فصل: فصل قال: الدرجة الثالثة: التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل قال: الدرجة الثالثة: التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل:

وهي أن يعلم أن ملكة الحق تعالى للأشياء هي ملكة عزة لا يشاركه فيها مشارك فيكل شركته إليه فإن من ضرورة العبودية: أن يعلم العبد: أن الحق سبحانه هو مالك الأشياء وحده يريد أن صاحب هذه الدرجة متى قطع الأسباب والطلب وتعدى تينك الدرجتين فتوكله فوق توكل من قبله وهو إنما يكون بعد معرفته بحقيقة التوكل وأنه دون مقامه فتكون معرفته به وبحقيقته نازعة أي باعثة وداعية إلى تخلصه من علة التوكل أي لا يعرف علة التوكل حتى يعرف حقيقته فحينئذ يعرف التوكل المعرفة التي تدعوه إلى التخلص من علته ثم بين المعرفة التي يعلم بها علة التوكل فقال: أن يعلم أن ملكة الحق للأشياء ملكة عزة أي ملكة امتناع وقوة وقهر تمنع أن يشاركه في ملكه لشيء من الأشياء مشارك فهو العزيز في ملكه الذي لا يشاركه غيره في ذرة منه كما هو المنفرد بعزته التي لا يشاركه فيها مشارك فالمتوكل يرى أن له شيئا قد وكل الحق فيه وأنه سبحانه صار وكيله عليه وهذا مخالف لحقيقة الأمر إذ ليس لأحد من الأمر مع الله شيء فلهذا قال: لا يشاركه فيه مشارك فيكل شركته إليه فلسان الحال يقول لمن جعل الرب تعالى وكيله: فيماذا وكلت ربك أفيما هو له وحده أو لك وحدك أو بينكما فالثاني والثالث ممتنع بتفرده بالملك وحده والتوكيل في الأول ممتنع فكيف توكله فيما ليس لك منه شيء ألبتة فيقال هاهنا أمران: توكل وتوكيل فالتوكل: محض الاعتماد والثقة والسكون إلى من له الأمر كله وعلم العبد بتفرد الحق تعالى وحده بملك الأشياء كلها وأنه ليس له مشارك في ذرة من ذرات الكون: من أقوى أسباب توكله وأعظم دواعيه.
فإذا تحقق ذلك علما ومعرفة وباشر قلبه حالا: لم يجد بدا من اعتماد قلبه على الحق وحده وثقته به وسكونه إليه وحده وطمأنينته به وحده لعلمه أن حاجاته وفاقاته وضروراته وجميع مصالحه كلها بيده وحده لا بيد غيره فأين يجد قلبه مناصامن التوكل بعد هذا فعلة التوكل حينئذ: التفات قلبه إلى من ليس له شركة في ملك الحق ولا يملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض هذه علة توكله فهو يعمل على تخليص توكله من هذه العلة نعم ومن علة أخرى وهي رؤية توكله فإنه التفات إلى عوالم نفسه وعلة ثالثة: وهي صرفه قوة توكله إلى شيء غيره أحب إلى الله منه فهذه العلل الثلاث: هي علل التوكيل وأما التوكل: فليس المراد منه إلا مجرد التفويض وهو من أخص مقامات العارفين كمان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 4445] فكان جزاء هذا التفويض قوله: {فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} فإن كان التوكل معلولا بما ذكره فالتفويض أيضا كذلك وليس فليس ولولا أن الحق لله ورسوله وأن كل ما عدا الله ورسوله فمأخوذ من قوله ومتروك وهو عرضة الوهم والخطأ: لما اعترضنا على من لا نلحق غبارهم ولا نجري معهم في مضمارهم ونراهم فوقنا في مقامات الإيمان ومنازل السائرين كالنجوم الدراري ومن كان عنده علم فليرشدنا إليه ومن رأى في كلامنا زيغا أو نقصا وخطأ فليهد إلينا الصواب نشكر له سعيه ونقابله بالقبول والإذعان والانقياد والتسليم والله أعلم وهو الموفق. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَالله وَلِيُّهُمَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
والفشل هو الجبن، والطائفتان هما بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج، وهؤلاء كانوا الجناح اليمين والجناح اليسار، فجاءوا في الطريق إلى المعركة، وسمعوا كلام المنافق ابن سلول، إذ قال لهم: لن يحدث قتال؛ لأنه بمجرد أن يرانا مقاتلو قريش سيهربون.
