فصل: قال الطبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بضم القاف: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُونَ كَثِيرٌ}، لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها من قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} الذين انهزموا يوم أحُد، وتركوا القتال، أو سمعوا الصائح يصيح: إن محمدًا قد قتل.
فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال: أفائن مات محمد أو قتل، أيها المؤمنون، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم، وقال لهم: هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم، والقتال على دينه أعداءَ دين الله، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم، ولكنهم صَبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأوِّلين. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي رحمه الله: أجمعوا على أن معنى {كأين} كم، وتأويلها التكثير لعدد الأنبياء الذين هذه صفتهم، ونظيره قوله: {فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أهلكناها} [الحج: 45] {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} [الحج: 48] والكافي في {كأين} كاف التشبيه دخلت على أي التي هي للاستفهام كما دخلت على ذا من كذا وأن من كأن، ولا معنى للتشبيه فيه كما لا معنى للتشبيه في كذا، تقول: لي عليه كذا وكذا: معناه لي عليه عدد ما، فلا معنى للتشبيه، إلا أنها زيادة لازمة لا يجوز حذفها، واعلم أنه لم يقع للتنوين صورة في الخط إلا في هذا الحرف خاصة، وكذا استعمال هذه الكلمة فصارت كلمة واحدة موضوعة للتكثير. اهـ.
وقال الفخر:
واعلم أنه تعالى مدح هؤلاء الربيين بنوعين:
أولا بصفات النفي، وثانيا بصفات الإثبات، أما المدح بصفات النفي فهو قوله تعالى: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ في سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا} ولابد من الفرق بين هذه الأمور الثلاثة، قال صاحب الكشاف: ما وهنوا عند قتل النبي وما ضعفوا عن الجهاد بعده وما استكانوا للعدو، وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار، عند الإرجاف بقتل رسولهم، وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين، واستكانتهم للكفار حتى أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبدالله بن أُبَيّ، وطلب الأمان من أبي سفيان، ويحتمل أيضا أن يفسر الوهن باستيلاء الخوف عليهم، ويفسر الضعف بأن يضعف إيمانهم، وتقع الشكوك والشبهات في قلوبهم، والاستكانة هي الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم، وفيه وجه ثالث وهو أن الوهن ضعف يلحق القلب.
والضعف المطلق هو اختلال القوة والقدرة بالجسم، والاستكانة هي إظهار ذلك العجز وذلك الضعف، وكل هذه الوجوه حسنة محتملة، قال الواحدي: الاستكانة الخضوع، وهو أن يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريد. اهـ.

.قال القرطبي:

ومعنى الآية تشجيع المؤمنين، والأمر بالاقتداء بمن تقدّم من خِيار أتباع الأنبياء؛ أي كثير من الأنبياء قُتِل معه رِبِّيُّون كثير، أو كثير من الأنبياء قتِلوا فما ارتد أممهم؛ قولان: الأوّل للحسن وسعيد بن جبير.
قال الحسن: ما قُتِل نبي في حرب قط.
وقال ابن جبير: ما سمعنا أن نبيًا قتل في القتال. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فما وهنوا} أي الربّيّون إذ من المعلوم أنّ الأنبياء لا يهنون فالقدوة المقصودة هنا، هي الاقتداء بأتباع الأنبياء، أي لا ينبغي أن يكون أتباع من مضى من الأنبياء، أجدر بالعزم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
وجمع بين الوهن والضّعف، وهما متقاربان تقاربًا قريبًا من الترادف؛ فالوهن قلَّة القدرة على العمل، وعلى النُّهوض في الأمر، وفعله كوعَد وورِث وكرُم.
والضّعف بضم الضّاد وفتحها ضدّ القوّة في البدن، وهما هنا مجازان، فالأوّل أقرب إلى خور العزيمة، ودبيب اليأس في النُّفوس والفكر، والثَّاني أقرب إلى الاستسلام والفشل في المقاومة.
وأمّا الاستكانة فهي الخضوع والمذلّة للعدوّ.
ومن اللطائف ترتيبها في الذّكر على حسب ترتيبها في الحصول: فإنَّه إذا خارت العزيمة فَشِلت الأعضاء، وجاء الاستسلام، فتبعته المذلّة والخضوع للعدوّ.
واعلموا أنه إذا كان هذا شأن أتباع الأنبياء، وكانت النُّبوءة هديًا وتعليمًا، فلا بدع أن يكون هذا شأن أهل العلم، وأتباع الحقّ، أن لا يوهنهم، ولا يضعفهم، ولا يخضعهم، مقاومة مقاوم، ولا أذى حاسد، أو جاهل، وفي الحديث الصّحيح، في البخاري: أن خَبَّابًا قال للنَّبي صلى الله عليه وسلم: لقد لقينا من المشركين شدّة ألاَ تدعُو الله فقعد وهو محمّر وجهه فقال: «لقد كان مَن قبلكم لَيُمشَط بِمِشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضَع المنشار على مَفْرِق رأسه فيُشَقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه...» الحديث. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله يُحِبُّ الصابرين}:

