فصل: قال أبو البقاء العكبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو البقاء العكبري:

سورة النساء:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قد مضى القول في قوله تعالى: {يا أيها الناس} في أوائل البقرة {من نفس واحدة} في موضع نصب بخلقكم ومن لابتداء الغاية، وكذلك {منها زوجها} و{منهما رجالا كثيرا} نعت لرجال، ولم يؤنثه لأنه حمله على المعنى لأن رجالا بمعنى عدد أو جنس أو جمع كما ذكر الفعل المسند إلى جماعة المؤنث كقوله: وقال نسوة، وقيل كثيرا نعت لمصدر محذوف: أي بثا كثيرا {تساءلون} يقرأ بتشديد السين، والأصل تتساءلون فأبدلت التاء الثانية سينا فرارا من تكرير المثل، والتاء تشبه السين في الهمس، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية لأن الباقية تدل عليها.
ودخل حرف الجر في المفعول لأن المعنى تتحالفون به {والأرحام} يقرأ بالنصب، وفيه وجهان: أحدهما معطوف على اسم الله: أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها، والثانى هو محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول مررت بزيد وعمرا، والتقدير الذي تعظمونه والأرحام، لأن الحلف به تعظيم له.
ويقرأ بالجر قيل هو معطوف على المجرور، وهذا لا يجوز عند البصريين، وإنما جاء في الشعر على قبحه، وأجازه الكوفيون على ضعف، وقيل الجر على القسم، وهو ضعيف أيضا لأن الأخبار وردت بالنهي عن الحلف بالآباء، ولأن التقدير في القسم: وبرب الأرحام، هذا قد أغنى عنه ما قبله، وقد قرئ شاذا بالرفع وهو مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: والأرحام محترمة أو واجب حرمتها.
قوله تعالى: {بالطيب} هو المفعول الثاني لتتبدلوا {إلى أموالكم} إلى متعلقة بمحذوف وهو في موضع الحال: أي مضافة إلى أموالكم، وقيل هو مفعول به على المعنى، لأن معنى لا تأكلوا أموالهم: لاتضيعوها {إنه} الهاء ضمير المصدر الذي دل عليه تأكلوا: أي أن الأكل والأخذ.
والجمهور على ضم الحاء من {حوبا} وهو اسم للمصدر، وقيل مصدر، ويقرأ بفتحها وهو مصدر حاب يحوب: إذا أثم.
قوله تعالى: {وإن خفتم} في جواب هذا الشرط وجهان: أحدهما هو قوله: {فانكحوا ما طاب لكم} وإنما جعل جوابا لأنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء، مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن، فكأنه قال: إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذاك.
والوجه الثاني أن جواب الشرط قوله: {فواحدة} لأن المعنى إن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا منهن واحدة، ثم أعاد هذا المعنى في قوله: {فإن خفتم أن لا تعدلوا} لما طال الفصل بين الأول وجوابه، ذكر هذا الوجه أبو علي {أن لا تقسطوا} الجمهور على ضم التاء وهو من أقسط إذا عدل، وقرئ شاذا بفتحها وهو من قسط إذا جار، وتكون لا زائدة {ما طاب} {ما} هنا بمعنى من، ولها نظائر في القرآن ستمر بك إن شاء الله تعالى، وقيل ما تكون لصفات من يعقل، وهى هنا كذلك، لأن ما طاب يدل على الطيب منهن، وقيل هي نكرة موصوفة تقديره: فانكحوا جنسا طيبا لكم، أو عددا يطيب لكم، وقيل هي مصدرية والمصدر المقدر بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل: أي انكحوا الطيب {من النساء} حال من ضمير الفاعل في طاب {مثنى وثلاث ورباع} نكرات لا تنصرف للعدل والوصف، وهى بدل من ما، وقيل هي حال من النساء، ويقرأ شاذا وربع بغير ألف، ووجهها أنه حذف الألف كما حذفت في خيم والأصل خيام، وكما حذفت في قولهم أم والله، والواو في {وثلاث ورباع} ليست للعطف الموجب للجمع في زمن واحد، لأنه لو كان كذلك لكان عبثا، إذ من أدرك الكلام يفصل التسعة هذا التفصيل، ولأن المعنى غير صحيح أيضا لإن مثنى ليس عبارة عن ثنتين فقط، بل عن ثنتين ثنتين وثلاث عن ثلاث ثلاث وهذا المعنى يدل على أن المراد التخيير لا الجمع {فواحدة} أن فانكحوا واحدة، ويقرأ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي فالمنكوحة واحدة ويجوز أن يكون التقدير: فواحدة تكفى {أو ما ملكت} أو للتخيير على بابها، ويجوز أن تكون للاباحة، وما هنا بمنزلة ما في قوله: ما طاب {أن لا تعولوا} أي إلى أن لا تعولوا، وقد ذكرنا مثله في آية الدين.
