فصل: تفسير الآية رقم (172):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي عن قيس الجذامي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للقتيل عند الله ست خصال: تغفر له خطيئته في أول دفعة من دمه، ويجار من عذاب القبر، ويحلى حلة الكرامة، ويرى مقعده من الجنة، ويؤمن من الفزع الأكبر، ويزوّج من الحور العين».
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة والبيهقي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن للشهيد عند الله خصالًا. يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى عليه حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن يوم الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه».
وأخرج أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت. مثله.
وأخرج البزار والبيهقي والأصبهاني في ترغيبه بسند ضعيف عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء ثلاثة: رجل خرج بنفسه وماله محتسبًا في سبيل الله يريد أن لا يقتل ولا يقتل ولا يقاتل، يكثر سواد المؤمنين، فإن مات وقتل غفرت له ذنوبه كلها، وأجير من عذاب القبر، وأومن من الفزع الأكبر، وزوّج من الحور العين، وحلت عليه حلة الكرامة، ووضع على رأسه تاج الوقار والخلد. والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسبًا يريد أن يقتل ولا يقتل، فإن مات أو قتل كانت ركبته مع ركبة إبراهيم خليل الرحمن بين يدي الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر. والثالث رجل خرج بنفسه وماله محتسبًا يريد أن يقتل ويقتل، فإن مات أو قتل جاء يوم القيامة شاهرًا سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول: ألا أفسحوا لنا، مرتين. فإنا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن، أو لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من واجب حقهم، حتى يأتوا منابر من نور عن يمين العرش، فيجلسون فينظرون كيف يقضى بين الناس، لا يجدون غم الموت، ولا يغتمون في البرزخ، ولا تفزعهم الصيحة، ولا يهمهم الحساب، ولا الميزان ولا الصراط، ينظرون كيف يقضي بين الناس، ولا يسألون شيئًا إلا أعطوا، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا، ويعطون من الجنة ما أحبوا، وينزلون من الجنة حيث أحبوا».
وأخرج أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدوّ قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك ممصمصة تحط من ذنوبه وخطاياه. إن السيف مَحَّاءٌ للخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فإن ذلك في النار. إن السيف لا يمحو النفاق».
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين».
وأخرج أحمد عن عبد الله بن جحش أن رجلًا قال: يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: «الجنة». فلما ولى قال: «إلا الدين سارني به جبريل آنفًا».
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن أبي عميرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وإن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقتل في سبيل الله أحب إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدر».
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة».
وأخرج الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دمًا فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا مرزوقين».
وأخرج أحمد وأبو يعلى والبيهقي في الأسماء والصفات عن نعيم بن همار أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل؟ قال: «الذين أن يلقوا في الصف لا يلفتوا وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في العرف العالي من الجنة، ويضحك إليهم ربهم. وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه».
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف من الجنة يضحك إليهم ربك. وإذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم».
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال: ذكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها».
وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة».
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس أن رجلًا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسود، منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال: «في الجنة». فقاتل حتى قتل. أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك». وقال لهذا أو لغيره: «لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له صوفا تدخل بينه وبين جبته».
وأخرج البيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بخباء أعرابي وهو في أصحابه يريدون الغزو، فرفع الأعرابي ناحية من الخباء فقال: من القوم؟ فقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يريدون الغزو، فسار معهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده أنه لمن ملوك الجنة». فلقوا العدو فاستشهدوا خبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فقعد عند رأسه مستبشرًا يضحك ثم أعرض عنه. فقلنا: يا رسول الله رأيناك مستبشرًا تضحك ثم أعرضت عنه؟! فقال: «أما ما رأيتم من استبشاري فلما رأيت من كرامة روحه على الله، وأما إعراضي عنه فإن زوجته من الحور العين الآن عند رأسه».
وأخرج عناد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: «أن أوّل قطرة تقطر من دم الشهيد يغفر له بها ما تقدم من ذنبه، ثم يبعث الله ملكين بريحان من الجنة وريطة من الجنة، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله قد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة ونسمة طيبة. فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا يمر بملك إلا صلى عليه وشيعه، حتى يؤتى به إلى الرحمن فيسجد له قبل الملائكة وتسجد الملائكة بعده، ثم يأمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وقباب من حرير عند ثور وحوت يلعبان لهم كل يوم لعبة لم يلعبا بالأمس مثلها، فيظل الحوت في أنهار الجنة فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه لهم، فأكلوا من لحمه فوجدوا من لحمه طعم كل رائحة من أنهار الجنة، ويبيت الثور نافشًا في الجنة، فإذا أصبح غدا عليه الحوت فوكزه بذنبه، فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل ثمرة من ثمار الجنة ينظرون إلى منازلهم بكرة وعشيا يدعون الله أن تقوم الساعة. وإذا توفى المؤمن بعث الله إليه ملكين بريحان من ريحان الجنة وخرقة من الجنة تقبض فيها نفسه، ويقال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب عليك غير غضبان. فتخرج كأطيب رائحة وجدها أحد قط بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون: سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة. فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا بملك إلا صلى عليه وشيعه، حتى يؤتى به إلى الرحمن. فتسجد الملائكة قبله ويسجد بعدهم ثم يدعى بميكائيل فيقول: اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنهم يوم القيامة، ويؤمر به إلى قبر ويوسع سبعين طوله وسبعين عرضه، وينبذ له فيه ريحان ويشيد بالحرير، فإن كان معه شيء من القرآن كسى نوره، وإن لم يكن معه شيء من القرآن جعل له نور مثل الشمس، فمثله كمثل العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه. وإن الكافر إذا توفي بعث الله إليه ملكين بخرقة من بجاد أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة ولبئس ما قدمت لنفسك. فتخرج كأنتن رائحة وجدها أحد قط، ثم يؤمر به في قبره فيضيق عليه حتى تختلف فيه أضلاعه، ويرسل عليه حيات كأعناق البخت يأكلن لحمه، وتقبض له ملائكة صم بكم عمي لا يسمعون له صوتًا ولا يرونه، فيرحمونه ولا يملون إذا ضربوا يدعون الله أن يديم ذلك عليه حتى يخلص إلى النار».
وأخرج الطيالسي والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الشهداء أربعة: فمؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقاتل حتى يقتل، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوة كانت على رأسه أو رأس عمر، فهذا في الدرجة الأولى. ورجل مؤمن جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح من الجبن، فأتاه سهم غرب فقتله فهذا في الدرجة الثانية. ورجل مؤمن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، لقي العدو فصدق الله فَقُتِلَ فهذا في الدرجة الثالثة. ورجل أسرف على نفسه فلقي العدو فقاتل حتى يُقتل، فهذا في الدرجة الرابعة».
وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته».
وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث والنشور عن يزيد بن شجرة أنه كان يقول: إذا صف الناس للصلاة وصفوا للقتال فتحت أبواب السماء، وأبواب الجنة، وأبواب النار، وزين الحور العين وأطلقن، فإذا أقبل الرجل قلن اللهم انصره، وإذا أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له. فانهكوا وجوه القوم، ولا تخزوا الحور العين، فإن أوّل قطرة تقطر من دم أحدكم يكفر عنه كل شيء عمله، وينزل إليه زوجتان من الحور العين يمسحان التراب عن وجهه ويقولان: قد أنالك ويقول: قد أنالكما. ثم يكسى مائة حلة ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة، لو وضعت بين أصبعين لوسعن. وكان يقول: إن السيوف مفاتيح الجنة.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر محمد بن أحمد التميمي قال: سمعت قاسم بن عثمان الجوعي يقول: رأيت في الطواف حول البيت رجلًا لا يزيد على قوله: اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له: ما لك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال: أحدثك. كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى، غزونا أرض العدو فاستؤسرنا كلنا، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتحة عليها سبع جوار من الحور العين على كل باب جارية، فقدم رجل منا فضربت عنقه، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق ستة وبقيت أنا، وبقي باب وجارية. فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله فوهبني له، فسمعتها تقول: أي شيء فاتك يا محروم.!! وأغلقت الباب، وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني. قال قاسم بن عثمان: أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا، وترك يعمل على الشوق.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات واللفظ له عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عجيب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه. فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم: الذي إذا انكشف فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله تعالى ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه. والذي له امرأة حسناء، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام من السحر في سراء أو ضراء».
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله القتل في سبيل الله صادقًا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن سهل ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه».
وأخرج أحمد ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه». اهـ.

.تفسير الآية رقم (172):

قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذم المنافقين برجوعهم من غير أن يصيبهم قرح، ومدح أحوال الشهداء ترغيبًا في الشهادة، وأحوال من كان على مثل حالهم ترغيبًا في النسج على منوالهم، وختم بتعليق السعادة بوصف الإيمان، أخذ يذكر ما أثمر لهم إيمانهم من المبادرة إلى الإجابة إلى ما يهديهم إليه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه لم يحمل على التخلف عن أمره من غير عذر إلا صريح النفاق فقال: {الذين استجابوا} أي أوجدوا الإجابة في الجهاد إيجادًا مؤكدًا محققًا ثابتًا ما عندهم من خالص الإيمان {لله والرسول} أي لا لغرض مغنم ولا غيره، ثم عظم صدقهم بقوله- مثبتًا الجار لإرادة ما يأتي من إحدى الغزوتين إلا استغراق ما بعد الزمان-: {من بعد ما أصابهم القرح}.
ولما كان تعليق الأحكام بالأوصاف حاملًا على التحلي بها عند المدح قال سبحانه وتعالى: {للذين أحسنوا} وعبر بما يصلح للبيان والبعض ليدوم رغبهم ورهبهم فقال: {منهم واتقوا أجر عظيم} وهذه الآيات من تتمة هذه القصة سواء قلنا: إنها إشارة إلى غزوة حمراء الأسد، أو غزوة بدر الموعد، فإن الوعد كان يوم أحد- والله الهادي. اهـ.

.سبب النزول:

قال الفخر:
في سبب نزول هذه الآية قولان:
الأول: وهو الأصح أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد وبلغوا الروحاء ندموا، وقالوا إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم، فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة، فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال: لا أريد أن يخرج الآن معي إلا من كان معي في القتال، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع قوم من أصحابه، قيل كانوا سبعين رجلا حتى بلغوا حمراء الأسد وهو من المدينة على ثلاثة أميال، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا، وروي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى، وكان كل ذلك لإثخان الجراحات فيهم، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة، ويتوكأ عليه صاحبه ساعة.
والثاني: قال أبو بكر الأصم: نزلت هذه الآية في يوم أحد لما رجع الناس إليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنها بعد أن مثلوا بحمزة، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا، وصلى عليهم، صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم، وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال عليه الصلاة والسلام للزبير: ردها لئلا تجزع من مثلة أخيها، فقالت: قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى، فقال للزبير: فدعها تنظر إليه، فقالت خيرا واستغفرت له.
وجاءت امرأة قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت: إن كل مصيبة بعدك هدر، فهذا ما قيل في سبب نزول هذه الآية، وأكثر الروايات على الوجه الأول. اهـ.