.قال الفخر:

المعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع فإن الله يحبه، ومحبة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه واعزازه وتعظيمه، والحكم له بالثواب والجنة، وذلك نهاية المطلوب. اهـ.

.قال الألوسي:

{والله يُحِبُّ الصابرين} على مقاساة الشدائد ومعاناة المكاره في سبيله فينصرهم ويعظم قدرهم.
والمراد بالصابرين إما الربيون، والإظهار في موضع الإضمار للتصريح بالثناء عليهم بالصبر الذي هو ملاك الأمر مع الإشعار بعلة الحكم، وإما ما يعمهم وغيرهم وهم داخلون في ذلك دخولًا أوليًا.
والجلمة على التقديرين تذييل لما قبلها. اهـ.

.قال الثعالبي:

اعلم (رحمك الله) أنَّ أصْلَ الوَهَنِ والضَّعْفِ عن الجِهَادِ، ومكافحةِ العَدُوِّ هو حُبُّ الدنيا، وكراهيةُ بَذْلِ النفُوسِ للَّه، وبَذْلِ مُهَجِهَا لِلقَتْلِ في سَبيلِ الله؛ ألا ترى إلى حال الصَّحابة رضي الله عنهم، وقلَّتِهِمْ في صَدْرِ الإسلام، وكيف فتح الله بهم البلاد، ودان لدِينِهِمُ العباد، لما بَذَلُوا للَّه أنفسَهُمْ في الجهاد، وحالِنا اليَوْمَ، كما ترى؛ عددُ أهْل الإسلام كثيرٌ، ونكايتهم في الكُفَّار نَزْرٌ يسيرٌ، وقد روى أبو داود في سننه عن ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تتداعى عَلَيْكُمْ؛ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: ومِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ، ولَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا الوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ». اهـ.
فانظر رحمك الله، فهل هذا الزمانُ إلا زماننا بعَيْنه، وتأمَّل حال ملوكنا، إنما هِمَّتهم جمْعُ المالِ مِنْ حرامٍ وحلالٍ، وإعراضُهم عَنْ أمْر الجهاد، فإنا للَّه وإنا إليه راجعُونَ على مُصَاب الإسلام. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وكأين} هذه اللفظة، قيل: هي مركبة من كاف التشبيه، ومن أي، وقد حدث فيهما بعد التركيب معنى التكثير، المفهوم من كم الخبرية، ومثلُها في التركيب وإفهام التكثير: كذا في قولهم: له عندي كذا درهمًا، والأصل: كاف التشبيه وذا الذي هو اسم إشارة، فلما رُكِّبَا حدَثَ فيهما معنى التكثير، فكم الخبرية وكأيِّن وكذا كلها بمعنًى واحد، وقد عهدنا في التركيب إحداث معنى آخر؛ ألا ترى أن لولا حدث لها معنًى جديدٌ، وكان من حقها- على هذا- أو يُوقَفَ عليها بغير نون؛ لأن التنوين يُحْذَف وقفًا، إلا أن الصحابة كتبتها {كَأيِّنْ}- بثبوت النون-، فمن ثم وقف عليها جمهور القراء بالنون؛ اتِّبَاعًا لرسم المصحف.
ووقف أبو عمرو وسورة بن المبارك عن الكسائي كأي من غير نون- على القياس.
واعتل الفارسيُّ لوقف النون بأشياء، منها: أن الكلمة لما رُكِّبَتْ خرجت عن نظائرها، فجعل التنوين كأنه حرف أصلي من بنية الكلمة.
وفيها لغات خمس.
أحدها: كَيِّنْ- وهي الأصل- وبها قرأ الجماعة، إلاَّ ابن كثير.
وقال الشاعر: [الوافر]
كَأيِّنْ فِي الْمَعَاشِرِ مِنْ أنَاسٍ ** أخُوهُمْ فَوْقَهُمْ، وَهُمُ كِرَامُ