قوله تعالى: {نحلة} لأن معنى آتوهن أنحلوهن، وقيل هو مصدر في موضع الحال، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الفاعلين: أي ناحلين، وأن يكون من الصدقات، وأن يكون من النساء: أي منحولات {نفسا} تمييز، والعامل فيه طبن، والمفرد هنا في موضع الجمع لأن المعنى مفهوم، وحسن ذلك أن نفسا هنا في معنى الجنس، فصار كدرهما في قولك: عندي عشرون درهما {فكلوه} الهاء تعود على شئ، والهاء منه تعود على المال لأن الصدقات مال {هنيئا} مصدر جاء على فعيل، وهو نعت لمصدر محذوف: أي أكلا هنيئا، وقيل هو مصدر في موضع الحال من الهاء، والتقدير: مهنأ أو طيبا و{مريئا} مثله والمرئ فعيل بمعنى مفعل، لإنك تقول: أمرأنى الشيء إذا لم تستعمله مع هناني فإن قلت هناني ومرانى لم تأت بالهمزة في مرانى لتكون تابعة لهنانى.
قوله تعالى: {أموالكم التى} الجمهور على إفراد التي لأن الواحد من الإموال مذكر، فلو قال اللواتى لكان جمعا كما أن الإموال جمع، والصفة إذا جمعت من أجل أن الموصوف جمع كان واحدها كواحد الموصوف في التذكير والتأنيث، وقرئ في الشاذ اللواتى جمعا اعتبارا بلفظ الإموال {جعل الله} أي صيرها فهو متعد إلى مفعولين والأول محذوف وهو العائد، ويجوز أن يكون بمعنى خلق فيكون قياما حالا {قياما} يقرأ بالياء والألف وهو مصدر قام والياء بدل من الواو، وأبدلت منها لما أعلت في الفعل وكانت قبلها كسرة، والتقدير: التي جعل الله لكم سبب قيام أبدانكم: أي بقائها ويقرأ قيما بغير ألف وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه مصدر مثل الحول والعوض، وكان القياس أن تثبت الواو لتحصنها بتوسطها كما صحت في الحول والعوض، ولكن أبدلوها ياء حملا على قيام على اعتلالها في الفعل.
والثانى أنها جمع قيمة كديمة وديم.
والمعنى: أن الأموال كالقيم للنفوس إذ كان بقاؤها بها.
وقال أبو على: هذا لا يصح لأنه قد قرئ في قوله: {دينا قيما ملة إبراهيم} وفى قوله: {الكعبة البيت الحرام قيما} ولا يصح معنى القيمة فيهما.
والوجه الثالث أن يكون الأصل قياما، فحذفت الألف كما حذفت في خيم.
ويقرأ {قواما} بكسر القاف وبواو وألف، وفيه وجهان: أحدهما هو مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا، فصحت في المصدر لما صحت في الفعل، والثانى أنها اسم لما يقوم به الأمر وليس بمصدر ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف، وهو مصدر صحت عينه وجاءت على الأصل كالعوض ويقرأ بفتح القاف وواو وألف.
وفيه وجهان: أحدهما هو اسم للمصدر مثل السلام والكلام والدوام، والثانى هو لغة في القوم الذي هو بمعنى القامة، يقال: جارية حسنة القوام والقوام، والتقدير التي جعلها الله سبب بقاء قاماتكم {وارزقوهم فيها} فيه وجهان: أحدهما أن في على أصلها، والمعنى اجعلوا لهم فيها رزقا، والثانى أنها بمعنى من.
