فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اعلم أنه ليس المراد أنه لا يضيع نفس العمل، لأن العمل كلما وجد تلاشى وفنى، بل المراد أنه لا يضيع ثواب العمل، والاضاعة عبارة عن ترك الاثابة فقوله: {لاَ أُضِيعُ} نفي للنفي فيكون اثباتا، فيصير المعنى: اني أوصل ثواب جميع أعمالهم إليكم، إذا ثبت ما قلنا فالآية دالة على أن أحدا من المؤمنين لا يبقى في النار مخلدا، والدليل عليه أنه بايمانه استحق ثوابا، وبمعصيته استحق عقابا، فلابد من وصولهما إليه بحكم هذه الآية والجمع بينهما محال، فإما أن يقدم الثواب ثم ينقله إلى العقاب وهو باطل بالإجماع، أو يقدم العقاب ثم ينقله إلى الثواب وهو المطلوب. اهـ.
قال الفخر:
جمهور المفسرين فسروا الآية بأن معناها أنه تعالى قبل منهم أنه يجازيهم على أعمالهم وطاعاتهم ويوصل ثواب تلك الأعمال إليهم.
فإن قيل: القوم أولا طلبوا غفران الذنوب، وثانيا إعطاء الثواب فقوله: {أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} إجابة لهم في إعطاء الثواب، فأين الإجابة في طلب غفران الذنوب؟
قلنا: أنه لا يلزم من إسقاط العذاب حصول الثواب، لكن يلزم من حصول الثواب سقوط العقاب فصار قوله: {أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} اجابة لدعائهم في المطلوبين.
وعندي في الآية وجه آخر: وهو أن المراد من قوله: {أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ} أني لا أضيع دعاءكم، وعدم إضاعة الدعاء عبارة عن إجابة الدعاء، فكان المراد منه أنه حصلت إجابة دعائكم في كل ما طلبتموه وسألتموه. اهـ.
قال الفخر:
المعنى: أنه لا تفاوت في الإجابة وفي الثواب بين الذكر والأنثى إذا كانا جميعا في التمسك بالطاعة على السوية، وهذا يدل على أن الفضل في باب الدين بالأعمال، لا بسائر صفات العاملين، لأن كون بعضهم ذكرا أو أنثى، أو من نسب خسيس أو شريف لا تأثير له في هذا الباب، ومثله قوله تعالى: {لَّيْسَ بأمانيكم وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] وروي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله إني لأسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت هذه الآية. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله تعالى: {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ}.
ففيه وجوه: أحسنها أن يقال: {مِنْ} بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض، ومثل بعض في الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
قال القفال: هذا من قولهم: فلان مني أي على خلقي وسيرتي، قال تعالى: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى} [البقرة: 249] وقال عليه الصلاة والسلام: «من غشنا فليس منا» وقال: «ليس منا من حمل علينا السلاح» فقوله: {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} أي بعضكم شبه بعض في استحقاق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، فكيف يمكن إدخال التفاوت فيه؟. اهـ.
قال الفخر:
والمراد من قوله: {فالذين هاجروا} الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد من الذين أُخرجوا من ديارهم الذين ألجأهم الكفار إلى الخروج، ولا شك أن رتبة الأولين أفضل لأنهم اختاروا خدمة الرسول عليه السلام وملازمته على الاختيار، فكانوا أفضل وقوله: {وَأُوذُواْ في سَبِيلِى} أي من أجله وسببه {وقاتلوا وَقُتِلُواْ} لأن المقاتلة تكون قبل القتال، قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو {وَقَاتِلُواْ} بالألف أولا {وَقُتّلُواْ} مخففة، والمعنى أنهم قاتلوا معه حتى قتلوا، وقرأ ابن كثير وابن عامر {وَقَاتِلُواْ} أولا {وَقُتّلُواْ} مشددة قيل: التشديد للمبالغة وتكرر القتل فيهم كقوله: {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب} [ص: 50] وقيل: قطعوا عن الحسن، وقرأ حمزة والكسائي {وَقُتّلُواْ} بغير ألف أولا {وَقَاتِلُواْ} بالألف بعده وفيه وجوه:
