فصل: الجزء الثاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



القسم الثالث: ربا القرض:
وهو أصل الربا، وهو الذي كانت تتعامل به العرب في الجاهلية. وهو يدخل في ربا الفضل والنسيئة، ولكن ميزناه لوحده أفضل حتى يتضح.
وهو أن يأتي إنسان فيقرض إنسانا آخر شيء يجوز قرضه. ليس فقط ذهب وفضه بل أي شيء يجوز قرضه، ثم يشترط عليه منفعة مقابل هذا القرض. وأكثر ما يقع في الأموال.
مثال:
شخص يأتي إنسان يطلب منه مال. فيعطيي10 آلاف إلى ثلاث شهور. فإذا انتهت المدة يأتي الدائن للمدين يقول أريد الـ 10 آلاف. فيقول له: لا أملك. فيقول له: إما أن تأتي بها في الحال وإما أؤخرها أنا لك شهر على أن تردها لي أكثر من 10 آلاف ريال ولو ريال واحد. فالريال الواحد مثل الـ 100 ألف في الحكم. هذا يسمى ربا القرض. وهو الذي قال الله جل وعلا فيه: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 130]. وهو الذي قال فيه أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» وقال «هم سواء» أي هم في الإثم سواء. أخرجه مسلم من حديث جابر وأخرجه البخاري من طريق آخر لكن المعنى في الصحيحين. هذا ربا القرض.
وينجم عن ربا القرض مسائله تسمى عند العلماء قلب الدين وهو من كبائر الذنوب.
قلب الدين:
إنسان يعطي إنسان قرض1000 ريال ويقول إلى شهر. ثم جاء بعد شهر وهذا ليس عنده الـ 1000 ريال فهو رجل مستور الحال الذي عنده شيء لا ينفك عن قوته يعني شيء تقوم به حياته. يعني مثلا سيارة يذهب بها ويغدو على قدر مستواه الاجتماعي، أو بيت صغير مثلا يسكنه. يعني أشياء خاصة لا يمكن أن يستغنى عنها لا فقير ولا غني. فيأتي هذا الذي له المال له الـ 1000 ريال وهو ليس معه الـ 1000 ريال فيأتي هو بالـ1000 ريال. ويقول له بيعني هذا الألف، ويأتي لشيء خاص عند هذا الرجل يحتاجه فيقول له بيعني إياه بـ 1000 ريال. فيأخذ الشيء الخاص ويعطيه ألألف، ثم يقول له رد لي هذه ألألف التي لي عندك ولأنه يعرف أنه لا يملك ألألف ريال يأتيه بالألف ويشتري منه مثلا ثوبه وعمامته وساعته بالألف ريال أو السيارة التي يغدو بها ويذهب ويوصل بها أبنائه للمدرسة. قال هاتها أنا اشتريها منك بـ1000 على أنك تعطيني الألف لأن لي عندك 1000 ريال.
هذا يسمى قلب الدين وهو من كبائر الذنوب كما نص عليه العلماء ونقل العلامة الشيخ عبد الله بن البسام رحمة الله عن شيخه العلامة عبد الرحمن السعدي القول أنه من كبائر الذنوب.
هذه أصناف الربا وكلها محرمة ولا يوجد أحد ولله الحمد فيما نعلم من علماء المسلمين أباح الربا في أي قطر كان.
فلما تفهم أو تسمع أن أحد أباح الربا من علماء المسلمين، فلا تصدقه.
هذا ليس بعالم.
لا يوجد أحد يتجرأ فيبيح الربا. لكن قد تفهم أنت المسألة خطاء، فهذه مسألة ثانية، لكن الربا لا يحتاج أن تقول مسألة خلافية ويمكن ويأخذ وما يعطى ما فيه. فالربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
مسائل:
نرجع للآية. ينجم عن الآية مسألة لها وضع خاص في عصرنا.
نحن نعلم أن اليهود هم من أكلت الربا، بنص القران قال الله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا *وأخذهم الربا}. هذا كلام رب العالمين، ومع ذلك ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى شعيرا من يهودي وليس عنده مال. فرهن درعه صلوات الله وسلامه عليه عند اليهودي؛ بعد أن اشترى منه. إذن النبي عليه الصلاة والسلام تعامل مع اليهود بيعا وشراء. رغم أنهم أكلت ربا.
إذن ينجم عن هذا: أنه إذا سألت هل يجوز التعامل مع البنوك الربوية بيعا وشراء؟
الجواب يكون نعم.
لأن اليهود أكلت ربا والنبي صلى الله عليه وسلم اشترى منهم وباع إليهم وقبل هداياهم. وذلك مالم تعلم أن عين ما تتعامل به محرم. يعني رأيت إنسان يسرق سيارة أمام عينيك ثم يبيعك إياها فهذا لا يجوز.
لكن لو أن إنسان اشترى من أي بنك بماله شراء وبيعا شرعيا فالبيع جائز باتفاق المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود ولأن الله قال في كتابه وهو يعلم أن اليهود حرفوا والنصارى حرفت قال جل وعلا في سورة المائدة: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}. ولن يكون طعامهم حل لنا حتى يكون بالشراء. فطعامهم لن يأتينا هدية. بل لابد من الشراء. فأباحه الله لنا أكله، فإذا أباح الله لنا أكله إذن من باب أولى أن يبيح شرائه. وهذه المسألة تحتاجها كثيرا في العصر الحالي.
