فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الحجة الثالثة: أنه لو أراد أنه سيجعلهم أحياء عند البعث في الجنة لما قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} مع علمه بأن جميع المؤمنين كذلك، أما إذا حملناه على ثواب القبر حسن قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} لأنه عليه الصلاة والسلام لعله ما كان يعلم أنه تعالى يشرف المطيعين والمخلصين بهذا التشريف، وهو أنه يحييهم قبل قيام القيامة لأجل إيصال الثواب اليهم.
فإن قيل: أنه عليه الصلاة والسلام وإن كان عالما بأنهم سيصيرون أحياء عند ربهم عند البعث ولكنه غير عالم بأنهم من أهل الجنة، فجاز أن يبشره الله بأنهم سيصيرون أحياء ويصلون إلى الثواب والسرور.
قلنا: قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} إنما يتناول الموت لأنه قال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله أمواتا} فالذي يزيل هذا الحسبان هو كونهم أحياء في الحال لأنه لا حسبان هناك في صيرورتهم أحياء يوم القيامة، وقوله: {يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ} فهو خبر مبتدأ ولا تعلق له بذلك الحسبان فزال هذا السؤال.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ} والقوم الذين لم يلحقوا بهم لابد وأن يكونوا في الدنيا، فاستبشارهم بمن يكون في الدنيا لابد وأن يكون قبل قيام القيامة، والاستبشار لابد وأن يكون مع الحياة، فدل هذا على كونهم أحياء قبل يوم القيامة، وفي هذا الاستدلال بحث سيأتي ذكره.
الحجة الخامسة: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صفة الشهداء: «أن أرواحهم في أجواف طير خضر وإنها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مسكنهم ومطعمهم ومشربهم قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله تعالى بنا كي يرغبوا في الجهاد فقال الله تعالى: أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا فأنزل الله تعالى هذه الآية».
وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية، فقال: سألنا عنها فقيل لنا إن الشهداء على نهر بباب الجنة في قبة خضراء، وفي رواية في روضة خضراء، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أبشرك أن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله ثم قال: ما تريد يا عبد الله بن عمرو أن فعل بك فقال يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيها مرة أخرى» والروايات في هذا الباب كأنها بلغت حد التوتر، فكيف يمكن إنكارها؟ طعن الكعبي في هذه الروايات وقال: إنها غير جائزة لأن الأرواح لا تتنعم، وإنما يتنعم الجسم إذا كان فيه روح لا الروح، ومنزلة الروح من البدن منزلة القوة، وأيضا: الخبر المروي ظاهره يقتضي أن هذه الارواح في حواصل الطير، وأيضا ظاهره يقتضي أنها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح، وهذا يناقض كونها في حواصل الطير.
والجواب: أما الطعن الأول: فهو مبني على أن الروح عرض قائم بالجسم، وسنبين أن الأمر ليس كذلك، وأما الطعن الثاني: فهو مدفوع لأن القصد من أمثال هذه الكلمات الكنايات عن حصول الراحات والمسرات وزوال المخافات والآفات، فهذا جملة الكلام في هذا الاحتمال.
وأما الوجه الثاني: من الوجوه المحتملة في هذه الآية هو أن المراد أن الشهداء أحياء في الحال، والقائلون بهذا القول منهم من أثبت هذه الحياة للروح، ومنهم من أثبتها للبدن، وقبل الخوض في هذا الباب يجب تقديم مقدمة، وهي أن الإنسان ليس عبارة عن مجموع هذه البنية، ويدل عليه أمران: أحدهما: أن أجزاء هذه البنية في الذوبان والانحلال، والتبدل، والإنسان المخصوص شيء باق من أول عمره إلى آخره، والباقي مغاير للمتبدل، والذي يؤكد ما قلناه: أنه تارة يصير سمينا وأخرى هزيلا، وأنه يكون في أول الأمر صغير الجثة، ثم أنه يكبر وينمو، ولا شك أن كل إنسان يجد من نفسه أنه شيء واحد من أول عمره إلى آخره فصح ما قلناه.