الأول: أن الواو لا توجب الترتيب كما في قوله: {واسجدى واركعى} [آل عمران: 43] والثاني: على قولهم: قتلنا ورب الكعبة، إذا ظهرت أمارات القتل، أو إذا قتل قومه وعشائره.
والثالث: بإضمار قد أي قتلوا وقد قاتلوا.
ثم إن الله تعالى وعد من فعل هذا بأمور ثلاثة: أولها: محو السيئات وغفران الذنوب وهو قوله: {لأُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سيئاتهم} وذلك هو الذي طلبوه بقولهم: {فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سيئاتنا} [آل عمران: 193] وثانيها إعطاء الثواب العظيم وهو قوله: {وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وهو الذي طلبوه بقولهم: وآتنا ما وعدتنا على رسلك، وثالثها: أن يكون ذلك الثواب ثوابا عظيما مقرونا بالتعظيم والاجلال وهو قوله: {مِنْ عِندِ الله} وهو الذي قالوه: {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} لأنه سبحانه هو العظيم الذي لا نهاية لعظمته، وإذا قال السلطان العظيم لعبده: إني أخلع عليك خلعة من عندي دل ذلك على كون تلك الخلعة في نهاية الشرف وقوله: {ثَوَابًا} مصدر مؤكد، والتقدير: لأثيبنهم ثوابا من عند الله، أي لأثيبنهم إثابة أو تثويبا من عند الله، لأن قوله لأكفرن عنهم ولأدخلنهم في معنى لأثيبنهم.
ثم قال: {والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب} وهو تأكيد ليكون ذلك الثواب في غاية الشرف لأنه تعالى لما كان قادرا على كل المقدورات، عالما بكل المعلومات، غنيًا عن الحاجات، كأن لا محالة في غاية الكرم والجود والاحسان، فكان عنده حسن الثواب. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {فالذين هاجروا} ضرب تفصيل لما أجمل في العمل وتعداد لبعض أحاسن أفراده مع المدح والتعظيم.
وأصل المهاجرة من الهجرة وهو الترك وأكثر ما تستعمل في المهاجرة من أرض إلى أرض أي ترك الأولى للثانية مطلقًا أو للدين على ما هو الشائع في استعمال الشرع، والمتبادر في الآية هو هذا المعنى وعليه يكون قوله تعالى: {وَأُخْرِجُواْ مِن ديارهم} عطف تفسير مع الإشارة إلى أن تلك المهاجرة كانت عن قسر واضطرار لأن المشركين آذوهم وظلموهم حتى اضطروا إلى الخروج، ويحتمل أن يكون المراد هاجروا الشرك وتركوه وحينئذٍ يكون {وَأُخْرِجُواْ} الخ تأسيسًا {وَأُوذُواْ في سَبِيلِى} أي بسبب طاعتي وعبادتي وديني وذلك سبيل الله تعالى، والمراد من الإيذاء ما هو أعم من أن يكون بالإخراج من الديار، أو غير ذلك مما كان يصيب المؤمنين من قبل المشركين {وَقُتّلُواْ} أي الكفار في سبيل الله تعالى: {وَقُتّلُواْ} استشهدوا في القتال.
وقرأ حمزة والكسائي بالعكس، ولا إشكال فيها لأن الواو لا توجب ترتيبًا، وقدم القتل لفضله بالشهادة هذا إذا كان القتل والمقاتلة من شخص واحد، أما إذا كان المراد قتل بعض وقاتل بعض آخر ولم يضعفوا بقتل إخوانهم فاعتبار الترتيب فيها أيضا لا يضر، وصحح هذه الإرادة أن المعنى ليس على اتصاف كل فرد من أفراد الموصول المذكور بكل واحد مما ذكر في حيز الصلة بل على اتصاف الكل بالكل في الجملة سواء كان ذلك باتصاف كل فرد من الموصول بواحد من الأوصاف المذكورة أو باثنين منها، أو بأكثر فحينئذٍ يتأتى ما ذكر إما بطريق التوزيع أي منهم الذين قتلوا ومنهم الذين قاتلوا، أو بطريق حذف بعض الموصولات من البين كما هو رأي الكوفيين أي والذين قتلوا والذين قاتلوا، ويؤيد كون المعنى على اتصاف الكل بالكل في الجملة أنه لو كان المعنى على اتصاف كل فرد بالكل لكان قد أضيع عمل من اتصف بالبعض مع أن الأمر ليس كذلك، والقول بأن المراد قتلوا وقد قاتلوا فقد مضمرة، والجملة حالية مما لا ينبغي أن يخرّج عليه الكلام الجليل.
