فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

ومن سورة البقرة:
1: {الم} ونظائرها قيل: إنّها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا اللّه وما سمّيت معجمة إلا لإعجامها.
والأصحّ أنّها اختصار كلام يفهمه المخاطب، أو أسماء للسّور؛ لأنّ اللّه أشار بها إلى الكتاب، ولا تصلح صفة للمشار إليه، لأنّ الصّفة للتحلية بالمعاني أو هي إشارة إلى أنّ ذلك الكتاب الموعود مؤلف منها.
فلو كان من عند غير اللّه لأتيتم بمثله، فيكون موضع ألم رفعا بالابتداء، والخبر ذلِكَ الْكِتابُ.
وقال المبرّد: ليس في ألم إعراب لأنها حروف هجاء وهي لا يلحقها الإعراب، لأنها علامات إلا أنّها يجوز أن تجعل أسماء للحروف فتعرب.
والكتاب والفرض والحكم والقدر واحد، وفي الحديث:.....................
{لا رَيْبَ فِيهِ} يخاطب أهل الكتاب لمعرفتهم به من كتابهم. أو لا سبب شكّ وشبهة فيه من انتفاء أسباب التناقض والتعقيد ونحوهما.
{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} لأنهم الذين اهتدوا به، وموضع هُدىً نصب على الحال من هاء فِيهِ، والعامل فيه هو العامل في الظرف، وهو معنى {رَيْبَ} أي: لا ريب فيه هاديا، ويجوز موضعه رفعا بمعنى فيه هدى أو يكون خبر {ذلِكَ الْكِتابُ}.
3 {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} بما يغيب عن الحواس، أو يؤمنون بظهر الغيب ولا ينافقون، والجار والمجرور في موضع حال، وعلى الأول في معنى مفعول به.
و{الصَّلاةَ} الدعاء، وفي الحديث: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب وإن كان صائما فليصلّ» أي فليدع لصاحبه.
وقيل: الصلاة من صليت العود، إذا لينته، لأنّ المصلى يلين ويخشع.
وأصل الإنفاق الإنفاد، أنفق القوم نفد زادهم.
5 {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يدخل: {هم} في مثله فصلا، وفي لفظ الكوفيين عمادا ولا موضع له من الإعراب، وإنما يؤذن أن الخبر معرفة، أو أن الذي بعده خبر لا صفة.
6 {سَواء عَلَيْهِمْ} في قوم من الكفار، وسَواء بمعنى مستو. وفي حديث علي رضي اللّه عنه: حبّذا أرض الكوفة، سواء سهلة.
والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار إقامة الحجة، وليكون الإرسال عاما، وليثاب الرسول.
{وسَواء عَلَيْهِمْ} يجوز أن يكون خبر إن، ويجوز اعتراضا، والخبر {لا يُؤْمِنُونَ} ولفظ الإنذار في: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} معناه الخبر للتسوية التي في الاستفهام من الإبهام، ولا تسوية في أو لأنها تكون في معنى أي وهذا معنى قولهم إن أو لا تعادل الألف، والمعادلة أن تكون أم مع الألف في معنى أي، ولا يجوز: لأضربنه قام أو قعد، ويجوز أم، إذ لا تسوية في الإبهام لأن المعنى لأضربنه على كل حال.
7: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} وسمها بسمة تعرفها الملائكة كما كتب الإيمان في قلوب المؤمنين.
وقيل: هو حفظ ما في قلوبهم للمجازاة إذ ما يحفظ يختم. وقيل: المراد ظاهره، وهو المنع بالخذلان عقوبة لا بسلب القدرة، والقلب مضغة معلقة بالنياط، وعربي خالص.
وفي الخبر: «لكلّ شيء قلب، وقلب القرآن يس»: ولم يجمع السمع للمصدر أو لتوسطه الجمع من طرفيه.
وأصل العذاب: المنع، واستعذب عن كذا: انتهى.
وفي حديث علي رضي اللّه عنه: اعذبوا عن ذكر النساء، فإن ذلك يكسركم عن الغزو، وفي المثل: لألجمنّك لجاما معذبا، أي: مانعا من ركوب الرأس.
8 {وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} دخلت الباء في خبر: {ما} مؤكدة للنفي، لأنه يستدل بها السامع على الجحد إذا كان غفل عن أول الكلام.
9 {يُخادِعُونَ اللَّهَ} مفاعله للواحد، مثل: عافاه اللّه وقاتله، وعاقبت اللص، أو المراد: مخادعة الرسول والمؤمنين كقوله: {يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: يخادعون رسول اللّه، وأصل الخداع: إظهار غير ما في النفس، وفي المثل: أخدع من ضب حرشته.
وفي الحديث: «بين يدي الساعة سنون خدّاعة».
وفي معنى الحديث قال ابن الأثير: أي تكثر فيها الأمطار ويقل الرّيع، فذلك خداعها، لأنها تطمعهم في الخصب بالمطر ثم تخلف. وقيل: الخدّاعة: القليلة المطر، من خدع الرّيق إذا جفّ.
10 {فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} أي: عداوة اللّه كقوله: {فَوَيْل لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} أي: من ترك ذكر اللّه.
وقيل: ذلك بما كلّفهم من حدود الشريعة وفروضها.
وقيل: ذلك بزيادة تأييد الرسول تسمية للمسبب باسم السبب.
10 {بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} ما مع الفعل بمعنى المصدر وليس بمعنى الذي لأن الذي يحتاج إلى عائد من الضمير. وإنما جاءهم المفسدون مع فساد غيرهم لشدة فسادهم، فكأنه لم يعتد بغيره.
14 {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ} أبلغ من خلوا بهم لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء، لأن أول لقائهم للمؤمنين أي: إذا خلوا من المؤمنين إلى الشياطين.
15 {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} يجازيهم على استهزائهم أو يرجع وباله عليهم أو يستدرجهم بالزيادة في النعم على الإملاء في الطغيان. وفي حديث عدي بن حاتم أنه يفتح لهم باب الجنة ثم يصرفون إلى النار.
{وَيَمُدُّهُمْ} يملى لهم ويعمرهم، وقيل: يكلهم إلى نفوسهم ويخذلهم.
16: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} إذ كان اللّه فطرهم على الإيمان.
ويقال: شريت واشتريت: بعت. وشراة المال وشريه خياره الذي يرغب في شراه وفرس شرى: خيار فائق وفي حديث أم زرع: «ركب شريّا وأخذ خطّيّا».
17 {مَثَلُهُمْ} في قوم أسلموا ثم نافقوا.
وقيل: هم اليهود ينتظرون المبعث ويستفتحون به، فلما جاءهم كفروا.
وهذا التمثيل إن كان لأنفس المنافقين بأنفس المستوقدين فالذي في معنى الجمع لا غير، وإن كان ذلك تشبيه حالهم بحال المستوقد جاز فيه معنى الجمع والتوحيد، لأنه إذا أريد به الحال صار الواحد في معنى الجنس، إذ لا يتعين به مستوقد بخلاف إرادة الذات.
18 {لا يَرْجِعُونَ} أي: إلى الإسلام أو عن الكفر، لتنوع الرجوع إلى الشيء وعنه، ويقال: كلمني فلان فما رجعت إليه كلمة ولا رجعت.
19 {كَصَيِّبٍ} ذي صوب، فيجوز مطرا أو سحابا فيعل من صاب يصوب وهو مثل القرآن فما فيه من ذكر الثواب والبشارة وأسباب الهداية كالمطر، وما فيه من الوعيد والتخسير والذم كالظلمات.
والصواعق والصاعقة: عذاب هدأت فيها النار، وصعق الصوت:
شديدة، وفي الحديث: «ينتظر بالمصعوق ثلاثا ما لم يخافوا عليه نتنا».
19 {حَذَرَ الْمَوْتِ} أي: المنافقين آمنوا ظاهرا خوفا من المؤمنين، وتابعوا الكفار باطنا مخافة أن يكون الدائرة لهم، فهم يحذرون الموت كيف ما كانوا.
22 {فِراشًا} بساطا وقيل: فراشا يمكن الاستقرار عليه، ولم يجعلها حزنة غليظة والسماء بناء سقفا وفي الحديث: «فرشنا للنّبيّ عليه السلام بناء في يوم مطر» أي نطعا والمبناة قبة من أدم.
21 {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} على أصلها في الشك والرجاء من المخاطب للتقوى لئلا يأمن العبد مدلّا بتقواه.
22: {فَأَخْرَجَ بِهِ} لما كان تقديره: أنه إذا أنزل الماء أخرج الثمرات قال أخرج به لأنه كالسبب وإن كان اللّه لا يفعل بسبب وآلة كقولهم: جازاه بعمله وإن كان فعل واحد لا يكون سبب فعل آخر.
23: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} من للتبعيض كقولك: هات من الدراهم درهما وليست من التجنيس مثل قوله: {مِنَ الْأَوْثانِ} لأن التحدي ببعض المثل وليس الرجس ببعض الأوثان.
والسورة: الرفعة وسور الرأس أعلاه.
وفي الحديث: «لا يضر المرأة أن لا تنقض شعرها إذا أصاب الماء سور الرأس».
23: {وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ} أعوانكم، أي: من يشهد لكم.
