فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {سَنُلْقِي} الجمهور بنون العظمة، وهو التفات من الغيبة- في قوله: {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين} وذلك للتنبيه على عظم ما يلقيه- تعالى-.
وقرأ أيوب السَّخْتِيانيّ {سَيُلْقِي} بالغيبة؛ جَرْيًا على الأصل. وقدم المجرور على المفعول به؛ اهتمامًا بذكر المحلّ قبل ذكر الحَال: والإلقاء- هنا- مجاز؛ لأن أصلَه في الأجرام، فاستُعِيرَ هنا، كقول الشَّاعر: [الطويل]
هُمَا نَفَثَا فِي فِيء مِنْ فَمَويْهِمَا ** عَلَى النَّابِحِ الْعَاوِي أشَدَّ رِجَامِ

وقرأ ابنُ عامرٍ والكسائيُّ، وأبو جعفرٍ، ويعقوبُ: {الرُّعْب} و{رُعْبًا}- بضم العين- والباقون بالإسكان فقيل: هما لغتان.
وقيل: الأصل الضم، وخُفِّف، وهذا قياس مطردٌ.
وقيل: الأصلُ السكون، وضُمَّ إتباعًا كالصبْح والصبُح، وهذا عكس المعهود من لغة العربِ.
والرُّعْب: الخوف، يقال: رعبته، فهو مرعوب، وأصله من الامتلاء، يقال: رَعَبْتُ الحوض، أي: ملأته وسَيْل راعب، أي: ملأ الوادي.
قوله: {فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 156] متعلق بالإلقاء، وكذلك {بِمَا أَشْرَكُواْ} ولا يضر تعلُّق الحرفين؛ لاختلاف معناهما، فإن في للظرفية؛ الباء للسببية. وما مصدرية، وما الثانية مفعول به لِـ {أشْرَكُوا} وهي موصولة بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، والراجع: الهاء في {به} ولا يجوز أن تكون مصدرية- عند الجمهورِ- لعود الضمير عليها، وتسلط النفي على الإنزال- لفظًا- والمقصود نفي السلطان- أي: الحجة- كأنه قيل: لا سُلطان على الإشراك فينزل.
كقول الشاعر: [السريع].
................... ** وَلاَ تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ

أي لا ينجحر الضَّبُّ بها، فيُرَى.
ومثله قول الشاعر: [الطويل]
عَلَى لاَحِبٍ لا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ

أي: لا منار فيهتدى به، فالمعنى على نَفْي السلطان والإنزال معًا. و{سُلْطَانًا} مفعول به لـ {يُنَزِّلُ}.
قوله: {بِمَا أَشْرَكُواْ} ما مصدرية، والمعنى: بسبب إشراكهم باللهِ، وتقريره: أن الدعاء إنما يصير في محل الإجابة عند الاضطرار، كقوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] ومن اعتقد أن لله شريكًا لم يحصل له الاضطرار؛ لأنه يقول: إذا كان هذا المعبودُ لا ينصرني، فالآخر ينصرني، وإذا لم يحصل في قلبه الاضطرارُ لم تحصل له الإجابةُ ولا النصرة وإذا لم يحصل ذلك وجب أن يحصل الرعبُ والخوفُ في قلبه فثبت أن الشركَ باللهِ يوجب الرعبَ.
قوله: {وَبِئْسَ مثوى الظالمين} المخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ، أي: مثواهم، أو النار.
المثوى: مَفْعَل، من ثَوَيْتُ- أي: أقمت- فلامه ياء وقدم المأوى- وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان- على المَثْوَى- وهو مكان الإقامةِ- لأن الترتيبَ الوجوديَّ أن يأوي، ثم يئوي، ولا يلزم المأوى الإقامة، بخلاف عكسه. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}.
أخرج ابن جرير عن السدي قال: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق. ثم إنهم ندموا فقالوا: بئسما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى لم يبق إلا الشريد، تركتموهم...؟ إرجعوا فاستأصلوا. فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا أعرابيًا فجعلوا له جعلًا فقالوا له: إن لقيت محمدًا فأخبرهم بما قد جمعنا لهم. فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد. فأنزل الله في ذلك، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما قذف في قلبه من الرعب فقال: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفًا، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب».
وأخرج مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصرت بالرعب على العدوّ».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي امامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بأربع: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدًا وطهورًا، فأينما رجل أدركه من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} أن تلجوا علام الملكوت ولم تظهر منكم مجاهدات تورث المشاهدات ولا الصبر على تزكية النفوس وتصفية القلوب على وفق الشريعة وقانون الطريقة لتتحلى الأرواح بأنوار الحقيقة {ولقد كنتم} يا أرباب الصدق وأصحاب الطلب {تمنون} موت النفوس عن صفاتها تزكية لها {من قبل أن تلقوه} بالمجاهدات والرياضات في خلاف النفس وقهرها عند لقاء العدو في الجهاد الأصغر ظاهرًا وفي الجهاد الأكبر باطنًا {فقد} رأيتم هذه الأسباب التي كنتم تمنونها عيانًا {وأنتم تنظرون} لا تفدون أرواحكم ولاتجاهدون حق الجهاد في الله بأرواحكم وأشباحكم {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} فيه أن الإيمان التقليدي لا اعتبار له فينقلب المقلد عن إيمانه عند إعدام المقلد من الوالدين أو الاستاذ، وكذا عند موت المقلد فيعجز عند سؤال الملكين في قولهما له من ربك؟ فيقول: هاه لا أدري. فيقولون: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هاه لا أدري كنت أقول فيه ما قال الناس. فيقولان له: لا دريت ولا تليت.
{وسيجزي الله} بالإيمان الحقيقي {الشاكرين} الذين شكروا نعمة الإيمان التقليدي بأداء حقوقه وهو الائتمان بأوامر الشرع والانتهاء عن نواهيه {وما كان لنفس أن تموت} عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية وتتخلص عنها بطبعها إلا بتوفيق الله وجذبه وإشراق نوره كما أن ظلمة الليل لا تنتهي إلا بإشراق طلوع الشمس. ثم أثبت للعبد كسبًا في طلب الهداية واستجلاب العناية بقوله: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} وهذه رتبة الخواص أي من عمل شوقًا إلى الحق فقد رأى نعمة وجود المنعم، فثوابه نقد في الدنيا لأنه حاضر لا غيبه له وهو معنى قولهم «الصوفي ابن الوقت» وفيه أنشد:
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ** بأكرم من مولى تمشى إلى عبد

أتى زائرًا من غير وعد وقال لي ** أصونك عن تعذيب قلبك بالوعد

ومن عمل شوقًا إلى الجنة فنظره على النعمة فثوابه في الآخرة {وسجيزي الشاكرين} أي كلا الفريقين على قدر شكرهما {وكأين من نبي قاتل} أعدى العدو الذي بين جنبيه و{معه ربيون} متخلقون بأخلاق الرب {فما وهنوا لما أصابهم} من تعب المجاهدات {وما ضعفوا} في طلب الحق {وما استكانوا} باحتمال الذلة والالتفات إلى غير الله.
{إن تطيعوا الذين كفروا} أي النفوس الكافرة وصفاتها {يردّوكم} إلى أسفل سافلين بشريتكم وبهيمتكم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (152):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانت السين في {سنلقي} مفهمة للاستقبال كان ذلك ربما أوهم أنه لم يرغبهم فيما مضى، فنفى هذا الوهم محققًا لهم ذلك بتذكيرهم بما أنجز لهم من وعده في أول هذه الوقعة مدة تلبسهم بما شرط عليهم من الصبر والتقوى بقوله تعالى- عطفًا على قوله: {بلى إن تصبروا وتتقوا} [آل عمران: 125]، مصرحًا بما لوح إليه تقديرًا قبل {ولقد نصركم الله ببدر} [آل عمران: 123] كما مضى-: {ولقد صدقكم الله وعده} أي في قوله: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم} [آل عمران: 120] {إذ تحسونهم} أي تقتلونهم بعضهم بالفعل والباقين بالقوة التي هيأها لكم {بإذنه} فإن الحسن بالفتح: القتل والاستئصال- قاله في القاموس.
ثم بين لهم سبب هزيمتهم بعد تمكينه منهم ليكون رادعًا لهم عن المعاودة إلى مثله فقال مبينًا لغاية الحسن: {حتى إذا فشلتم} أي ضعفتم وتراخيتم بالميل إلى الغنيمة خلاف ما تدعو إليه الهمم العوالي، فكيف بهم إذا كانوا من حزب مولى الموالي! فلو كانت العرب على حال جاهليتها تتفاخر بالإقبال على الطعن والضرب في مواطن الحرب والإعراض عن الغنائم- كما قال عنترة بن شداد العبسي يفتخر:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ** إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

