فصل: مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا كان سعد بن الربيع من النقباء فلطم امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهيد بسبب نشوزها، فأخذها أبوها إلى الرسول وقال له افرشته كريمتي فلطمها، فقال صلّى اللّه عليه وسلم لتقتصنّ منه، فانصرفت لتقتصّ منه، فقال صلّى اللّه عليه وسلم ارجعوا، هذا جبريل أتاني فأنزل اللّه هذه الآية فقال صلّى اللّه عليه وسلم أردنا أمرا وأراد اللّه أمرا، والذي أراد خير، ودفع القصاص بمثل هذا.
أخرج أبو داود عن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته- وهذا على تقدير عذر له- وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لو كنت آمرا أحدا أن بسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
مبالغة في لزوم طاعتها له، لأن من جعله اللّه قائما على شيء فقد أمره عليه {فَالصَّالِحاتُ} منهن {قانِتاتٌ} مخبتات مطيعات لأزواجهن {حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ} من كل ما يجب حفظه في غيبة أزواجهن من إبداء زينتهن للأجانب ومخالطتهن لهم فلا يلحقنه عارا ما من حفظ بيته وماله فلا يدخلن عليه أحدا، ولا يبذرن مما فيه، ولا يعطين أحدا منه دون علمه، لأنهن راعيات في بيوت أزواجهن، وكل راع مسئول عن رعيته عند اللّه تعالى، فإذا أعطت المرأة شيئا من بيت زوجها بغير رضاه يعد سرقة وتعاقب عليه شرعا، وقد أخذ عليهن العهد أن لا يسرقن كما مرّ في الآية 12 من الممتحنة، ولا يفشين سرّه، لأنه أمانة، فتعد خائنة بافشائه لأنها أمينة عليه، وذلك {بِما حَفِظَ اللَّهُ} لهن على الرجال من القيام بحقهن والذب عنهن.
أخرج النسائي عن أبي هريرة قال قيل يا رسول اللّه أي النساء خير؟
قال التي تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره.
ومن وصايا الحكماء كن فوق المرأة بالسن والمال والحب، ولتكن فوقك بالصبر والجمال والأدب، وإلا احتقرتك واحتقرتها.
قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ} شرودهن عن طاعتكم {فَعِظُوهُنَّ} بما يلين جانبهن ويرقق قلوبهن وخوفوهن اللّه، فإن لم يرجعن فاستعملوا معهن الطريقة الأخرى وهي {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ} فإن لم ينجح بهن فاجنحوا إلى الطريقة الثالثة وهي {وَاضْرِبُوهُنَّ} ضرب تأديب غير مبرح ولا مشين، روى البخاري ومسلم عن عبد اللّه بن زمعة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، وإنما أمر الرسول بهذا لأن النساء ضعاف بنية ضعاف قلب يرعبن قبل الخوف، والضرب في الآية مطلق فيحمل على المعتاد، لذلك ينبغي للرجل أن يجتنب الضرب المبرح المؤثر في الجسد، والمواقع التي يحتمل معها حصول ما يعيب المرأة من كسر أو عور أو طرش، ولا يضرب الوجه لشرفه، وإذا كان ضرب الحيوان.
على وجهه ممنوعا فكيف بالإنسان؟ قال صلّى اللّه عليه وسلم يعاقب ضارب الحيوان بوجهه الحديث وقال صلّى اللّه عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا.
وأخرج أبو داود عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال قلت يا رسول اللّه ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.
هذا وحقه عليها الامتثال وحفظ نفسها وبيتها، وأن تعمل كل ما يرضيه، وتجتنب كل ما يسخطه، ولا تدخل أحدا على بيته من أقاربها أو جيرانها إلا برضاه وإذنه، ولا تجلس أحدا على فراشه أيا كان وتنظف أولاده، وتنظم بيته، وتطيعه في كل شيء إلا فيما حرم اللّه.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وأخرج الترمذي عن طلق بن علي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال إذا دعا الرجل امرأته إلى حاجة فلتأته وإن كانت على التنور.
وله عن أم سلمة قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة وله عن معاذ أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك اللّه، وإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} فيما تأمرونهنّ وتنهونهن بعد هذا {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} آخر تحتجون به عليهن ولا تغترّوا بقيامكم عليهن {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} عليكم وعليهن وعلى الخلق أجمع، فراقبوه فيهن وخافوا انتقامه من أن يسلط عليكم من هو أكبر منكم.