24: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ} هي حجارة الكبريت فهي أشد توقدا أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسرا أو كأنهم حذّروا نارا تتقد بها الحجارة.
25: {مُتَشابِهًا} أي خيارا كلّه أو التذاذهم بجميعه متساو لا يتناقض ولا يتفاضل أو متشابها في اللّون وإن اختلف المطعم فيقولون ما لم يطعموه هذا الذي رزقناه.
{مِنْ تَحْتِهَا} أي: من تحت أشجارها. ونهر الجنة يجري في غير أخدود.
26: {لا يَسْتَحْيِي} لا يدع ولا يمتنع لا على المأخذ الذي هو الابتداء بل التمام، وأصل الاستحياء: التهيّب قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهم لا ترني زمانا لا يتّبع فيه العليم ولا يستحيا فيه من الحليم».
26: {ما بَعُوضَةً} أي: يضرب مثلا ما من الأمثال ثم: {بعوضة} نصب على البدل.
{فَما فَوْقَها} أي: في الصّغر، لأنّ القصد التمثيل بالحقير، كما يقول: هو قليل العقل فيقال: وفوق ذلك.
{يُضِلُّ} يحكم بالضّلال ويقضيه، أو يضل عن الجنّة والثّواب، أو يخليهم واختيار الضّلال، أو يملي لهم في الضّلال، أو يجدهم ضالين.
أضل ناقته إذا ضلّت.
وفي الحديث: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قومه فأضلّهم أي: فوجدهم ضالين.
27: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} ما أمر به في كتبه، وقيل: هو حجة اللّه القائمة في العقول على التوحيد والنّبوات.
وموضع أن في {أَنْ يُوصَلَ} خفض على البدل من الهاء في به إذ يجوز أمر اللّه بأن يوصل.
28 {وَكُنْتُمْ أَمْواتًا} نطفا في أصلاب آبائكم، أو أمواتا في القبور {فأحياكم} للسؤال، لأنّ الموت ما كان عن حياة، إلا أن الميت ولا شيء سواء.
والواو في: {وَكُنْتُمْ} للحال، أي: كيف وهذه حالكم، وقد فيه مضمرة.
29 {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} قصد وعمد إلى خلقها، أو صعد أمره الذي به كانت الأشياء إليها.
أو تقديره: لأنّ القضاء والقدر من السّماء فحذف الأمر والتقدير لدلالة الحال.
وقيل: استولى على ملك السماء ولم يجعلها كالأرض المعارة من العباد.
وقيل لمالك: كيف استوى؟ فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول.
ولا يصح معنى {فَسَوَّاهُنَّ} عند الحمل على الانتصاب، ولا يناقض الآية قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} لأنّ الدّحو: البسط فإنّما دحاها بعد أن خلقها وبنى عليها السماء.
30 {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} إذ دلالة على معنى في الماضي، وتأويله: اذكر إذ قال ربك.
{خَلِيفَةً} أي: آدم، أو جميع بنيه يخلف بعضهم بعضا، أو أولو الأمر منهم، فهم خلفاء اللّه في الحكم بين الخلق وتدبير ما على الأرض.
وفي حديث ابن عباس أن أعرابيا قال له: أنت خليفة رسول اللّه، فقال: لا أنا الخالفة بعده.
والخالفة الذي يستخلفه الرّئيس على أهله.
{أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ} على التألم أو الاغتمام لمن يفسد، وعلى الاستعظام للمعصية مع جلائل النّعمة، أو على استعلام وجه التدبير فيه أو على السؤال أن يكونوا الخلفاء فيسبحوه بدل من يفسد فقال اللّه: إني أعلم من صلاح كل واحد ما لا تعلمون فدلهم به على أنّ صلاحهم في أن اختار لهم السماء وللبشر الأرض، وفي قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} إشارة إلى أنّ ذلك الخليفة يكون من ذريته أهل طاعة وولاية، وفيهم الأنبياء والعلماء، ولا تتم مصلحة الجميع إلا بما دبّرته من خلق من يفسد ويعصي معهم.
31 {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} أي: بمعانيها على اللّغات المختلفة، فلما تفرّق ولده تكلّم كل قوم بلسان أحبوه وتناسوا غيره.
وتخصيص الأسماء لظهورها على الأفعال والحروف، كقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ} ولم يكن التعليم بالعلم الضروري ولا بالمواضعة والإيماء تعالى اللّه عنه، بل بالوحي في أصول الأسماء والمصادر ومبادئ الأفعال والحروف عند حصول أول اللّغة بالاصطلاح ثم زيادة الهداية في التصريف والاشتقاق.
31 {عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} أي: المسمّيات لقوله: {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ}.
{إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فيما هجس في نفوسكم أنكم أفضل، وقيل: في: {عرضهم} أنه خلقهم، وقيل: صوّرهم لقلوب الملائكة.
وقيل: {أَنْبِئُونِي} أمر مشروط بمعنى: إن أمكنكم أن تخبروا بالصدق فيه فافعلوا، أو معناه التنبيه، كسؤال العالم للمتعلم: ما تقول في كذا؟ ليبعثه عليه ويشوقه إليه.
{صادِقِينَ} عالمين، كقولك: أخبرني بما في يدي إن كنت صادقا، وإذا أفادتنا هذه الآية أنّ علم اللّغة فوق التحلي بالعبادة فكيف علم الشّريعة والحكمة.
32 {سُبْحانَكَ} تنزيها لك أن يخفى عليك شيء، وهو نصب على المصدر.
{إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} مرفوع استثناء من مجحود.
33 {أَلَمْ أَقُلْ} ألف تنبيه وتقرير كأنه أحضرهم ما علموه، كقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} وحكى سيبويه أما ترى أيّ برق هاهنا.
وفي الآيات بيان معجزات آدم عليه السلام حيث فتق لسانه بما لا يعلمه الملائكة على خلاف مجرى العادة، فكان مفتتح المعجزات ومختتمها في آدم ومحمد عليهما السلام بالكلام.
34 {اسْجُدُوا لِآدَمَ} هو السجود اللّغوي الذي هو التذلل، أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه.
وعن ابن عباس رضي اللّه عنه: أنّ إبليس كان ملكا من جنس المستثنى منهم.
وقال الحسن: الملائكة لباب الخليفة من الأرواح لا يتناسلون، وإبليس من نار السموم وهو أب الجنّ.
وإبليس اسم أعجميّ بدليل أنه لا ينصرف عجمة وتعريفا.
وقيل: بل عربيّ من الإبلاس، ولم ينصرف لأنه لا نظير له من الأسماء العربية فشبّه بالأعجمي.
وكيف ونظيره كثير كإزميل للشّفرة، وإحريص لصبغ أحمر، وإصليت لسيف ماض.
34 {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} صار منهم إذ لا كافر قبله.
وابن بحر يذهب في الجنة أنها كانت بحيث شاء اللّه من الأرض، لأنه لا انتقال عن الخلد، وإبليس لم يكن ليدخلها.
والصحيح أنّها الخلد لتواتر النّقل وللام التعريف.
36 {وَقُلْنَا اهْبِطُوا} أيضا يدل على أنهم كانوا في السماء ولم يكن إبليس إذ ذاك ممنوعا عنها كالجن عن استراق السمع إلى المبعث.
فوسوس لهما وهو على القرب من باب الجنّة، أو ناداهما وهما على العرف.
وقيل: دخل في فقم الحيّة جانب الشّدق.
والشجرة المنهية: السّنبلة، ومنه يقال: كيف لا يعصي الإنسان وقوته من شجرة العصيان، وكيف لا ينسى العهد واسمه من النسيان.
وقيل: الكرم لأن الشجرة ما لها غصن وساق، ولأنها أصل كل فتنة.
عقّب الطبري رحمه اللّه على الروايات في تعيين الشجرة قائلا: ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين، لأن اللّه لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة، فإنّى يأتي ذلك؟ وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم، إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به.
35 {فَتَكُونا} نصب، لأن الفاء جواب النّهي.
{مِنَ الظَّالِمِينَ} بإحباط بعض الثواب، أو فاعل الصغيرة ظالم نفسه بارتكاب الحرام الواجب التوبة عنه.
36 {فَأَزَلَّهُمَا} أكسبهما الزّلة بوسوسته، وبأن قاسمهما على نصحه.
ولا يجوز أن يكون آدم قبل من اللّعين لأنه أعظم المعاصي وفوق الأكل، وإنّما زلة آدم عليه السلام بالخطإ في التأويل، إما بحمل النّهي على التنزيه دون التحريم، أو بحمل اللّام على التعريف لا الجنس، وكأن اللّه أراد الجنس ومكّنه من الدليل عليه، فغفل عنه وظن أنه لا يلزمه.
37 {فَتابَ عَلَيْهِ} وإن كانت الصغيرة مكفّرة أي جبر نقيصة المعصية حتى كأنه لم يفعلها بما نال من ثواب هذه الكلمات وهي قوله: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} الآية.
والهبوط: النزول ونقصان المنزلة أيضا، ولذلك تكرر.
ويقال: هبط المرض العليل: نقّصه.
وفي الحديث: «اللّهم غبطا لا هبطا» أي: نسألك الغبطة ونعوذ بك من نقصان الحال.
وقيل: إن الهبوط الأول من الجنة إلى السماء، والثاني من السماء إلى الأرض. وينبغي أن يعلم أنّ اللّه تعالى خلق آدم للأرض، ولو لم يعص لخرج على غير تلك الحال.
38: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ}.
حذف الجواب الأول أي: فاتبعوه ونحوه.
وقيل: الشرط وجوابه نظير المبتدأ والخبر، ويجوز خبر المبتدأ جملة هي خبر ومبتدأ، فكذا جواب الشرط جملة هي شرط وجواب، وإنّما دخلت ما مع إن في الشرط ليصح دخول النون للتوكيد في الفعل، فهي كاللام في أنها تؤكد أول الكلام والنون آخره.
39: {أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ}.
{أُولئِكَ} بدل من: {الَّذِينَ} ويجوز عطف بيان، و{أَصْحابُ النَّارِ} بيان عنه، والخبر {هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
ويجوز أن يكون ابتداء وخبرا في موضع خبر الأول، ويجوز أن يكون على خبرين بمنزلة خبر واحد كقولك: حلو حامض.
40: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}.
وهي كثرة من أرسل فيهم من الرسل وأنزل من الكتب ونحوها.
ويجوز أن يكون المراد النّعمة على أسلافهم فهي نعمة عليهم.
ويجوز النعم الواصلة إليهم.
و{أوفوا بعهدي أوف بعهدكم} وعهد اللّه: ما أمر به ونهى عنه، وعهدهم الرضا عنهم عند ذلك والمغفرة لهم.
{وَإِيَّايَ} منصوب بما دل عليه {فَارْهَبُونِ} وإنما لم ينصب لأنه مشغول بالضمير كما لا يجوز نصب زيد في قولك: زيدا فاضربه باضرب الذي هو ظاهر.
وانتصب {مُصَدِّقًا} على الحال من الهاء المحذوفة، كأنه: أنزلته مصدقا، أو انتصب ب: {آمنوا} أي: آمنوا بالقرآن مصدقا.
{أَوَّلَ كافِرٍ} أول حزب كافر، أي: لا تكونوا أئمة الكفر.
{ثَمَنًا قَلِيلًا} قال الحسن: هو الدنيا بحذافيرها.
43 {وَارْكَعُوا} مع ذكر الصلاة للتأكيد، إذ لا ركوع في صلاة أهل الكتاب أو هو الركوع اللّغوي أي الخضوع.
44 {تَتْلُونَ الْكِتابَ} تتّبعونه، والتلاوة اتباع الحروف، والقراءة جمعها.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} ومصدره: العقل، وهو نوع علم يستبان به العواقب ويترك به القبائح، والعقل يكمل مع فقد بعض العلم، والعلم لا يكمل مع فقد بعض العقل.
والصبر حبس النّفس عمّا تنازع إليه.
وفي الحديث: أمسك رجل آخر حتى قتل، فقال عليه السلام: «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر».
45: {وَإِنَّها لَكَبِيرَة} أي: الاستعانة، أو كلّ واحد منهما.
{إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} لأنّهم تعوّدوها وعرفوا فضلها.
46: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ} أي ملاقوه بذنوبهم وتقصيرهم، أو ملاقوه في كل حين مراقبة للموت، أو ملاقوا ثوابه، وينبغي أن يكون على الظن والطمع كقول إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي}.
{إِلَيْهِ راجِعُونَ} لا يملك أمرهم في الآخرة أحد سواه كما هو الأمر في بدء خلقهم، والرجوع: العود إلى الحال الأولى.
47: {فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} عالمي زمانهم، أي: آبائهم، إذ في تفضيل الآباء شرف الأبناء.
48: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} أي: عقاب يوم فحذف المضاف وانتصب {يَوْمًا} على أنه مفعول.
{لا تَجْزِي نَفْس} أي: لا تجزئ فيه نفس فحذف الجار والمجرور العائد إليه اختصارا لدلالة ما ذكر عليه كقولك: البر بستين، أي: منه.
لا تَجْزِي لا تغني حجازية، وأجزأت تميمية.
وقيل: تجزي: تقضي، وتغني أبلغ من تقضي لأن تغني يكون نقصا وبدفع ومنع.
والعدل: الفدية.
يروى ذلك عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
49: {يَسُومُونَكُمْ} يرسلون عليكم، من سوم الإبل في الرّعي.
وفي الحديث: «نهى عن السّوم قبل طلوع الشّمس».
قيل: هي مساومة السلعة في ذلك الوقت، لأنه وقت ذكر اللّه تعالى.
وقيل: من سوم الإبل في الرعي، لأنها إذا رعت قبل الشمس في النّدى أصابها الوباء، ويقال: سوّمته في مالي أي حكّمته، وسوّأت عليه ما صنع قلت له: أسأت.
49 {بَلاء مِنْ رَبِّكُمْ} البلاء الاختبار في الخير والشرّ، فبلاء محنة في ذبح أبنائكم، وبلاء نعمة في تنجيتكم.
51 {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ليس بظرف لأن الوعد ليس فيها، بل المراد انقضاء الأربعين وهو تقدير الإعراب، أي: وعدناه انقضاء أربعين مفعول ثاني.
وذم المخاطبين بالعجل- ولم يتخذوه لرضاهم، بما فعلته أسلافهم.
53 {الْكِتابَ} التوراة، {وَالْفُرْقانَ} فرق اللّه بهم البحر، أو الفرج من الكرب كقوله: {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا}.
54 {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} عقوبة للّذين لم ينكروا العجل كراهة القتال، وهو قتل البعض بعضا، أو الاستسلام للقتل لأنه ليس للمرء بعد قتله نفسه حال مصلحة ولم يسقط بالتوبة، لأنه وجب حدا. وحكى الحكم الرّعيني أن خالدا القسري أرسله إلى قتادة يسأله عن حروف منها: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فقال: إنما هو فاقتلوا من الاستقالة.
والمشهور عن قتادة أنه غشيتهم ظلمة، فقاموا يتناجزون فلما بلغ اللّه نقمته منهم انجلت الظلمة، وسقطت الشّفار من أيديهم فكان ذلك للحي مصلحة وللمقتول شهادة.
والجهرة: ظهور الشيء بالمعاينة، إلّا أنّ المعاينة ترجع إلى المدرك والجهرة إلى المدرك. وجهرت الجيش وأجهرتهم: إذا كثروا في عينك.
والصاعقة هنا: الموت.
كما في قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}.
56: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ} أحييناكم، إذ قالوا: لا نعلم أنّ ما نسمع كلام اللّه فيظهر لنا، فأهلكهم اللّه بالصاعقة ثم أحياهم إلى آجالهم.
و{المنّ} التّرنجبين، وكان ينزل عليهم مثل الثلج.
{والسّلوى} طير مثل السّمانى. أو المنّ: من المنّ الذي هو الإحسان.
والسّلوى: مما أسلاك عن غيره.
والسّلوان: تراب قبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ينقع في الماء فيشرب للتسلي.
والقرية: بيت المقدس. والباب: باب القبّة التي كان يصلّي إليها موسى عليه السّلام.
{سُجَّدًا} ركعا خضعا.
{حِطَّة} أي: دخولنا سجدا حطة لذنوبنا، أو مسألتنا حطة.
مثل {قالُوا مَعْذِرَةً} أي: موعظتنا معذرة. ونصبه على معنى حط لنا حطة كقولك: سمعا وطاعة أي اسمع سمعا.
فبدلوا: إما قولا حنطة بدل حطة وإما فعلا دخلوا على أستاههم.
والرجز: العذاب من الرجز داء يصيب الإبل.
وفي الأعراف: {انبجست} وهو رشح الماء، والانفجار خروجه بكثرة وغزارة لأنه انبجس ثم انفجر، كما قال في العصا إنها جان وهي حية صغيرة، والثعبان الكبيرة لأنها ابتدأت صغيرة.
60: {وَلا تَعْثَوْا} عاث وعثي: أفسد أعظم الفساد، وقال مُفْسِدِينَ إذ بعض العيث في الظاهر باطنه صلاح، كخرق الخضر السفينة وقتله الغلام.
والفوم: الحنطة.
فوموا لنا، وقيل: الثوم، كالجدف والجدث، والفوم والبصل لا يليق بألفاظ القرآن في فصاحتها وجلالتها، ولكنها حكاية عنهم وعن دناءتهم.
61: {اهْبِطُوا مِصْرًا} أيّ من الأمصار، فإنّ ما سألتم يكون فيها، وإن كان المراد موضعا بعينه فصرفه على أنه اسم للمكان لا البلدة.
فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين: {اهْبِطُوا مِصْرًا}. وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين، واتفاق قراءة القراء على ذلك. ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة، فيما جاءت- به من القراءة مستفيضا بينها. اهـ.
والذّلّة: الجزية.
{وَباؤُ بِغَضَبٍ} رجعوا بغضب استولى عليهم، والغضب الأول لكفرهم بعيسى، والثاني لكفرهم بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
62: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا} أي: كلّهم سواء إذا آمنوا في المستقبل وعملوا الصالحات فلهم أجرهم لا يختلف حال الأجر بالاختلاف في الأحوال المتقدمة.
واليهود لأنهم هادوا وتابوا، أو للنسبة إلى يهود ابن يعقوب، والنّصارى لنزول عيسى قرية ناصرة،..............
أو لقوله: {مَنْ أَنْصارِي}.
