فصل: فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة:

وقال الشوكاني:
اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواترًا، قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي عن وائل بن حُجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقال آمين مدّ بها صوته ولأبي داود: رفع بها صوته، وقد حسَّنه الترمذي.
وأخرجه أيضًا النسائي، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، والحاكم وصححه، وفي لفظ من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رب اغفر لي آمين» أخرجه الطبراني، والبيهقي. وفي لفظ أنه قال: «آمين ثلاث مرات» أخرجه الطبراني.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، عن أبي ميسرة قال: «لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ، {ولا الضالين} قال: قل آمين، فقال آمين».
وأخرج ابن ماجه عن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال، «{ولا الضالين} قال آمين» وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قرأ يعني الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين يحبكم الله» وأخرج البخاري ومسلم، وأهل السنن، وأحمد، وابن أبي شيبة، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإن من وافق تأمينهُ تأمين الملائكة غفِر له ما تقدم من ذنبه»، وأخرج أحمد، وابن ماجه، والبيهقي بسند قال السيوطي: صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام، والتأمين» وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين» وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله.
وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين» ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو، وهو: ضعيف.
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يَبْقَ مقّرَّب ملك في السماء إلا استغفر له» وأخرج أبو داود عن بلال، أنه قال: «يا رسول الله لا تسبقني بآمين»، ومعنى آمين: استجب. قال القرطبي في تفسيره: معنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب لنا، وضع موضع الدعاء. وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن. وأخرج جُوَيبْر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس مثله.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف، ومجاهد قالا: آمين اسم من أسماء الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله.
وقال الترمذي: معناه لا تخيب رجاءنا.
وفيه لغتان، المد على وزن فاعيل كياسين.
والقصر على وزن يمين، قال الشاعر في المدّ:
يَا رَبُّ لا تسلبني حُبَّها أبدًا ** وَيَرَحمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِينًا

وقال آخر:
آمين آمين لا أرضىَ بِوَاحِدةٍ ** حَتَّى أبَلَّغها ألفَين آمِينًا

قال الجوهري: وتشديد الميم خطأ.
وروي عن الحسن، وجعفر الصادق، والحسين بن فضل التشديد، من أمّ إذا قصد: أي نحن قاصدون نحوك، حكى ذلك القرطبي.
قال الجوهري: وهو مبني على الفتح مثل: أين، وكيف لاجتماع الساكنين، وتقول منه: أمَّن فلان تأمينًا. وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها، وفي أن الإمام يقولها أم لا؟ وذلك مبين في مواطنه. اهـ.

.قال الشعراوي:

آمين: بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب. بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن.
وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه. وآمين دعاء لتحقيق المطلوب.. وكلمة آمين اختلف العلماء فيها.. أهي عربية أم غير عربية.
وهنا يثور سؤال.. كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي..؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم. لا ينفي أن القرآن كله عربي. بمعنى أنه إذا خوطب به العرب فهموه.. وهناك ألفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن.. ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الأذان العربية..
فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها.. وإنما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب. وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعها. فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي.. فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية.
واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها. بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى. واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف.. الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة.. والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل.. إذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل.. وإذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة.. ولكن إذا قلت ماذا وهي حرف ليس هناك معنى مستقل.. وإذا قلت في دلت على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل. بل لابد أن تقول الماء في الكوب.. أو فلان على الفرس.. غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له.. والفعل يحتاج إلي زمن، ولكن الاسم لا يحتاج إلي زمن..
إذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه.. والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه.. والحرف دل على معنى غير مستقل.. ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند إليه تاء الفاعل.. أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم.. ولكن الاسم لا يضاف إليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت.. إذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج إلي زمن.. ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فإنه يكون اسم على فعل.
آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلولة مدلول الفعل.. معناه استجب.. فأنت حين تسمع كلمة آه أنها اسم لفعل بمعنى أتوجع.. وساعة تقول أف اسم فعل بمعنى أتضجر.. وآمين اسم فعل بمعنى استجب.. ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ، وتقولها مرة وأنت السامع. فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين.. أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي.. لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فأنك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة. وإذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الإمام، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء.. ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على أموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89)} [سورة يونس].
أي الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجه إلي موسى وهارون. ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا.. وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء. اهـ.