الثانية: كائِنْ- بزنة كاعِن- وبها قرأ ابن كثير وجماعة، وهي أكثر استعمالًا من كأيِّنْ وإن كانت تلك الأصل-.
قال الشاعر: [الوافر]
وَكَائنْ بِالأبَاطِحِ مِنْ صَدِيقٍ ** يَرَانِي لَوْ أصِبْتُ هُوَ المُصَابَا

وقال الآخر: [الطويل]
وَكَائِنْ رَدَدْنَا عَنْكُمُ مِنْ مُدَجَّجٍ

وقال آخر: [الطويل]
وَكَائِنْ تَرَى فِي الْحَيِّ مِنْ ذِي قَرَابَةٍ

أنشده المفضل ممدودًا، مهموزًا، مخففًا.
واختلفوا في توجيه هذه القراءة، فنُقِل عن المبرد أنها اسم فاعل من كان، يكون، فهو كائن، واستبعده مكِّيّ، قال: لإتيان مِنْ بعده، ولبنائه على السكون. وكذلك أبو البقاء، قال: وهو بعيد الصحة؛ لأنه لو كان كذلك لكان معربًا، ولم يكن فيه معنى التكثير.
لا يقال: هذا تحامُل على المبرد؛ فإن هذا لازم له- أيضا- فإن البناء، ومعنى التكثير عارضان- أيضا- لأن التركيب عُهِد فيه مثل ذلك- كما تقدم في كذا، ولولا، ونحوهما، وأما لفظٌ مفردٌ يُنقل غلى معنى، ويُبْنَى من غير سبب، فلم يُوجد له نظير.
وقيل: هذه القراءة أصلها كَأيِّنْ كقراءة الجماعة، إلا أن الكلمة دخلها القلب، فصارت كائن مثل كاعن- واختلفوا في تصييرها بالقلب كذلك على أربعة أوجه:
أحدها: أنه قُدِّمت الياءُ المشددةُ على الهمزة، فصار وزنها كَعَلف، إلا أنك قدمتَ العينَ والسلام، وهما الياء المشددة- ثم حذفت الياء الثانية لثقلها بالحركة والتضعيف، كما قالوا في: أيُّها، ثم قلبت الياء الساكنة ألفًا، كما قلبوها في نحو آية- والأصل: أيَّة- وكما قالوا: طائِيّ- والأصل: طَيئ- فصار اللفظ كَأيِنْ ووزنه كَعْف، لأن الفاء أخرت إلى موضع اللام، واللام قد حُذفَتْ.
الوجه الثاني: أنه حذفت الياء الساكنة- التي هي عين- وقُدِّمَت المتحركة- التي هي لام- فتأخرت الهمزة- التي هي فاء- وقلبت الياء ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار كائن ووزنه كلف.
الوجه الثالث: ويُعْزَى للخليل- أنه قُدِّمَت إحدى الياءين في موضع الهمزة، فتحركت بحركة الهمزة- وهي الفتحة- وصارت الهمزة ساكنة في موضع الياء، فتحركت الياءُ، وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفًا، فالتقى الساكنان- الألف المنقلبة عن الياء، والهمزة بعدها ساكنة- فكُسِرَت الهمزة على أصل التقاء الساكنين، وبقيت إحدى الياءين متطرفة، فأذهبها التنوين- بعد سلب حركتها- كياء قاضٍ وغازٍ.
الوجه الرابع: أنه قُدِّمَت الياء المتحركةُ، فانقلبت ألفًا، وبقيت الأخرى ساكنة، فحذفها التنوين- مثل قاضٍ- ووزنه على هذين الوجهين أيضا كلف؛ لما تقدم من حذف العين، وتأخير الفاء، وإنما الأعمال تختلف.
اللغة الثالثة: {كَأْيِنْ}- بياء خفيفة بعد الهمزة- على مثال كَعْيِن، وبها قرأ ابنُ مُحَيْصِن، والأشهبُ العقيلي، ووجهها أن الأصل: {كَأيِّنْ}- كقراءة الجماعة- فحُذِفَت الياءُ الثانية، استثقالًا، فالتقى ساكنان- الياء والتنوين- فكُسِر الياء؛ لالتقاء الساكنين، ثم سكنت الهمزة تخفيفًا لثقل الكلمة بالتركيب، فصارت كالكلمة الواحدة كما سكنوا فهو وفهي.
اللغة الرابعة: كَيْإن بياء ساكنة، بعدها همزة مكسورة، وهذه مقلوب القراءة التي قبلها، وقرأ بها بعضهم.
اللغة الخامسة: كإنْ- على مثال كَعٍ- ونقلها الداني قراءة عن ابن مُحَيْصِن أيضا.
وقال الشاعر: [الطويل]
كَئِنْ مِنْ صَدِيقٍ خِلْتُهُ صَادِقَ الإخَا ** ءِ أبَانَ اخْتِبَاري أنه لِي مُدَاهِنُ