الثاني: أن الإنسان قد يكون عالما بنفسه حال ما يكون غافلا عن جميع أعضائه وأجزائه، والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم، فثبت بهذين الوجهين أنه شيء مغاير لهذا البدن المحسوس، ثم بعد ذلك يحتمل أن يكون جسما مخصوصا ساريا في هذه الجثة سريان النار في الفحم.
والدهن في السمسم، وماء الورد في الورد.
ويحتمل أن يكون جوهرًا قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال في الجسم، وعلى كلا المذهبين فإنه لا يبعد أنه لما مات البدن انفصل ذلك الشيء حيا، وان قلنا أنه أماته الله إلا أنه تعالى يعيد الحياة إليه، وعلى هذا التقدير تزول الشبهات بالكلية عن ثواب القبر، كما في هذه الآية، وعن عذاب القبر كما في قوله: {أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا} [نوح: 25] فثبت بما ذكرناه أنه لا امتناع في ذلك، فظاهر الآية دال عليه، فوجب المصير إليه، والذي يؤكد ما ذكرناه القرآن والحديث والعقل.
أما القرآن فآيات:
إحداها: {يا أَيَّتُهَا النفس المطمئنة ارجعى إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فادخلى في عِبَادِى وادخلى جَنَّتِى} [الفجر: 27 30] ولا شك أن المراد من قوله: {ارجعى إلى رَبّكِ} الموت.
ثم قال: {فادخلى في عِبَادِى} وفاء التعقيب تدل على أن حصول هذه الحالة يكون عقيب الموت، وهذا يدل على ما ذكرناه، وثانيها: {حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ} [الأنعام: 61] وهذا عبارة عن موت البدن.
ثم قال: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق} [الأنعام: 62] فقوله: {رُدُّواْ} ضمير عنه.
وإنما هو بحياته وذاته المخصوصة، فدل على أن ذلك باق بعد موت البدن، وثالثها: قوله: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةٍ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88 89] وفاء التعقيب تدل على أن هذا الروح والريحان والجنة حاصل عقيب الموت، وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: «من مات فقد قامت قيامته» والفاء فاء التعقيب تدل على أن قيامة كل أحد حاصلة بعد موته، وأما القيامة الكبرى فهي حاصلة في الوقت المعلوم عند الله، وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» وأيضا روي أنه عليه الصلاة والسلام يوم بدر كان ينادي المقتولين ويقول: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا» فقيل له: يا رسول الله إنهم أموات، فكيف تناديهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنهم أسمع منكم» أو لفظًا هذا معناه، وأيضا قال عليه الصلاة والسلام: «أولياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار» وكل ذلك يدل على أن النفوس باقية بعد موت الجسد.
وأما المعقول فمن وجوه:
الأول: وهو أن وقت النوم يضعف البدن، وضعفه لا يقتضي ضعف النفس، بل النفس تقوى وقت النوم فتشاهد الأحوال وتطلع على المغيبات، فإذا كان ضعف البدن لا يوجب ضعف النفس، فهذا يقوي الظن في أن موت البدن لا يستعقب موت النفس.
الثاني: وهو أن كثرة الأفكار سبب لجفاف الدماغ، وجفافه يؤدي إلى الموت، وهذه الأفكار سبب لاستكمال النفس بالمعارف الالهية، وهو غاية كمال النفس، فما هو سبب في كمال النفس فهو سبب لنقصان البدن، وهذا يقوي الظن في أن النفس لا تموت بموت البدن.
الثالث: أن أحوال النفس على ضد أحوال البدن، وذلك لأن النفس إنما تفرح وتبتهج بالمعارف الالهية، والدليل عليه قوله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] وقال عليه الصلاة والسلام: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».
ولا شك أن ذلك الطعام والشراب ليس إلا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب وأيضا، فإنا نرى أن الإنسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان، أو بالفوز بمنصب، أو بالوصول إلى معشوقه، قد ينسى الطعام والشراب، بل يصير بحيث لو دعي إلى الأكل والشرب لوجد من قلبه نفرة شديدة منه، والعارفون المتوغلون في معرفة الله تعالى قد يجدون من أنفسهم أنهم إذا لاح لهم شيء من تلك الأنوار، وانكشف لهم شيء من تلك الأسرار، لم يحسوا ألبتة بالجوع والعطش وبالجملة فالسعادة النفسانية كالمضادة للسعادة الجسمانية، وكل ذلك يغلب على الظن أن النفس مستقلة بذاتها ولا تعلق لها بالبدن، وإذا كان كذلك وجب أن لا تموت النفس بموت البدن، ولتكن هذه الاقناعيات كافية في هذا المقام.