.فصل الصارف عن فهم معاني التلاوة:

قال حجة الإسلام:
اعلم أن كل ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره وهي درجات أصحاب اليمين ورجل يسبق قلبه إلى المعاني أولا ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه.
ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب والمقربون لسانهم ترجمان يتبع القلب ولا يتبعه القلب وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت {بسم الله الرحمن الرحيم} فانو به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه وأن المراد بالاسم هاهنا هو المسمى وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان الحمد لله ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه مسخر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله تعالى فإذا قلت الرحمن الرحيم فأحضر في قلبك جميع أنواع لطفه لتتضح لك رحمته فينبعث بها رجاؤك ثم استثر من قلبك التعظيم والخوف بقولك {مالك يوم الدين} أما العظمة فلأنه لا ملك إلا له وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه ثم جدد الإخلاص بقولك إياك نعبد وجدد العجز والاحتياج والتبري من الحول والقوة بقولك وإياك نستعين وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له المنة إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلا لمناجاته ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان اللعين ثم إذا فرغت من التعوذ ومن قولك {بسم الله الرحمن الرحيم} ومن التحميد ومن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقا فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل {اهدنا الصراط المستقيم} الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك وزده شرحا وتفصيلا وتأكيدا واستشهادا بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين ثم التمس الإجابة وقل آمين فإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل «حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين الحديث» أخرجه مسلم عن أبي هريرة: «يقول العبد {الحمد لله رب العالمين} فيقول الله عز وجل حمدني عبدي وأثنى علي وهو معنى قوله سمع الله لمن حمده الحديث». إلخ فلو لم يكن لك من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته فناهيك بذلك غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرؤه من السور كما سيأتي في كتاب تلاوة القرآن فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه وأخبار أنبيائه وذكر مننه وإحسانه.
ولكل واحد حق فالرجاء حق الوعد والخوف حق الوعيد والعزم حق الأمر والنهي والاتعاظ حق الموعظة والشكر حق ذكر المنة والاعتبار حق إخبار الأنبياء وروي أن زرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى فإذا نقر في الناقور خر ميتا وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى إذا السماء انشقت اضطرب حتى تضطرب أوصاله.
وقال عبد الله بن واقد رأيت ابن عمر يصلي مغلوبا عليه وحق له أن يحترق قلبه بوعد سيده ووعيده فإنه عبد مذنب ذليل بين يدي جبار قاهر وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب ودرجات ذلك لا تنحصر والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات فهذا حق القراءة وهو حق الأذكار والتسبيحات أيضا. اهـ.

.مسألة يَسأل عنها أهل الإلحاد الطَّاعنون في القرآن:

قال الطبري:
إن سألَنا منهم سائل فقال: إنك قد قدَّمتَ في أول كتابك هذا في وصْف البيان: بأنّ أعلاه درجة وأشرفَه مرتبة، أبلغُه في الإبانة عن حاجة المُبين به عن نفسه، وأبينُه عن مُراد قائله، وأقربُه من فهم سامعه. وقلتَ، مع ذلك: إنّ أوْلى البيان بأن يكون كذلك، كلامُ الله جل ثناؤه، لِفَضْله على سائر الكلام وبارتفاع دَرَجته على أعلى درجات البيان، فما الوجه- إذ كان الأمر على ما وصفت- في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات؟ وقد حوت معاني جميعها منها آيتان، وذلك قوله: {مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين} إذْ كان لا شك أنّ من عَرف: مَلك يوم الدين، فقد عَرَفه بأسمائه الحسنى وصفاته المُثْلى. وأنّ من كان لله مطيعًا، فلا شك أنه لسبيل من أنعم الله عليه في دينه مُتَّبع، وعن سبيل من غَضِب عليه وضَلَّ مُنْعَدِل. فما في زيادة الآيات الخمس الباقية، من الحكمة التي لم تَحْوِها الآيتان اللتان ذكرنا؟
قيل له: إنّ الله تعالى ذكرُه جَمع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته- بما أنزل إليه من كتابه- معانيَ لم يجمعْهُنّ بكتاب أنزله إلى نبيّ قبله، ولا لأمَّة من الأمم قبلهم. وذلك أنّ كُلّ كتاب أنزله جلّ ذكرُه على نبيّ من أنبيائه قبله، فإنما أنزل ببعض المعاني التي يحوي جميعَها كتابُه الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. كالتَّوراة التي هي مواعظ وتفصيل، والزَّبُور الذي هو تحميد وتمجيد، والإنجيل الذي هو مواعظ وتذكير- لا مُعجزةَ في واحد منها تشهد لمن أنزل إليه بالتصديق. والكتابُ الذي أنزل على نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، يحوي معاني ذلك كله، ويزيد عليه كثيرًا من المعاني التي سائرُ الكتب غيرِه منها خالٍ.
وقد قدَّمنا ذكرها فيما مضى من هذا الكتاب. ومن أشرفِ تلك المعاني التي فَضَل بها كتابُنا سائرَ الكتب قبله، نظْمُه العجيبُ ورصْفُه الغريب وتأليفُه البديع؛ الذي عجزتْ عن نظم مثْلِ أصغرِ سورة منه الخطباء، وكلَّت عن وَصْف شكل بعضه البلغاء، وتحيَّرت في تأليفه الشُّعراء، وتبلَّدت- قصورًا عن أن تأتيَ بمثله- لديه أفهامُ الفُهماء، فلم يجدوا له إلا التسليمَ والإقرار بأنه من عند الواحد القهار. مع ما يحوي، مَع ذلك، من المعاني التي هي ترغيب وترهيب، وأمر وزجر، وقَصَص وجَدَل ومَثَل، وما أشبهَ ذلك من المعاني التي لم تجتمع في كتاب أنزل إلى الأرض من السماء.
فمهما يكن فيه من إطالة، على نحو مَا في أمِّ القرآن، فلِما وصفتُ قبلُ من أن الله جل ذكره أرادَ أن يجمعَ- برَصْفه العجيب ونظْمِه الغريب، المنعدِلِ عن أوزان الأشعار، وسجْع الكُهَّان وخطب الخطباء ورَسائل البلغاء، العاجز عن رَصْف مثله جميع الأنام، وعن نظم نظيره كل العباد- الدلالةَ على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وبما فيه من تحميد وتمجيد وثناء عليه، تنبيهَ العباد على عَظمته وسلطانه وقدرته وعِظم مَملكته، ليذكرُوه بآلائه، ويحمدوه على نعمائه، فيستحقوا به منه المزيدَ، ويستوجبوا عليه الثوابَ الجزيل؛ وبما فيه من نَعْتِ من أنعم عليه بمعرفته، وتفضَّل عليه بتوفيقه لطاعته، تعريفَ عباده أن كل ما بهم من نعمة، في دينهم ودنياهم، فمنه، ليصرفوا رَغبتهم إليه، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دُون ما سواهُ من الآلهة والأنداد، وبما فيه من ذكره ما أحلّ بمن عَصَاه منْ مَثُلاته، وأنزل بمن خالف أمره من عقوباته- ترهيبَ عباده عن ركوب معاصيه، والتعرُّضِ لما لا قِبَل لهم به من سَخَطه، فيسلكَ بهم في النكال والنَّقِمات سبيلَ من ركب ذلك من الهُلاك. فذلك وَجْه إطالة البيان في سورة أم القرآن، وفيما كان نظيرًا لها من سائر سور الفرقان. وذلك هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة. اهـ.