فصل: الآية السادسة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوِ امْرَأَةٌ} معطوف على رجل مقيد بما قيد به، أي وامرأة تورث كلالة.
{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: قرأ سعد بن أبي وقاص من أمّ. وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه.
{فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قال القرطبي: أجمع العلماء أن الأخوة هاهنا هم الأخوة لأم، قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الأخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ رجالا ونساء فلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}: هم الاخوة لأبوين أو لأب، وأفرد الضمير في قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}، لأن المراد كالواحد منهما، كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45]. وقوله: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. وقد يذكرون مثنى كما في قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما}.
{فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ} والإشارة بقوله: من ذلك إلى قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: أي أكثر من الأخ المنفرد والأخت المفردة بواحد: وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى.
وقد استدل بذلك على أن الذكر كالأنثى من الإخوة لأم، لأن اللّه شرّك بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب.
قال القرطبي: وهذا إجماع. ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسألة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب وذلك في المسألة المسماة بالحمارية وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأمّ وإخوة لأبوين فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأبوين، ووجه ذلك أنه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم، وهو كون الميت كلالة. ويؤيد هذا الحديث: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر»... وهو في الصحيحين وغيرهما.
قال الشوكاني في فتح القدير: وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها المباحث الدرية في المسألة الحمارية. وفي هذه المسألة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. انتهى.
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ} الكلام فيه كما تقدم.
{غَيْرَ مُضَارٍّ}: أي يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار، كأن يقرّ بشيء ليس عليه أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة، أو يوصي لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم يجزه الورثة. وهذا القيد أعني قوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ}، راجع إلى الوصية والدين المذكورين، فهو قيد لهما. فما صدر من الإقرارات بالديون، أو الوصايا المنهي عنها له. أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء لا الثلث ولا دونه.
قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز انتهى.
وهذا القيد، أعني عدم الضرار، هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدّين.
قال أبو السعود في تفسيره: وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم.
{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}: نصب على المصدر: أي يوصيكم بذلك وصية كقوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11]. قال ابن عطية: ويصح أن يعمل فيها {مضار} والمعنى أن يقع الضرر بها، أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فيكون وصية على هذا مفعولا بها لأن اسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال، أو لكونه منفيا معنى. وقرأ الحسن {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} بالجرّ على إضافة اسم الفاعل إليها كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} وفي كون هذه الوصية من اللّه سبحانه دليل على أنه قد وصّى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض، وأن كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية اللّه، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه.
وقد ورد في تعظيم ذنب الإضرار بالوصية أحاديث قال ابن عباس: هو من الكبائر. أخرجه النسائي والبيهقي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عنه، ورجال إسناده رجال الصحيح.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن ماجة- واللفظ له- والبيهقي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة». ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} إلى قوله: {عَذابٌ مُهِينٌ (14)}. وفي إسناده شهر بن حوشب وثقه أحمد وابن معين.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: ليس بدون.
وقال ابن عون: تركوه.
فائدة:
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في مختصره المسمى بالدرر البهية في كتاب المواريث هي مفصلة في الكتاب العزيز ويجب الابتداء بذوي الفروض المقدرة وما بقي فللعصبة، والأخوات مع البنات عصبة، ولبنت الابن مع البنت، السدس تكملة للثلثين، وكذا الأخت لأب مع الأخت لأبوين.
وللجدة والجدات السدس مع عدم الأم، وهو للجد مع من لا يسقط.
ولا ميراث للإخوة والأخوات مع الابن أو ابن الابن، وفي ميراثهم مع الجد خلاف، ويرثون مع البنات إلا الإخوة لأم، ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين، وذوو الأرحام يتوارثون وهم أقدم من بيت المال، فإن تزاحمت الفرائض فالعول.
ولا يرث ولد الملاعنة والزانية إلا من أمه وقرابتها والعكس.
ولا يرث المولود إلا إذا استهل، وميراث العتيق لمعتقه، ويسقط بالعصبات، وله الباقي بعد ذوي السهام. ويحرم بيع الولاء وهبته ولا توارث بين أهل ملتين، ولا يرث القاتل من المقتول. انتهى.
وقال في شرحه المسمى بالدراري المضيئة: اعلم أن المواريث المفصلة في الكتاب العزيز معروفة لم نتعرض هاهنا لذكرها واقتصرنا على ما ثبت في السنة والإجماع ولم نذكر ما كان لا مستند له إلا محض الرأي- كما جرت به قاعدتنا في هذا الكتاب- فليس مجرد الرأي مستحقا للتدوين فلكل عالم رأيه واجتهاده مع عدم الدليل، ولا حجة في اجتهاد بعض أهل العلم على البعض الآخر، فإذا عرفت هذا اجتمع لك مما في الكتاب العزيز وما ذكرناه هاهنا جميع علم الفرائض الثابت بالكتاب والسنة، فإن عرض لك ما لم يكن فيهما فاجتهد فيه رأيك عملا بحديث معاذ المشهور. انتهى.

.الآية السادسة:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}.
معنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها، وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها.
وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت.
وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية: كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو تردّ إليه صداقها. وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه: فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت ذمية حبسها حتى تموت فيرثها. وقد روي هذا السبب بألفاظ.
{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا} ولا يحل لكم أن {تَعْضُلُوهُنَّ} عن أن يتزوجهن غيركم {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} أي لتأخذوا ميراثهن إذا متن، أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح. قال الزهري وأبو مجلز: كان من عادتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت فيرثها، فنزلت الآية. وقيل: الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهنّ مع سوء العشرة طمعا في إرثهنّ أو يفتدين ببعض مهورهنّ. اختاره ابن عطية قال: ودليل ذلك قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فإنها إذا أتت بفاحشة فليس للوليّ حبسها حتى تذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج. قال الحسن: إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى وتردّ إلى زوجها ما أخذت منه وقال أبو قلابة: إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارّها ويشقّ عليها حتى تفتدي منه.
قال السّدي: إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهنّ.
وقال قوم: الفاحشة البذاءة باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا. وقال مالك وجماعة من أهل العلم: للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك هذا كله على أن الخطاب في قوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} للأزواج، وقد عرفت مما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} لمن خوطب بقوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ} كَرْهًا فيكون المعنى: ولا يحلّ لكم أن تمنعوهن من الزواج {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} أي ما آتاهنّ من ترثونه {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، فحينئذ جاز لكم حبسهن عن الأزواج.
ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعفّ عن الزنا، وكما أن جعل قوله: {ولا تعضلوهن} خطابا للأولياء، فيه هذا التعسف! كذلك جعل قوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ} خطابا للأزواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفة سبب نزول الآية الذي ذكرناه. والأولى أن يقال: إن الخطاب في قوله: {لا يَحِلُّ لَكُمْ}: للمسلمين: أي لا يحل لكم معاشر المسلمين أن ترثوا النساء كرها كما كانت تفعله الجاهلية، ولا يحلّ لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم أي تحبسوهنّ عندكم، مع عدم رغبتكم فيهنّ، بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ من المهر يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم، وفي عقدكم مع كراهتكم لهنّ {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} جاز لكم مخالعتهنّ ببعض ما آتيتموهنّ.
{وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي بما هو معرف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة، وهو خطاب للأزواج أو لما هو أعم، وذلك مختلف باختلاف الأزواج في الغنى والفقر والرفاعة والوضاعة {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز {فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}: أي فعسى أن يؤول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد. فيكون الجزاء على هذا محذوفا مدلولا عليه بعلته: أي فإن كرهتموهن فاصبروا ولا تفارقوهن بمجرد هذه النفرة فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا.
قيل: في الآية ندب إلى إمساك الزوجة مع الكراهة، لأنه إذا كره صحبتها وتحمّل ذلك المكروه طلبا للثواب وأنفق عليها وأحسن هو معاشرتها استحق الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى.

.الآية السابعة:

{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)}.
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ} زَوْجٍ: أي زوجة {مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا}: المراد به هنا المال الكثير، وفيه دليل على جواز المغالاة في المهور {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}: قيل: هي محكمة، وقيل: هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} والأولى أن الكل محكم. والمراد هنا غير المختلعة فلا يحل لزوجها أن يأخذ مما آتاها شيئا.