فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال أبو السعود:

{لَتُبْلَوُنَّ} شروعٌ في تسلية رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وممن معه من المؤمنين عما سيلقَوْنه من جهة الكفرةِ من المكاره إثرَ تسليتِهم عما قد وقع منهم ليوطِّنوا أنفسَهم على احتماله عند وقوعِه ويستعدوا للقائه ويقابلوه بحسن الصبرِ والثباتِ، فإن هجومَ الأوجالِ مما يزلزل أقدامَ الرجالِ وللاستعدادِ للكروب مما يهوِّن الخطوبَ. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما سلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} [آل عمران: 185] زاد في تسليته بهذه الآية، فبين أن الكفار بعد أن آذوا الرسول والمسلمين يوم أحد، فسيؤذونهم أيضا في المستقبل بكل طريق يمكنهم، من الايذاء بالنفس والايذاء بالمال، والغرض من هذا الإعلام أن يوطنوا أنفسهم على الصبر وترك الجزع، وذلك لأن الإنسان إذا لم يعلم نزول البلاء عليه فإذا انزل البلاء عليه شق ذلك عليه، أما إذا كان عالما بأنه سينزل، فإذا نزل لم يعظم وقعه عليه. اهـ.

.قال القرطبي:

هذا الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأُمته والمعنى: لتُختبرنّ ولتُمتحنن في أموالكم بالمصائب والأرزاء بالإنفاق في سبيل الله وسائر تكاليف الشرع.
والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحباب.
وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها. اهـ.

.قال الفخر:

{لَتُبْلَوُنَّ} لتختبرن، ومعلوم أنه لا يجوز في وصف الله تعالى الاختبار لأنه طلب المعرفة ليعرف الجيد من الردىء، ولكن معناه في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر. اهـ.

.قال أبو السعود:

وأصلُ البلاء الاختبارُ أي تُطلب الخِبرةُ بحال المُختَبِر بتعريضه لأمر يشُقُّ عليه غالبًا ملابستُه ومفارقتُه، وذلك إنما يُتصورُ حقيقةً مما لا وقوفَ له على عواقب الأمورِ، وأما من جهة العليم الخبيرِ فلا يكونُ إلا مجازًا من تمكينه للعبدِ من اختيار أحدِ الأمرين أو الأمورِ قبل أن يرتب عليه شيئًا هو من مباديه العاديةِ كما مر. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَتُبْلَوُنَّ} جواب قسم محذوف أي والله لتختبرن، والمراد لتعاملن معاملة المختبر ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق والأفعال الحسنة ولا يصح حمل الابتلاء على حقيقته لأنه محال على علام الغيوب كما مر، والخطاب للمؤمنين أو لهم معه صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبرهم سبحانه بما سيقع ليوطنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه ويستعدوا للقائه ويقابلوه بحسن الصبر والثبات فإن هجوم البلاء مما يزيد في اللأواء والاستعداد للكرب مما يهون الخطب ولتحقيق معنى الابتلاء لهذا التهوين أتى بالتأكيد، وقد يقال: أتى به لتحقيق وقوع المبتلى به مبالغة في الحث على ما أريد منهم من التهيؤ والاستعداد، وعلى أي وجه فالجملة مسوقة لتسلية أولياء الله تعالى عما سيلقونه من جهة أعدائه سبحانه إثر تسليتهم عما وقع منهم، وقيل: إنما سيقت لبيان أن الدنيا دار محنة وابتلاء، وأنها إنما زويت عن المؤمنين ليصبروا فيؤجروا إثر بيان أنها متاع الغرور، ولعل الأول أولى كما لا يخفى. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في معنى هذا الابتلاء فقال بعضهم: المراد ما ينالهم من الشدة والفقر وما ينالهم من القتل والجرح والهزيمة من جهة الكفار، ومن حيث ألزموا الصبر في الجهاد.
وقال الحسن: المراد به التكاليف الشديدة المتعلقة بالبدن والمال، وهي الصلاة والزكاة والجهاد.
قال القاضي: والظاهر يحتمل كل واحد من الأمرين فلا يمتنع حمله عليهما. اهـ.

.قال البغوي:

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} الآية قال عكرمة ومقاتل والكلبي وابن جريج: نزلت الآية في أبي بكر وفنحاص بن عازوراء. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص بن عازوراء سيد بني قينقاع ليستمدّه، وكتب إليه كتابًا وقال لأبي بكر رضي الله عنه «لا تفتاتَنَّ عليّ بشيء حتى ترجع» فجاء أبو بكر رضي الله عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب فلما قرأه قال: قد احتاج ربُّك إلى أن نمده، فهم أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تفتاتَنَّ علي بشيء حتى ترجع» فكف فنزلت هذه الآية.
وقال الزهري: نزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهجو رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويسبُّ المسلمين، ويحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ويشبب بنساء المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لي بابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟».
فقال محمد بن مسلمة الأنصاري: أنا لك يا رسول الله، أنا أقتله قال: «فافعل إن قدرت على ذلك».
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثًا لا يأكل ولا يشرب إلا ما تعلق نفسه، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه وقال له: لم تركتَ الطعامَ والشرابَ؟ قال: يا رسول الله قلت قولا ولا أدري هل أفي به أم لا فقال: إنما عليك الجهد.
فقال: يا رسول الله أنه لابد لنا من أن نقول قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك، فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسَلْكانُ بن سلام وأبو نائلة، وكان أخا كعب من الرضاعة، وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبو عيسى بن جُبير فمشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجّههم، وقال: «انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم» ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في ليلة مقمرة.
فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فقدّموا أبا نائلة فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكْتُمْ عليّ قال أفعل قال: كان قدوم هذا الرجل بلادنا بلاءً عادتنا العربُ ورمونا عن قوس واحدة، وانقطعت عنا السبل حتى ضاعت العيال وجهدت الأنفس، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أمَا والله لقد كنت أخبرتك يا بن سلامة أن الأمر سيصير إلى هذا، فقال أبو نائلة: إن معي أصحابا أردنا أن تبيعنا طعامَك ونرهنك ونوثّق لك وتحسن في ذلك قال: أترهنوني أبناءكم قال: إنا نستحي إن يعير أبناؤنا فيقال هذا رهينةُ وَسْقٍ وهذا رهينة وسْقَينْ قال: ترهنوني نساءكم قالوا: كيف نرهُنك نساءنا وأنت أجمل العرب ولا نأمنك وأية امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك الحلقة يعني: السلاح وقد علمت حاجتنا إلى السلاح، قال: نعم وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح إذا رآه فوعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم خبره.
فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ليلا فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب من ملحفته فقالت امرأته: أسمع صوتا يقطر منه الدم، وإنك رجل محارب وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة فكلِّمْهم من فوق الحصن فقال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة وإن هؤلاء لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب، فنزل إليهم فتحدث معهم ساعة ثم قالوا: يا بن الأشرف هل لك إلى أن نتماشى إلى شعب العجوز نتحدث فيه بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم؟ فخرجوا يتماشون وكان أبو نائلة قال: لأصحابه إني فاتل شعره فأشّمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، ثم أنه شامَ يدَه في فودِ رأسه ثم شَمَّ يدَه فقال: ما رأيت كالليلة طيبَ عروس قط، قال: أنه طيب أم فلان يعني امرأته، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة فعاد لمثلها ثم أخذ بفودي رأسه حتى استمكن ثم قال: اضربوا عدو الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحةً لم يبق حولَنَا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال فوضعته في ثندوته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله، وقد أُصيب الحارث بن أوس بجرح في رأسه أصابه بعض أسيافنا، فخرجنا وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارَنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل كعب وجئنا برأسه إليه وتفل على جُرح صاحبنا.
فرجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود وقعتنا بعدو الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» فوثب مُحَيَّصَةُ بن مسعود على سُنَيْنَة رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيِّصَة بن مسعود إذْ ذَاك لم يُسْلم وكان أسنَّ من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أيْ عدو الله قتلته أما والله لرُبّ شحم في بطنك من ماله.
قال محيصة: والله لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك، قال: لو أمركَ محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب؟! فأسلم حويصة وأنزل الله تعالى في شأن كعب: {لَتُبْلَوُنّ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فِى أموالكم} بالفرائض فيها والجوائح، واقتصر بعض على الثاني مدعيًا أن الأول الممثل في كلامهم بالإنفاق المأمور به في سبيل الله تعالى، والزكاة لا يليق نظمه في سلك الابتلاء لما أنه من باب الإضعاف لا من قبيل الإتلاف، وفيه نظر تقدم في البقرة الإشارة إليه، وعن الحسن الاقتصار على الأول.
والأولى القول بالعموم {وَ} في {أَنفُسَكُمْ} بالقتل والجراح والأسر والأمراض وفقد الأقارب وسائر ما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد، وقدم الأموال على الأنفس للترقي إلى الأشرف.
أو لأن الرزايا في الأموال أكثر من الرزايا في الأنفس. اهـ.