والصابئون: قوم يقرءون الزّبور، ويصلّون إلى القبلة، لكنّهم يعظّمون الكواكب لا على العبادة حتى جوّز أبو حنيفة رحمه الله التزوج بنسائهم وإذا همز كان من صبأ أي: خرج، وغير مهموز من صبا يصبوا: مال.
63 {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} تعرّضوا لذكر ما فيه، إذ الذكر والنسيان ليسا من الإنسان.
{وَرَفَعْنا} واو الحال، أي أخذنا ميثاقكم حال رفع الطور.
65 {خاسِئِينَ} مبعدين، خسأت الكلب خسئا فخسأ خسؤا.
66 {فَجَعَلْناها نَكالًا} المسخة أو العقوبة، لأن النّكال العقوبة التي ينكّل بها عن الإقدام.
والنّكل: القيد، وأنكلته عن حاجته: دفعته.
وفي الحديث: «مضر صخرة اللّه التي لا تنكل»، أي: لا تدفع لرسوخها.
{لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها} من القرى، أو من الأمم الآتية والخالية.
67: {أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا} الهزء حدث فلا يصلح مفعولا إلا بتقدير: أصحاب هزو، أو الهزء المهزوءة كخلق اللّه، وضرب بغداد.
والفارض: المسنّة وهي الفريضة وفرض الرّجل: أسنّ.
والبكر: الشّاب، وفي الحديث: «لا تعلّموا أبكار أولادكم كتب النّصارى» يعني: الأحداث.
والعوان: الوسط، عوّنت المرأة تعوينا.
والفاقع: الخالص الصفرة.
والشّية: العلامة من لون آخر، وشى يشي وشيا وشية.
71 {وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} لغلاء ثمنها، أو لخوف الفضيحة.
72: {فَادَّارَأْتُمْ} تدافعتم، دفع كل قبيلة عن نفسه.
وهو تدارأتم، ثم أدغمت التاء في الدال، وجلبت لسكونها ألف الوصل، وكتب في المصحف: {فادّارءتم} بغير ألف اختصارا كما في الرحمن لكثرة الاستعمال.
73 {اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها} فيه حذف، أي: ليحيا فضرب فحيي.
والحكمة فيه ليكون وقت إحيائه إليهم ثم بضربهم إياه بموات.
والسبب أن شيخا موسرا قتله بنو أخيه وألقوه في محلة أخرى، وطلبوا الدّية، فسألوا موسى، فأمرهم بذبح بقرة، فظنوه هزؤا لما لم يكن في ظاهره جوابهم، فاستعاذ من الهزء، وعدّه من الجهل.
74: {أَوْ أَشَدُّ} أي عندكم، كقوله: {قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} وقوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} أي: لقلتم إنهم مائة ألف أو يزيدون، وقيل: معناه الإباحة والتخيير، أي: تشبه الحجارة إن شبّهت بها، وإن شبّهت بما هو أشد منها تشبهه.: {يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} قيل: إنه متعد، أي: يهبط غيره إذا رآه فيخشع للّه فحذف المفعول.
ومعناه لازما: إن الذي فيها من الهبوط والهويّ- لاسيما عند الزلازل والرّجفان- انقياد لأمر اللّه الذي لو كان مثله من حي قادر لكان من خشية اللّه.
79: {يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ} فائدة ذكر الأيدي لتحقيق الإضافة، كقوله: {لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} إذ الفعل يضاف إلى الأمر كقوله: {يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ} وكانت صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم أسمر ربعة، فكتبوا آدم كهلا.
81 بَلى: أصله: بل زيدت الياء للوقوف، وبلى يخرج الكلام عن معنى المعطوف.
قال الفراء: لو قال لرجل: مالك عليّ شيء، فقال: نعم كان براءة، ولو قال: بلى كان ردا عليه.
81: {وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} أهلكته، كقوله: {إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ} {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}.
78 {إِلَّا أَمانِيَّ} الأكاذيب، أو التلاوة الظاهرة، أو ما يقدّرونه على آرائهم وأهوائهم. والمنى: القدر.
83: {لا تَعْبُدُونَ} رفعه بسقوط أن إذ أصله: أن لا تعبدوا، ويجوز رفعه جوابا للقسم، إذ معنى أخذ الميثاق التحليف، وتقول:
حلفته لا يقوم.
{وَبِالْوالِدَيْنِ} معطوف على معنى {لا تَعْبُدُونَ} أي: بأن لا تعبدوا وبأن تحسنوا، أو تقديره: ووصيناهم إحسانا بالوالدين.
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} قولا ذا حسن، أو حسنا، فأقيم المصدر مقام الاسم. أو يكونان اسمين كالعرب والعرب. ولا وجه لقراءة: {حسني} لأن أفعل وفعلى صفة لا تخلو إما عن من أو عن الألف واللام على التعاقب.
84: {أَقْرَرْتُمْ} رضيتم.
85: {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ} أي: يا هؤلاء توكيد {أنتم} وعماده أي أنتم تقتلون فيكون تقتلون خبره رفعا.
ويجوز هؤُلاءِ بمعنى: الذين، {وتَقْتُلُونَ} صلته ولا موضع له كقوله: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ} أي: ما التي.
{وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى} أي من غير ملتكم تفدوهم.
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} إخراجهم كان كفرا وفداؤهم كان إيمانا.
{مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ} أي: الكفر والإيمان.
87: {بِرُوحِ الْقُدُسِ} جبريل، أو الإنجيل، أو الاسم الذي كان يحيي به الموتى.
والقدس والقدس واحد، وقيل لجبريل روح اللّه تشريفا وكذلك للمسيح.
88: {غُلْف} جمع أغلف الذي لا يفهم كأنّ قلبه في غلاف.
وهذا أصح من قول القائل إنها أوعية للعلوم امتلأت بها فلا موضع لما يقول: لأن كثرة العلم لا يمنع المزيد.
واللّعن: الإبعاد من رحمه اللّه، فلا تلعن البهائم إذ اللّه لا يبعدها من رحمته.
{فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ} أي قليل منهم يؤمنون وانتصب على الحال وما صلة، أو بقليل يؤمنون أو إيمانا قليلا يؤمنون:
صفة مصدر محذوف.
90: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا} أي: بئس شيئا باعوا به أنفسهم لأنّ الغرض واحد وهو المبادلة. وموضع {أَنْ يَكْفُرُوا} خفض على موضع الهاء في به على البدل، ويجوز رفعه على قولهم: نعم رجلا زيد.
91: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} نصبه بمعنى الحال المؤكدة، والعامل معنى الفعل، أي: أثبته أو أحقه، كقولك: هو زيد معروفا، أي: أعرفه عرفانا. ولا يصح هو زيد قائما حالا لأن الحال لا يعمل فيها إلا فعل أو معنى فعل، وجاز قولك: هذا زيد قائما بدلالة اسم الإشارة على معنى الفعل، أي: أشير إلى زيد قائما، أي في حال قيامه.
{فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ} والمراد: لم قتلتم لأنه كالصفة اللازمة لهم، كقولك للكاذب: لم تكذب؟ بمعنى: لم كذبت.
97: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ} ردّ لمعاداتهم جبريل، أي: لو نزّله غير جبريل لنزّله أيضا على هذا الحد.
102: {وَاتَّبَعُوا} يعني اليهود، {ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ} أي: شياطين الإنس من السّحر.
{وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ} ما سحر وذلك لإنكار اليهود نبوّته، وأنه ظهر من تحت كرسيّه كتب السّحر.
وهو إما- إن فعلها- لئلا يعمل بها، أو افتعلها السّحرة بعده لتفخيم السّحر وأنه استسخر به ولذلك قال: تتلوا عليه لأنّ في الحق: تلا عنه.
وقيل: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ معناه: على ذهاب ملكه، أي: حين نزع اللّه عنه الملك.
{وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} أي: واتبعوا ذلك، وأنزل عليهما من السحر ليعلما ما السحر وفساده وكيف الاحتيال به.
{فِتْنَة} خبرة من، فتنت الذهب، أي تظهر بما تتعلمون منّا حالكم في اجتناب السحر الذي نعلم فساده والعمل به.
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما} أي: مكان ما علما من تقبيح السحر.
{ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وذلك بالتبغيض، أو إذا سحر كفر فتبين امرأته. وقيل: بالجحد في وما: {أنزل}.
وصرف ويتعلمون منهما إلى السّحر والكفر لدلالة ما تقدّم عليهما.
كقوله: {يَتَجَنَّبُهَا} أي: الذكرى لدلالة {سَيَذَّكَّرُ} عليها.
{بِإِذْنِ اللَّهِ} بعلم اللّه، أو بتخليته، أو بفعله وإرادته لأنّ الضّرر بالسّحر وإن كان لا يرضاه عنه تعالى عند السبب الواقع من الساحر.
وقال: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} مع قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا} لأنه في فريق عاند وفي فريق جهل، أو لما لم يعملوا بما علموا كأنهم لم يعلموا.
{لَمَنِ اشْتَراهُ} في معنى الجزاء، وجوابه مكتفى منه بجواب القسم كقوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ}.
والهاء في {اشْتَراهُ} يعود على السحر، أي من استبدل السحر بدين اللّه.
والخلاق: النّصيب من الخير.