وقرأ ابن كثير وابن عامر {قاتلوا} بالتشديد للتكثير.
{لأكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سيئاتهم} جواب قسم محذوف أي والله لأكفرن، والجملة القسمية خبر للمبتدأ الذي هو الموصول.
وزعم ثعلب أن الجملة لا تقع خبرًا ووجهه أن الخبر له محل وجواب القسم لا محل له وهو الثاني فإما أن يقال: إن له محلًا من جهة الخبرية ولا محل له من جهة الجوابية.
أو الذي لا محل له الجواب والخبر مجموع القسم وجوابه.
ولا يضر كون الجملة إنشائية لتأويلها بالخبر، أو بتقدير قول كما هو معروف في أمثاله والتكفير في الأصل الستر كما أشرنا إليه فيما مر ولاقتضائه بقاء الشيء المستور وهو ليس بمراد فسره هنا بعض المحققين بالمحو، والمراد من محو السيئات محو آثارها من القلب، أو من ديوان الحفظة وإثبات الطاعة مكانها كما قال سبحانه: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحا فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} [الفرقان: 70] والمراد من السيئات فيما نحن فيه الصغائر لأنها التي تكفر بالقربات كما نقله ابن عبد البر عن العلماء لكن بشرط اجتناب الكبائر كما حكاه ابن عطية عن جمهور أهل السنة، واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر».
{ولأدخلنهم جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} إشارة إلى ما عبر عنه الداعون فيما قبل بقولهم: {وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رسلك} [آل عمران: 194] على أحد القولين، أو رمز إلى ما سألوه بقولهم: {وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} [آل عمران: 194] على القول الآخر {ثَوَابًا} مصدر مؤكد لما قبله لأن معنى الجملة لأثيبنهم بذلك فوضع ثوابًا موضع الإثابة وإن كان في الأصل اسمًا لما يثاب به كالعطاء لما يعطى، وقيل: أنه تمييز أو حال من جنات لوصفها، أو من ضمير المفعول أي مثابًا بها أو مثابين، وقيل: أنه بدل من جنات، وقال الكسائي: أنه منصوب على القطع، وقوله تعالى: {مِنْ عِندِ الله} صفة لثوابًا وهو وصف مؤكد لأن الثواب لا يكون إلا من عنده تعالى لكنه صرح به تعظيمًا للثواب وتفخيمًا لشأنه، ولا يرد أن المصدر إذا وصف كيف يكون مؤكدًا، لما تقرر في موضعه أن الوصف المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكدًا.
وقيل: أنه متعلق بثوابًا باعتبار تأويله باسم المفعول.
وقوله سبحانه: {والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب} تذييل مقرر لمضمون ما قبله، والاسم الجليل مبتدأ خبره {عِندَهُ} و{حُسْنُ الثواب} مرتفع بالظرف على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ، أو هو مبتدأ ثان والظرف خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والكلام مخرّج مخرج قول الرجل: عندي ما تريد يريد اختصاصه به وتملكه له، وإن لم يكن عنده فليس معنى عنده حسن الثواب أن الثواب بحضرته وبالقرب منه على ما هو حقيقة لفظ عنده، بل مثل هناك كونه بقدرته وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال الشيء يكون بحضرة أحد لا يدعيه لغيره، والاختصاص مستفاد من هذا التمثيل حتى لو لم يجعل {حُسْنُ الثواب} مبتدأ مؤخرًا كان الاختصاص بحاله، وقد أفادت الآية مزيد فضل المهاجرين ورفعة شأنهم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ثلاثة يدخلون الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره وإن الله تعالى يدعو يوم القيامة الجنة فتأتى بزخرفتها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك ما هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل الملائكة عليهم من كل باب» {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} [الرعد: 42]. اهـ. بتصرف يسير.

