فصل: من فوائد الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالطِّيرَةُ وَالْعِيَافَةُ مِنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَسَخَتْهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الرُّقْيَةُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَكَانَ أُنَاسٌ مَعْرُوفُونَ يَرْقُونَ اللَّدِيغَ، وَإِلَّا الْكَيُّ بِالنَّارِ وَهُوَ مِمَّا كَانُوا يَتَدَاوَوْنَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُهُ لِأُمَّتِهِ وَيَعُدُّهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الضَّعِيفَةِ الْمُؤْلِمَةِ الْمُسْتَبْشَعَةِ الَّتِي تُنَافِي التَّوَكُّلَ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنِ اسْتَرْقَى أَوِ اكْتَوَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
وَيْلِي هَذَا الْحَدِيثَ: لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أيضا وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ يَكُونُ مَعَ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الطَّيْرَ تَذْهَبُ صَبَاحًا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَهِيَ خِمَاصٌ لِفَرَاغِهَا وَتَرْجِعُ مُمْتَلِئَةَ الْبُطُونِ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّمَا تَمْكُثُ فِي أَعْشَاشِهَا وَأَوْكَارِهَا فَيَهْبِطُ عَلَيْهَا الرِّزْقُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْعَى إِلَيْهِ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ الرَّجُلِ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ نَاقَتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أنه قَالَ: أَأَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَمْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ: أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ والْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَجَعَلَا الْقَائِلَ عُمْرًا نَفْسَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: قَيِّدْهَا وَتَوَكَّلْ.
وَكَلَامُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مُسْتَفِيضٌ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ (رَحِمَهُ اللهُ تعالى) أُرِيدُ الْحَجَّ عَلَى التَّوَكُّلِ، فَقَالَ لَهُ: فَاخْرُجْ فِي غَيْرِ الْقَافِلَةِ، قَالَ: لَا، قَالَ: عَلَى جُرُبِ النَّاسِ تَوَكَّلْتَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [2: 198] نَزَلَ فِي تَخْطِئَةِ مَنْ قَالُوا مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قُلْتُ لِأَبِي: هَؤُلَاءِ الْمُتَوَكِّلُونَ يَقُولُونَ: نَقْعُدُ وَأَرْزَاقُنَا عَلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ-. فَقَالَ: ذَا قَوْلٌ رَدِيءٌ خَبِيثٌ، يَقُولُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [62: 9] وَقَالَ أيضا: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ: نَتَّكِلُ عَلَى اللهِ وَلَا نَكْتَسِبُ، فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ وَلَكِنْ يَعُودُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكَسْبِ، هَذَا قَوْلُ إِنْسَانٍ أَحْمَقَ. وَرُوِيَ عَنْ وَلَدِهِ صَالِحٍ أنه سَأَلَهُ عَنِ التَّوَكُّلِ فَقَالَ: التَّوَكُّلُ حَسَنٌ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَلَّا يَكُونَ عِيَإلا على النَّاسِ، يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ حَتَّى يُغْنِيَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَلَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ. قَالَ: وَسُئِلَ أَبِي- وَأَنَا شَاهِدٌ- عَنْ قَوْمٍ لَا يَعْمَلُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مُبْتَدِعَةٌ. قَالَ الْجَلَالُ رَاوِي مَا ذُكِرَ: وَأَخْبَرَنِي الْمَرْوَزِيُّ أنه قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يَقُولُ: هُمْ مُبْتَدِعَةٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَؤُلَاءِ قَوْمُ سُوءٍ يُرِيدُونَ تَعْطِيلَ الدُّنْيَا. وَرُوِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلاسيما فِي الْحَثِّ عَلَى الْكَسْبِ وَعَدَمِ تَوَقُّعِ الصِّلَةِ وَالنَّوَالِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَدَّادُ شَيْخُ الْجُنَيْدِ فِي التَّصَوُّفِ: أَخْفَيْتُ التَّوَكُّلَ عِشْرِينَ سَنَةً وَمَا فَارَقْتُ السُّوقَ، كُنْتُ أَكْتَسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِينَارًا وَلَا أُبَيِّتُ مِنْهُ دَانِقًا، وَلَا أَسْتَرِيحُ مِنْهُ إِلَى قِيرَاطٍ أَدْخُلُ بِهِ الْحَمَّامَ. وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ: الْخُرُوجُ عَنْ سُنَّةِ اللهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي التَّوَكُّلِ، وَأَحْفَظُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ بِلَفْظِ: لَيْسَ مِنَ التَّوَكُّلِ الْخُرُوجُ عَلَى سُنَّةِ اللهِ تعالى أَصْلًا وهَذِهِ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ.
