فصل: الآية العاشرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} كلمة ما موصولة، والفاء في قوله: {فَآتُوهُنَّ} لتضمن الموصول معنى الشرط والعائد محذوف: أي فأتوهنّ أجورهنّ عليه.
وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية، فقال الحسن ومجاهد وغيرهما: المعنى فيما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء الشرعي {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهنّ.
وقال الجمهور: إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبيّ بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ} إلى أجل مسمّى {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ثم نهى عنها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كما صح ذلك من حديث عليّ عليه السلام قال: «نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر». وهو في الصحيحين وغيرهما.
وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال يوم فتح مكة: «يا أيّها النّاس إنّي قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء واللّه قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهنّ شيء فليخلّ سبيلها ولا تأخذوا مما أتيتموهنّ شيئا». وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع، فهذا هو الناسخ.
وقال سعيد بن جبير: نسختها آية الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها، وقال القاسم بن محمد وعائشة: تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)} وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانهم فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث، وليست المتمتع بها كذلك.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ.
وروي عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ.
وقد قال بجوازها جماعة من الروافض، ولا اعتبار بأقوالهم. وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوّزون لها وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه.
وقد طول الشوكاني رحمه اللّه البحث ودفع الشبهة الباطلة التي تمسك بها المجوّزون لها في شرحه للمنتقى فليرجع إليه. وأشرنا إليه في مسك الختام شرح بلوغ المرام الْفَرِيضَةِ: تنصب على المصدرية المؤكدة، أو على الحال أي مفروضة.
{وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}: أي من زيادة أو نقصان في المهر، فإن ذلك سائغ عند التراضي. هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي.
وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة، فالمعنى التراضي في زيادة مدّة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها في مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه.

.الآية العاشرة:

{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}.
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الطول: الغنى والسّعة، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسّدي وأبو زيد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل العلم، ومعنى الآية على هذا: فمن من لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها على أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات: يقال طال يطول طولا في الأفضل والقدرة، وفلان ذو طول: أي ذو قدرة.
والطول بالضم: ضد القصر. وقال قتادة والنخعي وعطاء والثوري: إن الطول الصبر. ومعنى الآية عندهم أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوجها إذا لم يملك نفسه وخاف أن يبغي بها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة.
وقال أبو حنيفة- وهو المروي عن مالك- أن الطول المرأة الحرّة، فمن كانت تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة، ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة، ولو كان غنيا. وبه قال أبو يوسف واختاره ابن جرير واحتج له.
والقول الأوّل وهو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف، فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره. ودخلت الفاء في قوله: {فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
وقوله: {مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ} في محل نصب في الحال، فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحرّ أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرّة. والشرط الثاني ما سيذكره اللّه سبحانه آخر الآية من قوله: {ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}. فلا يحلّ للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت. وقد استدل بزيادة وصف الإيمان على عدم جواز نكاح الإماء الكتابيات، وبه قال الحجازيون، وجوزه أهل العراق. والمراد هنا الأمة المملوكة للغير.
وأما أمة الإنسان نفسه فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها. والفتيات جمع فتاة والعرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة، وفي الحديث الصحيح: «لا يقولنّ أحدكم: عبدي وأمتي ولكن ليقل: فتاي وفتاتي».
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ}: فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران: أي كلكم بنو آدم، وأكرمكم عند اللّه أتقاكم فلا تستنكفوا من الزواج بالإماء عند الضرورة فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر والجملة اعتراضية.
{بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} مبتدأ وخبر، ومعناه: أنهم متصلون في الأنساب لأنهم جميعا بنو آدم، أو متصلون في الدين لأنهم جميعا أهل ملة واحدة ونبيهم واحد. والمراد بهذا توطئة نفوس العرب لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء ويستصغرونهم ويغضون منهم ويسمون ابن الأمة الهجين فأخبر اللّه تعالى أن ذلك أمر لا يلتفت إليه فلا يتداخلنكم شموخ وأنفة بل إذا احتجتم إلى نكاحهن.
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}: أي بإذن المالكين لهنّ لأن منافعهنّ لهم، لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له. {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: أي أدّوا إليهنّ مهورهنّ بما هو المعروف في الشرع. وقد استدل بهذا من قال إن الأمة أحقّ بمهرها من سيدها، وإليه ذهب مالك، وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد وإنما أضافها إليهنّ لأنّ التأدية إليهن تأدية إلى سيدهنّ لكونهن ماله.
{مُحْصَناتٍ} أي عفائف، وقرأ الكسائي محصنات بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ}، وقرأ الباقون بالفتح في جميع القرآن.
{غَيْرَ مُسافِحاتٍ} أي غير معلنات بالزنا.
{وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ} الأخلاء، والخدن والخدين المخادن: أي المصاحب، وقيل: ذات الخدن: وهي التي تزني سرا، فهو مقابل للمسافحة وهي التي تجاهر بالزنا، وقيل: المسافحة المبذولة، وذات الخدن، التي تزني بواحد.
وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنا ولا تعيب اتخاذ الأخدان، ثم رفع الإسلام جميع ذلك فقال اللّه تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ}.
{فَإِذا أُحْصِنَّ} قرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة، وقرأ الباقون بضمها.
والمراد بالإحصان هنا الإسلام روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسّدي، وروي عن عمر بن الخطاب بإسناد منقطع وهو الذي نص عليه الشافعي وبه قال الجمهور.
وقال ابن عباس وأبو الدرداء ومجاهد وعكرمة وطاووس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم: إنه التزويج، وروي عن الشافعي.
فعلى القول الأوّل لا حدّ على الأمة الكافرة.
وعلى القول الثاني لا حدّ على الأمة التي لم تتزوج.
وقال القاسم وسالم: إحصانها إسلامها وعفافها.
وقال ابن جرير: إن معنى القراءتين مختلف: فمن قرأ أحصن بضم الهمزة فمعناه التزويج ومن قرأ بفتحها فمعناه الإسلام.
وقال قوم: إن الإحصان المذكور في الآية هو التزويج، ولكن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا زنت قبل أن تتزوج بالسنة. وبه قال الزهري.
قال ابن عبد البر: ظاهر قول اللّه عز وجل يقتضي أنه لا حد على الأمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن، وكان ذلك زيادة بيان.
قال القرطبي: ظهر المسلم حمى لا يستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف، لولا ما جاء في صحيح السّنة من الجلد.
قال ابن كثير في تفسيره. والأظهر- واللّه أعلم- أن المراد بالإحصان هنا التزويج، لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} إلى قوله: {فَإِذا أُحْصِنَّ} الآية، فالسياق كله في الفتيات المؤمنات. فيتعين أن المراد بقوله: {فَإِذا أُحْصِنَّ} تزوجن كما فسّره به ابن عباس ومن تبعه. قال: وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور، لأنهم يقولون إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسلمة أو كافرة ثيبا أو بكرا، ومفهوم الآية يقتضي أنه لا حدّ على غير المحصنة من الإماء! وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك. ثم ذكر أن منهم من أجاب- وهم الجمهور- تقديم منطوق الأحاديث على هذا المفهوم، ومنهم من عمل على مفهوم الآية وقال: إذا زنت ولم تحصن فلا حدّ عليها إنما تضرب تأديبا قال: وهو المحكي عن ابن عباس وإليه ذهب طاووس وسعيد بن جبير وأبو عبيد وداود الظاهري في روايه عنه، فهؤلاء قدموا مفهوم الآية على العموم، وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الصحيحين وغيرهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: «إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بظفر». بأن المراد بالجلد هنا التأديب وهو تعسف! وأيضا قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحدّ...» الحديث.
ولمسلم من حديث علي قال: «يا أيها الناس أقيموا على أرقّائكم الحدّ. من أحصن ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم زنت، فأمرني أن أجلدها...» الحديث.
وأما ما أخرجه سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «ليس على الأمة حد حتى تحصن بزوج، فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب». فقد قال ابن خزيمة والبيهقي: إن رفعه خطأ، والصواب وقفه.
{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ} الفاحشة هنا الزنا.
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ}: أي الحرائر الأبكار، لأن الثيب عليها الرجم وهو لا يتبعض.
وقيل: المراد بالمحصنات هنا: المزوّجات لأن عليهنّ الجلد والرجم، والرجم لا يتبعض، فصار عليهنّ نصف ما عليهنّ من الجلد.
{مِنَ الْعَذابِ}: وهو هنا الجلد، وإنما نقص حدّ الإماء عن حد الحرائر لأنهنّ أضعف، وقيل: لأنهنّ لا يصلن إلى مرادهنّ كما تصل الحرائر، وقيل: لأن العقوبة تجب على قدر النعمة كما في قوله تعالى: {يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ}.
ولم يذكر اللّه سبحانه في هذه الآية العبيد وهم لاحقون بالإماء بطريق القياس. وكما يكون على الإماء والعبيد نصف الحد في الزنا كذلك يكون عليهم نصف الحد في القذف والشرب.
{ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ}: الاشارة بذلك إلى نكاح الإماء، والعنت: الوقوع في الإثم. وأصله في اللغة انكسار العظم بعد الجبر، ثم استعير لكل مشقة.
{وَأَنْ تَصْبِرُوا} عن نكاح الإماء {خَيْرٌ لَكُمْ} من نكاحهن، أي صبركم خير لكم لأن نكاحهن يفضي إلى إرقاق الولد والغضّ من النفس.