فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال: «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أويعذبه فإنهم ظالمون}».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد جرح في وجهه، وأصيب بعض رباعيته وفوق حاجبه فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء...}» الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد شج في وجهه وأصيبت رباعيته، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال: «كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشيطان، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؟ فهمَّ أن يدعو عليهم. فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} الآية فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف عنه أصحابه يوم أحد، كسرت رباعيته وجرح وجهه فقال وهو يصعد على أحد «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله مكانه {ليس لك من الأمر شيء}» الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة، ان رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص وشجه في وجهه، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم؟ فانزل الله {ليس لك من الأمر شيء}» الآية.
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية». فنزلت هذه الآية: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} فتيب عليهم كلهم.
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر. فانزل الله {ليس لك من الأمر شيء} الآية فهداهم الله للإسلام.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع «اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلانًا وفلانًا... لأحياء من أحياء العرب يجهر بذلك حتى أنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} وفي لفظ اللهم العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية، عصت الله ورسوله. ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله: {ليس لك من الأمر شيء} الآية».
وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الآخرة فقال: «اللهم العن فلانًا وفلانًا ناسًا من المنافقين دعا عليهم فأنزل الله: {ليس لك من الأمرشيء} الآية».
وأخرج ابن إسحق والنحاس في ناسخه عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنك تنهى عن السبي يقول: قد سبى العرب. ثم تحول قفاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف استه فلعنه ودعا عليه. فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} الآية. ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: ضربت عليهم ذلة الطمع ومسكنة الحرص إلا أن يعتصموا بمحبة الله وطلبه وحبل من الناس يعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته. ويقتلون الأنبياء يميتون سنتهم وسيرهم. ليسوا أي العلماء الربانيون والمداهنون. فلن تكفروه لأنه من تقرب إليه شبرًا تقرب إليه ذراعًا. ثم أخبر عن نفقات أهل الشهوات في استيفاء اللذات الجسمانية بقوله: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح} هي هواء الهوى {فيها صر} الشهوة {أصابت حرث قوم} هو الحرث الروحاني {ظلموا أنفسهم} بإبطال الاستعداد الإنساني. ثم نهي أهل المحبة عن مباطنة أهل السلو من هذا الحديث فقال: {لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالًا} لا يقصرون في إنكاركم والاعتراض عليكم والطعن فيكم {ودّوا} من نعيم الدنيا ومشتهياتها {ما عنتم} ما مقتموه وتركتموه لدناءة همتهم وعلو همتكم، أو فرحوا بما قاستيم من المجاهدات والتزام الفقر والصبر على المكاره {قد بدت البغضاء من أفواههم} اعتراضاتهم الفاسدة {وما تخفي صدورهم} الحاسدة من الغل والحقد {أكبر} {تحبونهم} محبة الرحمة والشفقة {ولا يحبونكم} لتناكر الأرواح واختلاف حال الأشباح {ويؤتون بالكتاب كله} بجميع ما في القرآن من ترك الدنيا وجهاد النفس {عليم بذات الصدور} بالقلوب التي في الصدور أن موتها في الغيظ والحسد.
{إن تمسسكم حسنة} كرامة من الله وقبول من الخلق. سيئة إنكار من الجهال وطعن. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة: {لَيْسُواْ سَوَاء} من حيث الاستعداد وظهور الحق فيهم {مّنْ أَهْلِ الكتاب} الذين ظهرت فيهم نقوش الكتاب الإلهي الأزلي {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} بالله تعالى له {يَتْلُونَ ءايات الله} أي يظهرون للمستعدين ما فاض عليهم من الأسرار {أَمَّنْ هُوَ} أوقات ليل الجهالة وظلمة الحيرة {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] أي يخضعون لله تعالى ولا يحدث فيهم الأنانية إنهم عالمون وأن من سواهم جاهلون {يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} أي بالمبدأ والمعاد {وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} حسبما اقتضاه الشرع ولكون ما تقدم نظرًا للخصوص لأن إيداع الأسرار عند الأحرار، وهذا بالنظر إلى العموم لأن الشريعة أوسع دائرة من الحقيقة قدم وأخر {ويسارعون في الخيرات} من تكميل أنفسهم وغيرهم {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصالحين} [آل عمران: 114] القائمين بحقوق الحق والخلق {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} يقربكم إلى الله تعالى: {فَلَنْ يُكْفَروهُ} فقد جاء «من تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ومن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» {والله عَلِيمٌ بالمتقين} [آل عمران: 115] أي الذين اتقوا ما يحجبهم عنه فيتجلى لهم بقدر زوال الحجاب {إِنَّ الذين كَفَرُواْ} واحتجبوا عن الحق برؤية الأغيار وأشركوا بالله تعالى ما لا وجود له في عير ولا نفير {لَن تُغْنِىَ} لن تدفع {عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله} أي عذابه {شَيْئًا} من الدفع لأنها من جملة أصنامهم التي عبدوها {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار} وهي الحجاب والبعد عن الحضرة {هُمْ فِيهَا خالدون} [آل عمران: 116] لاقتضاء صفة الجلال مع استعدادهم ذلك {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ في هذه الحياة الدنيا} الفانية الدنية ولذاتها السريعة الزوال طلبًا للشهوات ومحمدة الناس لا يطلبون به وجه الله تعالى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} أي برد شديد {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالشرك والكفر {فَأَهْلَكَتْهُ} عقوبة لهم من الله تعالى لظلمهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بإهلاك حرثهم {ولكن أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117] لسوء استعدادهم الغير المقبول {يَظْلِمُونَ يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً} أي خاصة تطلعونه على أسراركم {مّن دُونِكُمْ} كالمنكرين المحجوبين إذ المحبة الحقيقية لا تكون إلا بين الموحدين لكونها ظل الوحدة ولا تكون بين المحجوبين لكونهم في عالم التضاد والظلمة ولا يتأتى الصفاء والوفاق الذي هو ثمرة المحبة في ذلك العالم فلذا ترى محبة غير أهل الله تعالى تدور على الأغراض؛ ومن هنا تتغير لأن اللذات النفسانية لا تدوم فإذا كان هذا حال المحجوبين بعضهم مع بعض فكيف تتحقق المحبة بينهم وبين من يخالفهم في الأصل والوصف، وأنى يتجانس النور والظلمة، وكيف يتوافق مشرق ومغرب؟ا.
أيها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت ** وسهيل إذا استقل يماني

ففي الحقيقة بينهما عداوة حقيقية وبعد كلي إلى حيث لا تتراءى ناراهما، وآثار ذلك ظاهرة كما بين الله تعالى بقوله سبحانه: {قَدْ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم} لامتناع إخفاء الوصف الذاتي {وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} لأنه المنشأ لذلك فهو نار وذاك شرار وهو جبل والظاهر غبار {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الايات} وهي العلامات الدالة على المحبة والعداوة وأسبابهما {إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] وتفهمون من فحوى الكلام {تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ} بمقتضى ما عندكم من التوحيد لأن الموحد يحب الناس كلهم بالحق للحق ويرى الكل مظهرًا لحبيبه جل شأنه فيرحم الجميع ويعلم أن البعض منهم قد اشتغل بباطل نظرًا إلى بعض الحيثيات وابتلى بالقدر، وهذا لا ينافي ما قدمنا آنفًا عند التأمل {وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} بمقتضى الحجاب والظلمة التي ضربت عليهم {وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب} أي جنسه {كُلُّهُ} لما أنتم عليه من التوحيد المقتضى لذلك وهم لا يؤمنون بذلك للاحتجاب بما هم عليه {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ} لما فيهم من النفاق المستجلب للأغراض العاجلة {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الانامل مِنَ الغيظ} [آل عمران: 119] الكامن في صدورهم {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} كآثار تجلي الجمال {تَسُؤْهُمْ} ويحزنوا لها {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ} أي ما يظنون أنه سيئة كآثار تجلي الجلال {يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ} على ما ابتليتم به وتثبتوا على التوحيد {وَتَتَّقُواْ} الاستعانة بالسوي {لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} لأن الصابر على البلاء المتوكل على الله تعالى المستعين به المعرض عمن سواه ظافر بطلبته غالب على خصمه محفوف محفوظ بعناية الله تعالى، والمخذول من استعان بغيره وقصده سواه كما قيل:
من استعان بغير الله في طلب ** فإن ناصره عجز وخذلان

{إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ} من المكايد {مُحِيطٌ} [آل عمران: 120] فيبطلها ويطفئ نارها {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} لله تعالى تحت ظل الكبرياء والعظمة {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123] ذلك وبالشكر تزاد النعم {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} لما رأيت من حالهم {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ} [آل عمران: 124] على صيغة اسم الفاعل السكينة عليكم، أو {مُنزَلِينَ} على صيغة اسم المفعول من جانب الملكوت إليكم {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ} على صدمات تجلية سبحانه: {وَتَتَّقُواْ} من سواه {وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هذا} أي بلا بطء {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الملائكة مُسَوّمِينَ} [آل عمران: 125] على صيغة الفاعل أي معلمين أرواحكم بعلائم الطمأنينة، أو {مُسَوّمِينَ} على صيغة المفعول بعمائم بيض، وهي إشارة إلى الأنوار الإلهية الظاهرة عليهم، وتخصيص الخمسة آلاف بالذكر لعله إشارة إلى إمداد كل لطيفة من اللطائف الخمس بألف والألف إشارة إلى الإمداد الكامل حيث أنها نهاية مراتب الأعداد وشرط ذلك بالصبر والتقوى لأن النصر على الأعداء وأعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك لا يكون إلا عند تقوى القلب وكذا سائر جنود الروح بل والروح نفسها أيضا بتأييد الحق والتنور بنور اليقين فتحصل المناسبة بين القلب مثلًا وبين ملكوت السماء وبذلك التناسب يستنزل قواها وأوصافها في أفعاله وربما يستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه وذلك عبارة عن نزول الملائكة وهذا لا يكون إلا بالصبر على تحمل المكروه طلبًا لرضا الله تعالى والتقوى من مخالفة أمر الحق والميل إلى نحو النفع الدنيوي واللذات الفانية.
وأما إذا جزع وهلع ومال إلى الدنيا فلا يحصل له ذلك لأن النفس حينئذٍ تستولي عليه وتحجبه بظلمة صفاتها عن النور فلم تبق تلك المناسبة وانقطع المدد ولم تنزل الملائكة، {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى لَكُمْ} أي إلا لتستبشروا به فيزداد نشاطكم في التوجه إلى الحق {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} فيتحقق الفيض بقدر التصفية {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} لا من عند الملائكة فلا تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة وبالخلق عن الحق فالكل منه تعالى وإليه {العزيز} فلا يعجزه الظهور بما شاء وكيف شاء {الحكيم} [آل عمران: 126] الذي ستر نصره بصور الملائكة لحكمة {لِيَقْطَعَ} أي يهلك {طَرَفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ} وهم أعداء الله تعالى: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} يخزيهم ويذلهم {فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ} [آل عمران: 127] فيرجعوا غير ظافرين بما أملوا {لَيْسَ لَكَ} من حيث أنت {مِنَ الأمر شَئ} وكله لك من حيثية أخرى {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} إذا أسلموا فتفرح لأنك المظهر للرحمة الواسعة {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} {أَوْ يُعَذّبَهُمْ} لأجلك فتشتفي بهم من حيث أنهم خالفوا الأمر الذي بعثت به إلى الناس كافة {فَإِنَّهُمْ ظالمون} [آل عمران: 128] بتلك المخالفة {وَللَّهِ مَا في السموات} من عالم الأرواح {وَمَا في الأرض} من عالم الطبيعيات يتصرف فيهما كيفما يشاء ويختار {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} لأن له التصرف المطلق في الملك والملكوت {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 129] كثير المغفرة والرحمة نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا. اهـ.

.سؤال وجواب:

سؤال: فإن قيل: أليس أنه ثبت أنه لا يغفر للكفار ولا يعذب الملائكة والأنبياء؟.
قلنا: مدلول الآية أنه لو أراد لفعل ولا اعتراض عليه، وهذا القدر لا يقتضي أنه يفعل أو لا يفعل، وهذا الكلام في غاية الظهور. اهـ.

.تفسير الآيات (130- 132):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الختم بهاتين الصفتين ربما أطمع في انتهاك الحرمات لاتباع الشهوات فكان مبعدًا لمتعاطيه من الرحمة مدنيًا من النقمة، وكان أعظم المقتضيات للخذلان تضييعهم للثغر الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحفظه بسبب إقبالهم قبل إتمام هزيمة العدو على الغنائم للزيادة في الأعراض الدنيوية التي هي معنى الربا في اللغة إذ هو مطلق الزيادة أقبل تعالى عليهم بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بالإيمان، صدقوا إيمانكم بأن {لا تأكلوا الربا} أي المقبح فيما تقدم أمره غاية التقبيح، وهو كما ترى إقبال متلطف منادٍ لهم باسم الإيمان الناظر إلى الإنفاق المعرض عن التحصيل {ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3]؛ {والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 17]؛ {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] ناهٍ عن الالتفات إلى الدنيا بالإقبال على غنيمة أو غيرها بطريق الإشارة بدلالة التضمن، إذ المطلق جزء المقيد، ففي هذه العبارة التي صريحها ناهٍ عن الإقبال على الدنيا إقبالًا يوجب الإعراض عن الآخرة باستباحة أكل الربا المتقدم في البقرة من النهي عنه من المبالغة ما يردع من له أدنى تقوى، ويوجب لمن لم يتركه وما يقاربه الضمان بالخذلان في كل زمان {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 278]، {أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون} [البقرة: 86].