فصل: تفسير الآية رقم (141):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فيرد المدرس: لماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك: من هم المتفوقون، وأن أرتبهم لك من الأول ومن الثاني وهكذا.
لكن عميد الكلية يصر على أن يعقد امتحانا حتى لا يكون لأحد حجة، ويختار العميد مدرسًا آخر ليضع هذا الامتحان. وتظهر النتيجة ويكون توقع المدرس الأول هو الصائب، وهكذا يكون تفُوق هؤلاء الطلاب تفوقا بحُجة. وإذا كان ذلك يحدث في المستوى البشري فما بالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟
إن الحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ومُحيط بكل شيء، وهو سبحانه لا يقول لنا: أنا كنت أعلم أنكم لو دخلتم معركة ستفعلون كذا وكذا..
وكان يمكن أن يجادلوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليست فيهم، لكن الحق يضع المعركة وتكون النتيجة مطابقة لما يعلمه الله أزلا. إذن فالتغيير هنا لا يكون في علم الله، لكن التغيير يكون في المعلوم لله، ليس في العالِم بل في المعلوم بحيث نراه حُجة علينا.
ويقول الحق: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} وساعة تسمع كلمة {يتخذ} هذه؛ اعرف أنها اصطفاء واختيار. وسبحانه يقول: {وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].
أي أنه جل وعلى قد آثر إبراهيم واصطفاه، إذن فالاتخاذ دائما هو أن يَأخذه إلى جانبه لمزية له ورفعة لمكانته.
وحين يقول الحق: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} فنحن نعرف أن {شهداء} هي جمع شهيد، وكلمة شهيد لها معانٍ متعددة، فالشهيد في القتال هو الذي يُقتل في المعركة، وهذا سيكون حيا ويرزق عند ربه.
وإياك أن تقول: إننا عندما نفتح قبر الشهيد سنجده عظاما وترابا. وهذا يعني أنه سلب الحياة.. لا، إن الله وضح أن الشهيد حيّ عنده، وليس حيا عند البشر. وإذا فتح أحد من الناس القبر على الشهيد فسيراه عظاما وترابا؛ فقد جعل الله سبحانه للشهيد حياة عنده لا عندنا.
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
إذن فللشهداء عند ربهم حياة لا نعرف كنهها، ويوم نفتح عليهم قبورهم تصير أمرا مُحسا، ولكن الله نبهنا أن الشهداء أحياء عند ربهم. وعندما نتأمل كلمة {شهداء} نجد أنها تعني أيضا الشهادة على الحق الذي قامت من أجله المعركة، وكل إنسان يُحب الخير لنفسه، فلو لم يعلم هؤلاء أن إقدامهم على ما يؤدي إلى قتلهم خير لهم من بقائهم على حياتهم لما فعلوا.
وبذلك يكون الواحد منهم شاهدا للدعوة وشهيدا عليها. وقد ينصرف المعنى في {شهداء} إلى أنهم بَلَّغوا الدعوة حتى انتهت دماؤهم، ويذيل الحق الآية بقوله: {وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
ومعنى هذا التذييل أن المعركة يجب أن تدور في إطار الحق، ومثلما قلنا: ما دام الناس متخلفين عن المنهج فإن الله لا يظلمهم بل ستدور المعركة صراع بشر لبشر، والقادر من الطرفين هو الذي يغلب. فالحق سبحانه بالرغم من كراهيته للكفر إلا أنه لا يُحابي المسلم الذي لا يتمسك بمطلوب الإيمان؛ لذلك قد يغلب الكافر المسلم الذي لا يمسك بمطلوب الإيمان، ولكن إن تمسك المؤمنون بمطلوب الإيمان فالنصر مضمون لهم بأمر الله. وبعد ذلك يقول الحق: {وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (141):

قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم التنفير من الظلم دلالة على الاهتمام به أكمل ثمرات المداولة بقوله: {وليمحص} أي وليطهر {الله} أي ذو الجلال والإكرام {الذين أمنوا} أي إن أصيبوا، ويجعل مصيبتهم سببًا لقوتهم {ويمحق الكافرين} أي شيئًا فشيئًا في تلك الحالتين بما يلحقهم من الرجس، أما إذا كانت لهم فبالنقص بالقوة بالبطر الموجب للعكس، وأما إذا كانت عليهم فبالنقص بالفعل الموجب للقطع بالنار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلِيُمَحّصَ الله الذين ءَامَنُواْ} أي ليطهرهم من ذنوبهم ويزيلها عنهم، والمحص: في اللغة التنقية، والمحق في اللغة النقصان، وقال المفضل: هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه شيء، ومنه قوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا} [البقرة: 276] أي يستأصله.
قال الزجاج: معنى الآية أن الله تعالى جعل الأيام مداولة بين المسلمين والكافرين، فإن حصلت الغلبة للكافرين على المؤمنين كان المراد تمحيص ذنوب المؤمنين، وإن كانت الغلبة للمؤمنين على هؤلاء الكافرين كان المراد محق آثار الكافرين ومحوهم، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين، لأن تمحيص هؤلاء بإهلاك ذنوبهم نظير محق أولئك بإهلاك أنفسهم، وهذه مقابلة لطيفة في المعنى.
