرتاح.
فلو حزنت النساء وبكين على قتلى بدر لهبطت جذوة الانتقام؛ لذلك قال أبو سفيان: قل لهن لا يبكين. أنه يريد أن يظل الغيظ في مسألة بدر موجودًا إلى أن يأخذوا الثأر. وفعلًا اجتمع معسكر الكفر في ثلاثة آلاف مقاتل عند أحد، وبعد ذلك استشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة أصحابه وأرسل إلى واحد من أكبر المنافقين هو عبد الله بن أبي بن سلول، وما استدعاه إلا في هذه المعركة، فقال عبد الله بن أبي بن سلول وأكثر الأنصار: يا رسول الله نحن لم نخرج إلى عدو خارج المدينة إلا نال منا، ولم يدخل علينا عدو إلا نلنا منه، فإنا نرى ألا تخرج إليهم فإن أقاموا أقاموا بشر محبس، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة بالخروج إليهم، وقالوا: «يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جَبُنا عنهم وضعفنا، ولم يترك أصحاب هذا الرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وافقهم على ما أرادوا».
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته فلبس درعه وأخذ سلاحه، وظن الذي ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج أنهم قد استكرهوه على ما لا يريد فندموا على ما كان منهم، ولما خرج عليهم قالوا: استكرهناك يا رسول الله ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي لبس لأْمَتَهُ أن يضعها حتى يقاتل».
وخرجوا إلى الحرب، وهذا هو الذي يُذَكِّرُ به القرآن صدقا للقضية التي جاءت في الآية السابقة: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
اذكر يا محمد: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121].
و{تُبَوِّئ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي توطن المؤمنين في أماكن للقتال، وبوأت فلانا يعني: وطنته في مكان يبوء إليه أي يرجع، واسمه وطن؛ لأن الوطن يرجع إليه الإنسان.
انظر إلى الدقة الأدائية لقول الحق: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} أي تجعل لهم مباءة ووطنا. وكلمة {مقاعد} أي أماكن للثبات، والحرب كرّ وفرّ وقيام، والذي يحارب يثبته الله في المعركة، فكأنه مُوَطَّنٌ في الميدان، فكأن أمر الرسول إلى المقاتلين يتضمن ألا يلتفت أي منهم إلى موطن آخر غير موطنه الذي ثبته وبوَّأته فيه أي إن هذا هو وطنك الآن؛ لأن مصيرك الإيماني سيكون رهنًا به.
إذن فقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ} أي توطن {المؤمنين} وتقول لهم: إن وطنكم هو مقاعدكم التي ثبتكم بها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالرماة؛ وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وهم يومئذ خمسون رجلا وقال رسول الله لهم: «قوموا على مصافكم هذه فاحموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد انتصرنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا».