فصل: من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقول الحق: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأوا إن شئتم: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز}».
وعندما تقول: زحزحت فلانًا، معناها أنه كان متوقفا برعب، فكيف يحدث ذلك عند النار؟. ونعرف أن النار سببها المعصية، والمعصية كانت لها جاذبية للعصاة، ويأتي الإيمان ليشدهم فتأخذهم جاذبية المعصية، فكذلك يكون الجزاء بالنار. إذن فالنار لها جاذبية لأنها ستكون في حالة غيظ.. ولذلك يقول ربنا: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} [الملك: 8].
النار تتميز من الغيظ على الكافرين. وما معنى تميز من الغيظ؟ أما رأيت قِدْرًا يفور؟ ساعة يفور القدر فإن بعض الفقاقيع تخرج منه وتنفصل عما في القدر، وهذا تميز أي تفترق، والإنسان منا عندما يكون في حالة غيظ تخرج منه أشياء كفقاقيع غليان القدر أنه يرغي ويزبد أي اشتد غضبه، وهذه الفقاقيع تحرق من يقف أمامها أو يلمسها، وهي من شدة الفوران تميز بعضها وانفصل عن القدر، كذلك النار، ولماذا تميز من الغيظ؟ إنها تميز من الغيظ من الكافرين؛ لأنها أصلها مٌسبحة حامدة شاكرة، وبعد ذلك يقول لها الحق: {هَلِ امْتَلأَتِ} [ق: 30] وتقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
وذلك مما يدل على أن كلمة: {تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} حقيقة؛ ولذلك يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النار لها جاذبية، فالنار إنما كانت نتيجة المعصية في الدنيا، والمعصية في الدنيا هي التي تجذب العصاة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يَقعْن فيها وهو يذبّهُنّ عنها، وأنا آخذ بِحُجُزكم عن النار وأنتم تَفَلّتُون من يدي» انظر إلى التشبيه الجميل- حين توقد نارًا في خلاء فأول مظهر هو أن ترى الفراش والهوامّ والبعوض تأتي على النار، ولذلك يقولون: رُبّ نفس عشقت مصرعها.
لقد جاءت تلك الحشرات على أساس أنها جاءت للنور، إننا نرى ذلك عندما نٌشعِل موقدًا في الخلاء فأنت تجد حوله الكثير من هذه الحشرات صرعى، تلك الحشرات عشقت مصرعها، إنها قد جاءت إلى النور ولكن النار أحرقتها، كذلك الإنسان العاصي يعشق مصرعه؛ لأنه لا يعرف أن هذه الشهوة ستدخله النار.
{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} أي أن النار لها جاذبية مثل جاذبية المعصية عندما تأخذ الإنسان، ومجرد الزحزحة عن النار، حتى وإن وقف بينهما لا في النار ولا في الجنة فهذا حسن، فما بالك إنْ زُحزح عن النار وأُدخل الجنة؟ لقد زال منه عطب وأعطى صالحًا.
وهذه حاجة حسنة، وهذا هو السبب في أن النار مضروب على متنها الصراط الذي سنمر عليه، لماذا؟ حتى يرى المؤمن النار.. وهو ماشٍ على الصراط التي لو لم يكن مؤمنًا لنزل فيها، فيقول: الحمد لله الذي نجاني من تلك النار.
{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} والفوز هو النجاة مما تكره، ولقاء ما تحب، مجرد النجاة مما تكره نعمة، وأن تذهب بعد النجاة مما تكره إلى نعمة، فهذا فوز. ونلحظ في {زُحْزِحَ} أن أحدًا غيره قد زحزحه. نعم لأنّ الله تكرّم عليه أولًا في حياته بفيض الإيمان وهو الذي زحزحه عن النار أيضا.
ويذيل الحق الآية بقوله تعالى: {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وعندما يصف الحق سبحانه الحياة التي نعرفها بأنها دنيا ففي ذلك ما يشير إلى أن هناك حياة توصف بأنها غير دنيا وغير الدنيا هي العليا، ولذلك يقول الحق في آية أخرى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
أي هي الحياة التي تستحق أن تُسمّى حياة؛ لأن الدنيا لا يقاس زمانها ببدايتها إلى قيام الساعة، لأن تلك الحياة بالنسبة للكون كله، ولكن لكل فرد في الحياة دنيا ليس عمرها كذلك، وإنما دنيا كل فرد هي مقدار حياته فيها. ومقدار حياته فيها لا يُعلم أهو لحظة أم يومٍ أم شهر أم قرن. وقصارى الأمر أنها محدودة حدًا خاصا لكل عمر، وحدًا عامًا لكل الأعمار.
والمتعة في الدنيا على قدر حظ الإنسان في المتع، فهي على قدر إمكاناته. فإذا نظرنا إلى الدنيا بهذا المعيار فإن متاعها يعتبر قليلًا، ولهذا لا يصح ولا يستقيم أن يغتر الإنسان بهذه المتعة متذكرًا قول الله: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6-7].
فالغرور إذن أن تلهيك متعة قصيرة الأجل عن متعة عالية لا أمد لانتهائها، فحتى لا يغتر عائش في الدنيا فيلهو بقليلها عن كثير عند الله في الآخرة يجب أن يقارن متعة أجلها محدود وإن طال زمانها بمتعة لا أمد لانتهائها، متعة على قدر إمكاناتك ومتعة على قدر سعة فضل الله؛ لذلك كانت الحياة الدنيا متاع غرور ممن غُرّ بالتافه القليل عن العظيم الجليل.
والله لم يظلم الدنيا فوصفها أنها متاع، ولكن نبهنا إلى أنها ليست المتاع الذي يُغتَرّ به فيلهي عن متاع أبقى، أنه الخلود. وبعد ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى لرسوله ولأتباع رسوله قضية تُنشئ فيهم وتؤكد لهم أن الإيمان وحده خير جزاء للمؤمن، وإن لم يتأت له في الدنيا شيء من النعيم، ولذلك أراد أن يوطنهم على أن الذين يدخلون الإيمان، لا يوطِّنون أنفسهم على أن الإيمان دائمًا منتصر، فلو كان دائمًا منتصرًا لوطّن كل واحد نفسه عليه ورضيه لأنه يضمن له حياة مطمئنة؛ لذلك كأن لابد أن يوضح لهم: أن هناك ابتلاءات. فالقضية الإيمانية أن تبتلوا، وموقع البلاء في نفوسكم أو في أموالكم، فقال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا...}. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}.
أَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ الْمَدَارِسِ، فَوَجَدَ مِنْ يَهُودَ نَاسًا كَثِيرًا قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحُكَ يَا فِنْحَاصُ، اتَّقِ اللهَ، وَأَسْلِمْ، فَوَاللهِ أنك لَتَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ فِنْحَاصُ: وَاللهِ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا بِنَا إِلَى اللهِ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِيرٌ، وَمَا نَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّعُ إِلَيْنَا، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ، يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا، وَيُعْطِينَاهُ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا. فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ يَا عَدُوَّ اللهِ، فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَدُوَّ اللهِ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، زَعَمَ أَنَّ اللهَ فَقِيرٌ، وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاءُ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْتُ لِلَّهِ مِمَّا قَالَ، فَضَرَبْتُ وَجْهَهُ، فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصُ، فَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ رَدًّا عَلَيْهِ، وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ هَذِهِ الْآيَةَ. وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الْآيَةُ الْآتِيَةُ بَعْدَ آيَاتٍ- وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ قَتَادَةَ أنه قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [2: 245] قَالَ: يَسْتَقْرِضُنَا رَبُّنَا، إِنَّمَا يَسْتَقْرِضُ الْفَقِيرُ الْغَنِيَّ، وَأَخْرَجَ الضِّيَاءُ، وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا} فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ: فَقِيرٌ رَبُّكَ يَسْأَلُ عِبَادَهُ الْقَرْضَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمُجَازَفَةَ فِي الْقَوْلِ قَدْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ يَهُودَ، وَمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ، وَيُجِيزُهُ الْجَمْعُ يُسْنَدُ إِلَى الْقَائِلِينَ، وَالْمُجِيزِينَ جَمِيعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ تَهَكُّمًا بِالْقُرْآنِ، وَرِوَايَةُ فِنْحَاصَ لَيْسَ لَهَا مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ.
سَمِعَ اللهُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُجَازِفِينَ لَمْ يَفُتْهُ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ، فَهُوَ سَيَجْزِيهِمْ عَلَيْهِ، فَهَذَا التَّعْبِيرُ يَتَضَمَّنُ التَّهْدِيدَ، وَالْوَعِيدَ كَمَا يَتَضَمَّنُ قوله: {سَمِعَ اللهُ} لِمَنْ حَمِدَهُ الْبِشَارَةَ، وَالْوَعْدَ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ، وَكَمَا يَتَضَمَّنُ قوله: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [58: 1] مَزِيدَ الْعِنَايَةِ، وَإِرَادَةَ الْإِشْكَاءِ، وَالْإِغَاثَةِ، ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَكَ: سَمِعْتُ مَا قَالَ فُلَانٌ يُشْعِرُ بِمَا لَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُكَ: عَلِمْتُ بِمَا قَالَ، وَالسَّمْعُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَسْمُوعَاتِ خَاصَّةً بِوَجْهٍ خَاصٍّ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ سَمْعَ الْبَارِي- تَبَارَكَ وَتعالى- يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ، لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ، أَوْ بِالْأَصْوَاتِ، وَهُوَ رَأْيٌ تُنْكِرُهُ اللُّغَةُ، وَلَا يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ. وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ، أَوِ الْعَقْلِ أَنْ يَتَحَكَّمَ فِي صِفَاتِ اللهِ- تَبَارَكَ وَتعالى- بِنَظَرِيَّاتِهِ، وَأَقْيِسَتِهِ، وَمِنْ فَائِدَةِ التَّعْبِيرِ بِسَمْعِ اللهِ لِكَلَامِ عِبَادِهِ مُرَاقَبَتُهُمْ لَهُ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ بِخُصُوصِهَا عَلَى رَأْيِ ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمِ.
سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَعِيدٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالُوهُ اسْتِهْزَاءً بِالْقُرْآنِ. قَرَأَ حَمْزَةُ: {سَيُكْتَبُ} بِالْيَاءِ الْمَضْمُومَةِ، أَيْ سَيُكْتَبُ قَوْلُهُمْ هَذَا، وَيُثْبَتُ عِنْدَ اللهِ تعالى فَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَالَ مُفَسِّرُنَا كَغَيْرِهِ، أَيْ نَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ، وَغَفَلُوا عَنْ قوله: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ سَلَفِهِمْ، فَمَا مَعْنَى التَّعْبِيرِ عَنْ كِتَابَةٍ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ؟ لابد مِنْ تَفْسِيرِهِ بِوَجْهٍ يَصِحُّ فِي الأمريْنِ، وَلَكِنَّ ضَعْفَ الْمُسْلِمِينَ فِي لُغَةِ الْقُرْآنِ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذَا الضَّعْفِ فِي الْفَهْمِ وَالضَّعْفِ فِي الدِّينِ، وَتَبِعَ ذَلِكَ الضَّعْفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَا يُقَالُ- كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ- إِنَّ الْفِعْلَ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى اللهِ تعالى يَتَجَرَّدُ مِنَ الزَّمَانِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ. وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: سَنُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتْمًا، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ حِفْظِهِ عَلَيْهِمْ، وَيُرَادُ بِهِ لَازِمُهُ، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ، وَالتَّوَعُّدُ بِحِفْظِ الذَّنْبِ، وَكِتَابَتِهِ، وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ شَائِعٌ مُسْتَعْمَلٌ حَتَّى الْيَوْمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دِقَّةِ نَظَرٍ، وَلَفْظُ الْكِتَابَةِ آكَدُ مِنْ لَفْظِ الْحِفْظِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِتْبَابِ، وَأَمْنِ النِّسْيَانِ. وَإِنَّمَا ضَمَّ قَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ- وَهُوَ أَفْظَعُ جَرَائِمِ هَذَا الشَّعْبِ- إِلَى الْجَرِيمَةِ الَّتِي سَبَقَ الْوَعِيدُ لِأَجْلِهَا لِبَيَانِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكُفْرِ، وَالتَّهَوُّرِ لَيْسَ بِدَعًا مِنْ أَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ سَبَقَ لَهُمْ أَنْ قَتَلُوا الْهُدَاةَ الْمُرْشِدِينَ بَعْدَ مَا جَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، فَهُمْ يَجْرُونَ فِي هَذَا عَلَى عِرْقٍ وَلَيْسَ هُوَ بِأَوَّلِ كَبَائِرِهِمْ، وَلِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْجَرِيمَتَيْنِ سِيَّانِ فِي الْعِظَمِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ (كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ).
وَأَمَّا إِضَافَةُ الْقَتْلِ إِلَى الْحَاضِرِينَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكْمَتُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُمْ يُعَدُّونَ قَتَلَةً لِرِضَاهُمْ بِمَا فَعَلَهُ سَلَفُهُمْ، وَهَذَا تَحْوِيمٌ حَوْلَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَمَ مُتَكَافِلَةٌ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ إِذْ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَتَغْيِيرُهُ، أَوِ النَّهْيُ عَنْهُ لِئَلَّا يَفْشُوَ فِيهَا، فَيَصِيرَ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهَا، أَوْ عَادَةً مِنْ عَادَاتِهَا، فَتَسْتَحِقَّ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا كَالضَّعْفِ، وَالْفَقْرِ، وَفَقْدِ الِاسْتِقْلَالِ، كَمَا تَسْتَحِقُّ عُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ بِمَا دَنَّسَ نُفُوسَهَا؛ وَلِذَلِكَ لَعَنَ اللهُ تعالى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرائيل بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وَبَيَّنَ سَبَبَ ذَلِكَ بِقوله: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [5: 79].
ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ فَاعِلَ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَنْهَهُ وَلَمْ يَسْخَطْ عَلَيْهِ تَكُونُ نَفْسُهُ مُشَاكِلَةً لِنَفْسِهِ، تَأْنَسُ بِمَا تَأْنَسُ بِهِ، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَفْعَلَ الْمُنْكَرَ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ، كَضَعْفِ الْجِسْمِ، أَوْ قِلَّةِ الْمَالِ، أَيْ إِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَتْرُكُ الْمُنْكَرَ لِأَنَّهُ رَذِيلَةٌ تُدَنِّسُ نَفْسَ فَاعِلِهَا، فَيَكُونُ بَعِيدًا مِنَ الْخَيْرِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِرِضْوَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ يَجْعَلُ إِسْنَادَ الْمُنْكَرِ إِلَى مُقِرِّهِ، وَالرَّاضِي بِهِ إِسْنَادًا قَرِيبًا مِنَ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ السَّبَبُ فِي انْتِشَارِهِ وَشُيُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيَّالِينَ إِلَى الْمُنْكَرِ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ يَمْقُتُونَهُمْ، وَيُؤَاخِذُونَهُمْ عَلَيْهِ لَمَا فَعَلُوهُ إِلَّا مَا يَكُونُ مِنَ الْخِلَسِ الْخَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ السَّاكِتُ عَلَى الْمُنْكَرِ شَرِيكَ الْفَاعِلِ فِي الْإِثْمِ، قَالَ: كُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ يُفْعَلُ الْمُنْكَرُ فِي زَمَنِهِ، وَلَا يُنْكِرُهُ، وَأَمَّا مَنْ يَقَعُ الْمُنْكَرُ مِنْ قَوْمِهِمْ قَبْلَ زَمَنِهِمْ كَالْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأمثالهَا فِيهِمْ كَقوله: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} فَهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ مَنْ سَبَقَهُمْ فِي عِلَّةِ الْجَرِيمَةِ، وَمَبْعَثِهَا مِنَ النَّفْسِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْخَلَفُ مُتَّفِقِينَ مَعَ مَنْ سَبَقَهُمْ فِي الْأَخْلَاقِ، وَالسَّجَايَا، وَيَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِمُ انْتِسَابَ حَسَبٍ وَتَشَرُّفٍ، أَيْ فَهُمْ جَدِيرُونَ بِأن يكونوا عَلَى شَاكِلَتِهِمْ.
وَأَقُولُ: إِنَّ الْمُتَأَخِّرَ رُبَّمَا كَانَ أَضْرَى بِالشَّرِّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ لِتَمَكُّنِ دَاعِيَةِ الشَّرِّ مِنْ نَفْسِهِ بِالْوِرَاثَةِ وَالْقُدْوَةِ جَمِيعًا. وَقَدْ حَاوَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْيَهُودِ قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بَلْ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُ، فَإِنَّهُ مَاتَ بِالسُّمِّ الَّذِي وَضَعَتْهُ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ فِي الشَّاةِ بِخَيْبَرَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أنه قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: يَا عَائِشَةُ، مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي كُلَّ عَامٍ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ اللهَ تعالى نَبَّهَنَا بِهَذَا الضَّرْبِ مِنَ التَّعْبِيرِ إِلَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إِذَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَى عَمَلِ الْمُتَقَدِّمِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ، وَيُطَبِّقُهُ عَلَى الشَّرِيعَةِ، فَيَسْتَحْسِنُ مِنْهُ مَا اسْتَحْسَنَتْ، وَيَسْتَقْبِحُ مَا اسْتَهْجَنَتْ، وَيُسَجِّلُ عَلَى الْمُسِيءِ مِنْ سَلَفِهِ إِسَاءَتَهُ، وَيَنْفِرُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يُعَدُّ عِنْدَ اللهِ تعالى مِثْلَهُ، وَشَرِيكًا لَهُ فِي إِثْمِهِ وَمُسْتَحِقًّا لِمِثْلِ عُقُوبَتِهِ، فَعَلَيْكُمْ بِاتِّخَاذِ الْوَسَائِلِ لِإِزَالَةِ الْمُنْكَرَاتِ الْفَاشِيَةِ، وَلابد فِي ذَلِكَ مِنْ بَذْلِ الْجُهْدِ، وَإِعْمَالِ الرَّوِيَّةِ وَالْفِكْرِ، وَمَا عَلَيْنَا الْآنَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَّا الْحِيلَةُ فِي بَذْلِ النُّصْحِ، وَالْإِرْشَادِ، بِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهِ، وَكُلِّ أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِهِ.
وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ: {وَيَقُولُ}. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الذَّوْقُ عِبَارَةٌ عَنِ الشُّعُورِ بِالْأَلَمِ، أَوْ ضِدِّهِ، فَمَعْنَى ذُوقُوا: تَأَلَّمُوا. أَمَّا كَيْفِيَّةُ الْقَوْلِ فَلَا نَبْحَثُ فِيهَا، أَوْ إِنَّمَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تعالى يُوصِلُ هَذَا الْمَعْنَى إِلَيْهِمْ.
أَقُولُ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُسْتَشْرِقِينَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَهُوَ زَعْمٌ بَاطِلٌ، وَبِمِثْلِهِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى اقْتِبَاسِ النَّبِيِّ مِنْ كُتُبِهِمْ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَمَّا رأى حَمْزَةَ- عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللهِ- مَقْتُولًا: ذُقْ عُقُقُ أَيْ ذُقْ عَاقِبَةَ إِسْلَامِكَ أَيُّهَا الْعَاقُّ لِدِينِ آبَائِكَ، وَلِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْمِكَ فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الإسلام. نَعَمْ: إِنَّ أَصْلَ الذَّوْقِ هُوَ مَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ لِمَعْرِفَةِ طَعْمِ الطَّعَامِ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهِ فَاسْتَعْمَلُوهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ كَقَوْلِهِمْ: ذُقْتَ الْقَوْسَ إِذَا جَذَبْتَ وَتَرَهَا لِتَنْظُرَ مَا شِدَّتُهَا. وَقَوْلُهُمْ: ذُقْتَ الرُّمْحَ إِذَا غَمَزْتَهَا قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
يَهْزُزْنَ لِلْمَشْيِ أَوْصَالًا مُنَعَّمَةً ** هَزَّ الشَّمَالِ ضُحًى عِيدَانَ يَبْرِينَا

أَوْ كَاهْتِزَازِ رُدَيْنِيٍّ تَذَاوَقُهُ ** أَيْدِي التِّجَارِ فَزَادُوا مَتْنَهُ لَيِنَا

كَذَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. وَفِي الْأَسَاسِ أَيْدِي الْكُمَاةِ بَدَلَ أَيْدِي التِّجَارِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الذَّوْقُ يَكُونُ بِالْفَمِ، وَبِغَيْرِ الْفَمِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الْمَعَانِي، قَالَ ابْنُ طُفَيْلٍ:
فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ ** مِنَ الْغَيْظِ فِي أَكْبَادِنَا وَالتَّحَوُّبِ

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْرِفَةِ جَيِّدِ الشِّعْرِ، وَأَحَاسِنِ الْكَلَامِ. وعَذَابَ الْحَرِيقِ مَعْنَاهُ: عَذَابٌ هُوَ الْحَرِيقُ.
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الَّذِي تَذُوقُونَ مَرَارَتَهُ، أَوْ حَرَارَتَهُ بِسَبَبِ مَا قَدَّمْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ. عَبَّرَ عَنِ الْأَشْخَاصِ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ تُزَاوَلُ بِهَا، وَلِيُفِيدَ أَنَّ مَا عُذِّبُوا عَلَيْهِ هُوَ مِنْ عَمَلِهِمْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، فَإِنَّ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إِلَى يَدِ الْفَاعِلِ تُفِيدُ مِنْ إِلْصَاقِهِ بِهِ مَا لَا تُفِيدُهُ نِسْبَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ إِلَى الْيَدِ يَمْنَعُ التَّجَوُّزَ، فَمِنَ الْمَعْهُودِ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا إِذَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ مَكَّنَ الْعَامِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ بِنَفْسِهِ، وَمَتَى أُسْنِدَ إِلَى يَدِهِ تَعَيَّنَ أن يكون بَاشَرَ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ الْأَيْدِي، وَيَدْخُلُ فِي قوله: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} جَمِيعُ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ضُرُوبِ الْكُفْرِ، وَالْفُسُوقِ، وَالْعِصْيَانِ.