والأقرب أن المراد بالكافرين هاهنا طائفة مخصوصة منهم وهم الذين حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وإنما قلنا ذلك لعلمنا بأنه تعالى لم يمحق كل الكفار، بل كثير منهم بقي على كفره، والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وليمحص الله الذين آمنوا} أي يطهرهم من الذنوب، ويخلصهم من العيوب، ويصفيهم.
قال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي ومقاتل وابن قتيبة في آخرين: التمحيص الابتلاء والاختبار.
قال الشاعر:
رأيت فضيلًا كان شيئًا ملففا ** فكشفه التمحيص حتى بداليا

وقال الزجاج: التنقية والتخليص، وذكره عن: المبرد، وعن الخليل.
وقيل: التطهير.
وقال الفراء: هو على حذف مضاف، أي وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا.
{ويمحق الكافرين} أي يهلكهم شيئًا فشيئًا.
والمعنى: أن الدولة إن كانت للكافرين على المؤمنين كانت سببًا لتمييز المؤمن من غيره، وسببًا لاستشهاد من قتل منهم، وسببًا لتطهير المؤمن من الذنب.
فقد جمعت فوائد كثيرة للمؤمنين، وإن كان النصر للمؤمنين على الكافرين كان سببًا لمحقهم بالكلية واستئصالهم قاله: ابن عباس.
وقال ابن عباس أيضا: ينقصهم ويقللهم، وقاله: الفراء.
وقال مقاتل: يذهب دعوتهم.
وقيل: يحبط أعمالهم، ذكره الزجاج، فيكون على حذف مضاف.
والظاهر أن المراد بالكافرين هنا طائفة مخصوصة، وهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لأنه تعالى لم يمحق كل كافر، بل كثير منهم باق على كفره.
فلفظة الكافرين عام أريد به الخصوص.
قيل: وقابل تمحيص المؤمن بمحق الكافر، لأن التمحيص إهلاك الذنوب، والمحق إهلاك النفوس، وهي مقابلة لطيفة في المعنى انتهى.
وفي ذكر ما يلحق المؤمن عند إدالة الكفار تسلية لهم وتبشير بهذه الفوائد الجليلة، وأن تلك الإدالة لم تكن لهوانٍ بهم، ولا تحط من أقدارهم، بل لما ذكر تعالى. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}.
التفسير: قال القفال: يحتمل أن يكون هذا الكلام متصلًا بما قبله من جهة أن أكثر أموال المشركين كانت قد اجتمعت من الربا، وكانوا ينفقون تلك الأموال على العساكر، وكان من الممكن أن يصير ذلك داعيًا للمسلمين إلى الإقدام على الربا كي يجمعوا الأموال وينفقوها على العساكر ويتمكنوا من الانتقام منهم، فورد النهي عن ذلك نظرًا لهم ورحمة عليهم. وقيل: إن هذه الآيات ابتداء أمر ونهي وترغيب وترهيب تتميمًا لما سلف من الإرشاد إلى الأصلح في أمر الدين وفي باب الجهاد. وليس المراد النهي عن الربا في حال كونه أضعافًا لما علم أنه منهي عنه مطلقًا، وإنما هو نهي عنه مع توبيخ بما كانوا عليه في الغالب والمعتاد من تضعيفه. كان الرجل منهم إذا بلغ الدين محله زاد في الأجل، وهكذا مرة بعد أخرى حتى استغرق بالشيء الطفيف مال المديون {واتقوا الله لعلكم تفلحون} فيه أن اتقاء الله في هذا النهي واجب، وأن الفلاح يقف عليه. فلو أكل ولم يتق زال الفلاح. ويعلم منه أن الربا من الكبائر لا من الصغائر ويؤكد قوله: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} كان أبو حنيفة يقول: هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه. وكون النار معدّة للكافرين لا يمنع دخول الفساق وهم مسلمون فيها لأن أكثر أهل النار الكفار فغلب جانبهم كما لو قلت: أعددت هذه الدابة للقاء المشركين.
لم يمتنع من أن تركبها لبعض حوائجك. ومثله قوله في صفة الجنة: {أعدت للمتقين} فإنه لا يدل على أنه لا يدخلها سواهم من الصبيان والمجانين وغيرهم كالملائكة والحور.
{وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} فيه أن رجاء الرحمة موقوف على طاعة الله وطاعة الرسول فلهذا يتمسك به أصحاب الوعيد في أن من عصى الله ورسوله في شيء من الأشياء فهو ليس أهلًا للرحمة. وغيرهم يحمل الآية على الزجر والتخويف {وسارعوا} معطوف على ما قبله. ومن قرأ بغير الواو فلأنه جعل قوله: {سارعوا} وقوله: {أطيعوا الله} كالشيء الواحد لأنهما متلازمان. وتمسك كثير من الأصوليين به في أن ظاهر الأمر يوجب الفور قالوا: في الكلام محذوف والتقدير: سارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم. ونكر المغفرة ليفيد المغفرة العظيمة المتناهية في العظم وليس ذلك إلا المغفرة الحاصلة بسبب الإسلام والإتيان بجميع الطاعات والاجتناب عن كل المنهيات وهذا قول عكرمة.