وفيها وجهان:
أحدهما: أنه حذف الياءين دُفعَةً واحدةً لامتزاج الكلمتين بالتركيب.
والثاني: أنه حذف إحدى الياءين- على ما تقدم تقريره-، ثم حذف الأخرى لالتقائها ساكنةً مع التنوين ووزنه- على هذا- كَفٍ؛ لحذف العين واللام منه.
واختلفوا في أي هل هي مصدر في الأصل، أم لا؟
فذهب جماعة إلى أنها ليست مصدرًا، وهو قول أبي البقاء؛ فإنه قال كَأيِّنْ الأصل فيه: أي، التي هي بعض من كل، أدخلت عليها كافُ التشبيه.
وفي عبارته عن أي بأنها بعض من كل، نظر لأنها ليست بمعنى: بعض من كل، نعم إذا أضيفت إلى معرفة فحُكْمها حُكم بعض في مطابقة الجُزْء، وعود الضمير، نحو: أيُّ الرجلين قائم ولا نقول: قاما، فليست هي التي بعض أصلًا.
وذهب ابنُ جني إلى أنها- في الأصل- مصدر أوَى يأوِي- إذا انضم، واجتمع- والأصل: أوْيٌ، نحو طَوَى يَطْوي طيًّا- فاجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكأن ابن جنِّي ينظر إلى أن معنى المادة من الاجتماع الذي يدل عليه أي فإنها للعموم، والعموم يستلزم الاجتماع.
وهل هذه الكاف الداخلة على أي تتعلق بغيرها من حروف الجر، أم لا؟
والصحيح أنها لا تتعلق بشيء؛ لأنها مع أي صارتا بمنزلة كلمة واحدة- وهي كم- فلم تتعلق بشيء، ولذلك هُجِر معناه الأصلي- وهو التشبيه-.
وزعم الحوفيّ أنها تتعلق بعامل، فقال: أما العامل في الكاف، فإن جعلناها على حكم الأصل، فمحمول على المعنى، والمعنى: إصابتكم كإصابة من تقدَّم من الأنبياء وأصحابهم، وإن حملنا الحكم على الانتقال إلى معنى كم، كان العامل بتقدير الابتداء، وكانت في موضع رفع، وقاتل الخبر، ومِنْ متعلقة بمعنى الاستقرار، والتقدير الأول أوضح؛ لحمل الكلام على اللفظ دون المعنى، بما يجب من الخفض في أي، وإذا كانت أي على بابها من معاملة اللفظ، فمن متعلقة بما تعلقت به الكاف من الممعنى المدلول عليه. اهـ. وهو كلام غريب.