واعلم أنه متى تقررت هذه القاعدة زالت الإشكالات والشبهات عن كل ما ورد في القرآن من ثواب القبر وعذابه، وإذا عرفت هذه القاعدة فنقول: قال بعض المفسرين: أرواح الشهداء أحياء وهي تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نام العبد في سجوده باهى الله تعالى به ملائكته ويقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في خدمتي».
واعلم أن الآية دالة على ذلك وهي قوله: {أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ} ولفظ {عند} فكما أنه مذكور هاهنا فكذا في صفة الملائكة مذكور وهو قوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء: 19] فإذا فهمت السعادة الحاصلة للملائكة بكونهم عند الله، فهمت السعادة الحاصلة للشهداء بكونهم عند الله، وهذه كلمات تفتح على العقل أبواب معارف الآخرة.
الوجه الثالث: في تفسير هذه الآية عند من يثبت هذه الحياة للأجساد، والقائلون بهذا القول اختلفوا، فقال بعضهم: أنه تعالى يصعد أجساد هؤلاء الشهداء إلى السموات والى قناديل تحت العرش ويوصل أنواع السعادة والكرامات اليها، ومنهم من قال: يتركها في الارض ويحييها ويوصل هذه السعادات اليها، ومن الناس من طعن فيه وقال: إنا نرى أجساد هؤلاء الشهداء قد تأكلها السباع، فاما أن يقال إن الله تعالى يحييها حال كونها في بطون هذه السباع ويوصل الثواب اليها، أو يقال: إن تلك الأجزاء بعد انفصالها من بطون السباع يركبها الله تعالى، ويؤلفها ويرد الحياة اليها ويوصل الثواب اليها، وكل ذلك مستبعد، ولأنا قد نرى الميت المقتول باقيا أياما إلى أن تنفسخ أعضاؤه وينفصل القيح والصديد، فإن جوزنا كونها حية متنعمة عاقلة عارفة لزم القول بالسفسطة.
الوجه الرابع: في تفسير هذه الآية أن نقول: ليس المراد من كونها أحياء حصول الحياة فيهم، بل المراد بعض المجازات وبيانه من وجوه:
الأول: قال الأصم البلخي: إن الميت إذا كان عظيم المنزلة في الدين، وكانت عاقبته يوم القيامة البهجة والسعادة والكرامة، صح أن يقال: أنه حي وليس بميت، كما يقال في الجاهل الذي لا ينفع نفسه ولا ينتقع به أحد: أنه ميت وليس بحي، وكما يقال للبليد: أنه حمار، وللمؤذي أنه سبع، وروي أن عبد الملك بن مروان لما رأى الزهري وعلم فقهه وتحقيقه قال له: ما مات من خلف مثلك، وبالجملة فلا شك أن الإنسان إذا مات وخلف ثناء جميلا وذكرا حسنا، فإنه يقال على سبيل المجاز أنه ما مات بل هو حي.
الثاني: قال بعضهم مجاز هذه الحياة أن أجسادهم باقية في قبورهم، وانها لا تبلى تحت الأرض ألبتة.
واحتج هؤلاء بما روي أنه لما أراد معاوية أن يجري العين على قبور الشهداء، أمر بأن ينادى: من كان له قتيل فليخرجه من هذا الموضع، قال جابر: فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطاب الأبدان، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فقطرت دما.
والثالث: أن المراد بكونهم أحياء أنهم لا يغسلون كما تغسل الأموات، فهذا مجموع ما قيل في هذه الآية والله أعلم بأسرار المخلوقات. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
قيل: وتضمنت هذه الآيات من ضروب البديع، الطباق في قوله: {لقد منّ الله} الآية، إذ التقدير منّ الله عليهم بالهداية، فيكون في هذا المقدّر.