وعن علي بن أبي طالب: هو أداء الفرائض.
وعن عثمان بن عفان أنه الإخلاص لأنه المقصود من جميع العبادات.
وعن أبي العالية أنه الهجرة. وقال الضحاك ومحمد بن إسحق: أنه لاجهاد لأنه من تمام قصة أحد. وقال الأصم: بادروا إلى التوبة من الربا لأنه ورد عقيب النهي عن الربا. ثم عطف عليه المسارعة إلى الجنة لأن الغفران ظاهره إزالة العقاب. والجنة معناها حصول الثواب، ولابد للمكلف من تحصيل الأمرين. ثم وصف الجنة بأن عرضها السموات، ومن البيّن أن نفس السموات لا تكون عرضًا للجنة، فالمراد كعرض السموات لقوله في موضع آخر {عرضها كعرض السماء} [الحديد: 21] والمراد المبالغة في وصف سعة الجنة فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه ونظيره {خالدين يفها ما دامت السموات والأرض} [هود: 107] لأنها أطول الاشياء بقاء عندنا. وقيل: المراد أنه لو جعلت السموات والأرضون طبقًا طبقًا بحيث يكون كل واحد من تلك الطبقات سطحًا مؤلفًا من أجزاء لا تتجزأ، ثم وصل البعض بالبعض طبقًا واحدًا لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذه غاية من السعة لا يعلمها إلا الله تعالى. وقيل: إن الجنة التي عرضها عرض السموات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملكًا له، فلابد أن تكون الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا. وقال أبو مسلم: معنى العرض القيمة، ومنه عارضت الثوب بكذا. معناه لو عرضت السموات والأرض على سبيل البيع لكاتنا ثمنًا للجنة. والأكثرون على أن المراد بالعرض هاهنا خلاف الطول. وخص بالذكر لأنه في العادة أدنى من الطول، وإذا كان العرض هكذا فما ظنك بالطول. ونظيره {بطائنها من استبرق} [الرحمن: 54] لأن البطائن في العادة تكون أدون حالًا من الظهائر وإذا كانت البطانة كذلك فكيف الظهارة؟ وقال القفال: العرض عبارة عن السعة. تقول العرب: بلاد عريضة أي واسعة.
والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق ولم يدق، وما ضاق عرضه دق. فجعل العرض كناية عن السعة. وسئل هاهنا إنكم تقولون الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء؟ وأجيب بعد تسليم كونها الآن مخلوقة أنها فوق السموات وتحت العرش. قال صلى الله عليه وسلم في صفة الفردوس سقفها عرش الرحمن وروي أن رسول هرقل سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنك تدعو الجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار».
والمعنى- والله ورسوله أعلم- أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل. وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء؟ فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل: فأين هي؟ قال: فوق السموات السبع تحت العرش. ثم ذكر صفات المتقين حتى يتمكن الإنسان من الجنة بواسطة اكتساب تلك الصفات. منها قوله: {الذين ينفقون في السراء والضراء} في حال الغنى والفقر لا يخلون بأن ينفقوا ما قدروا عليه. عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة.
وعن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب فكان الفقير أنكر عليها فقالت: احسب كم هي من مثقال ذرة. وقيل: في عرس أو حبس. والمراد في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة، فهم لا يدعون الإحسان إلى الناس في حالتي فرح وحزن. وقيل: إن ذلك الإحسان والإنفاق سواء سرهم بأن كان على وفق طبعهم، أو ساءهم بأن كان مخالفًا له، فإنهم لا يتركونه. وفي افتتاحه بذكر الإنفاق دليل على عظم وقعه عند الله لأنه طاعة شاقة أو لأنه كان أهم في ذلك الوقت لأجل الحاجة إليه في الجهاد ومواساة فقراء المسلمين. ومنها قوله: {والكاظمين الغيظ} كظم القربة إذا ملأها وشد فاها. ويقال: كظم غيظه إذا سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل كأنه كتمه على امتلائه، ورد غيظه في جوفه، وكف غضبه عن الإمضاء، وهو من أقسام الصبر والحلم. قال صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظًا وهو يقدر على انقاذ ملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا وقال أيضا: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ومنها قوله: {والعافين عن الناس} قيل: يحتمل أن يراد العفو عن المعسرين لأنه ورد عقيب قصة الربا كما قال في البقرة: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم} [البقرة: 280] ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غضب على المشركين حين مثلوا بحمزة فقال: لأمثلن بهم. فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والعفو عنهم.