وَقَالَ فِي بَيَانِ أَعْمَالِ الْمُتَوَكِّلِينَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الْأَسْبَابِ الْمَقْطُوعِ بِهَا: وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَسْبَابِ الَّتِي ارْتَبَطَتِ الْمُسَبِّبَاتُ بِهَا بِتَقْدِيرِ اللهِ وَمَشِيئَتِهِ ارْتِبَاطًا مُطَّرِدًا لَا يَخْتَلِفُ، كَمَا أَنَّ الطَّعَامَ إِذَا كَانَ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنْتَ جَائِعٌ مُحْتَاجٌ وَلَكِنَّكَ لَسْتَ تَمُدُّ الْيَدَ إِلَيْهِ وَتَقُولُ: أَنَا مُتَوَكِّلٌ، وَشَرْطُ التَّوَكُّلِ تَرْكُ السَّعْيِ، وَمَدُّ الْيَدِ إِلَيْهِ سَعْيٌ وَحَرَكَةٌ، وَكَذَلِكَ مَضْغُهُ بِالْأَسْنَانِ وَابْتِلَاعُهُ بِإِطْبَاقِ أَعَالِي الْحَنَكِ عَلَى أَسَافِلِهِ فَهَذَا جُنُونٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ مِنَ التَّوَكُّلِ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَزْرَعِ الْأَرْضَ وَطَمِعْتَ فِي أَنْ يَخْلُقَ اللهُ تعالى نَبَاتًا مِنْ غَيْرِ بَذْرٍ أَوْ تَلِدَ زَوْجَتُكَ مِنْ غَيْرِ وِقَاعٍ كَمَا وُلِدَتْ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَكُلُّ ذَلِكَ جُنُونٌ، وَأمثال هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ وَلَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي لَا تُعَدُّ قَطْعِيَّةٌ مُطَّرِدَةٌ كَالتَّزَوُّدِ لِلسَّفَرِ لَا يُشْتَرَطُ تَرْكُهَا فِي التَّوَكُّلِ، وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ وَيُعَدُّ مِنْ أَعْلَى التَّوَكُّلِ، وَكَلَامُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأمثالهُ كَالزُّهْدِ وَالْفَقْرِ لَا يَسْلَمُ مِنْ نَقْدٍ وَخَطَأٍ؛ لِمُبَالَغَتِهِ فِي الْمَيْلِ إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ: وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِنْكَارِ الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ أَرَادُوا أَنْ يَحُجُّوا مِنْ غَيْرِ زَادٍ. وَسَنُوَفِّي هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ فِي تَفْسِيرِ: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [5: 77] وَلِغَلَبَةِ هَذَا الْمَيْلِ عَلَى أَبِي حَامِدٍ (رَحِمَهُ اللهُ) رَاجَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنَ الأخبار وَالْآثَارِ الْوَاهِيَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ، بَلْ رَاجَ عِنْدَهُ مَا دُونَهَا مِنْ كَلَامِ جَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَتَخَيُّلَاتِ الشُّعَرَاءِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
جَرَى قَلَمُ الْقَضَاءِ بِمَا يَكُونُ ** فَسِيَّانَ التَّحَرُّكُ وَالسُّكُونُ

جُنُونٌ مِنْكَ أَنْ تَسْعَى لِرِزْقٍ ** وَيُرْزَقُ فِي غِشَاوَتِهِ الْجَنِينُ

فَانْظُرْ كَيْفَ يُنْسِي الْإِنْسَانَ مَيْلُهُ وَحُبُّهُ لِلشَّيْءِ عِلْمَهُ وَفِقْهَهُ حَتَّى يَسْتَحْسِنَ مَا يُخَالِفُهُمَا، وَإِلَّا فَإِنَّ جَهَالَةَ هَذَا الشَّاعِرِ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ دُونَ أَبِي حَامِدٍ عِلْمًا وَفِقْهًا؛ فَإِنَّ جَرَيَانَ قَلَمِ الْقَضَاءِ بِمَا يَكُونُ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ سَبَبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ هُوَ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ، وَمِنْهُ نَعْلَمُ أَنَّ سُنَّةَ اللهِ فِي الْحَرَكَةِ غَيْرُ سُنَّتِهِ فِي السُّكُونِ، وَسُنَنُ اللهِ لَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تُنْقَضُ، وَكَوْنُهُمَا كَذَلِكَ يُنَاقِضُ كَوْنَهُمَا سَبَبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَضَاءُ اللهِ تعالى كَمَا زَعَمَ الشَّاعِرُ الْجَاهِلُ لَمَا قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [67: 15] وَلَمَا قَالَ: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [62: 10] وَالْمَشْيُ وَالِانْتِشَارُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْحَرَكَةِ لَا مِنَ السُّكُونِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْجَهْلِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَبْعَدُ عَنِ الصَّوَابِ مِمَّا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَاسَ حَيَاةَ الرَّجُلِ الْعَاقِلِ الْقَادِرِ عَلَى حَيَاةِ الْجَنِينِ، وَسُنَّةُ اللهِ فِيهِمَا مُخْتَلِفَةٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لَصَحَّ أيضا قِيَاسُ الْإِنْسَانِ عَلَى النَّبَاتِ مِنْ نَجْمٍ وَشَجَرٍ؛ فَإِنَّ غِذَاءَ الْجَنِينِ أَشْبَهُ بِغِذَاءِ النَّبَاتِ مِنْهُ بِغِذَاءِ الْحَيَوَانِ. فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِاسْمِ الْجُنُونِ؟ أَمَّنَ يَقُولُ إِنَّ سُنَّةَ اللهِ فِي الْجَنِينِ يَتَكَوَّنُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَسُنَّتِهِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَ أَشُدَّهُ وَجَعَلَ لَهُ اللهُ رِجْلَيْنِ يَمْشِي بِهِمَا وَيَدَيْنِ يَبْطِشُ بِهِمَا وَسَمْعًا وَبَصَرًا يَسْمَعُ بِهِمَا وَيُبْصِرُ، وَعَقْلًا بِهِ يُفَكِّرُ وَيُدَبِّرُ؟ أَمْ مَنْ يَقُولُ إِنْ سُنَّتَهُ تعالى فِيهِمَا مُخْتَلِفَةٌ؟

هَذَا وَإِنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي الْكَسْبِ حُجَّةٌ عَلَى كَوْنِ التَّوَكُّلِ لَا يُنَافِي الْعَمَلَ وَالسَّعْيَ لِلدُّنْيَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [11: 61] وَقوله: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [15: 20] وَقوله: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [78: 11] وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، والْبَيْهَقِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ: كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحَسَّنَهُ. وَلِابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ قَالَ الْحَاكِمُ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أنه قَالَ: لَا يَقْعُدْ أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللهُمَّ ارْزُقْنِي فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً.
وقَالَ أيضا: مَا مِنْ مَوْضِعٍ يَأْتِينِي الْمَوْتُ فِيهِ أَحَبُّ عَلَيَّ مِنْ مَوْطِنٍ أَتَسَوَّقُ فِيهِ لأهلي أَبِيعُ وَأَشْتَرِي ذَكَرَهُمَا فِي الْقُوتِ وَالْأَحْيَاءِ.
كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- تُجَّارًا حَتَّى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَقِيَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَا: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ السُّوقَ. قَالَا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ فَهَلْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَكِّلٍ؟ ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ فَرَضُوا لَهُ مَا يَكْفِيهِ لِيَسْتَغْنِيَ عَنِ الْكَسْبِ وَلَمْ يَقُولُوا لَهُ: تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَهُوَ يَرْزُقُكَ بِغَيْرِ عَمَلٍ.