وقال ابن سلول المنافق للرسول: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم. إلا أن عبد الله ابن حارثة قال: أنشدكم الله وأنشدكم رسول الله وأنشدكم دينكم. فساروا إلى القتال وثبتوا بعد أن همّوا في التراجع.
وما معنى الهمّ هنا؟ إن الهم هو تحرك الخاطر نحو عملية ما، وهذا الخاطر يصير في مرحلة ثانية قصدًا وعزمًا، إذن فالذي حدث منهم هو مجرد هَمّ بخاطر الإنسحاب، لكنهم ثبتوا.
ولماذا ذلك؟ لقد أراد الله بهذا أن يُثبت أن الإسلام منطقي في نظرته إلى الإنسان، فالإنسان تأتيه خواطر كثيرة. لذلك يورد الحق هذه المسألة ليعطينا العلاج. فقال: {إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ}.
وقد قال واحد من الطائفتين: والله ما يسرني أني لم أهم- أي لقد انشرح قلبي لأني هممت- لأني ضمنت أين من الذين قال الله فيهم: {وَالله وَلِيُّهُمَا}، وحسبي ولاية الله. لقد فرح لأنه أخذ الوسام، وهو ولاية الله.
وهكذا نلتقط العبر الموحية من الآيات الكريمات حول غزوة أحُد، ونحن نعلم أن هذه الغزوة التالية لغزوة بدر الكبرى. وغزوة بدر الكبرى انتهت بنصر المسلمين وهم قلة في العدد والعُدة، ففي بدر لم يذهب المسلمون إلى المعركة ليشهدوا حربًا، وإنما ليصادروا أموال قريش في العِير تعويضًا لأموالهم التي تركوها في مكة. ومع ذلك شاء الله ألاّ يواجهوا العير المحملة، ولكن ليواجهوا الفئة ذات الشوكة، وجاء النصر لهم.
ولكن هذا النصر، وإن يكن قد ربّى المهابة للمسلمين في قلوب خصومهم، فإنه قد جمّع همم أعداء الإسلام ليتجمعوا لتسديد ضربة يردون بها اعتبار الكفر؛ ولذلك رأينا رءوس قريش وقد منعت نساءها أن يبكين على قتلاهم؛ لأن البكاء يُريح النفس المتعبة، وهم يريدون أن يظل الحزن مكبوتًا ليصنع مواجيد حقدية تحرك النفس البشرية للأخذ بثأر هؤلاء، هذا من ناحية العاطفة التي يحبون أن تظل مؤججة، ومن ناحية المال فإنهم احتفظوا بمال العير الذي نجا ليكون وسيلة لتدبير معركة يردون فيها اعتبارهم.
وقد حاولوا قبل أحُد أن يفعلوا شيئًا، ولكنهم كانوا يُرَدّون على أعقابهم. فمثلًا قاد أبو سفيان حملة مكونة من مائة، وأراد أن يهاجم بها المدينة فلما نمى خبرها إلى سيدنا رسول الله نهض بصحابته إليهم، فبلغ أبو سفيان خروج رسول الله، ففرّ هاربًا وألقى ما عنده من مؤنة في الطريق ليخفف الحمل على الدواب لتسرع في الحركة، ولذلك يسمونها غزوة السويق لأنهم تركوا طعامهم من السويق.
كما حاول بعض الكفار أن يُغيروا على المدينة بعد ذلك أكثر من مرة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذهب إليهم على رأس مقاتلين، فمرة عددهم مائة ومرة مائة وخمسون ومرة مائتان، وفعلًا شتت الرسول صلى الله عليه وسلم شملهم. وكان من خطته صلى الله عليه وسلم حين يذهب إلى قوم كان يبلغه أنهم يُريدون أن يتآمروا لغزو المدينة أن يظل في بلدهم وفي معسكرهم وقتا ليس بالقليل.
كل ذلك سبق غزوة أُحد. وبعد ذلك تجمعوا ليجيئوا لغزوة أُحد، وكان ما كان، والآيات التي تعالج هذه الغزوة فيها إيحاءات بما جاء في المعركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بوأ للمقاتلين مقاعد للقتال، وأمرهم بالثبات في تلك المواقع لكن بعضا من المقاتلين ترك مكانه، والبعض الآخر همّ بالانسحاب، لكنه ثبت أخيرًا، وفرّ كفار قريش. وقد تجلت في هذه المعركة آيات الله الكبيرة.