103: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} محذوف الجواب لأن شرط الفعل بلو يجاب بالفعل، ولام لَمَثُوبَة لام الابتداء.
104: {راعِنا} أرعنا سمعك كما نرعيك، فنهوا عن لفظ المفاعلة، لأنّها للمماثلة.
{انْظُرْنا} أفهمنا، أو انظر إلينا، أو انتظرنا نفهم ما تعلّمنا.
106: {ما نَنْسَخْ النّسخ} رفع حكم شرعي إلى بدل منه، كنسخ الشمس بالظل. وقيل: هو بيان مدة المصلحة، والمصالح تختلف بالأوقات والأعيان والأحوال فكذلك الأحكام، وهو كتصريف العالم بين السرّاء والضراء.
{أَوْ نُنْسِها} نتركها فلا ننسخها، أو ننسها من قلوب الحافظين وننسأها: نؤخرها، نسأته وأنساته.
{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها} في التخفيف أو في المصلحة.
108: {أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى} سألت قريش تحويل الصفا ذهبا.
109: {فَاعْفُوا} فاتركوهم، وَاصْفَحُوا: اعرضوا بصفحة وجوهكم كما جاء الإعراض في الإقبال بعرض الوجه.
111: {هُودًا} يهودا، أسقطت الياء الزائدة، أو جمع هائد، كحول وحائل والحايل ولد الناقة.
112: {بَلى مَنْ أَسْلَمَ} {بلى} جواب جحد أو استفهام مقدّر، كأنه قيل:
ما يدخل الجنّة أحد، فيقال: بَلى مَنْ أَسْلَمَ، أو قيل: أما يدخل الجنّة أحد؟
و{أَسْلَمَ} أخلص كقوله تعالى: {وَرَجُلًا سَلَمًا}.
{وَلا خَوْف عَلَيْهِمْ} مع قوله: {فَلَهُ أَجْرُهُ} ليعلم أنهم على يقين لا على رجاء يخاف معه.
117: {بَدِيعُ السَّماواتِ} أبلغ من مبدعها لأنه صفة يستحقها في غير حال الفعل على معنى القدرة على الإبداع.
115: {فَأَيْنَما تُوَلُّوا} في سفر، صلّوا بالتحري في ليلة مظلمة لغير القبلة.
وقيل: في صلاة السّفر راكبا، وصلاة الخوف إذا تزاحفوا وتسابقوا.
{فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: الاتجاه إلى اللّه، أي: وجه عبادة اللّه.
116: {قانِتُونَ} دائمون تحت تدبيره وتقديره.
117: {فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} يجوز حقيقة أمر، وأنّ ما يحدثه اللّه عن إبداع واختراع، أو يخلقه على توليد وترتيب بأمره وقوله: {كُنْ} ويكون ذلك علامة يعرفها الملائكة أنّ عندها يحدث خلقا، ويجوز مثلا، أي يطيع الكون لأمره في الحال كالشيء الذي يقال له: كن فيكون، إذ معنى كن الخبر، وإن كان اللّفظ أمرا وليس {فيكون} بجواب أمر لأن جواب الأمر غير الأمر كقولك: زرني فأكرمك.
و{كن فيكون} واحد لأن الكون الموجود هو الكون المأمور. والكسائي ينصب {فَيَكُونُ} في سورتي النحل ويس لا على جواب الأمر بالفاء ولكن بالعطف على قوله: أَنْ نَقُولَ، وأَنْ يَقُولَ.
118: {أَوْ تَأْتِينا آيَة} إنّما لم يؤتوا ما سألوا لأنّ صلاحهم فيها، أو فسادهم، أو هلاكهم إذا عصوا بعدها، أو إصرارهم على التكذيب معها، كما فعلته ثمود لا يعلمه إلا اللّه.
124: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ} الابتلاء مجازه تكليف ما يشق ليثاب عليه، ولما كان في الحاضر الأوامر في مثله على الاختبار خاطبنا اللّه بما نتفاهم، بل من العدل أن يعاملنا اللّه في أوامره معاملة المبتلى الممتحن لا العالم الخبير ليقع جزاؤه على عملنا لا على علمه بنا.
{بِكَلِماتٍ} هي السّنن العشر، وقيل: مناسك الحج.
وقيل: النجوم. وقيل: الهجرة، وقرى الأضياف، وذبح الولد، والنار.
125: {مَثابَةً} موضعا للثّواب، أو مرجعا إليه، وأصله: مثوبة مفعلة من ثاب يثوب.
{وَأَمْنًا} أي للخائف إذا لجأ إليه، أو من ظهور الجبابرة عليه.
{وَاتَّخِذُوا} عطف على معنى {مَثابَةً} إذ تضمنت: ثوبوا إليه.
126: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} بالرزق أو بالبقاء.
128: {وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} هو تسليم النّفس وإخلاص العمل، أو بما يكون من اللّه ليثبّت به العبد على الإسلام.
{وَتُبْ عَلَيْنا} على وجه السّنّة والتعليم ليقتدى بهما فيه، أو هي للتوبة في الصغائر والعصمة منها.
129: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ} القرآن، {وَالْحِكْمَةَ} العلم بالأحكام.
130: {سَفِهَ نَفْسَهُ} أوبقها وأهلكها، أو سفه في نفسه فانتصب بنزع الخافض. وعن ابن الأعرابي: سفه يسفه سفاهة وسفاها: طاش وخرق.
وسفه نفسه يسفهها: جهلها، والأصل أنّ الفعل بمعنى فعل يوضع موضع صاحبه كقوله: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَها} أي: سخطتها، لأنّ البطر مستثقل للنّعمة غير راض بها.
والشّقاق: الاختلاف والافتراق، إذ كل مخالف في شق غير شق صاحبه أو يسومه ما يشق عليه.
133: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ} استفهام في معنى الجحد، أي: ما كنتم شهداء.
137: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ} أي: على مثل إيمانكم كقولك:
كتبت على ما كتبت، كأنك جعلت المثال آلة تعمل به.
138: {صِبْغَةَ اللَّهِ} دين اللّه، كأنّ نور الطهارة وسيما العبادة شبيه اللّون الّذي يظهر عند الصّبغ.
143: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ} العامل في الكاف جعلنا.
{وَسَطًا} عدلا، أو خيارا.
{شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} في تبليغ محمد، أو في تبليغ جميع الرسل كما سمعتم من الرسول الصّادق. أو الشّهادة هي الحجّة وظهور الدّلالة، أي: قولكم وإجماعكم حجة.
{إِلَّا لِنَعْلَمَ} ليعلم رسولنا وحزبنا كما يقال: بنى الأمير وجبى الوزير، أو هو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم، كقولك لمن ينكر ذوب الذّهب: فلتنفخ عليه بالنّار لنعلم أيذوب؟
أو المعنى ليوجد أي ليكون الموجود كما نعلم لأن الموجود لا يخالف معلومه، فتعلق الموجود بمعلومه فوق تعلق المسبّب بالسبب.
{وَإِنْ كانَتْ} أي: القبلة، أو التحويلة.
{إِيمانَكُمْ} توجهكم إلى القبلة الناسخة. وقيل: صلواتكم إلى المنسوخة.
145: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ} في مداراتهم حرصا على إيمانهم.
144: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} لتوقع الوحي في الموعود بتحويل القبلة، لا بتتبع النّفس هوى الكعبة، إذ كان يحب الكعبة لا عن هوى ولكنها قبلة العرب فيتوفر بها دواعيهم إلى الإيمان.
148 {لِكُلٍّ وِجْهَة} شرعة ومنهاج. وقيل: قبلة، أي: لكل أهل دين، أو لكل أهل بلدة من المسلمين.
{مُوَلِّيها} أي وجهه، والضمير في وَاللّه، أي: اللّه مولّيها إياه، بمعنى: موليه إياها.
ومن قال: معناه مولّي إليها فالضمير لكل.
وقيل: معناه متوليها أي: متبعها وراضيها.
150: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة} في خلاف ما في التوراة من تحويل القبلة، وموضع لام {لِئَلَّا} مع ما بعدها نصب، والعامل معنى الكلام أي: عرّفتكم ذلك لئلا يكون حجة.
{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} إلّا أن يظلموكم في كتمانه.
أو معناه: ولكن الّذين ظلموا يحاجونكم بالباطل والشّبهة كقول النّابغة:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ** بهنّ فلول من قراع الكتائب

أي: إن كان فيهم عيب فهذا، وليس هذا بعيب، فإذا لا عيب فيهم. وإن كان على المؤمنين حجة فللظالم، ولا حجة له، فليس إذا عليهم حجة.
154: {بَلْ أَحْياء} قيل: المراد أرواحهم، فالروح: الإنسان.
والصحيح أنّ اللّه يلطّف بعد الموت أو القتل ما يقوم به البنية الحيوانية فيجعله بحيث شاء من علّيين أو سجّين.
158: {شَعائِرِ اللَّهِ} معالم دينه وأعلام شرعه. من شعرت: علمت وأشعار الهدي ليعلم به.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما} أي: لو لا أنهما من شعائر الحج لكان التطوف بهما جناحا. وقيل: إنه بسبب صنمين كانا عليهما: إساف ونائلة.
{فَإِنَّ اللَّهَ شاكِر عَلِيم} مجاز، لأن مقابلة الجزاء للعمل كالشكر للنّعمة.
163: {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} موضع هو رفع لأنه بدل من موضع لا مع الاسم، ولا تنصبه على قولك: ما قام أحد إلّا زيدا لأنّ البدل يدل على أنّ الاعتماد على الثاني، والنّصب يدل على أنّ الاعتماد على الأول.
165: {كَحُبِّ اللَّهِ} كحبّهم للّه، لأنّ المشرك يعرفه إلّا أنه يشرك به. أو معناه: كحب اللّه الواجب عليهم، أو كحب المؤمنين للّه.
{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} لو: إذا جاء فيما يشوّق إليه أو يخوّف منه قلّما يوصل بجوابه ليذهب القلب فيه كلّ مذهب.
{أَنَّ الْقُوَّةَ} موضع أن نصب على معنى الجواب المحذوف أي: لرأوا أنّ القوة للّه. ويكسر على الاستئناف أو الحكاية فيما حذف من الجواب بمعنى: لقالوا إن القوة للّه.
168: {خُطُواتِ الشَّيْطانِ} أعماله ووساوسه.
171: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} أي: مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم، أو مثل داعي الكافرين إلى اللّه كمثل النّاعق بما لا يسمع، فاكتفى في الأول بالمدعوّ، وفي الثاني بالدّاعي لدلالة كل واحد منهما على الآخر.
173: {أُهِلَّ بِهِ} الإهلال: رفع الصّوت بالدّعاء.
{غَيْرَ باغٍ} أي: للذة وشهوة، وَلا عادٍ: متعدّ مقدار الحاجة.
وقول الشّافعي: غير باغ على الإمام ولا عاد في سفر حرام ضعيف لأنّ سفر الطّاعة لا يبيح ولا ضرورة، والحبس في الحضر يبيح ولا سفر، ولأنّ الميتة للمضطر كالذكيّة للواجد، ولأنّ على الباغي حفظ النّفس عن الهلاك.
175: {فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} أجرأهم على عمل يدخل النّار.
وحكى الفرّاء: أنّ أحد الخصمين حلف عند قاضي اليمن، فقال صاحبه: ما أصبرك على اللّه أي: على عذاب اللّه.
وقال المبرّد: هو استفهام توبيخ لهم وتعجيب لنا.
177: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} أي: البرّ برّ من آمن، أو ذا البرّ من آمن، والقولان على حذف المضاف، والأول أجود، لأنّ الخبر أولى بالحذف من المبتدأ، لأنّ الاتساع أليق بالأعجاز من الصّدور.
{وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ} أي: على حبّ المال. أو على حبّ الإيتاء.
{وَفِي الرِّقابِ} أي: عتقها، أو إعانة المكاتبين.
{والْبَأْساءِ} الفقر، {وَالضَّرَّاءِ} السّقم، {وَحِينَ الْبَأْسِ} القتال.
{وَالْمُوفُونَ} على تقدير: ولكنّ ذا البر- أي البار- من آمن باللّه والموفون.
ونصب: {الصابرين} على المدح. وعند الكسائي: بإيتاء المال. أي: آتاه ذوي القربى والصابرين، فيكون وَأَقامَ الصَّلاةَ، وَالْمُوفُونَ اعتراضا، ولكنّ الاعتراض لا يكون معتمد الكلام.
178: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} أي: القاتل، عفا عنه الوليّ وصالحه، أو عفا بعض الأولياء، أو الوليّ عن بعض القصاص ليفيد التقييد بشيء.
{فَاتِّباع بِالْمَعْرُوفِ} يطلب الدّية بالمعروف، وينظر القاتل إن أعسر.
{وَأَداء إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ} لا يماطل القاتل ولا ينقص.
{فَمَنِ اعْتَدى} كان يصالح عن القاتل أولياؤه، حتى إذا أمن يقتل ثم يرمى إليهم بالدّية.
179: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياة} كانوا يتفانون بالطوائل فكفاها القصاص ويقال: أقصّ الحاكم فلانا من فلان وإباءه وأمثله فامتثل أي: اقتص.
181: {فَمَنْ بَدَّلَهُ} أي: الوصية، لأنّ الوصية والإيصاء واحد، أو فمن بدّل قول الموصي.
والجنف والإثم: التوصية في غير القرابة، أو التفاوت بينهم هوى وميلا أو إعطاء البعض دون البعض.
وقال طاوس: جنفه: توليجه، وهو أن يوصي لابن بنته ليكون المال كلّه للبنت، فيصلح بينهم الأمير أو الوصيّ.
وقيل: خافَ علم، لأنّ الخشية للمستقبل والوصية واقعة.
184: {أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ} ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ.
185: {شَهْرُ رَمَضانَ} مبتدأ خبره {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ونصبه على الأمر، أي: صوموه، أو على البدل من {أَيَّامًا}.
{هُدىً} حال من الشَّهْرَ.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} عدد ما أفطر المريض والمسافر.
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} هو التكبير يوم الفطر، وقيل: تعظيم اللّه.
189: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} في زيادتها ونقصانها.
{وَلَيْسَ الْبِرُّ} كانت العرب في الجاهلية إذا أحرمت نقبت في ظهور بيوتها للدخول والخروج، وإن اعتبرت عموم اللفظ فهو الدخول في الأمر من بابه.
191: {ثَقِفْتُمُوهُمْ} ظفرتم بهم، ثقفته ثقفا: وقفت له فظفرت به.
194: {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ} القتال في الشّهر الحرام قصاص الكفر فيه.
{وَالْحُرُماتُ قِصاص} متساوية فكيف يحرم القتال ولا يحرم الكفر، وإن اعتبرت خصوص السّبب فقريش صدّت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن المسجد الحرام في ذي القعدة عام الحديبية، فأدخله اللّه مكة في ذي القعدة القابل.
196: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} قال الشّافعي رحمة اللّه عليه: الإحصار منع العدوّ لأنّها في عمرة الحديبية، ولقوله: {فَإِذا أَمِنْتُمْ}.
وعندنا الإحصار بالمرض وبالعدو، والحصر في العدو خاصّة.
قال أبو عبيد: الإحصار ما كان من المرض وذهاب النفقة، وما كان من سجن أو حبس. قيل: حصر فهو محصور.
قال المبرّد: حصر: حبس، وأحصر: عرض للحبس على الأصل نحو اقتله عرّضه للقتل وأقبره جعل له القبر.
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} جمع هديّة وهو شاة، وموضع ما رفع، ويجوز نصبه على فليهد.
و: {مَحِلَّهُ} الحرم. وعند الشافعي موضع الإحصار.
والمتمتع بالعمرة إلى الحج: هو المحرم بالعمرة في أشهر الحج، إذا أحرم بالحج بعد الفراغ من العمرة من غير أن يلمّ بأهله عند العبادلة والفقهاء.
ولفظ مشايخنا في شروح المتفق هو المتزوّد من العمرة إلى الحج.
وقال السّدّي: هو فسخ الحج بالعمرة.
وقال ابن الزّبير: هو المحصر إذا دخل مكة بعد فوت الحج.
{فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} قبل يوم النحر ما بين إحرامه في أشهر الحج إلى يوم عرفة، {وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ} إذا رجع المتمتع من الحج. وعند الشّافعي: إذا رجع إلى الأهل.
{تِلْكَ عَشَرَة كامِلَة} في الأجر، أو قيامها مقام الهدي، أو المراد رفع الإبهام فلا يتوهم في الواو أنها بمعنى أو.
وحاضر والمسجد الحرام: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة، فليس لهم أن يتمتعوا عندنا، ولو فعلوا لزمهم دم الجناية لا المتعة.
197: {الْحَجُّ أَشْهُر} أي: أشهر الحج فحذف المضاف، أو الحج حج أشهر، فحذف المصدر المضاف، أو جعل الأشهر الحجّ لمّا كان الحج فيها كقولك: ليل نائم، ونهار صائم.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة جمعت لبعض الثالث، والفعل في بعض اليوم فعل في اليوم.
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أوجب على نفسه، أي: أحرم.
والرّفث: الجماع وذكره عند النساء. والفسوق: السّباب.
والجدال: الملاحاة مع أهل الرفقة.
وقيل: لا جدال لا خلاف في الحج أنه في ذي الحجة، وهو وجه امتناع لا جدال. وإن قرأت: {لا رفث ولا فسوق ولا جدال} نفي، إذ لم يجادلوا أنّ الحج في ذي الحجة فكانت لا نافية، ولا رفث نهي، إذ ربّما يفعلونه فكانت بمعنى ليس.
198: {أَفَضْتُمْ} دفعتم بكثرة منها إلى مزدلفة كفيض الإناء عند الامتلاء.
والإفاضة: سرعة الرّكض، وأفاضوا في الحديث: اندفعوا فيه.
وصرف عَرَفاتٍ مع التأنيث والتعريف لأنها اسم واحد على حكاية الجمع.
وعرفات من تعارف النّاس في ذلك المجمع، وقيل: من تعارف آدم وحواء هناك.
وقيل: كان جبريل يعرّف إبراهيم عليه السلام المناسك، فلمّا صار بعرفات قال: عرفت.
والمشعر الحرام ما بين جبلي مزدلفة، وقيل: الجبل الذي يقف عليه الإمام بجمع.
