فصل: المقصد الرابع من مقاصد السورة ذكر الوازع والنازع الدينى الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع ويعصم عن مخالفتها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المقصد الرابع من مقاصد السورة ذكر الوازع والنازع الدينى الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع ويعصم عن مخالفتها:

في آية واحدة في الآية السابقة:
انتهت مهمة الأحكام التفصيلية عند الحد الذي أراد الله بيانه في هذه السورة وبها ختم الشطر الثاني من الحقيقة الدينية وهو شطرها العملي بعد أن أرسى شطرها الاعتقادي في الآي وما بعدها وهكذا تناول البيان حتى الآن حقائق الإيمان شرائع الإسلام هل بقي في بنيان الدين شيء فوق هذه الأركان نعم لقد بقيت ذروته العليا وحليته الكبرى بعد الإيمان والإسلام بقي الإحسان وهو كما فسره صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه أن تراقب الله في كل شأنك وأن تستشعر مشاهدته لك في سرك وإعلانك وأن تستعد لمحاسبته لك حتى على ذات صدرك ودخيلة نفسك مطلب عزيز لا يطيق الوفاء به كل مؤمن ولا كل مسلم وإنما يحوم حول حماه صفوة الصفوة من المتقين وكأنه لعزة هذا المطلب ونفاسته صان الله درته اليتيمة في هذه الآية الواحدة التي توج بها هامة السورة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال محمد أبو زهرة:

.بين يدي السورة:

سورة البقرة مدنية نزلت في المدينة في مدد، وقيل إنها أول سورة نزلت بالمدينة، وقد ادعى بعض العلماء أن بعض هذه السورة كان اخر آية نزلت من القرآن الكريم، وهى قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} نزلت في حجة الوداع بمنى، وهى على هذا باعتبار نزولها في مكة تكون مكية.
وإن الذي نراه أن فيصل التفرقة بين المكى والمدنى، ليس هو مكان النزول، إنما هو كونه بعد الهجرة أو قبلها، فإن كان قبلها، فهو مكى، وإن كان بعدها فهو مدنى ولو نزل بمكة، إذ إن الفارق بين المكى والمدنى موضوعى، لا مكانى إذ إن أكثر الموضوعات التي تتصدى لها السور والآيات المكية: بيان أصل العقيدة الإسلامية، ومجادلة المشركين حولها، وسوق الأدلة لبطلان الوثنية، وتأكيد الوحدانية، والتعرض لأحوال المشركين، ومعاداتهم للنبى صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه، وأخبار المبادرة بالدعوة وإنذار العشيرة، كما قال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}. وهكذا أكثر القرآن المكى يتعرض لإثبات العقيدة، ومجادلة من ينكرونها من عبدة الأوثان.
أما السور المدنية وآياتها، فإنها تبين الأحكام الفرعية، وأحوال أهل الكتاب مع أهل الإيمان، وتنظيم الدولة الإسلامية، وسن النظم لتكوينها، وتكوين المجتمع الفاضل الذي تقوم عليه، وما يحل وما يحرم في هذا المجتمع، وفيها قيام الأسرة الإسلامية التي تقوم على تقوى من الله تعالى، ورضوان من الله ورحمة. وإذا كانت السور المكية فيها الإشارات لإيذاء المؤمنين، واستضعافهم، مع رجاء القوة كقوله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}.
إذا كانت السور المكية فيها إشارة إلى الاستضعاف فالسور المدنية فيها الإذن بالقتال، وتنظيمه، والسير به في طريق الحق والعدل، وبيان الغاية من القتال ونهايته، وهى منع الفتنة في الدين.
وسورة البقرة أطول سور القرآن، وسميت البقرة لأظهر الحوادث التي ذكرتها، وأغربها، وهى بقرة بنى إسرائيل التي لجوا في السؤال عنها، وما تدل على أخلاقهم من اللجاجة في القول، وإرادة التلبيس في الأمر الواضح البين، فقد كانوا كلما زادت لجاجتهم زاد الأمر تعقيدا عليهم، وتلبيسا على أنفسهم.

.موضوعات السورة:

وبمقدار ما في السورة من طول، كان فيها القدر الأكبر من الموضوعات، فهو طول في كثرة الآيات، وليس طولا مما يمجه علماء البلاغة، فهو كثرة موضوعات وليس بطول ممل، وها نحن أولاء نشير إلى موضوعاتها قبل الخوض في تفسيرها. ابتدئت السورة الكريمة بذكر شأن الكتاب الكريم، وشرف الذين يؤمنون به، وأنهم الذين يؤمنون بالغيب.
ثم ذكر القسم المقابل لأهل الإيمان وهم الكافرون الذين لا تجدى فيهم الآيات والنذر سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وأنهم صم بكم لا يعقلون. ثم ذكر سبحانه وتعالى أمر الحائرين الذين يترددون بين الإيمان والكفر، وهو يحيط بهم، وهم المنافقون الذين يحسبون أنفسهم أنهم المصلحون في الأرض، وهمر المفسدون.
وضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال التي تصور حالهم وتبين أمرهم، وبين سبحانه وتعالى أن النفاق مرض القلوب ومرض الجماعات، ثم ذكر سبحانه وتعالى أن الناس جميعا في قبضته وأنهم خلقه سبحانه وتعالى هم ومن كان قبلهم، وأنه مكن لهم في الأرض وجعلها لهم فراشا، أن ذلك التمكين والخلق والتكوين يوجب عليهم عبادة الله تعالى وحده، وألا يتخذوا الأوثان. ثم بين لهم مقام الحجة النبوية التي جاءت معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم تثبت لهم رسالته، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، وأن يأتوا بشهداء لهم ليثبت عليهم التحدى والعجز بشاهد من أهلهم، ودعاهم إلى أن يتقوا نارا وقودها الناس والحجارة.
وقد تكلم سبحانه وتعالى في الخلق والتكوين من البعوضة إلى الإنسان، وذكر أن خلق البعوضة عظيم، حتى أن الله تعالى لا يستحيى من الحكم في الخلق أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها، وأن المؤمن يدرك ويعتبر، ويعلم أنه الحق من ربه، وأما الذين كفروا فيتشككون ويضلون، ويزيد ضلالهم، وينقضون ما أمر الله به أن يوثق، وبين سبحانه وتعالى أعلى درجات الخلق، وهو خلق الإنسان والجن وجعل الإنسان خليفة في الأرض، وبين أنه خلق فيه العقل والاستعداد لعلم الكائنات، وبين سبحانه زيادة خلقه عن الجن وعن الملائكة، وأمر الملائكة والجن أن يسجدوا له فأبى إبليس وجهل وقال: أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين، واعترض على الله تعالى خالق النار وخالق الطين، ثم كان الاختبار الإلهى لأبى الإنسان، وهو آدم، فنهاه هو وزوجه عن الأكل من شجرة، فوسوس لهما الشيطان إبليس، فأكلا منها، فأخرجهما الله تعالى مما كانا فيه ونزلا إلى الأرض، وبينهما وبين إبليس من العداوة الشديدة، والمغالبة بين الخير والشر.
ولقد أشار سبحانه إلى المعركة الدائمة، وذكر أوضح مثل لها بما كان يفعله بنو إسرائيل، لقد أوتوا علم النبوة بما أرسل الله فيهم من رسل، وأوتوا نعما كثيرة تثبت قدرة الله تعالى بما أنعم، ولكنهم ضلوا، وذكر سبحانه ما أمرهم به وما نهاهم عنه. وبين أنهم كانوا في علم الدين أكثر من غيرهم، ولكنهم كانوا يأمرون الناس بالبر، ولقد أخذ سبحانه وتعالى يذكرهم بنعمه عليهم: {وذكرهم} بحالهم من فرعون إذ نجاهم منه، وكان يسومهم سوء العذاب، يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم، وذكرهم إذ فرق بهم البحر، وآياته الكبرى فيهم، وذكرهم إذ قابلوا هذه النعم بالشرك إذ اتخذوا العجل، وذكرهم بعفوه سبحانه وتعالى عنهم، وذكرهم بأنه طالبهم بعد هذا العفو أن يقتلوا دواعى الشهوات في أنفسهم، لتكون قوة في هذا الوجود، فلا وجود لجماعة غلبت عليها شهوتها، وذكرهم بنعمته عليهم في أن أتى لهم بالمن والسلوى ليأكلوا منها رغدا، وذكرهم بأنه أمرهم بدخول قرية لهم متطامنين متواضعين، فإن مع التواضع مغفرة الله، ولكنهم بدلوا بالطاعة الظلم، فعاقبهم الله تعالى في الدنيا.
وذكر لهم آياته سبحانه في أن أمدهم بالماء في وسط الجدب، بأن ضرب لهم موسى الحجر بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وبين أن شهواتهم، قد تحكمت فيهم فطلبوا ما كانوا يأكلون في مصر من الفوم والعدس والبصل بدلا من المن والسلوى، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذى هو خير، وأنهم إذ تحكمت فيهم شهوتهم ضربت عليهم الذلة، فكانوا أذلة؟ لأنه حيثما كانت الشهوة المستحكمة كانت الذلة، ثم بين سبحانه أنه أخذ عليهم الميثاق وأكده برفع الجبل عليهم، فأعطوه- أي الميثاق-، ولكنهم نقضوه وجاء من بعد ذلك أمر موسى عليه السلام لبنى إسرائيل أن يذبحوا بقرة، وقد كانت مقدسة في مصر فسرت عدوى ذلك إليهم، فتلكئوا في الأمر فسألوا عنها: أكبيرة أم صغيرة؟، وما لونها؟، ثم سألوه: أهى عاملة أم غير عاملة؟ فقال: إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها، فذبحوها وما كادوا يفعلون، ثم ذكر في السورة قصة القتيل الذي ادعى كل فريق أنه لم يقتله، فأمرهم أن يضربوه ببعضها، فظهر القاتل، وأمر الله تعالى بالقصاص منه.
والله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر هذه الأحوال لهم بين أنه لا يطمع في إيمانهم، وقد استولى النفاق عليهم، فإذا لقوا المؤمنين قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا جاهلين: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم؟! كأن الله تعالى لا يعلم، ولقد ركبهم الغرور في أنفسهم، فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات، فبين الله أن الخطايا تركبهم، وسيؤخذون بها، ولقد أخذ الله تعالى عليهم الميثاق بألا يعبدوا إلا الله ويقيموا الصلاة، وأخذ عليهم الميثاق بألا يسفكوا دماءهم وألا يقتل بعضهم بعضا، ومع ذلك أخرجوا بعضهم من ديارهم، ولا يسفكون أسراكم إلا بفدية، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويحكم عليهم سبحانه، بالحكم الخالد لكل من اتبع الشهوات بأنه اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، وبعد ذلك ذكر الله تعالى سلسلة الرسالة الإلهية التي ابتدئت بموسى، ثم عيسى، وأنهم كفروا بالأنبياء، فكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كفروا به أو قتلوه، ولما جاءهم القرآن مصدقا لما بين يديه كذبوه، وهم عندهم العلم به.
ويعيب الله تعالى عليهم قتلهم الأنبياء، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بغير الحق.
ولقد ذكر سبحانه وتعالى أنه قد جاءهم موسى بالبينات وأنقذهم من فرعون، ومع ذلك بفقدهم التفكير المستقل المدرك عبدوا العجل، كما كان يعبده فرعون وملؤه، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق، لبيان أنهم لا يرعون ذمة، ولا يقومون بخير، ولقد كانوا يحسبون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس فتحداهم الله تعالى بأن يتمنوا الموت ولن يتمنوه؟ لأن عبد الشهوة يتعلق بالدنيا وما فيها، يعبد الشهوة العاجلة، ولا يرجو الآجلة، وذكر سبحانه عداوتهم لجبريل مما يدل على صغر تفكيرهم.
ويبين أنهم كلما جاءهم رسول كذبوه، وكلما عاهدوا عهدا نقضوه، ونبذوه وأنهم بدل أن يتبعوه اتبعوا السحر والأهواء، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، واتبعوا السحرة، وعلموا الناس السحر، وتعلموا منه ما يفرقون به بين المرء وزوجه، ولقد بين سبحانه جملة حالهم، وما يبغون فقال تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
ولقد كان المشركون يعيبون على النبي أنه لم يأت بمعجزة حسية، وأنه يأتى بالمعجزة المعنوية، وهى القرآن، فبين الله تعالى أنه إن ترك معجزة يأت بخير منها أو مثلها، وأن قوم موسى عليه السلام قد سألوا أن يروا الله جهرة.
ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن كثيرين من أهل الكتاب يريدون أن يردوا المؤمنين عن دينهم حسدا لهم على ما آتاهم من فضل يعلمونه ويجحدون؟ ولذا أمر الله المؤمنين أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وأعلمهم أن ما يقدمونه من خير يأت الله تعالى به ويجدوه عنده، ثم ذكر سبحانه وتعالى مزاعم النصارى واليهود، وتكفير بعضهم لبعض، وذلك شأن الذين لا يعلمون. ثم بين سبحانه وتعالى ظلم الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وهم المشركون واليهود والنصارى.
ئم بين سبحانه وتعالى كفر الذين قالوا: إن الله تعالى اتخذ ولدا سبحانه، وضلال الذين يطلبون أن يكلمهم الله تعالى.
ولقد ذكر سبحانه وتعالى مقام الرسالة المحمدية، وأنه إن طلب رضا اليهود، فلن يرضوا عنه، وذكر سبحانه بعد ذلك نعمه على بنى إسرائيل.
ولقد ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك خبر أبى الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام فهو أب لموسى وعيسى ومحمد صلوات الله تعالى عليهم، وذكرهم بهذا أن أصلهم- وهو إبراهيم- واحد، وأنه ما كان لهم أن يختلفوا.
ثم ذكر بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة، ومعاونة ولده إسماعيل له، ودعاءهما لرب البرية أن يجعلهما مسلمين له ومن ذريتهما أمة مسلمة له، وأن يتعلما مناسك الحج، ودعاء إبراهيم عليه السلام أن يبعث في العرب رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وذلك الرسول هو محمد-صلى الله عليه وسلم-، فهو دعوة أبى الأنبياء إبراهيم، وأن ملة إبراهيم هي ملة الأنبياء أجمعين، ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، ولقد وصى بهذه الملة الطاهرة إبراهيم، ووصى بها يعقوب.
وإنه لا يجوز التفرق في دين الله بين اليهود والنصارى وأتباع محمد، ولقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الوحدة الدينية: {لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}.
وإنه بهذه الوحدة الدينية التي تقوم على التوحيد، قد اتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس؟ لأن البيت الحرام الذي به الحج كانت الأوثان تحوطه، فلما أذن الله تعالى بأن دولة الأوثان ذاهبة بعد الانتصار في غزوة بدر الكبرى حول الله تعالى قبلة المسلمين إلى الكعبة إيذانا بتخليصها من الشرك وأهله.
فأخذ السفهاء من اليهود يثيرون الشكوك حول ذلك التحويل: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟! وقد رد الله تعالى عليهم، وبين أن ذلك أمر قدره، وأن وسطية الأمة الإسلامية، وعلوها اقتضى الاتجاه إلى ما بناه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وبين سبحانه أن تغيير القبلة بجعلها لبيت المقدس أولا، ثم تحويلها ثانيا للكعبة إنما هو اختبار للإيمان والتسليم، وفصل الله تعالى من بعد ذلك كيف يولون وجوههم شطر المسجد الحرام أينما كانوا.
ثم ذكرهم بنعمة الله تعالى عليهم، وأشار إلى أنهم سيجدون أياما غلاظا شدادا: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
وتلتقى الأحكام الشرعية مع العبر والعظات، وما مضى من السورة عظات، وأخبار عن الأنبياء السابقين- وخصوصا إبراهيم عليه السلام- الذي ينتهى إليه أكثر أنبياء بنى إسرائيل وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم وما بعد ذلك تكليفات مع بعض عبر الماضين.
إذا كانت القبلة ربطا للمسلمين بمكة، فمناسك الحج الذي تقوم شعائره في مكة حول البيت الحرام فيقول سبحانه: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر}.
ويذكر مآثم اليهود وغيرهم ممن يكتمون العلم فيذكر سبحانه وتعالى، أنهم مبعدون عن الله تعالى وعن رحمته، ويذكر الشرك بالله تعالى، وما يفعله المشركون، ويقرر وحدانية الله تعالى، ويثبت التوحيد بالخلق والتكوين، والنعم المتضافرة فيقول: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}.
ويذكر سبحانه بعد هذه الآلاء والنعم من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، ويذكر حال أولئك يوم القيامة حيث يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا. ويبين سبحانه ما أباحه الله من الطيبات. ويذكر حال الذين كفروا من ندائهم الأوثان بأنهم في حالهم كالبهائم التي تنعق بما لا تسمع، ويكرر سبحانه إباحة الطيبات ووجوب الشكر على إباحتها، ثم يذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، وأن الإثم يرفع في حال الاضطرار، ويذكر من بعد ذلك الذين يكتمون كتاب الله ويشترون به ثمنا قليلا، وأن مأواهم النار.
يذكر سبحانه أن البر ليس في أعمال الجوارح، إنما البر في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، والقيام بالواجبات الاجتماعية كلها من وفاء بالعهد، وصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
ثم يبين سبحانه وتعالى حكم القصاص، وأن فيه حياة الجماعة هانئة فاضلة: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}.، ويذكر الوصية للأقربين الذين لا يرثون، لأنه حيث يذكر القصاص يذكر معه الموت ونتائجه.
ثم يذكر فرضية الصوم، وأنه إذا كان القصاص فيه حياة آمنة، فالصوم فيه الروحانية الكاملة، فذكر فرضية صوم رمضان والأعذار المسوغة للإفطار والقضاء إن أمكن، وإن لم يمكن فالفدية، ثم يذكر سبحانه ليالى رمضان، واباحة الرفث إلى النساء فيها. ويذكر حدود أوقات الصوم، وبجوار تلك الروحانية يمنع من أكل أموال الناس بالباطل.
وإنه بعد بيان أوقات الصوم ذكر سبحانه وتعالى فضل الأهلة، فبين أنها مواقيت للأشهر بالنسبة للصيام وبالنسبة للحج، وبالنسبة للمعاملات بين الناس. هذه كلها أحكام تكليفية آحادية أو جماعية، وهناك الحكم الجماعى الذي تتضافر عليه الأمة، وهو الجهاد، وقد بين فيه أنه رد للاعتداء: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} وفيه منع للفتنة، وأنها هي التي ينتهى عندها: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}.
ويبين أن العمل في القتال هو المعاملة بالمثل، فإن قاتلوا في الشهر الحرام قوتلوا فيه والحرمات قصاص، ثم بين أن أخذ الأهبة والاستعداد لابد منهما، والإنفاق في سبيل الله يمنع التهلكة.
وينتقل من الجهاد إلى ذكر بعض مناسك الحج؟ لأن الحج والجهاد متقاربان في تحمل المشقة. فيذكر الهدى والتحلل من الإحرام، والإفاضة من المشعر الحرام، وما يحل محل الهدى من صيام عشرة أيام، وما يحل في الحج وما لا يحل، ويشير إلى أحوال الناس وهم في ضيافة الرحمن.
ويذكر الله سبحانه وتعالى وجوب ذكره سبحانه في أيام معدودات، وأن من تقدم في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى.
ثم يذكر سبحانه وتعالى أخلاق الحاكم الفاسد، وهو من فقد الإيمان بالله وأوتى حلاوة اللسان والتغرير بها، والحاكم الفاضل هو من يبتغى مرضاة الله تعالى.
ويدعو القرآن الكريم إلى الدخول في السلم أى الإسلام، ويثبت أن الناس جميعا أمة واحدة، ويبين سبحانه أن النبيين جاءوا لمنع الاختلاف بين الناس بسبب الأهواء والشهوات، ويبين سبحانه أنه لا علاج للشر إلا بتحمل أعباء الجهاد للخير، وأن مقاومة الشر تستدعى تحمل أعباء الجهاد: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
ويبين سبحانه أن ذلك يقتضى أن يكون الإنفاق في الأسرة وفى الجهاد، ويقتضى الاستعداد للقتال دائما، وهو ما تكرهه الطبائع البشرية: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وأن الأشهر الحرم، وهى: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، القتال فيها حرام إلا إذا اضطروا إلى ذلك، وأن من يرتد عن دينه بالفتنة، فيموت على الردة يكون من الذين... حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، وأن الرحمة للذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا، ويبين سبحانه وتعالى حرمة الخمر والميسر، وأنه إذا كان فيهما بعض النفع فالإثم أكبر.
ويبين سبحانه وتعالى العناية باليتامى بإصلاحهم، وضمهم إلى الأسر الفاضلة، وإلا كانوا مادة تخريب في الأمة، فلا تكون صالحة للجهاد الذي يكون به رفعة الدين، والعزة الإسلامية.
أحكام في الأسرة اشتملت هذه السورة على أحكام كثيرة في الأسرة منها:
[أ] النكاح بين المشركات والمؤمنين، فحرم الله تعالى أن ينكح المسلم مشركة، وأن تنكح المسلمة مشركا: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
[ب] أن الحائض يحرم الدخول بها في حيضها؟ لأنه أذى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن}.
[ج] إنه يحرم على الرجل أن يحلف ألا يأتى أمرأته أربعة أشهر، فإن مضت ولم يأتها فقد عزم الطلاق فتطلق والله سميع عليم.
[د] أن عدة المطلقة بعد الدخول ثلاثة قروء، وقبل أن تنتهى بعولتهن أحق بردهن إن أرادوا إصلاحا، وللمرأة من الحقوق مثل الذي عليها من الواجبات.
[هـ] وأن الطلاق الذي تجوز الرجعة فيه اثنتان فإن طلقها الثالثة من بعد، فلا تحل حتى تنكح زوجا غيره.
[و] أنه يجوز للمرأة أن تفتدى نفسها بمال تدفعه: {إلا أن يخافا ألأ يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
[ز] أنه لا يحل للزوح إذا طلق وانتهت العدة أن يمنع المرأة من الزواح، وكذلك لا يجوز للولى ذلك.
ومن الأحكام في الأسرة أيضا أن مدة الرضاعة الكاملة حولان كاملان لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى الاب رزق المرضع وكسوتها بالمعروف، وعلى من يليه من الورثة متل ذلك، وأن استرضاع غير الأم جائز عن تراض منهما وتشاور، وأن إنهاء الرضاع يكون برضا. وقد ذكر سبحانه وتعالى عدة المتوفى عنها زوجها الحائل غير الحامل، وهى أربعة أشهر وعشرة أيام قمرية، وأنه تجوز خطبتها في بحر العدة تعريضا لا تصريحا.
[ح] أن الرجل إن طلق من تزوجها قبل الدخول فلها نصف المهر، إذا كان قد سمى مهرا، وإن كان لم يسم مهرا، فلها المتعة، وهى قدر من المال أو الكسوة يناسب حالهما، {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
وقد ذكر سبحانه أن التي يموت زوجها تبقى في بيته سنة ولا يخرجها أحد متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.
وقد ذكر سبحانه في أثناء أحكام الأسرة الأمر بالصلاة القيمة التي لا اعوجاج فيها.
الدولة تقوم على النظام وبعد أن بين الله تعالى نظام الأسرة- وهى قوام الجماعة- أخذ سبحانه وتعالى يبين نظام الجماعة، وأنها لا تعيش إلا في عزة، واستقلال بنفسها، فصور سبحانه جماعة أصيبت بالذلة فماتت نخرة فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم بالبأس والعزة، فالذلة موت، والعزة حياة.
ثم بين الله تعالى حال قوم من بنى إسرائيل طلبوا أن يكون لهم ذو سلطان ممكن منهم وبرضا الله سبحانه وتعالى، فمكن الله لحاكم ذى سلطان، وهو طالوت، لأن له مؤهلات الحكم، فقد أوتى بسطة في العلم والجسم، ولكنهم لا يريدون إلا ملكا مسيطرا بحكم الوراثة: {قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه} ولكن الله سبحانه وتعالى أراهم ملكه بأن يتغلب على أعدائهم: {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} وقد خرح بهم طالوت مجاهدا مستردا عزتهم، واختبر الله إرادتهم بنهر، فمن شرب منه فليس له من- القوة المصممة ما يجاهد به، ومن لم يشرب منه فله إرادة الجهاد وعزيمته.
ومهما يكن من حالهم فقد كان النصر: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}.
الرسل والألوهية بين الله تعالى مقام الرسل، وشرعية القتال: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القددس} وهو جبريل عليه السلام، وقد اقتتل من بعد ذلك المتبعون للرسل لاختلافهم أو بعضهم على أنبيائهم.
وأن الإنفاق في سبيل الله هو دعامة القوة؟ لأنه يبنى مجتمعا متعاونا، ويشد أزر أهل الحق: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون}.
وأن الجامع بين الأنبياء جميعا هو الوحدانية، والإيمان بالله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} إلى آخر الآية الكريمة.
وأن الإيمان قد قامت دلائله، ف {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} وقد ضرب الله تعالى أمثالا ثلاثة:
أولها: مناقشة إبراهيم عليه السلام للذى: {حاج إبراهيم في ربه} فادعى أنه يحى الموتى ويميت الأحياء، فقال له إبراهيم: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر}.
الثاني: وهو في الإعادة بعد الموت، كان في الذي مر على قرية: {وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانطر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس}.. إلى آخر الآية الكريمة.
الثالث: طلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يريه كيف يحيى الموتى، وأنه طلب ذلك للاطمئنان، فأراه الله تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا}.
الإنفاق في سبيل الله قوة الجماعة:
إن الإنفاق في سبيل الله أعظم القربات عند الله، وإن الله تعالى يضاعف الإنفاق في سبيله بسبعمائة ضعف، وهذا كناية عن الكثرة، وأنها تفوق عد الحاسبين. وإن شرط ذلك ألا يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا} هذا مثل من يبطل صدقاته بالمن والأذى، ومثل الإنفاق ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة تؤتى أكلها ضعفين.
وإن شرط النفقة التي تثمر ضعفها أن تكون طيبة لا نتيمم الخبيث ننفق منه، وإن النفقات تربط المودة بين الجماعة وأنها حكمة الاجتماع، ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا، والنفقة إذا ابتغى بها وجه الله خير في كل أحوالها، أبداها أو أخفاها، فنعما هي في كل أحوالها، والله تعالى مكافئ عليها، ومن ينفق فعاقبة النفقة لنفسه لأنه يصلح جماعته، وصلاحها يعود عليه، وإن الإنفاق يكون في كل طريق للخير، ويجب أن يبحث عن مستحقيه من الفقراء: {الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
الاقتصاد الإسلامي خال من الربا:
أعقب الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الترغيب في الصدقات، وبيان ثمرتها، وغايتها التعاونية التي تربط بين احاد المجتمع المؤمن وجماعاته، وذكر بعد ذلك ما يهدم بناء المجتمع ويقطع ما بين آحاده وهو الربا وتحريمه فقال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أتيم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} وتحريم الربا تنظيم اقتصادى لقيام بناء اقتصادى سليم لا تكون فيه أزمات، ولا تؤكل فيه أموال الناس بالباطل ولا يؤدى إلى التعطل والكسل، ولا إلى أن يكون ربح من غير تحمل للخسارة. وبعد آيات الربا، جاءت آية توثيق الديون بالكتابة وشهادة شاهدين، وأن يذكر الأجل، وأن يكتبه كاتب عدل وأن يملى من عليه الدين ليكون ذلك إقرارا مكتوبا بالدين، وإذا كان من عليه الدين سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمله فليملل وليه بالعدل، والشهادة تكون برجلين عدلين أو رجل وامرأتين: {ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله إلا أن تكون تجارة دائرة بينكم}.
وأوجب سبحانه وتعالى الشهادة في البيوع، ومنع أن يكون فيها إرهاق للشهود: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} ومن دعى للشهادة فلا يكتمها، فإنه يكون آثما قلبه.
ولتوثيق الكتابة والتشدد فيها ذكر حال السفر، وأنه إن لم يكن فيه كاتب فرهان مقبوضة وبعد هذا التوثيق ختم الله تعالى السورة بالدعوة إلى الإيمان، والإخبار بأن الرسول آمن بما أنزل إليه من ربه والملائكة...، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
وبين سبحانه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، وعلمنا كيف ندعو ربنا: {ربنا لا تؤاخذنا إن ئسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}. اهـ.