.قال الفخر:

المراد منه أنواع الإيذاء الحاصلة من اليهود والنصارى والمشركين للمسلمين، وذلك لأنهم كانوا يقولون عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وثالث ثلاثة، وكانوا يطعنون في الرسول عليه الصلاة والسلام بكل ما يقدرون عليه، ولقد هجاه كعب بن الأشرف، وكانوا يحرضون الناس على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما المشركون فهم كانوا يحرضون الناس على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ويجمعون العساكر على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ويثبطون المسلمين عن نصرته، فيجب أن يكون الكلام محمولا على الكل إذ ليس حمله على البعض أولى من حمله على الثاني. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} أي من قبل إيتائكم القرآن وهم اليهود والنصارى.
والتعبير عنهم بذلك إما للإشعار بمدار الشقاق والإيذان بأن {بعض} ما يسمعونه منهم مستند على زعمهم إلى الكتاب.
وإما للإشارة إلى عظم صدور ذلك المسموع منهم.
وشدة وقعه على الأسماع حيث أنه كلام صدر ممن لا يتوقع صدوره منه لوجود زاجر عنه معه وهو إيتاؤه الكتاب كما قيل: والتصريح بالقبلية إما لتأكيد الإشعار وتقوية المدار وإما للمبالغة في أمر الزاجر عن صدور ذلك المسموع من أولئك المسمعين {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} وهم كفار العرب {أَذًى كَثِيرًا} كالطعن في الدين وتخطئة من آمن والافتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والتشبيب بنساء المؤمنين. اهـ.

.قال القرطبي:

وكان صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان بها اليهود والمشركون، فكان هو وأصحابه يسمعون أذًى كثيرًا.
وفي الصحيحين أنه عليه السلام مرّ بابن أُبَيّ وهو عليه السلام على حمار فدعاه إلى الله تعالى فقال ابن أُبَيّ: إن كان ما تقول حقًّا فلا تؤذنَا به في مجالسنا! ارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه.
وقبض على أنفه لئلا يصيبه غبار الحمار، فقال ابن رَوَاحة نعم يا رسول الله، فاغْشنَا في مجالسنا فإنا نحبّ ذلك. واستب المشركون الذين كانوا حول ابن أُبَيّ والمسلمون، وما زال النبيّ صلى الله عليه وسلم يسكّنهم حتى سَكنوا. ثم دخل على سعد بن عُبادة يعوده وهو مريض، فقال: «ألم تسمع ما قال فلان» فقال سعد: أعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نَزل، وقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرة على أن يتوِّجوه ويعصبوه بالعصابة؛ فلما ردّ الله ذلك بالحق الذي أعطاكَهُ شَرِقَ به، فذلك فعل به ما رأيت.
فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية.
قيل: هذا كان قبل نزول القتال، ونَدَب الله عبادَه إلى الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور.
وكذا في البخاريّ في سياق الحديث، أن ذلك كان قبل نزول القتال.
والأظهر أنه ليس بمنسوخ؛ فإن الجدال بالأحسن والمداراة أبدًا مندوب إليها، وكان عليه السلام مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويُدَاريهم، ويصفح عن المنافقين، وهذا بيِّن. اهـ.

.قال الفخر:

قال المفسرون: بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى فنحاص اليهودي يستمده، فقال فنحاص قد احتاج ربك إلى أن نمده، فهم أبو بكر رضي الله عنه أن يضربه بالسيف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين بعثه: لا تغلبن على شيء حتى ترجع إلي، فتذكر أبو بكر رضي الله عنه ذلك وكف عن الضرب ونزلت هذه الآية. اهـ.
قال الفخر: للآية تأويلان:
الأول: أن المراد منه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمصابرة على الابتلاء في النفس والمال، والمصابرة على تحمل الأذى وترك المعارضة والمقابلة، وإنما أوجب الله تعالى ذلك لأنه أقرب إلى دخول المخالف في الدين، كما قال: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44] وقال: {قُل لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] والمراد بهذا الغفران الصبر وترك الانتقام وقال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] وقال: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل} [الأحقاف: 35] وقال: {ادفع بالتى هي أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] قال الواحدي رحمه الله: كان هذا قبل نزول آية السيف.
قال القفال رحمه الله: الذي عندي أن هذا ليس بمنسوخ والظاهر أنها نزلت عقيب قصة أحد، والمعنى أنهم أمروا بالصبر على ما يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم على طريق الأقوال الجارية فيما بينهم، واستعمال مداراتهم في كثير من الأحوال.
والأمر بالقتال لا ينافي الأمر بالمصابرة على هذا الوجه، واعلم أن قول الواحدي ضعيف، والقول ما قاله القفَّال.
الوجه الثاني في التأويل: أن يكون المراد من الصبر والتقوى: الصبر على مجاهدة الكفار ومنابذتهم والانكار عليهم، فأمروا بالصبر على مشاق الجهاد، والجري على نهج أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الإنكار على اليهود والاتقاء عن المداهنة مع الكفار، والسكوت عن إظهار الإنكار. اهـ.