فحين نصر الله سبحانه وتعالى المسلمين ببدر وهم قلة، لم يخرجوا لمعركة وإنما خرجوا لمصادرة عير. وربما ظن أناس أنهم بمجرد نسبتهم إلى الله وإلى الإسلام سينصرون على هذه الوتيرة، ويتركون الأسباب فأراد الله أن يعلمهم أنه لابد من استنفاد الأسباب، إعدادًا لعدة ولعدد، وطاعة لتوجيه قائد.
فلما خالفوا كان ولابد أن يكون ما كان. والمخالفة لم تنشأ إلا بعد استهلالٍ بالنصر، ولذلك سيجيء فيما بعد ستون آية حول هذه الغزوة؛ لتبين لنا مناط العبرة في كل أطوارها لنستخرج منها العظة والدرس. ونعلم أن المنتصرين عادةً يكون الجو معهم رخاءً. ولكن الكلام هنا عن هزيمة من لا يأخذون بأسباب الله، وهذا أمر يحتاج إلى وقفة، فجاء القرآن هنا ليقص علينا طرفًا من الغزوة لنستخرج منها العبرة والعظة، العبرة الأولى:
أنهّم حينما خرجوا، تخلف المنافقون بقيادة ابن أبَيّ، إذن فالمعركة إنما جاءت لتمحص المؤمنين. والتمحيص يأتي للمؤمن ويعركه عركا، ويبين منه مقدار ما هو عليه من الثبات ومن اليقين، والحق إنما يمحص الفئة المؤمنة لأنها ستكون مأمونة في التاريخ كله إلى أن تقوم الساعة على حماية هذه العقيدة، فلا يمكن أن يتولى هذا الأمر إلا أناس لهم قلوب ثابتة، وجأش قوي عند الشدائد، وهمة دونها زخارف الدنيا كلها.
وبعد ذلك يعالج النفس البشرية في أوضاعها البشرية، فعقائد الإيمان لا تنصب في قلوب المسلمين بمجرد إعلان الإيمان، ولكن كل مناسبة تعطي دفعة من العقيدة يتكون بعد ذلك الأمر العقدي كله. ولذلك يبين لنا الحق أن طائفتين من المؤمنين قد همت بالتراجع، فهم نفوس بشرية، ولكن أنفّذت الطائفتان ذلك الهم أم رجعت وفاءت إلى أمر الله؟ لقد رجعت الطائفتان.
وهكذا رأينا بين الذين أعلنوا إيمانهم فئة نكصت من أول الأمر وفئة خرجت ثم عادت.
لقد تحدثت النفوس ولكن أفراد تلك الفئة لم يقفوا عند حديث النفس بل ثبتوا إلى نهاية الأمر، ومنهم من ثبت إلى الغاية السطحية من الأمر كالرماة الذين رأوا النصر أولا، وهؤلاء من الذين ثبتوا، ما فرّوا أولًا مع ابن أبيّ، وما كانوا من الطائفة التي همت، ولكنهم كانوا من الذين ثبتوا. لكنهم عند بريق النصر الأول اشتاقوا للغنائم، وخالفوا أمر الرسول، ولنقرأ قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].
وبعد ذلك تأتي لقطة أخرى وهي ألا نفتن في أحد من البشر، فخالد بن الوليد بطل معسكر الكفر في أُحد، وهو الذي استغل فرصة نزول الرماة عن أماكنهم، وبعد ذلك طوق جيش المؤمنين، وكان ما كان، من خالد قبل أن يسلم، ألم يكن في غزوة الخندق؟ لقد كان في غزوة الخندق. وكان في غزوات كثيرة غيرها مع جند الشرك، فأين كانت عبقريته في هذه الغزوات؟..
إن عبقرية البشر تتصارع مع عبقرية البشر، ولكن لا توجد عبقرية بشرية تستطيع أن تصادر ترتيبًا ربانيًا، ولذلك لم يظهر دور خالد في معركة الخندق، لقد ظهر دوره في معركة أُحد؛ لأن المقابلين لخالد خالفوا أمر القيادة فبقيت عبقرية بشر لعبقرية بشر، ولكنهم لو ظلوا في حضن المنهج الإلهي في التوجيه لما استطاعت عبقرية خالد أن تطفو على تدبيرات ربه أبدا.
والتحقيق التاريخي لكل العسكريين الذين درسوا معركة أُحد قالوا: لا هزيمة للمسلمين ولا انتصار للكفار؛ لأن النصر يقتضي أن يُجلي فريق فريقًا عن أرض المعركة، ويظل الفريق الغالب في أرض المعركة. فهل قريش ظلت في أرض المعركة أو فرّت؟ لقد فرّت قريش.
ويُفسر النصر أيضا بأن يؤسر عدد من الطائفة المقابلة، فهل أسرت قريش واحدًا من المسلمين؟ لا. ولقد علموا أن المدينة خالية من المؤمنين جميعا وليس فيها إلا من تخلف من المنافقين والضعاف من النساء والأطفال، ولم يؤهلهم فوزهم السطحي لأن يدخلوا المدينة.
إذن فلا أسروا، ولا أخذوا غنيمة، ولا دخلوا المدينة، ولا ظلوا في أرض المعركة، فكيف تسمي هذا نصرًا؟ فلنقل: إن المعركة ماعت. وظل المسلمون في أرض المعركة.
وهنا تتجلّى البطولة الحقة؛ لأننا كما قلنا في حالة النصر يكون الأمر رخاء، حتى من لم يُبْلِ في المعركة بلاءً حسنًا ينتهز فرصة النصر ويصول ويجول، ولكن المهزومين والذين أصيب قائدهم صلى الله عليه وسلم، وضعف أن يصعد الجبل، حتى أن طلحة بن عبيد الله يطأطئ ظهره لرسول الله ليمتطيه فيصعد على الصخرة.
ورسول الله يسيل منه الدم بعد أن كسرت رباعيته وتأتي حلقتان من حلق المغفر في وجنته، بعد هذا ماذا يكون الأمر؟ حتى لقد أرجف المرجفون وقالوا: إن رسول الله قد قُتل.
وكل هذا هو من التمحيص، فمن يثبت مع هذا، فهو الذي يؤتمن أن يحمل السلاح لنصرة كلمة الله إلى أن تقوم الساعة. ويتفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلًا من أبطال المسلمين كان حوله فلا يجده، أنه سعد بن الربيع.
يقول عليه الصلاة والسلام: «مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟» فقال رجل من الأنصار هو أُبَيُّ بن كعب: فذهبت لأتحسسه، فرأيته وقد طُعن سبعين طعنة ما بين ضربة سيف وطعنة رمح ورمية قوس. فلما رآه قال له: رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك: كيف تجدك- أي كيف حالك-؟
قال سعد بن الربيع: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقل للأنصار ليس لكم عند الله عُذر إن خَلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف. ثم فاضت روحه.
انظروا آخر ما كان منه، حين أُثخن في المعركة فلم يقو على أن يحارب بنصاله، انتهز بقية الحياة ليحارب بمقاله، ولتصير كلماته دويًا في آذان المسلمين. وليعلم أن هؤلاء الذين أثخنوه جراحًا ما صنعوا فيه إلا أن قربوه إلى لقاء ربه، وأنه ذاهب إلى الجنة. وتلك هي الغاية التي يرجوها كل مؤمن.
ونجد أيضا أن الذين يعذرهم القرآن في أن يشهدوا معارك الحرب، يتطوعون للمعارك! فمثلا عمرو بن الجموح، كان أعرج، والعرج عذر أقامه الله مع المرض والعمى؛ لأنه سبحانه هو القائل: {لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61].
وكان لعمرو بن الجموح بنون أربعة مثل الأسْد قد ذهبوا إلى المعركة، ومع ذلك يطلب من رسول الله أن يذهب إلى المعركة ويقول له: يا رسول الله إن بَنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمّا أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك. وقال لبنيه: ما عليكم ألاّ تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه فقتل.
وهذا مؤمن آخر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن ابني الذي استشهد ببدر رأيته في الرؤيا يقول لي: يا أبت أقبل علينا فأرجو أن تأذن لي بالقتال في أحُد فأذن له فقاتل فقتل فصار شهيدًا. وتتجلى الروعة الايمانية والنسب الإسلامي في حذيفة بن اليمان، لقد كان ابوه شيخًا كبيرًا مسلمًا فأخذ سيفه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقه الشهادة في سبيل الله، فدخل في المعركة ولا يعلم به أحد فقتله المسلمون ولا يعرفونه، فقال ابنه حذيفة، أبي والله.
فقالوا والله ما عرفناه، وصدقوا، قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدي ديته، فقال له حذيفة بن اليمان: وأنا تصدقت بها على المسلمين.
هذه الأحداث التي دارت في المعركة تدلنا على أن غزوة أُحد كأن لابد أن تكون هكذا، لتمحص المؤمنين تمحيصًا يؤهلهم لأن يحملوا كلمة الله ويعلوها في الأرض. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}.