.قال أبو حيان:

{فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي} لما ذكر تعالى أنه لا يضيع عمل عاملٍ، ذكرَ مَنْ عمل الأعمال السنية التي يستحق بها أن لا يضيع عمله، وأن لا يترك جزاؤه.
فذكر أولا إلهجرة وهي: الخروج من الوطن الذي لا يمكن إقامة دينه فيه إلى المكان الذي يمكن ذلك فيه، وهذا من أصعب شيء على الإنسان، إذ هو مفارقة المكان الذي ربا فيه ونشأ مع أهله وعلى طريقتهم، ولولا نوازع الغوى المربى على وازع النشأة ما أمكنه ذلك.
ألا ترى لقول الشاعر هما لابن الرومي:
وحبب أوطان الرجال إليهم ** مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ** عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا

وقال ابن الصفي رفاعة بن عاصم الفقعسي:
أحب بلاد الله ما بين منعج ** إليّ وسلمى أن يصوب سحابها

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ** وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها

بها طال تجراري ردائي حقبة ** وزينت ريّا الحجل درم كعابها

واسم الهجرة وفضلها الخاص قد انقطع بعد الفتح، ولكنّ المعنى باق إلى يوم القيامة.
وقد تقدّم معنى المفاعلة في هاجر، ثم ذكر الإخراج من الديار وهو: أنهم ألجئوا واضطروا إلى ذلك، وفيه إلزام الذنب للكفار.
والمعنى: أن المهاجرين إنما أخرجهم سوء عشرة الكفار وقبيح أفعالهم معهم، كما قال تعالى: {وإخراج أهله منه أكبر عند الله} وإذا كان الخروج برأي الإنسان وقوة منه على الأعداء جاء الكلام بنسبة الخروج إليه، فقيل: خرج فلان، قال معناه: ابن عطية.
قال: فمن ذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده.
وردني إلى الله من طردته كل مطرّد

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت طرّدتني كل مطرد» إنكارًا عليه.
ومن ذلك قول كعب بن زهير:
في عصبة من قريش قال قائلهم ** ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال انكاس ولا كشف ** عند اللقاء ولا ميل معازيل

انتهى.
ثم ذكر الإذابة في سبيل الله، والمعنى: في دين الله.
وبدأ أولًا بالخاص وهي الهجرة وكانت تطلق على الهجرة إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثنى بما ينشأ عنه ما هو أعم من الهجرة وهو الإخراج من الديار.
فقد يخرج إلى الهجرة إلى المدينة أو إلى غيرها كخروج من خرج إلى الحبشة، وكخروج أبي جندل إذ لم يترك يقيم بالمدينة.
وأتى ثالثًا بذكر الإذاية وهي أعم من أن تكون بإخراج من الديار أو غير ذلك من أنواع الأذى، وارتقى بعد هذه الأوصاف السنية إلى رتبة جهاد من أخرجه ومقاومته واستشهاده في دين الله، فجمع بين رتب هذه الأعمال من تنقيص أحواله في الحياة لأجل دين الله بالمهاجرة، وإخراجه من داره وإذايته في الله، ومآله أخيرًا إلى إفنائه بالقتل في سبيل الله.
والظاهر: الأخبار عن مَن جمع هذه الأوصاف كلها بالخبر الذي بعد، ويجوز أن يكون ذلك من عطف الصلاة.
والمعنى: اختلاف الموصول لا اتحاده، فكأنه قيل: فالذين هاجروا، والذين أخرجوا والذين أوذوا، والذين قاتلوا، والذين قتلوا، ويكون الخبر عن كل من هؤلاء.