وَقَدْ بَلَغَ مِنْ تَوَكُّلِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنْ كَانَ يُسَلِّي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ وَيُخَفِّفُ عَنْهُ، فَفِي السِّيرَةِ الْهَاشِمِيَّةِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَدَّلَ الصُّفُوفَ يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْعَرِيشِ الَّذِي بَنَوْهُ لَهُ فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاشِدُ رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ النَّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدُ»، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللهِ بَعْضُ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ فَإِنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ. والْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُنْبِئُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ، وَأَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ وَادِعًا مُطْمَئِنًّا، وَلَعَلَّهُ تَكَلَّفَ ذَلِكَ لِتَسْلِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ ضَعِيفُ الْعِلْمِ أنه يَنْبَغِي رَفْضُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ مَعْنَاهَا مِنْ حَيْثُ أنه يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَشَدَّ تَوَكُّلًا وَثِقَةً بِوَعْدِ اللهِ مِنْ رَسُولِهِ الْأَكْرَمِ صلى الله عليه وسلم، وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بُعْدُ مَا بَيْنَ دَرَجَةِ النَّبِيِّ الْعُلْيَا فِي التَّوَكُّلِ وَدَرَجَةِ صَاحِبِهِ الْعَالِيَةِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ فِي الْهِجْرَةِ الشَّرِيفَةِ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [9: 40] فَهَذَا مَقَامُ التَّوَكُّلِ وَهَذَا أَثَرُهُ، وَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ إِلَّا أَعْلَى إِيمَانًا وَتَوَكُّلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ إِيمَانًا وَعِلْمًا بِرَبِّهِ وَبِسُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ كَمَا كَانَ يَدْعُوهُ بِأَمْرِهِ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [20: 114] وَإِنَّمَا ظَهَرَ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ حَالٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا؛ فَفِي يَوْمِ الْهِجْرَةِ كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْمٍ بَالَغُوا فِي إِيذَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَكْفِي لِمُقَاوَمَتِهِمْ وَمُدَافَعَتِهِمْ، وَالْعَرَبُ كُلُّهَا إِلْبٌ وَاحِدٌ مَعَ قَوْمِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّوَكُّلِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْعَجْزِ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْمَرَّةِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ صلى الله عليه وسلم وَادِعًا سَاكِنًا، وَكَانَ الصِّدِّيقُ- عَلَى رَجَائِهِ وَتَوَكُّلِهِ- مُضْطَرِبًا، وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ كَانَ قَادِرًا عَلَى اتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ لِمُقَاوَمَةِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ الَّذِينَ زَحَفُوا عَلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانَ التَّوَكُّلُ فِيهِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ اتِّخَاذِ كُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْأَسْبَابِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْجَأِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الدُّعَاءِ وَمُنَاشَدَةِ رَبِّهِ الْمَعُونَةَ وَالنَّصْرَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ فَعَلَ كُلَّ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْأَسْبَابِ مَعَ الْمُشَاوَرَةِ وَاتِّبَاعِ رَأْيِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَظُنُّ أنه يَجُوزُ أن يكون بَعْضُ أَصْحَابِهِ مُقَصِّرًا فِيمَا يَجِبُ مِنَ الْأَسْبَابِ فَيَفُوتُ النَّصْرُ لِذَلِكَ فَلَجَأَ إِلَى الدُّعَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُمْ لَمَّا قَصَّرُوا فِي الْأَسْبَابِ يَوْمَ أُحُدٍ حَلَّ بِهِمْ وَبِهِ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ مَعْلُومٌ- وَقَدْ ذُكِرَ مُفَصَّلًا فِي تَفْسِيرِ آيَاتِ هَذَا السِّيَاقِ- وَالصِّدِّيقُ رضي الله عنه لَمْ يَصِلْ عِلْمُهُ إِلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}.
الحق يقول هنا: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، المؤمنون بمن؟ بالله. وما داموا مؤمنين به فمن إيمانهم به أنه إله قادر حكيم عالم بالمصلحة، ولا يوجد أحسن من أنك توكله.
وعندما نقرأ {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فقد نسأل: وما هو المقابل؟ المقابل هو {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ}. إذن فأنت دخلت بالأسباب التي قالها الحق سبحانه وتعالى مُؤتمرا بأمر القيادة السماوية التي مُثلت في الرسول المبلغ عن الله، وقد أخذت عُدتك على قدر استطاعتك، إياك أن تقارن عَدَدَك بعدد خصمك أو تقارن عُدتك بعُدة خصمك؛ فالله لا يكفيك أن تقابل العدد بالعدد ولا العُدة بالعُدة، وإنما قال: أنت تُعد ما استطعته، لماذا؟ لأن الله يريد أن يصحب ركب الإيمان معونة المؤمن به؛ لأنه لو كانت المسائل قدر بعضها، لكانت قوة لقوة. لكن الله يريد أن يكون العدد قليلا وتكون العدة أقل وأن نعترف ونقول: هذا ما قدرنا عليه يارب. ونثق بأنك يارب ستضع مع العدد القليل مددًا من عندك، فأنت المعين الأعلى، فسبحانك القائل: {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] والحق هنا يقول: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فأنت تضمن نصر الله لك إن كنت قد دخلت على أن تنصره.
كيف نعرف أننا ننصر الله؟ نعرف ذلك عندما تأتي النتيجة بنصرنا، لأنه سبحانه لا يعطي قضية في الكون وبعد ذلك يأتي بالواقع ليكذبها، وإلا فالمسلمون يكونون قد انخدعوا- معاذ الله- لأنه لو جاء الدين بقضية ثم يأتي الواقع ليكذبها، فلابد أن يقولوا: إن الواقع كذب تلك القضية. لكن الحق قال: {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} ويجيء الواقع مؤكدا لهذه القضية، عندئذ نحن لا نصدق في هذه القضية فقط، بل نصدق كل ما غاب عنا، فعندما تظهر جزئية ماديَّة واقعة محسوسة لتثبت لي صدق القرآن في قضية؛ فأنا لا أكتفي بهذه القضية، بل أقول: وكل ما لا أعلمه داخل في إطار هذه القضية.
ولذلك قلنا: إن الحق سبحانه وتعالى ترك بعض أسراره في كونه، وهذه الأسرار التي تركها في كونه هي أسرار لا تؤدي ضرورات؛ إن عرفناها فنحن ننتفع بها قليلا في الكماليات، ويترك الحق بعض الأسرار في الكون إلى العقول لتستنبطها، فالشيء الذي كان العقل يقف فيه قديما يصبح باكتشاف أسرار الله مقبولا ومعقولا، كأن الشيء الذي وقف فيه العقل سابقا أثبتت الأيام أنه حق إذن فما لا يُعرف من الأشياء يُؤخذ بهذه القضية أو بما أُخِذَ من الغير.
يقولون- مثلا- اكتشف الميكروب على يد باستير، لكن ألم يكن الميكروب موجودا قبل باستير؟ كان الميكروب موجودا، ولم يكن أحد يراه؛ لأن الشيء إذا دق ولطف لا نقدر أن ندركه؛ فليس عندنا الآلة التي تدركه، ولم نكن قد اخترعنا المجهر الذي يكبِّر الأشياء الدقيقة آلاف المرات.
وكذلك اخترع الناس التلسكوب، فبعد أن كان الشيء لا يرى لبعده، أصبح يرى بوساطة التلسكوب، وإن كان الشيء ضئيلا جدا ولا نراه. فقد استطعنا أن نراه بوساطة المجهر المسمى الميكروسكوب.
والتلسكوب يقرب البعيد والميكروسكوب يكبر الصغير فنرى له حركة وحياة، ونجد له مجالا يسبح فيه، وهذا جعلني إذا حدثني القرآن أن لله خلقا غاب عن الحس لا يدرك من جن وملائكة، فلا أُكذب ذلك، لأن هناك أشياء كانت موجودة ولم تدخل تحت حسى ولا إدراكي مع أنها من مادتي، فإذا كانت الأشياء الأخرى من مادة أخرى مثل الملائكة من نور، أو الجن من النار، ويقول لي سبحانه إنهم مخلوقون وموجودون فأنا لا أكذب ما جاء عن الحق؛ لأن هناك أشياء من جنسي كانت موجودة ولم أستطع أن أراها.
إذن فهذه قربت لي المسألة، فعندما يقول الحق: {إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فنحن نعرف أن نصر الله مترتب على أن تدخل المعركة وأنت تريد أن تنصر الله، وتنصره بماذا؟ بأنك تحقق كلمته وتجعلها هي العليا، وليس هذا فقط هو المطلوب، بل لتجعل- أيضا- كلمة الذين كفروا السفلى.
{وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ} أنه في ظاهر الأمر يكون معنا، لكننا نشعر أنه تخلى عنا، لماذا؟ لأننا نترك بعضا من تعاليم الله، إذن فهو في المظهر العام معكم كمسلمين، ومن معيته لكم أن يؤدبكم على المخالفة فيخذلكم عندما تخالفون عن أمره.
ويختم الحق سبحانه الآية بقوله: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وفي الآية السابقة قال سبحانه: {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، والذي لا يتوكل على الله عليه أن يراجع إيمانه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق في الآية قال: أي أن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس، لن يضرك خذلان من خذلك، وإن يخذلك فلن يضرك الناس {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي لا تترك أمري للناس، وارفض الناس لأمري {وعلى الله} لا على الناس {فليتوكل المؤمنون}. اهـ.