وفي قوله: {في ضلال مبين}، وفي: يقولون بأفواههم، والقول ظاهر ويكتمون.
وفي قالوا لإخوانهم وقعدوا، إذ التقدير حين خرجوا وقعدوا هم.
وفي: أمواتًا بل أحياء وفي: فرحين ويحزنون.
والتكرار في: وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا الاختلاف متعلق العلم.
وفي فرحين ويستبشرون.
والتجنيس المغاير في: أصابتكم مصيبة، والمماثل في: أصابتكم قد أصبتم.
والاستفهام الذي يراد به الإنكار في: أو لما أصابتكم.
والاحتجاج النظري في: قل فادرأوا عن أنفسكم.
والتأكيد في: ولا هم يحزنون.
والحذف في عدة مواضع لا يتم المعنى إلا بتقديرها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{الذين} مفعول أول، و{أمواتًا} مفعول ثانٍ، والفاعلُ إما ضمير كل مخاطب، أو ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم في نظائره وقرأ حُمَيْد بن قَيْس وهشام- بخلاف عنه- {يحسبن} بياء الغيبة، وفي الفاعل وجهان:
أحدهما: أنه مُضْمَر، إما ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم أو ضمير مَنْ يَصْلح للحسبان- أي: حاسب.
الثاني: قاله الزمخشري: وهو أن يكون {الذين قتلوا} قال: ويجوز أن يكون {الذين قتلوا} فاعلًا والتقديرُ: ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتًا، أي: ولا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتًا.
فإن قلت: كيف جاز حذف المفعول الأول؟ قلتُ: هو- في الأصلِ- مبتدأ، فحذف كما حذف المبتدأ في قوله: {بل أحياء} أي: هم أحياءٌ؛ لدلالة الكلام عليهما.
وردَّ عليه أبو حيان بأن هذا التقديرَ يؤدي إلى تقديم الضمير على مفسره، وذلك لا يجوز إلا في أبواب محصورةٍ، وعَدَّ منه باب رُبُّهُ رَجُلًا، نعم رجلًا زيد، والتنازع عند إعمال الثاني في رأيه سيبويه، والبدل على خلاف فيه، وضمير الأمر، قال: وزاد بعضُ أصحابِنَا أن يكون المفَسِّرُ خبرًا للضمير وبأن حذف أحد مفعولي ظن اختصارًا إنما يتمشى له عند الجمهور مع أنه قليل جِدًا، نص عليه الفارسيُّ، ومنعه ابنُ ملكون ألبتة.
قال شهابُ الدينِ: وهذا من تحملاته عليه، أما قوله: يؤدي إلى تقديم المضمر... إلى آخره، فالزمخشريُّ لم يقدره صناعةً، بل إيرادًا للمعنى المقصود، ولذلك لَمّا أراد أن يقدر الصناعة النحوية قدَّره بلفظ أنفسهم المنصوبة وهي المفعول الأول، وأظن الشيخ يتوهم أنها مرفوعة، تأكيدًا للضمير في {قتلوا} ولم ينتبه أنه إنما قدرها مفعولًا أول منصوبة، وأما تَمْشِية قوله على مذهب الجمهور فيكفيه ذلك وما عليه من ابن ملكون، وستأتي مواضعُ يضطر هو وغيره إلى حَذْف أحدِ المفعولينِ، كما ستقف عليه قريبًا.
وتقدم الكلامُ على مادة حسب ولغاتها، وقراءاتها، وقُرِئَ {تحسبن}- بفتح السين- قاله الزمخشريُّ وقرأ ابن عامر {قتّلوا}- بالتشديد- وهشام وحده في {ما ماتوا وما قتلوا} والباقون بالتخفيف، فالتشديد للتكثير، والتخفيفُ صالح لذلك، وقرأ الجمهورُ {أحياءٌ} رفعًا، على تقدير: بل هُمْ أحياءٌ، وقرأ ابنُ ابي عَبْلَة {أحياءً} وخرَّجها أبو البقاء على وجهين:
أحدهما: أن يكون عطفًا على {أمواتًا} قال: {أمواتًا} قال: كما تقول: ما ظننت زيدًا قائمًا بل قاعدًا.