إذ لا أزال على رحالة سابح ** نهد تعاوره الكماة مكلم

طورًا يعرض للطعان وتارة ** يأوي إلى حصد القسي عرموم

يخبرك من شهد الوقيعة أنني ** أغشى الوغى وأعفّ عند المغنم

وقال يفاخر بقومه كلهم:
إنا إذا حمس الوغى نروي القنا ** ونعف عند مقاسم الأنفال

ولما ذكر الفشل عطف عليه ما هو سببه في الغالب فقال: {وتنازعتم} أي بالاختلاف، وأصله من نزع بعض شيئًا من يد بعض {في الأمر} أي أمر الثغر المأمور بحفظه {وعصيتم} أي وقع العصيان بينكم بتضييع الثغر.
وأثبت الجار تصويرًا للمخالفة بأنها كانت عقب رؤية النصر سواء، وتبشيرًا بزوالها فقال: {من بعد ما أراكم ما تحبون} أي من حسهم بالسيوف وهزيمتهم.
ولما كان ذلك ربما أفهم أن الجميع عصوا نفي ذلك معللًا للعصيان بقوله: {منكم من يريد الدنيا} أي قد أغضى عن معايبها التي أجلاها فناؤها.
ولما كان حكم الباقين غير معين للفهم من هذه الجملة قال: {ومنكم من يريد الآخرة} وهم الثابتون في مراكزهم، لما يعرجوا على الدنيا.
ولما كان التقدير جوابًا لإذا: سلطهم عليكم، عطف عليه قوله: {ثم صرفكم عنهم} أي لاندهاشكم إتيانهم إليكم من ورائكم، وعطفه بثم لاستبعادهم للهزيمة بعد ما رأوا من النصرة {ليبتليكم} أي يفعل في ذلك فعل من يريد الاختبار في ثباتكم على الدين في حالي السراء والضراء.
ولما كان اختباره تعالى بعصيانهم شديد الإزعاج للقلوب عطف على قوله: {صرفكم} {ولقد عفا عنكم} أي تفضلًا عليكم لإيمانكم {والله} الذي له الكمال كله {ذو فضل على المؤمنين} أي كافة، وهو من الإظهار في موضع الإضمار للتعميم وتعليق الحكم بالوصف. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها من وجوه:
الأول: أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وقد أصابهم ما أصابهم بأحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الثاني: قال بعضهم كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يذبح كبشا فصدق الله رؤياه بقتل طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين يوم أحد، وقتل بعده تسعة نفر على اللواء فذاك قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ} يريد تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثالث: يجوز أن يكون هذا الوعد ما ذكره في قوله تعالى: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} [آل عمران: 125] إلا أن هذا كان مشروطًا بشرط الصبر والتقوى.
والرابع: يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40] إلا أن هذا أيضا مشروط بشرط.
والخامس: يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله: {سَنُلْقِى في قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} [آل عمران: 151].
والسادس: قيل: الوعد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرماة: «لا تبرحوا من هذا المكان، فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان».
السابع: قال أبو مسلم: لما وعدهم الله في الآية المتقدمة إلقاء الرعب في قلوبهم أكد ذلك بأن ذكرهم ما أنجزهم من الوعد بالنصر في واقعة أحد، فإنه لما وعدهم بالنصرة بشرط أن يتقوا ويصبروا فحين أتوا بذلك الشرط لا جرم، وفى الله تعالى بالمشروط وأعطاهم النصرة، فلما تركوا الشرط لا جرم فاتهم المشروط. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

{ولقد صدقكم} عطف على قوله: {سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب} [آل عمران: 151] وهذا عود إلى التَّسلية على ما أصابهم، وإظهار لاستمرار عناية الله تعالى بالمؤمنين، ورمز إلى الثقة بوعدهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين، وتبيين لسبب هزيمة المسلمين: تطمينًا لهم بذكر نظيره ومماثله السابقِ، فإنّ لذلك موقعًا عظيمًا في الكلام على حدّ قولهم (التَّاريخ يعيد نفسه) وليتوسّل بذلك إلى إلقاء تَبِعة الهزيمة عليهم، وأنّ الله لم يُخلفهم وعده، ولكن سوء صنيعهم أوقعهم في المصيبة كقوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [النساء: 79]. اهـ.

.قال القرطبي:

قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أحُد وقد أصيبوا قال بعضهم لبعض: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر! فنزلت هذه الآية.