حتى لو كان محاربا؟ هذه مسألة عصرية.عنون الإمام البخاري في الصحيح باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب وساق حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له اشترى قطيع غنم من رجل مشرك وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خارج المدينة في حربه مع أهل الشرك.
ولو جاء إنسان بما يسمى اليوم بالمقاطعة. فما حكمها؟
لا شك أن المقاطعة إذا تبناها الإنسان قربة لله. وأراد بها قطيعة من يعين أهل الباطل وتعبد الله بها. فإنها قربة يثاب عليها بلا شك. لكن نحن لا نتكلم عن القربة من عدم القربة. نحن نتكلم عن صحة البيع وصحة الشراء. وأنت تنزل الأشياء على منازلها.
لكن الكلام بالحل أو الكلام بالحرمة هو توقيع عن رب العالمين. قال ابن القيم: أعلام الموقعين عن رب العالمين. والكلام عن رب العالمين بالحل والحرمة لابد أن يكون على بينة وهدي من الكتاب والسنة، ولا علاقة للعواطف به. ولن تكون أعظم ورعا من رسولنا صلى الله عليه وسلم.
فاليهود يقول الله عنهم في سورة التوبة: {وقالت اليهود عزير ابن الله} ويذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يشتري من يهودي، رغم أن أسواق المدينة مليئة بمن يبيعون الشعير؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين للأمة جواز البيع.
مادمنا في قضايا العصر نأتي لقضية الاقتراض من البنوك.
الاقتراض بفائدة لا نحتاج لدليل لأنه حرام بإجماع علماء المسلمين وقد بيناه. لكن أحيانا البنوك تقول أنت إلى ثلاث أشهر إذا رددتها لا نطلب منك فائدة. ولكن إذا لم تستطع ردها نأخذ منك فائدة هذا يعود كالأول سواء بسواء بمجرد توقيع العقد ولو كنت قادرا على السداد قبل نهاية العقد فإنه يعتبر عقد ربوي يدخل في اللعن الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه.
فالتعامل مع البنوك قرضا أو إيداع الأموال عندهم وتعود إليك بفائدة هي من الربا الملعون صاحبه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم والمحرم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين كما بينا.
{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما}
أكل أموال الناس بالباطل عام، وقلنا أنه عطف عام على خاص. وكل شيء تتوصل إليه بالباطل فهو محرم. سواء بالرشوة أو بالسرقة أو بالاختلاس أو بالنهب فأي طريق من طرائق الباطل تصل بها إلى أموال الناس يعتبر مالا محرما قد لا يكون ربا لكن أي طريقة حرمها الله فإنه يأثم صاحبها.
ثم قال سبحانه: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما (162)} سورة النساء.
هذه (لكن) الأصل عند النحويين أنها حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، لكنها هنا خففت لأن الأصل أنها مشددة لكن فلما خففت جاز فيها عدم الإعمال. فأصبحت تعني الانتقال من جملة إلى جملة وتسمى باب الإضراب. أي الانتقال من حال إلى حال. فلا تعمل ولا تؤثر فيما بعدها عملا. فيصبح الراسخون على أنها مبتدأ.
{الراسخون في العلم منهم} من من؟
هم من أهل الكتاب وهذا يدخل فيه عبد الله بن سلام رضي الله عنه ومن آمن من اليهود والنصارى.
{والمؤمنون} والمؤمنون المقصود بها المهاجرون والأنصار، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
{يؤمنون بما أنزل إليك} أي القرآن.
{وما أنزل من قبلك} أي بجميع الكتب.
{والمقيمين الصلاة} والمقيمين الصلاة نحويا مفروض تكون والمقيمون مثل المؤتون والمؤمنون لكنها جاءت {والمقيمين} ويوجد قراءة {والمقيمون} لكن نحن نتكلم عن القراءة التي بين أيدينا وهي {والمقيمين} وهذه للعلماء فيها ست تخريجات:
سنترك خمسة ونبقى على واحد وهي: أنها منصوبة على الاختصاص، لبيان التعظيم والتفخيم. فيصبح المعنى وأخص المقيمين بالصلاة. وهذا تخريج إمام النحويين سيبويه وعليه أكثر العلماء. ونصب الصلاة على الاختصاص يبين أهميتها من الدين وعلى أنها أمر عظيم.
{والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}
نكر الله كلمة {أجرا} هنا لبيان التفخيم. لأنه لا يعلم مالهم من أجر إلا الله. قال تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17].
هذا ما أردنا الوقوف عنده. يصبح من هذا كله إجمالا تكلمنا عن اليهود وتكلمنا عن النصارى في سورتين سورة آل عمران وسورة النساء. وقلنا إجمالا إن اليهود يزعمون أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم ويفخرون بذلك ويفرحون به. وأن النصارى تقبل هذا وتدعيه لكنها تقول أن هذا خلاصا للبشرية. وكلا الفريقين ضال، فإن عيسى ابن مريم لم يقتل ولم يصلب بل رفعه الله جل وعلا إليه وكان الله عزيزا حكيما. وقلنا إنه سينزل في آخر الزمان حكما عدلا مقسطا.
هذا ما انتهى إليه الدرس والله تعالى أعز وأعلا وأعلم وصلى الله وسلم على محمد.
تأملات في سورة النساء:
للشيخ صالح المغامسي

.الجزء الثاني:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبيا عن أمته اللهم صلي عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد. أيها الأخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثنا اليوم إكمال لما فسرناه من كتاب ربنا في الدرس الماضي من سورة النساء، ووقفنا عند قول الله عز وجل: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165)}.