199: {مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} أمر لقريش بالإفاضة من عرفات إلى جمع وكانوا يقفونبجمع بأنّا أهل الحرم لا نخرج عنه، لأنّ جمعا من الحرم وعرفات من الحلّ، بل الإفاضة من عرفات مذكورة فهي الإفاضة من جمع إلى منى. والنّاس: إبراهيم ومن تبعه.
{مِنْ خَلاقٍ} من نصيب، من الخلافة التي هي الاختصاص، أو الخليفة التي هي من حظ الفتى من طبيعته.
والأيّام المعدودات: أيام التشريق، ثلاثة بعد المعلومات عشر ذي الحجة، فهي معدودات لقلتها بالقياس إلى المعلومات التي يعلمها النّاس للحج.
وذكر اللّه فيها التكبير المختصّ به، وابتداؤه عند أبي حنيفة رحمه الله من فجر يوم عرفة في أدبار الصلوات الثمان التي آخرها عصر يوم النّحر.
وأوّل أيام التشريق: يوم القرّ لاستقرار الناس بمنى، والثاني: يوم النّفر الأول إذ ينفرون ويخرجون إلى أهليهم، وهو قوله: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} أي الخروج في النّفر الأول، ومن تأخر إلى النّفر الثاني وهو ثالث أيام منى {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى} أي: الصيد إلى يوم الثالث، وقيل: اتقى في جميع الحج، أو في بقية عمره لئلا يحبط عمله.
204 والخصام مصدر، أو جمع خصم كبحر وبحار.
207: {يَشْرِي} يبيع.
208: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} في طائفة أسلموا ولم يتركوا السّبت.
فأمروا بترك السبت، أي بترك تعظيمه بالدخول في الإسلام إلى منتهى شرائعه. بل هو أمر المؤمنين بشرائع الإسلام، أو بالدوام على الإسلام كقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}.
{كَافَّةً} جميعا. كففت: جمعت، وكفّة الميزان لجمعه ما فيه، ويجوز من الكفّ المنع لأنهم إذا اجتمعوا تمانعوا.
210: {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أي: آياته. أو أمره، كقوله: {أْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}.
212: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} قيل: الشيطان يزينها لهم. بل اللّه يفعل ذلك: ليصح التكليف وليعظم الثواب.
{بِغَيْرِ حِسابٍ} بغير استحقاق على التفضل، وعَطاءً حِسابًا يكافئ العمل ويقابله وكأنه يعطي المحسوب بما لا يحتسب.
213: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً} ملّة وطريقة، أي: أهل ملّة، وتلك الملّة:
الضلال فهو الغالب عليهم، وإن كانت الأرض لم تخل عن حجة اللّه.
وقيل: كانوا على الحق متفقين فاختلفوا.
{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} مفعول، أي: اختلفوا للبغي.
214: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} لم يأتكم، كقوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}.
{وَزُلْزِلُوا} أزعجوا بالخوف يوم الأحزاب، وهو زلّوا ضوعف لفظه لمضاعفة معناه. حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ يسأل النّصر الموعود، لا أنه استبطأ النّصر، لأن اللّه لا يؤخره عن وقته.
219: {ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} أي: الفضل عن الحاجة، أو السهل المتيسر، خذ ما عفا: أي سهل وصفا، ونصبه على أنه جواب المنصوب وهو ماذا وماذا اسم واحد، ولهذا لا يصح عمّ ذا تسأل كما يصح عم تسأل.
ومن رفع الْعَفْوَ جعل ذا بمنزلة الذي ويجعلهما.
اسمين كأنه: ما الذي ينفقون.
220: {لَأَعْنَتَكُمْ} لشدد عليكم.
222: {يَطْهُرْنَ} ينقطع دمهن ويَطْهُرْنَ: يتطهرن فأدغمت.
223: {أَنَّى شِئْتُمْ} كيف شئتم، أو من أين شئتم بعد أن لا يخرج عن موضع الحرث بدليل: {نِساؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ}.
{وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} التسمية عند الجماع. أو طلب الولد الذي يدعو له بالخير بعد موته. بل العبرة بعموم اللفظ.
224: {عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ} علة وحجة في ترك البرّ والاصطلاح.
فتعتلوا بالأيمان، فكأنّ اليمين سبب يعرض فيمنع من البرّ والتقوى، أو يوجب الإعراض عنهما.
وقيل: لا تجعلوا اللّه بذلة أيمانكم من غير حاجة وبغير استثناء.
{أَنْ تَبَرُّوا} أن لا تبرّوا، على هذا موضع {أَنْ تَبَرُّوا} نصب لوصول الفعل إليه مع الجار، أو خفض، لأن التقدير: لأن تبروا، أي تكونوا بررة أتقياء إذا لم تجعلوه عرضة أي: بدلة.
و: {اللّغو} اليمين على الظن إذا تبين خلافه، أو ما يسبق به اللّسان عن سهو أو غضب من غير قصد.
226: {يُؤْلُونَ} يحلفون، إيلاء وأليّة وألوة وألوة.
والإيلاء هنا: قول الرّجل لامرأته: واللّه لا أقربك، أو حرّمها على نفسه بهذه النيّة، فإن فاء إليها بالوطء ورجع قبل أربعة أشهر كفّر عن يمينه، وإلّا بانت.
والتربّص: الانتظار، أو مقلوبة أي: التصبّر.
والقرء: الحيض، أقرأت: حاضت فهي مقرئ، وأصله- إن كان- الاجتماع بدليل القرآن، والقرية للنّاس وللنّمل، واجتماع الدّم في الحيض، وإلّا لسال دفعة.
وإن كان الانتقال من قرأت النجوم وأقرأت، فالانتقال إلى الحيض الذي هو طارئ.
ويقال: هو يقرئ جاريته أي: يستبرئها، واستقريت الأرض واقتريتها سرت فيها تنظر حالها.
وجمع قروء على الكثرة، لأنه حكم كلّ مطلّقة في الدّنيا فقد دخلها معنى الكثرة، أو هو على تقدير: ثلاثة من القروء.
229: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} أي: الطلاق الرّجعي، وسأل رجل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الثالثة فقال: {أَوْ تَسْرِيح}.
231: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} قاربنه وشارفنه، أو بلغن أجل الرّجعة.
{آياتِ اللَّهِ هُزُوًا} كان الرجل يطلّق ويعتق ثم يقول: كنت هازلا هازئا. وأمّا عموم اللّفظ: لا تستهزءوا بالأحكام مع كثرة فروعها.
ولا تعضلوهن: العضل: المنع والتضييق، أعضل الأمر أعيا، وعضلت المرأة: عسرت ولادتها.
نزل في معقل بن يسار المزنيّ، منع أخته جميلة الرجوع إلى زوجها الأول أبي البدّاح بن عاصم. وقوله: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} في جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ بن سلول خالعت زوجها ثابت بن قيس بن شمّاس بمهرها.
233: {لا تُضَارَّ والِدَة بِوَلَدِها} بأخذ ولدها بعد ما رضي بها.
{وَلا مَوْلُود لَهُ} أي: الأب بردّ الولد عليه بعد ما عرف أمه ولا يقبل ثدي غيرها.
{وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} أي: على وارث الولد من النّفقة، وترك المضارّة ما على المولود له وهو الوالد إذا كان حيّا.
{فِصالًا} فطاما قبل الحولين. والتراضي لئلا يكره أحدهما.
{يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} تنقضي العدّة، والكتاب ما كتب عليها من الحداد والقرار.
236: {لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} لأنّها لا تطلّق في طهر المسيس.
أو لا جناح في النّفقة والمهر سوى متعة قدر المكنة، وأدنى متعة الطلاق درع وخمار. وتخصيص المحسن لأنّهم الّذين يقبلونه ويعملون به.
ونصب {مَتاعًا} على المصدر من: {متعوهنّ} ويجوز حالا من قَدَرُهُ. وحَقًّا على الحال من قوله: {بِالْمَعْرُوفِ} ويجوز تأكيدا لمعنى الجملة، أي: أخبركم به حقا.
237: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} هو الزّوج لا غير، وعفوه إذا سلّم كلّ المهر لا يرتجع النصف بالطّلاق، أو إن لم يسلّم وفّاه كملا، كأنه من عفوت الشّيء إذا وفرته وتركته حتى يكثر.
وفي الحديث: «و يرعون عفاءها»، والعفاء: ما ليس لأحد فيه ملك.
وأبهمت الصّلاة الوسطى مع فضلها ليحافظ على الصّلوات، ولهذا أخفيت ليلة القدر.
239: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا} صلّوا على أرجلكم، أو على ركابكم وقوفا ومشاة وسمّي الرّاجل لأنّه يستعمل رجله في المشي.
240: {غَيْرَ إِخْراجٍ} نصب على صفة المتاع.
{فَإِنْ خَرَجْنَ} أي: بعد الحول، أو قبل الحول إذا سكنّ في بيوتهن.
{فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} في قطع نفقة السّكنى.
والوصية للأزواج والعدّة إلى الحول منسوختان، ومن لا يرى النّسخ قال: إنها في وصيتهم على عادة الجاهلية حولا، فبيّن اللّه أنّ وصيّتهم لا تغيّر حكم اللّه في تربّص أربعة أشهر وعشرا.