قوله تعالى: {حتى إذا بلغوا} حتى هاهنا غير عاملة، وإنما دخلت على الكلام لمعنى الغاية كما تدخل على المبتدإ، وجواب إذا {فإن آنستم} وجواب إن {فادفعوا} فالعامل في إذا مايتلخص من معنى جوابها، فالتقدير: إذا بلغوا راشدين فادفعوا {إسرافا وبدارا} مصدران مفعول لهما، وقيل هما مصدران في موضع الحال: أي مسرفين ومبادرين، والبدار مصدر بادرت وهو من باب المفاعلة التي تكون بين اثنين، لأن اليتيم مار إلى الكبر والولى مار إلى أخذ ماله، فكأنهما يستبقان، ويجوز أن يكون من واحد {أن يكبروا} مفعول بدارا: أي بدارا كبرهم {وكفى بالله} في فاعل كفى وجهان: أحدهما هو اسم الله، والباء زائدة دخلت لتدل على معنى الأمر، إذ التقدير: اكتف بالله، والثانى أن الفاعل مضمر، والتقدير: كفى الاكتفاء بالله، فبالله على هذا في موضع نصب مفعول به، و{شهيدا} حال، وقيل تمييز، وكفى يتعدى إلى مفعولين وقد حذفا هنا: والتقدير: كفاك الله شرهم، ونحو ذلك، والدليل على ذلك قوله: {فسيكفيكهم الله}.
قوله تعالى: {قل منه} يجوز أن يكون بدلا {مما ترك} ويجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف في ترك: أي مما تركه قليلا أو كثيرا أو مستقرا مما قل {نصيبا}.
قيل هو واقع موقع المصدر، والعامل فيه معنى ما تقدم، إذ التقدير: عطاء أو استحقاقا، وقيل هو حال مؤكدة، والعامل فيها معنى الاستقرار في قوله: {للرجال نصيب} ولهذا حسنت الحال عنها، وقيل هو حال من الفاعل في قل أو كثر، وقيل هو مفعول لفعل محذوف تقديره: أوجب لهم نصيبا، وقيل هو منصوب على إضمار أعنى.
قوله تعالى: {فارزقوهم منه} الضمير يرجع إلى المقسوم، لأن ذكر القسمة يدل عليه.
قوله تعالى: {من خلفهم} يجوز أن يكون ظرفا لتركوا، وأن يكون حالا {من ذرية ضعافا} يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لاجل الكسرة، وجاز ذلك مع حرف الاستعلاء لأنه مكسور مقدم ففيه انحدار {خافوا} يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لأن الخاء تنكسر في بعض الأحوال وهو خفت، وهو جواب لو ومعناها إن.
قوله تعالى: {ظلما} مفعول له، أو مصدر في موضع الحال {في بطونهم نارا} قد ذكر في البقرة فيه شئ، والذى يخص هذا الموضع أن في بطونهم حال من نارا:
أي نارا كائنة في بطونهم وليس بظرف ليأكلون، ذكره في التذكرة {وسيصلون} يقرأ بفتح الياء، وماضيه صلى النار يصلاها، ومنه قوله: {لا يصلاها إلا الأشقى} ويقرأ بضمها على ما لم يسم فاعله، ويقرأ بتشديد اللام على التكثير.
