فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{رَبَّنَا} تكرير كما قيل للتضرع وإظهار لكمال الخضوع وعرض للاعتراف بربوبيته تعالى مع الإيمان به {فاغفر لَنَا} مرتب على الإيمان به تعالى والإقرار بربوبيته كما تدل عليه الفاء أي فاستر لنا {ذُنُوبَنَا} أي كبائرنا {وَكَفّرْ عَنَّا سيئاتنا} أي صغائرنا، وقيل: المراد من الذنوب ما تقدم من المعاصي، ومن السيئآت ما تأخر منها، وقيل: الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية، والثاني ما أتى به من الجهل بذلك، والأول هو التفسير المؤثور عن ابن عباس.
وأيد بأنه المناسب للغة لأن الذنب مأخوذ من الذنب بمعنى الذيل، فاستعمل فيما تستوخم عاقبته وهو الكبيرة لما يعقبها من الإثم العظيم، ولذلك تسمى تبعة اعتبارًا بما يتبعها من العقاب كما صرح به الراغب، وأما السيئة فمن السوء وهو المستقبح ولذلك تقابل بالحسنة فتكون أخف، وتأييده بأن الغفران مختص بفعل الله تعالى والتكفير قد يستعمل في فعل العبد كما يقال: كفّر عن يمينه وهو يقتضي أن يكون الثاني أخف من الأول على تحمل ما فيه إنما يقتضي مجرد الأخفية.
وأما كون الأول الكبائر والثاني الصغائر بالمعنى المراد فلا يجوز يراد بالأول والثاني ما ذكر في القول الثالث، فإن الأخفية وعدمها فيه مما لا سترة عليه كما لا يخفى، ثم المفهوم من كثير من عبارات اللغويين عدم الفرق بين الغفران والتكفير بل صرح بعضهم بأن معناهما واحد.
وقيل: في التكفير معنى زائد وهو التغطية للأمن من الفضيحة، وقيل: أنه كثيرًا ما يعتبر فيه معنى الإذهاب والإزالة ولهذا يعدى بعن والغفران ليس كذلك، وفي ذكر {لَنَا} و{عَنَّا} في الأية مع أنه لو قيل: فاغفر ذنوبنا وكفر سيئآتنا لأفاد المقصود إيماء إلى وفور الرغبة في هذين الأمرين، وادعى بعضهم أن الدعاء الأول متضمن للدعاء بتوفيق الله تعالى للتوبة لأنه السبب لمغفرة الكبائر وأن الدعاء الثاني متضمن لطلب التوفيق منه سبحانه للاجتناب عن الكبائر لأنه السبب لتكفير الصغائر، وأنت تعلم المغفرة غير مشروطة بالتوبة عند الأشاعرة.
وأن بعضهم احتج بهذه الآية على ذلك حيث إنهم طلبوا المغفرة بدون ذكر التوبة بل بدون التوبة بدلالة فاء التعقيب كذا قيل، وسيأتي تحقيق ما فيه فتدبر. اهـ.

.قال الفخر:

وأما قوله: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} ففيه بحثان: الأول: أن الأبرار جمع بر أو بار، كرب وأرباب، وصاحب وأصحاب، الثاني: ذكر القفال في تفسير هذه المعية وجهين:
الأول: أن وفاتهم معهم هي أن يموتوا على مثل أعمالهم حتى يكونوا في درجاتهم يوم القيامة، قد يقول الرجل أنا مع الشافعي في هذه المسألة، ويريد به كونه مساويا له في ذلك الاعتقاد، والثاني: يقال فلان في العطاء مع أصحاب الألوف، أي هو مشارك لهم في أنه يعطي ألفا.
والثالث: أن يكون المراد منه كونهم في جملة أتباع الأبرار وأشياعهم، ومنه قوله: {فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين والصديقين} [النساء: 69]. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} أي مخصوصين بالانخراط في سلكهم والعدّ من زمرتهم ولا مجال لكون المعية زمانية إذ منهم من مات قبل، ومن يموت بَعْدُ، وفي طلبهم التوفي وإسنادهم له إلى الله تعالى إشعار بأنهم يحبون لقاء الله تعالى ومن أحب لقاء الله تعالى أحب الله تعالى لقاءه.
ونكتة قولهم: {مَعَ الأبرار} دون أبرارًا التذلل، وأن المراد لسنا بأبرار فاسلكنا معهم واجعلنا من أتباعهم، وفي (الكشف) إن في ذلك هضمًا للنفس وحسن أدب مع إدماج مبالغة لأنه من باب وهو من العلماء بدل عالم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا على حصول العفو بدون التوبة بهذه الآية أعني قوله تعالى حكاية عنهم: {فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا} والاستدلال به من وجهين:
الأول: أنهم طلبوا غفران الذنوب ولم يكن للتوبة فيه ذكر، فدل على أنهم طلبوا المغفرة مطلقا، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه لأنه قال في آخر الآية: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: 195] وهذا صريح في أنه تعالى قد يعفو عن الذنب وان لم توجد التوبة.
والثاني: وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم لما أخبروا عن أنفسهم بأنهم آمنوا، فعند هذا قالوا: فاغفر لنا ذنوبنا، والفاء في قوله: {فاغفر} فاء الجزاء وهذا يدل على أن مجرد الإيمان سبب لحسن طلب المغفرة من الله، ثم إن الله تعالى أجابهم إليه بقوله: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} فدلت هذه الآية على أن مجرد الإيمان سبب لحصول الغفران، إما من الابتداء وهو بأن يعفو عنهم ولا يدخلهم النار أو بأن يدخلهم النار ويعذبهم مدة ثم يعفو عنهم ويخرجهم من النار، فثبت دلالة هذه الآية من هذين الوجهين على حصول العفو. اهـ.
قال الفخر:
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في حق أصحاب الكبائر مقبولة يوم القيامة، وذلك لأن هذه الآية دلت على أن هؤلاء المؤمنين طلبوا من الله غفران الذنوب مطلقا من غير أن قيدوا ذلك بالتوبة، فأجاب الله قولهم وأعطاهم مطلوبهم فإذا قبل شفاعة المؤمنين في العفو عن الذنب، فلأن يقبل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيه كان أولى. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

هاهنا سؤال وهو أن يقال: ما الفائدة في الجمع بين المنادي وينادي؟
وجوابه: ذكر النداء مطلقا ثم مقيدا بالإيمان تفخيما لشأن المنادي، لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان، ونظيره قولك: مررت بهاد يهدي للاسلام، وذلك لأن المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لاطفاء النائرة، أو لاغاثة المكروب، أو الكفاية لبعض النوازل، وكذلك الهادي، وقد يطلق على من يهدي للطريق، ويهدي لسداد الرأي، فإذا قلت ينادي للإيمان ويهدي للإسلام فقد رفعت من شأن المنادي والهادي وفخمته. اهـ.
سؤال: فإن قيل: ما فائدة قوله: {ربنا فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سيئاتنا} وتكفير السيئات داخل في غفران الذنوب؟
قلنا الغفران مجرد فضل، والتكفير محو السيئات بالحسنات. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
سمع إن دخلت على ما يصح أن يُسْمَعَ- نحو: سمعتُ كلامكَ وقراءتك- تَعَدَّتْ لواحدٍ، فإن دخلت على ما يصح سماعهُ- بأن كان ذاتًا- فلا يصحُّ الاقتصارُ عليه وَحْدَه، بل لابد من الدلالة على شيء يُسْمَع، نحو سمعتُ رجلًا يقول كذا، وسمعت زيدًا يتكلم، وللنحويين- في هذه المسألة- قولانِ:
أحدهما: أنها تتعدى فيه- أيضا- إلى مفعولٍِ واحدٍ، والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة، أو حالًا، إن كان معرفة.
والثاني:- قول الفارسيُّ وجماعة-: أنها تتعدى لاثنين، والجملة في محلِّ الثاني منهما، فعلى قول الجمهورِ يكون يُنَادِي في محل نَصْبٍ، لأنهُ صفةٌ لمنصوبٍ قبلهُ، وعلى قول الفارسيِّ يكون في محل نصْبٍ على أنه مفعولٌ ثانٍ.
وقال الزمخشريُّ: تقول: سمعت رجلًا يقولُ كذا، وسمعت زيدًا يتكلمُ، فتوقع الفعل على الرجل، وتحذف المسموع؛ لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالًا منه، فأغناك عن ذِكْره، ولولا الوصف أو الحالُ لم يكن منه بُدٌّ، وأن تقول: سمعتُ كلامَ فلانٍ أو قَوْلَهُ.
وهذا قولُ الجمهورِ المتقدم ذِكره.
إلا أن أبا حيّان اعترض عليه، فقال وقوله: ولولا الوصفُ أو الحالُ... إلى آخره، ليس كذلك، بل لا يكونُ وَصْفٌ ولا حالٌ، ويدخل سَمِعَ على ذات على مسموع، وذلك إذا كان في الكلام ما يُشْعِر بالمسموع- وإن لم يكن وَصْفًا ولا حالًا- ومنه قوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشعراء: 72] فأغنى ذكر طرف الدعاء عن ذكر المسموع.
وأجاز أبو البقاء في يُنَادِي أن تكون في محل نَصْبٍ على الحال من الضمير المستكن في مُنَادِيًا. فإن قيل: ما الفائدة في الجمع بين مُنَادِيًا ويُنَادِي؟
فأجاب الزمخشريُّ بأنه ذَكَر النداء مطلقًا، ثم مقيَّدًا بالإيمان، تفخيمًا لشأن المُنَادِي؛ لأنه لا مناديَ أعظمُ من منادٍ ينادي للإيمان، ونحوه قولك: مررت بهادٍ يهدي للإسلام، وذلك أن المنادِيَ إذا أطلق ذهب الوَهم إلى منادٍ للحرب، أو لإطفاء الثائرة، أو لإغاثة المكروبِ، أو لكفاية بعض النوازلِ، أو لبعض المنافعِ وكذلكَ الهادي يُطلق على مَنْ يهدي للطريق، ويهدي لسدادِ الرأي، وغير ذلك فإذا قُلْتَ: ينادي للإيمان، ويهدي للإسلام فقد رَفَعْتَ من شأن المنادِي والهادي وفخّمته.
وأجاب أبو البقاء بثلاثة أجوبةٍ:
أحدها: التوكيد، نحو: قُم قَائِمًا.
الثاني: أنه وصل به ما حسَّن التكرير، وهو الإيمان.
الثالث: أنه لو اقتصر على الاسم لجاز أن يكون سَمِعَ مقرونًا بالنداء بذكر ما ليس بنداءٍ، فلمَّا قال: يُنَادي محذوفٌ، أي: ينادي في الناس، وبجوز ألا يُرادَ مفعول، نحو: أمات وأحيا.
ونادى ودعا يتعديان باللام تارةٌ، وبإلى أخرى، وكذلك نَدَبَ.
قال الزمخشريُّ: وذلك أن معنى انتهاءِ الغايةِ ومعنى الاختصاص واقعان جميعًا، فاللام في موضعها ولا حاجةَ إلى أن يقالَ: إنها بمعنى إلى ولا أنها بمعنى الباء، ولا أنها لام العلة- أي: لأجل الإيمان- كما ذهب إليه بعضهم ووجه المجاز فيه أنه لما كان مشتملًا على الرشد وكان كل مَنْ تأمَّلَه وَصَلَ به إلى الهدى- إذا وفَّقه الله لذلك- صار كأن يدعو إلى الهُدَى، وينادي يما فيه من أنواعِ الدلائلِ، كما قيل- في جهنم-: {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وتولى} [المعارج: 17] إذْ كان مصيرهم إليها.
قوله: {أَنْ آمَنُوا} في أن قولان:
أحدهما: أنها تفسيرية؛ لأنها وقعت بعد فعل بمعنى القول لا حروفه، وعلى هذا فلا موضع لها من الإعرابِ.
ثانيهما: أنها مصدرية، وصلت بفعل الأمر، وفي وَصْلِها به نظرٌ، من حيثُ إنها إذا انسبك منها وما بعدها مصدر تفوت الدلالة على الأمرية، واستدلوا على وَصْلِها بالأمر بقولهم. كتبت إليه بأن قُمْ فهي- هنا- مصدرية ليس إلا، وإلا يلزم عدم تعلُّق حرف الجر، وإذا قيل بأنها مصدرية فالأصل التعدي إليها بالباء، أي: بأن آمنوا، فيكون فيها المذهبانِ المشهورانِ- الجرُّ والنصبُ.
قوله: {فآمَنَّا} عطف على ما {سَمِعْنَا} والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبولِ وتسبب الإيمان على السَّماع من غير مُهْلَة، والمعنى: فآمنا بربنا.
قوله: {رَبَّنَا فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} اعلم أنهم قد طلبوا من الله في هذا الدعاءِ ثلاثةَ أشياءٍ:
أحدهَا: غفران الذنوب، والغفران: هو الستر والتغطية.
ثانيها: التكفير، وهو التغطية- أيضا- يقال: رجل مُكَفَّرٌ بالسِّلاح- أي: مُغَطَّى- ومنه الكُفْر- أيضا-
قال الشاعرُ: [الكامل]
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ ظَلاَمُهَا

فالمغفرة والتكفير- بحسب اللغة- معناهما شيء واحد، وأما المفسرون فقال بعضهم: المرادُ بهما شيءٌ واحدٌ، وإنما أعيد ذلك للتأكيد؛ لأن الإلحاحَ والمبالغة في الدعاء أمرٌ مطلوبٌ.
وقيل: المرادُ بالأول ما تقدم من الذنوب، وبالثاني المستأنفُ.
وقيل: المرادُ بالغُفْران ما يزول بالتوبة، وبالتكفير ما تكفِّره الطاعةُ العظيمةُ.
وقيل: المرادُ بالأولِ: ما أتى به الإنسانُ مع العلمِ بكونهِ معصية، وبالثاني ما أتى به مع الجَهْل.
ثالثها: قوله: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبرار} أي: توفَّنا معدودين في صُحْبَتِهم، فيكون الظرفُ متعلِّقًا بما قَبْلهُ، وقيل: تُجَوَّزَ به عن الزمان ويجوز أن يكون حالًا من المفعول، فيتعلق بمحذوف.
وأجازَ مَكِّيٍّ، وأبو البقاءِ: أن يكون صفة لموصوف محذوف، أي: أبرارًا مع الأبرارِ، كقوله: [الوافر]
كأنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أقَيْشٍ ** يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنّ

أي: كأنك جمل من جمال.
قال أبو البقاء: تقديره أبرارًا مع الأبرار، وأبرارًا- على هذا- حالٌ. والأبرار يجوز أن يكون جمع بارّ- كصاحب وأصحاب، ويجوز أن يكون جمع بَرٍّ، بزنة: كَتِف وأكتاف، ورَبّ وأرْبَاب. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}.
يعني أَجَبْنَا الداعي ولكن أنت الهادي، فلا تَكِلْنَا إلينا، ولا ترفع ظلَّ عنايتك عَنَّا.
والإيمان الدخول في مُوجِبات الأمان، وإنما يؤمِن بالحق من أَمَّنَه الحق، فأَمَانُ الحق للعبد- الذي هو إجارته- يوجِب إيمانَ العبدِ بالحق الذي هو تصديقه ومعرفته.
{وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ}: وهم المختصون بحقائق التوحيد، القائمون لله بشرائط التفريد، والواقفون مع الله بخصائص التجريد. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}.
فكأن الإنسان بقلبه وفكره قبل أن يجيء له الرسول يجب أن يتنبه إلى ما في الكون من آيات، وعليه أن يستشرف أن وراء الكون قوة، ولكن هذه القوة مبهمة في ذهنه. ما هي؟ أنه يرى الكون العجيب فيقول لنفسه: من المستحيل أن يكون هذا الكون بلا خالق. إن وراءه قوة لها حكمة ولها قدرة. هذا قصارى ما يصل إليه العقل ولكن أيستطيع العقل أن يدرك أن القوة اسمها الله؟ أيستطيع العقل أن يدرك ماذا تطلب القوة منه؟
لا. إذن لابد من رسول يبلغ عن تلك القوة. ولذلك قلنا: إن تلك هي الزلة التي وقع فيها الفلاسفة؛ لأن الفلاسفة هم الذين بحثوا وراء المادة. ونحن نعلم أن العلم ينقسم إلى قمسين، قسم مادي قائم على التجربة، وقسم ميتا فيزيقى يبحث فيما وراء المادة. وهذا العلم متاهة الفلاسفة، وهو المضلة التي لم تلتق فيها مدرسة بمدرسة، ولا تمليذ في مدرسة مع تلميذ آخر في مدرسة.