تشير هذه الجملة إلى مراعاة حقوق النساء إذا كن طائعات لأزواجهن لأن اللّه تعالى يقول إن هؤلاء النساء وإن كن ضعافا لا يقدرن على دفع الظلم عن أنفسهن من رجالهن المتعالين عليهن المتكبرين، فإن اللّه المتعال على كل عال، الكبير على كل كبير، قادر على أن ينتصف لهن ممن يظلمهن فاحذروه أيها الناس ولا تعتدوا عليهن، وراعوهن، فإن اللّه عظيم جبار منتقم قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما} أي الزوجين بأن انشق كل منهما على الآخر ولم يطلق الزوج زوجته لأمر ما بعد أن جرب الطرق الثلاث المارة معها وأتى الأمر إلى أن يفصل بينهما فعليكما أيها الأولياء لهما أو وجهاء قومهما إن لم يكن لهما أولياء أو الحكام إذا دعت الحاجة لمراجعتهم {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِها} لحل الخلاف بينهما إصلاحا أو تفريقا، وعليكم أيها المتصدرون لحل المشكلات وفصل المخالفات بين الناس إذا التجأ إليكم الزوجان أو أحدهما أن تزودوا الحكمين بالنصائح وعدم التزام جهة غير الحق، ووصوهما بإخلاص النية معهما لأنهما {إِنْ يُرِيدا إِصْلاحًا} بين الزوجين وما ودع إليهما من أمرهما ولم يتحيّزا إلى أحدهما ولم يسيئا نيتهما وكان قصدهما الإصلاح ورائدهما التوفيق بالحق بينهما {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما} أي الزوجين على يدهما، لأن اللّه تعالى يبارك في وساطتهما ويوقع بحسن سعيهما الألفة بينهما على الاجتماع والإمساك بالمعروف، أو يطيبا خاطر كل منهما على الفراق بإحسان، ويغني اللّه كلا من سعته {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا} بما في قلوب الزوجين والحكمين {خَبِيرًا (35)} بالمعتدي منهم.
ترمي هذه الجملة إلى تهديد كل من الزوجين إذا كان قصدهما الحيف، وكل من الحكمين إذا مالا لجهة دون جهة، أو كل منهما التزم صاحبه على بطله.
وتشير إلى أنه تعالى لا يوفق الحكمين إذا لم يحسنا نيتهما على الوجه المار ذكره إلى إنجاز مهمّتهما، ولا الزوجين على الخلاص بعضهم من بعض بالمعروف والاجتماع بإحسان، وإنه تعالى سيجازي كلا منهم على صنيعه إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والأولى أن يكون الحكمان أبويهما أو جدّيهما أو أخويهما، لأنهما أدرى بما هو بينهما وأكثر شفقة عليهما وأعلم بحقيقة مصالحهما، ولا يقال إنه لا يجوز أن يكون الحكم من أقارب المحكم كما صرحت به المجلة الجليلة، لأن هذا حكم خاص بهذه القضايا المتعلقة بين الزوجين وذلك حكم عام في بقية القضايا الحقوقية وغيرها، والخاص مقدم على العام.
روى الشافعي سنده عن علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه أنه جاءه رجل وامرأة مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علام شأن هذين؟ قالوا وقع بينهما شقاق، قال فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما إن رأيتما أن يجتمعا جمعتما وإن رأيتما أن يفترقا فرّقتما؟ فقالت المرأة رضيت بما في كتاب اللّه عليّ فيه ولي، وقال الرجل أما الفرقة فلا، قال كذبت، واللّه حتى تقرّ مثل ما أقرّت به.
الحكم الشرعي هو ما ذكره اللّه تعالى، إلا أنه إذا لم يوجد من أقارب الطرفين من يصلح للتحكيم ولم يتفقا على أحد ممن يعتمدان عليهما فينتخب القاضي رجلين من ذري العلم والصلاح والوجاهة والأمانة، ولا يلتفت إلى عدم رضائهما، لقوله- عليه الرضاء- للزوج كذبت كما مر آنفا.
وعليه فإذا لم يفوض الطرفان أو أحدهما إلى الحكم بالإصلاح أو التفريق فيفوض إليهما القاضي ذلك، وأن يحكما بما هو الموافق لرأيهما رضيا أم أبيا، وعلى الحكمين أن يتقيا اللّه بذلك، ويراقبا وقوفهما غدا بين يدي اللّه تعالى.

.مطلب أجمع آية في القرآن لمصارف الصدقة وحق القرابة والجوار وشبههما وذم البخل:

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ} وحده أيها الناس {وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} من خلقه ولا تزيغوا عن أمره، فهو الذي شرع هذا الشرع، وهو السميع البصير بأقوالكم وأعمالكم، وهو الأحق بالعبادة ممن لا يبصر ولا يسمع ولا يفقه {وَبِالْوالِدَيْنِ} أيها الناس أحسنوا {إِحْسانًا} كثيرا أداء لحقهما {وَبِذِي الْقُرْبى} أحسنوا أيضا لأنهم رحمكم وأحق بإحسانكم من غيرهم {وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ} ايضا أشركوهم بإحسانكم لحاجتهم إليه {وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى} منك ومن بيتك، فإن قريبك له حق الجوار وحق القرابة عليك وحق الإسلام، وإن لم يكن مسلما فحق الجوار والقرابة فقط وهو جدير بأن تحسن إليه أكثر من غيره {وَالْجارِ الْجُنُبِ}.
الذي بعيد جواره عنك من جوانب دارك والأجنبي عنك، وقيل هو الملاصق لدارك، ولا يتجه هذا إلا إذا خص الأول بالقريب وإلا فلا {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} زوجتك، لأنها مصاحبة لك لاصقة بجنبك، والقصير أي الغريب الذي ينزل بجوارك ليأمن بظلك من الناس {وَابْنِ السَّبِيلِ} المسافر الذي انقطع عن أهله لنفاد نفقته، أو الذي لم يبق لديه ما يوصله لأهله {وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} من العبيد والحيوانات فهذه كلها محتاجة إلى إحسان الذين خولهم اللّه تعالى نعمه فعليهم أن يحسنوا إليهم مما من اللّه عليهم، ولا يتكبروا بما يعطونهم إياه {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا} متكبرا متجبرا على الناس {فَخُورًا (36)} بنفسه وبما أوتي من فضل اللّه على خلقه لا ينظر إلى أقاربه وجيرانه ولا يقوم بحقوق المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وأبناء السبيل ويأنف عن مخالطتهم، ويرى نفسه خيرا منهم.
روى مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه، قيل من يا رسول اللّه؟ قال من أدرك والديه او أحدهما ثم لم يدخل الجنة». اي بسبب رضاهما.
وروى البخاري ومسلم عن أنس قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره (أجله) فليصل رحمه».
وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال قال صلّى اللّه عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا- وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما»- ورويا عن أبي هريرة قال: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل اللّه».
ورويا عن ابن عمر قال قال صلّى اللّه عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
ورويا عنه انه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
واخرج أبو داود عن علي كرم اللّه وجهه انه قال كان آخر كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «الصلاة الصلاة، وانقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم».
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لا ينظر اللّه يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء». وفي رواية ابي هريرة إلى من جرّ إزاره بطرا.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم: «اتقوا اللّه في النساء اتقوا اللّه في النساء، اتقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم، اتقوا اللّه فيما ملكت ايمانكم، اتقوا اللّه في المرأة الأرملة، والصبي اليتيم».
وفي ذكر اللّه في هذه الآية الأصناف الثمانية الذين هم أولى بالإحسان وأمر المحسنين أن يحسنوا إليهم دلالة على أنها أجمع آية في القرآن في هذا المعنى، وسيأتي نظيرها في سورة التوبة الآية 62 الآتيه الواردة في مصارف صدقة الفرض، ثم أعقبها بذم البخل والبخلاء الذي هو أقبح خصلة في الناس وخاصة في الأغنياء لأنها عار عليهم في الدنيا وعذاب في الآخرة فقال جل قوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فيخفونه ولا ينفقونه في وجوه البر، ولا يتصدقون بفضله إلى الأصناف المذكورة، فهؤلاء كافرون بنعم اللّه جاحدوها {وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ} أمثالهم {عَذابًا مُهِينًا (37)} لهم ومشينا بهم ومخزيا لأنهم بخلوا وأمروا غيرهم بالبخل لشدة تعلقهم به وأخفوا ما عندهم حتى انهم ليقولون لمن يطلب من إحسانهم ما عندنا شيء قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كروم بن زيد وحيي بن اخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت وأسامة بن حبيب ونافع بن ابي نافع ويحيى بن عمر كانوا يخالطون أناسا من الأنصار ويقولون لهم لا تنفقوا على الناس أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون.