فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمَا النصر} أي على الإطلاق فيندرج فيه النصر المعهود دخولًا أوليًا {إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} المودع في الأسباب بمقتضى الحكمة قوة لا تأثر إلا به أو وما النصر المعهود إلا من عنده سبحانه وتعالى لا من الملائكة لأن قصارى أمرهم ما ذكر من البشارة وتقوية القلوب ولم يقاتلوا أو لأن قصارى أمرهم أنهم قاتلوا بتمكين الله تعالى لهم ولم يكن لهم فعل استقلالًا ولو شاء الله تعالى ما فعلوا على أن مجرد قتالهم لا يستدعي النصر بل لابد من انضمام ضعف المقابلين المقاتلين ولو شاء الله تعالى لسلطهم عليهم فحيث أضعف وقوى ومكن وما مكن وبه حصل النصر كان ذلك منه سبحانه وتعالى.
والآية على هذا لا تكون دليلًا لمن زعم أن المسببات عند الأسباب لا بها وقد مر تحقيقه فتذكر، وكذا لا دليل فيها على وقوع قتالهم ولا على عدمه لاحتمالها الأمرين، وبكل قال بعض.
والمختار ما روي عن مجاهد أن الملائكة لم يقاتلوا في غزواته صلى الله عليه وسلم إلا في غزوة بدر وإنما حضروا في بعضها بمقتضى ما علم الله تعالى من المصلحة مثل حضورهم حلق أهل الذكر، وربما أعانوا بغير القتال كما صنعوا في غزوة أحد على قول، فعن ابن إسحاق أن سعد بن مالك كان يرمي في غزوة أحد وفتى شاب كان ينبل له كلما فني النبل أتاه به وقال له: ارم أبا إسحاق ارم أبا إسحاق، فلما انجلت المعركة سأل عن ذلك الرجل فلم يعرف، وأنكر أبو بكر الأصم الإمداد بالملائكة، وقال: إن الملك الواحد يكفي في إهلاك سائر أهل الأرض كما فعل جبريل عليه السلام بمدائن قوم لوط فإذا حضر هو مأمورًا بالقتال فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار، وأيضا أي فائدة في إرسال سائر الملائكة معه وهو القوي الأمين، وأيضا إن أكابر الكفار الموجودين في غزوة القتال قاتل كل منهم من الصحابة معلوم ولم يعلم أن أحدًا من الملائكة قتل أحدًا منهم، وأيضا لو قاتلوا فإما أن يكونوا بحيث يراهم الناس أو لا، وعلى الأول: يكون المشاهد من عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ألوفًا عديدة ولم يقل بذلك أحد، وهو أيضا خلاف قوله تعالى: {وَيُقَلّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44] ولو كانوا في غير صورة ابن آدم لزم وقوع الرعب الشديد في قلوب الخلق ولم ينقل ذلك ولو كان لنقل ألبتة، وعلى الثاني: يلزم حز الرؤوس وتمزيق البطون ونحو ذلك من الكفار من غير مشاهدة فاعل لهذه الأفعال ومثل هذا يكون من أعظم المعجزات وقد وقع بين جمعين سالم ومكسر فكان يجب أن يتواتر ويشتهر لدى الموافق والمخالف فحيث أنه لم يشتهر دلّ على أنه لم يكن، وأيضا أنهم لو كانوا أجسامًا كثيفة وجب أن يراهم الكل وإن كانوا أجسامًا لطيفة هوائية تعذر ثبوتهم على الخيل انتهى.
ولا يخفى أن هذه الشبه لا يليق إيرادها بقوانين الشريعة ولا بمن يعترف بأنه تعالى قادر على ما يشاء فعال لما يريد فما كان يليق بالأصم إلا أن يكون أخرس عن ذلك إذ نص القرآن ناطق بالإمداد؛ ووروده في الأخبار قريب من المتواتر فكأن الأصم أصم عن سماعه أو أعمى عن رؤية رباعه، وقد روى عبد بن عمير قال: لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ويقولون لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر، والتحقيق في هذا المقام كما قال بعض المحققين: إن التكليف ينافي الإلجاء وأنه تعالى شأنه وإن كان قادرًا على إهلاك جميع الكفار في لحظة واحدة بملك واحد بل بأدنى من ذلك بل بلا سبب، وكذا هو قادر على أن يجبرهم على الإسلام ويقسرهم لكنه سبحانه أراد إظهار هذا الدين على مهل وتدريج وبواسطة الدعوة وبطريق الابتلاء والتكليف فلا جرم أجرى الأمور على ما أجرى فله الحمد على ما أولى وله الحكم في الآخرة والأولى، وبهذا يندفع كثير من تلك الشبه، وإهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام كان بعد انقضاء تكليفهم وهو حين نزول البأس فلا جرم أظهر الله تعالى القدرة وجعل عاليها سافلها، وفي غزوة أحد كان الزمان زمان تكليف فلا جرم أظهر الحكمة ليتميز الموافق عن المنافق والثابت عن المضطرب ولو أجري الأمر فيها كما أجري في بدر أشبه أن يفضي الأمر إلى حد الإلجاء ونافى التكليف ونوط الثواب والعقاب، ثم لا يخفى أن الملائكة إما أجسام لطيفة نورانية وإما أرواح شريفة قدسية.
وعلى التقديرين لهم الظهور في صور بني آدم مثلًا من غير انقلاب العين وتبدل الماهية كما قال ذلك العارفون من المحققين في ظهور جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي ومثل هذا من وجه ولله تعالى المثل الأعلى ما صح من تجلي الله تعالى لأهل الموقف بصورة فيقول لهم: أنا ربكم فينكرونه فإن الحكم في تلك القضية صادق مع أن الله تعالى وتقدس وراء ذلك وهو سبحانه في ذلك التجلي باق على إطلاقه حتى عن قيد الإطلاق، ومن سلم هذا ولا يسلمه إلا ذو قلب سليم لم يشكل عليه الإمداد بالملائكة وظهورهم على خيول غيبية ثابتين عليهما حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية والمصلحة الربانية ولا يلزم من ذلك رؤية كل ذي بصر لهم لجواز إحداث أمر مانع عنها إما في الرائي أو في المرئي ولا مانع من أنهم يرون أحيانًا ويخفون أحيانًا ويرى البعض ويخفى البعض، وزمام ذلك بيد الحكيم العليم فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والشيء متى أمكن وورد به النص عن الصادق وجب قبوله ومجرد الاستبعاد لا يجدي نفعًا ولو ساغ التأويل لذلك لزم تأويل أكثر هذه الشريعة بل الشرائع بأسرها وربما أفضى ذلك إلى أمر عظيم، فالواجب تسليم كل ممكن جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتفويض تفصيل ذلك وكيفيته إلى الله تعالى.
{العزيز} أي الغالب الذي لا يغالب فيما قضى به، وقيل: القادر على انتقامه من الكفار بأيدي المؤمنين وفي إجراء هذا الوصف هنا عليه تعالى إيذان بعلة اختصاص النصر به سبحانه.
{الحكيم} أي الذي يضع الأشياء مواضعها ويفعل على ما تقتضيه الحكمة في سائر أفعاله ومن ذلك نصره للمؤمنين بواسطة إنزال الملائكة، وفي الاتيان بهذا الوصف رد على أمثال الأصم في إنكارهم ما نطقت به الظواهر فسبحانه من عليم حكيم وعزيز حليم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}:

.قال الفخر:

اللام في {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} متعلق بقوله: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله العزيز الحكيم} والمعنى أن المقصود من نصركم بواسطة إمداد الملائكة هو أن يقطعوا طرفًا من الذين كفروا، أي يهلكوا طائفة منهم ويقتلوا قطعة منهم، قيل: أنه راجع إلى قوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ}، {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} ولكنه ذكر بغير حرف العطف لأنه إذا كان البعض قريبًا من البعض جاز حذف العاطف، وهو كما يقول السيد لعبده: أكرمتك لتخدمني لتعينني لتقوم بخدمتي حذف العاطف، لأن البعض يقرب من البعض، فكذا هاهنا، وقوله: {طَرَفًا} أي طائفة وقطعة وإنما حسن في هذا الموضع ذكر الطرف ولم يحسن ذكر الوسط لأنه لا وصول إلى الوسط إلا بعد الأخذ من الطرف، وهذا يوافق قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ} [التوبة: 123] وقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41]. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ليقطع طرفًا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} الطرف: من قتل ببدر هم سبعون من رؤساء قريش، أو من قتل بأحد وهم اثنان وعشرون رجلًا على الصحيح.
وقال السدي: ثمانية عشر، أو مجموع المقتولين في الوقعتين ثلاثة أقوال.
وكنى عن الجماعة بقوله: {طرفًا}، لأن من قتله المسلمون في حرب هم طرف من الكفار، إذ هم الذين يلون القاتلين، فهم حاشية منهم.
فكان جميع الكفار رفقة، وهؤلاء المقتولون طرفًا منها.
قيل: ويحتمل أن يراد بقوله: {طرفًا} دابرًا أي آخرًا، وهو راجع لمعنى الطرف، لأن آخر الشيء طرف منه {أو يكبتهم}: أي ليخزيهم ويغيظهم، فيرجعوا غير ظافرين بشيء مما أملوه.
ومتى وقع النصر على الكفار، فإما بقتل، وإما بخيبة، وإما بهما.
وهو كقوله: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}:

.قال الفخر:

الكبت في اللغة صرع الشيء على وجهه، يقال: كبته فانكبت هذا تفسيره، ثم قد يذكر والمراد به الإخزاء والأهلاك واللعن والهزيمة والغيظ والإذلال، فكل ذلك ذكره المفسرون في تفسير الكبت، وقوله: {خَائِبِينَ} الخيبة هي الحرمان والفرق بين الخيبة وبين اليأس أن الخيبة لا تكون إلا بعد التوقع، وأما اليأس فإنه قد يكون بعد التوقع وقبله، فنقيض اليأس الرجاء، ونقيض الخيبة الظفر، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وتنكير {طرفًا} للتفخيم، ويقال: هو من أطراف العرب، أي من أشرافها وأهل بيوتاتها.
ومَعنى {أو يكبتهم} يصيبهم بغمّ وكمد، وأصل كبت كَبَد بالدال إذا أصابه في كَبده.
كقولهم: صُدرَ إذا أصيب في صدره، وكُلِيَ إذا أصيب في كُلْيَتِه، ومُتِنَ إذا أصيب في مَتْنه، ورُئي إذا أصيب في رِئته، فأبدلت الدال تاء وقد تبدل التاء دالًا كقولهم: سَبَد رأسَه وسبَته أي حلقه.
والعرب تتخيّل الغمّ والحزن مقرّه الكبد، والغضب مقرّه الصّدر وأعضاء التنفّس.
قال أبو الطيب يمدح سيف الدّولة حِين سفره عن أنطاكية:
لأَكْبِتَ حَاسدًا وأرِي عَدُوًا ** كأنَّهُمَا ودَاعُكَ والرّحيلُ

وقد استقرى أحوال الهزيمة فإنّ فريقًا قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين، وفريقًا كبتُوا وانقلبوا خائبين، وفريقًا مَنَّ الله عليهم بالإسلام، فأسلموا، وفريقًا عُذّبوا بالموت على الكفر بعد ذلك، أو عذبوا في الدنيا بالذلّ، والصغار، والأسر، والمَنّ عليهم يوم الفتح، بعد أخذ بلدهم وأو بين هذه الأفعال للتقسيم.
وهذا القطع والكبت قد مضيا يوم بدر قبل نزول هذه الآية بنحو سنتين، فالتَّعبير عنهما بصيغة المضارع لقصد استحضار الحالة العجيبة في ذلك النصر المبين العزيز النظير. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {لِيَقْطَعَ} في متعلق هذه اللام سبعة أوجه:
أحدها: أنها متعلقة بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله} قاله الحوفيّ، وفيه بُعْدٌ؛ لطول الفَصْل.
الثاني: أنها متعلقة بالنصر في قوله: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} والمعنى: أن المقصود من نصركم، هو أن تقطعوا طرفًا من الذين كفروا، أي: تملكوا طائفة منهم، وتقتلوا قطعة منهم، وفي هذا نظر من حيث أنه قد فصل بين المصدر ومتعلقه بأجنبيّ، وهو الخبر.
الثالث: أنها متعلقة بما تعلَّق به الخبر، وهو قوله: {مِنْ عِندِ الله}، والتقدير: وما النصر إلا كائن، أو إلا مستقر من عند الله ليقطع.
والرابع: أنها متعلقة بمحذوف، تقديره: أمَدَّكُم، أو نَصَرَكُم، ليقطَعَ.
الخامس: أنها معطوفة على قوله: {ولتطمئن} حذف حرف لعطف لفهم المعنى؛ لأنه إذا كان البعض قريبًا من البعض جاز حذف العاطف، كقوله: {ثلاثة رابعهم كلبهم} وقول السيد لعبده: أكرمتك لتخدمني، لتعينني، لتقوم بخدمتي، فحذف العاطف لقُرْب البعض من البعض، فكذا هنا وعلى هذا فتكون الجملة في قوله: {وما النصر إلا من عند الله} اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه، وهو ساقط الاعتبار.
السادس: أنها متعلقة بالجَعْل قاله ابن عطية.
السابع: أنها متعلقة بقوله: {يُمْدِدْكُمْ} وفيه بُعْدٌ؛ للفواصل بينهما.
والطرف: المراد به: جماعة، وطائفة، وإنما حَسُنَ ذِكْر الطرف- هنا- ولم يحسن ذكر الوسط؛ لأنه لا وصول إلى الوَسَطِ إلا بعد الأخذ من الطرف، وهذا يوافق قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ} [التوبة: 123] وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41].
قوله: {مِّنَ الذين} يجوز أن يكون متعلِّقًا بالقَطْع، فتكون {مِنْ} لابتداء الغاية، ويجوز أن يتعلق بمحذوف، على أنه صفة لـ {طَرَفًا} وتكون {مِنْ} للتبعيض.
قوله: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} عطف على {لِيَقْطَعَ}.
و{أو}؛ قيل: على بابها من التفصيل، أي: ليقطع طرفًا من البعض، ويكبت بعضًا آخرين.
وقيل: بل هي بمعنى الواو، أي: يجمع عليهم الشيئين.
والكبت: الإصابة بمكروه.
وقيل: هو الصَّرع للوجْه واليدين، وعلى هذين فالتاء أصلية، ليست بدلًا من شيء، بل هي مادة مستقلة.
وقيل: أصله من كبده، إذا أصابه بمكروه أثر في كبده وَجَعًا، كقولك: رأسته، أي: أصبت رأسه، ويدل على ذلك قراءة لاحق بن حُمَيد: أو يكبدَهم- بالدال- والعرب تُبْدِل التاء من الدال، قالوا: هَرَتَ الثوبَ، وهردَه، وسَبَتَ رأسَه، وسَبَدَه- إذا حَلَقَه-.
وقد قيل: إنّ قراءة لاحق أصلها التاء، وإنما أُبدِلت دالًا، كقولهم: سبد رأسه، وهرد الثوب، والأصل فيهما التاء.
قوله: {فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ} لن ينالوا خيرًا مما كانوا يرجون من الظفر بكم.
والخيبة لا تكون إلا بعد التوقُّع، وأما اليأس فإنه يكون بعد التوقُّع وقبلَه، فنقيض اليأس الرجاء، ونقيض الخيبة: الظفر يقال: خَابَ يَخِيبُ خَيْبَةً.
و{خَائِبِينَ} نُصِبَ على الحال. اهـ. بتصرف يسير.

.قال ابن كثير في معنى الآيتين:

وقوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} أي: وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلا بشارةً لكم وتطييبا لقلوبكم وتطمينا، وإلا فإنما النصر من عند الله، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ الله لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 4- 6]. ولهذا قال هاهنا: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي: هو ذو العزة التي لا تُرام، والحكمة في قَدره والإحكام.
ثم قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: أمركم بالجهاد والجلاد، لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين. فقال: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} أي: ليهلك أمة {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي: يخزيهم ويردهم بغيظهم لَمّا لم ينالوا منكم ما أرادوا؛ ولهذا قال: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا} أي: يرجعوا {خَائِبِينَ} أي: لم يحصلوا على ما أمَّلُوا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}.
إنَّ الله لا يُشْمِتُ بأوليائه عدوًا؛ فالمؤمن وإن أصابته نكبة، فعدوُّه لا محالة يكبه الله في الفتنة والعقوبة. اهـ.