245: {فَيُضاعِفَهُ} رفعه للعطف على {يُقْرِضُ اللَّهَ} والنّصب على جواب الاستفهام بالفاء، إلّا أنّ فيه معنى الجزاء، أي: من يقرض اللّه فاللّه يضاعفه وجواب الجزاء بالفاء مرفوع.
{يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ} يقبض الصّدقة، ويبسط الجزاء، أو يقبض الرزق على بعض ويبسطها على بعض ليأتلفوا بالاختلاف.
246: {هَلْ عَسَيْتُمْ} هل ظننتم {إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا} إذ كلّ ما في القرآن من عسى على التوحيد فهو على وجه الخبر، وما هو على الجمع فعلى الاستفهام.
248: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ} إذ كانوا فقدوه فأتاهم به الملائكة.
{فِيهِ سَكِينَة} أي: في إتيانه بعد الافتقاد كما قال رسولهم.
وقيل: كانت فيه صورة يتيمّن بها في الخطوب والحروب.
{وَبَقِيَّة} قيل إنها الكتب، وقيل: عصا موسى وعمامة هارون.
249: {مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} ليعلم أن من يخالف بالشرب من النهر لا يواقف العدو فيجرد العسكر عنه.
والغرفة- بالفتح- لمرة واحدة، وبالضم اسم ما اغترف.
{إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أصحاب بدر.
{يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ} يحدّثون أنفسهم به، وهو أصل الظن، ولذلك صلح للشك واليقين.
253: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} مشيئة الإلجاء، أو مشيئة الصّرفة والصّرفة مشيئة مفتنة.
254: {لا بَيْع فِيهِ} خصّ البيع لما في البيع من المعاوضة فيكون كالفداء من العذاب كقوله: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ}.
255: {الْقَيُّومُ} القائم بتدبير خلقه.
والسّنة في الرأس، والنّوم في العين.
{كُرْسِيُّهُ} علمه، يقال للعلماء: كراسي. وقيل: قدرته بدليل قوله: {وَلا يَؤُدُهُ} أي: ولا يثقله.
وقيل: الكرسيّ جسم عظيم يحيط بالسماوات إحاطة السماء بالأرض والعرش أعظم منه كهو من السماوات.
الطاغوت: الشيطان وكل مارد من إنس وجان.
فعلوت من الطّغيان قلبت لام طغووت إلى موضع العين وانقلبت ألفا.
والعروة الوثقى: الإيمان، شبه المعنى بالصورة المحسوسة مجازا.
258: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ} {إلى} هنا للتعجب لأنها للنهاية فالمعنى:
هل انتهت رؤيتك إلى من هذه صفته ليدلّ على بعد وقوع مثله.
{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ} ليس بانتقال، ولكن لمّا عاند نمروذ حجة الإحياء بتخلية واحد وقتل آخر، كلّمه من وجه لا يعاند، وكانوا أصحاب تنجيم، وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم، والحركة الشرقية المحسوسة لنا قسريّة كتحريك الماء النّمل على الرّحى إلى غير جهة حركة النّمل فقال: إنّ ربي يحرّك الشمس قسرا على غير حركتها فإن كنت ربّا فحرّكها بحركتها فهو أهون.
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي دهش.
259: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} إن قلت: سانيته مساناة وجمعته على سنوات، فالهاء للوقف.
وإن قلت: سانهت وجمعت على سنهات فالهاء لام الفعل، أي: لم يتغير باختلاف السّنين، أو لم يتصبّب، أي هو على حاله وكما تركته، فيكون لم يتسن: لم يأخذ سننا أو سنّة الطريق.
{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً} علامة في إحياء الموتى. وقيل: بل الآية أنه كان ابن أربعين سنة وابنه كان ابن مائة وعشرين سنة.
{نُنْشِزُها} نرفع بعضها إلى بعض، والنّشز: المكان المرتفع.
ونشوز المرأة ترفّعها.
260: {كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى} سببه أنه رأى جيفة استهلكت في الرياح، فأحبّ معاينة إحيائها ليقوى اليقين بالمشاهدة، فيكون ألف {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} بالتقدير أي: قد آمنت فلم تسأل هذا؟ فقال: ليطمئن قلبي بمشاهدة ما أعلمه. أو أعلم أني خليلك مستجاب الدعوة.
وقرئت الآية عند النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل: شك إبراهيم ولم يشك نبينا. فقال عليه السلام: «أنا أحق بالشك منه». وإنما قاله تواضعا وتقديما، أي: أنا دونه ولم أشك فكيف يشك إبراهيم؟!.
260: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} الدّيك، والطاوس، والغراب، والحمام.
{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} قطّعهنّ، فيكون إِلَيْكَ من صلة {فَخُذْ}. أو معناه: أملهن، صاره يصيره ويصوره. والصّوار: قطعة من المسك من القطع، ومن إمالة حاسّة الشمّ إليها، والصّورة لأنها تميل إليها النّفوس، ولأنها على تقطيع وتقدير.
261: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ} أي: مثل أموالهم.
{وَاللَّهُ واسِع} أي: واسع الفضل بالتضعيف عليهم.
262: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ} في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنهما.
263: {قَوْل مَعْرُوف} ردّ حسن، وَمَغْفِرَة: ستر الفقر على السائل، أو التجافي عما يبدر منه عند الرّدّ.
264: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ} صفته صفة حجر أملس.
والصّفوان جمع صفوانة، والصّفا جمع صفاة.
والصّلد: الأرض التي لا تنبت شيئا، وزند صلاد لا ينقدح.
وفي الحديث: «خرج اللّبن من طعنة عمر أبيض يصلد» أي: يبرق ويبصّ.
266: {إِعْصار} أعاصير الرّياح: زوابعها، كأنها تلتف بالنّار التفاف الثّوب المعصور بالماء. وعطف {أصاب} على {يودّ} لأنّ {يود} يتضمن التمني، والتمني يتناول الماضي والمستقبل.
267: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} لا تقصدوا رذال المال وحشف التمر في الزكاة.
{إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي: بوكس ونقصان في الثّمن.
271: {فَنِعِمَّا هِيَ} نعم ما هي على تقدير الفاعل، ونصب ما على التفسير، أي: نعم الشّيء شيئا هو.
272: {ابْتِغاءَ} نصب على المفعول له.
273: {لِلْفُقَراءِ} أي: الصّدقة للفقراء.
{أُحْصِرُوا} احتبسوا على التصرف لخوف الكفار، أو لحبسهم أنفسهم على العبادة.
وقيل: أحصروا بالمرض والجراحات المثخنة في الجهاد عن الضّرب في الأرض.
والضّرب: الإسراع في السير، يقال: ضربت له الأرض كلّها، أي: طلبته في كلّ الأرض.
{لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافًا} لا يكون منهم سؤال فيكون: {إلحافا} لأنهم لو سألوا لم يحسبهم الجاهل بهم أغنياء.
وفي الحديث: «من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف».
275: {لا يَقُومُونَ} أي: من قبورهم.
{يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ} يضربه ويصرعه {مِنَ الْمَسِّ} من الجنون.
والخبط: ضرب البعير وصرعه بيديه، والرّمح بالرّجلين، والزّبن بالرّكبتين. وهذا الصّرع بامتلاء بطون الدماغ من رطوبات الفجّة امتلاء غير كامل. وإضافته إلى الشّيطان على مجاز إضافة الإغواء الّذي يلقي المرء في مصارع وخيمة.
وفي الحديث: «إنّ آكلي الربا يعرفون في الآخرة كما يعرف المجنون في الدّنيا ينهضون ويسقطون». وكلّ زيادة تؤخذ بغير بدل صورة أو معنى فهو ربا.
279: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} لا تأخذون أكثر من رءوس أموالكم ولا تنقصون منها.
نزلت في العبّاس وعثمان، كانا يؤخّران ويضعّفان.
{فَأْذَنُوا} فاعلموا، أو آذنوا: أعلموا، آذنه بالشّيء فأذن به.
{وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} الإعسار الواجب للإنظار هو الإعدام، أو كساد المتاع ونحوه.
282: {إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} ذكر الدّين، إذ يكون {تَدايَنْتُمْ} تجازيتم.
{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} أي: على إقراره.
{وَلا يَبْخَسْ} ليشهد عليه.
{أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ} لخرس، أو صبا، أو عته.
{أَنْ تَضِلَّ} أن تنسى.
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً} تقع وتحدث، أو تِجارَةً اسم كان و{تُدِيرُونَها} خبرها.
{وَلا يُضَارَّ} لا يجبر على الكتابة والشّهادة، أو الكاتب والشّهيد لا يضارّان ولا يعدوان الحقّ.
286: {إِنْ نَسِينا} تركنا.: {أَوْ أَخْطَأْنا} أتينا بخطإ، كقولك: أبدعت أتيت ببدعة. خطيء خطأ: تعمد الإثم، وأخطأ: لم يتعمد.
{إِصْرًا} ثقلا، والعهد والرّحم إصر لأنّ القيام بحقهما ثقيل، والإصر هنا: إثم العقد إذا ضيّعوا.
وفي الحديث: «من بكّر وابتكر ودنا كان له كفلان من الإصر» أي: بكّر إلى الجمعة، وابتكر: سمع أول الخطبة، ودنا: هزل، والدّنيّ: الماجن. كان له كفلان من إثم العقد إذا ضيّعه للغوه. اهـ.