قوله تعالى: {للذكر مثل حظ الأنثيين} الجملة في موضع نصب بيوصى: لأن المعنى: يقرض لكم أو يشرع في أولادكم، والتقدير: في أمر أولادكم {فإن كن} الضمير للمتروكات: أي فإن كانت المتروكات، ودل ذكر الأولاد عليه {فوق اثنتين} صفة النساء: أي أكثر من اثنتين {وإن كانت واحدة} بالنصب: أي كانت الوارثة واحدة، وبالرفع على أن كان تامة، و{النصف} بالضم والكسر، لغتان وقد قرئ بهما {فلامه} بضم الهمزة، وهو الإصل، وبكسرها إتباعا لكسرة اللام قبلها وكسر الميم بعدها {وإن كانوا إخوة} الجمع هنا للاثنين، لأن الاثنين يحجبان عند الجمهور، وعند ابن عباس هو على بابه والاثنان لا يحجبان والسدس والثلث والربع والثمن بضم أوساطها وهى اللغة الجيدة، وإسكانها لغة وقد قرئ بها {من بعد وصية} يجوز أن يكون حالا من السدس، تقديره: مستحقا من بعد وصية، والعامل الظرف، ويجوز أن يكون ظرفا: أي يستقر لهم ذلك بعد إخراج الوصية، ولابد من تقدير حذف المضاف لأن الوصية هنا المال الموصى به، وقيل تكون الوصية مصدرا مثل الفريضة {أو دين} أو لأحد الشيئين ولا تدل على الترتيب، إذ لافرق بين قولك: جاءني زيد أو عمرو، وبين قولك جاء عمرو أو زيد، لأن أو لأحد الشيئين، والواحد لا ترتيب فيه، وبهذا يفسر قول من قال التقدير: من بعد دين أو وصية، وإنما يقع الترتيب فيما إذا اجتمعا فيقدم الدين على الوصية {آباؤكم وأبناؤكم} مبتدأ {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} الجملة خبر المبتدإ، وأيهم مبتدأ، وأقرب خبره، والجملة في موضع نصب بتدرون، وهى معلقة عن العمل لفظا لأنها من أفعال القلوب، ونفعا تمييز، و{فريضة} مصدر لفعل محذوف: أي فرض ذلك فريضة.
قوله تعالى: {وإن كان رجل} في كان وجهان: أحدهما هي تامة ورجل فاعلها و{يورث} صفة له، و{كلالة} حال من الضمير في يورث، والكلالة على هذا اسم للميت الذي لم يترك ولدا ولا والدا، ولو قرئ كلالة بالرفع على أنه صفة أو بدل من الضمير في يورث لجاز، غير أنى لم أعرف أحدا قرئ به، فلا يقرآن إلا بما نقل.
والوجه الثاني أن كان هي الناقصة، ورجل اسمها، ويورث خبرها، وكلالة حال أيضا، وقيل الكلالة اسم للمال الموروث، فعلى هذا ينتصب كلالة على المفعول الثاني ليورث، كما تقول: ورث زيد مالا، وقيل الكلالة اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد، فعلى هذا لا وجه لهذا الكلام على القراءة المشهورة لأنه لا ناصب له، ألا ترى أنك لو قلت زيد يورث إخوة لم يستقم، وإنما يصح على قراءة من قرأ بكسر الراء مخففة ومثقلة، وقد قرئ بهما، وقيل يصح هذا المذهب على تقدير حذف مضاف تقديره: وإن كان رجل يورث ذا كلالة، فذا حال أو خبر كان، ومن كسر الراء جعل كلالة مفعولا به إما الورثة وإما المال، وعلى كلا الأمرين أحد المفعولين محذوف، والتقدير يورث أهله مالا {وله أخ أو أخت} إن قيل قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره؟ قيل أما إفراده فلان {أو} لأحد الشيئين، وقد قال أو امرأة فأفرد الضمير لذلك، وأما تذكيره ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يرجع إلى الرجل لأنه مذكر مبدوء به، والثانى أنه يرجع إلى أحدهما ولفظ أحد مذكر.
والثالث أنه راجع إلى الميت أو الموروث لتقدم ما يدل عليه {فإن كانوا} الواو ضمير الإخوة من الأم المدلول عليهم بقوله أخ أو أخت، و{ذلك} كناية عن الواحد {يوصى بها} يقرأ بكسر الصاد: أي يوصى بها المحتضر، وبفتحها على ما لم يسم فاعله، وهو في معنى القراءة الأولى، ويقرأ بالتشديد على التكثير {غير مضار} حال من ضمير الفاعل في يوصى، والجمهور على تنوين مضار، والتقدير غير مضار بورثته، و{وصية} مصدر لفعل محذوف: أي وصى الله بذلك ودل على المحذوف قوله غير مضار.