فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء ويدفع الله بهما المحذور والمكروه» وقال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» قيل الكاشح العدو، فثبت بدلالة الكتاب والسنة وجوب صلة الرحم واستحقاق الثواب بها، ثم إن أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه بنوا على هذا الأصل مسألتين: إحداهما: أن الرجل إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه مثل الأخ والأخت، والعم والخال، قال لأنه لو بقي الملك لحل الاستخدام بالإجماع، لكن الاستخدام إيحاش يورث قطيعة الرحم، وذلك حرام بناء على هذا الأصل، فوجب أن لا يبقى الملك، وثانيهما: أن الهبة لذي الرحم المحرم لا يجوز الرجوع فيها لأن ذلك الرجوع إيحاش يورث قطيعة الرحم، فوجب أن لا يجوز، والكلام في هاتين المسألتين مذكور في الخلافيات. اهـ.
قال الفخر:
والرقيب هو المراقب الذي يحفظ عليك جميع أفعالك.
ومن هذا صفته فإنه يجب أن يخاف ويرجى، فبين تعالى أنه يعلم السر وأخفى، وأنه إذا كان كذلك يجب أن يكون المرء حذرا خائفا فيما يأتي ويترك. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} أي حفيظًا قاله مجاهد فهو من رقبه بمعنى حفظه كما قاله الراغب وقد يفسر بالمطلع، ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه، ومن هنا فسره ابن زيد بالعالم، وعلى كل فهو فعيل بمعنى فاعل، والجملة في موضع التعليل للأمر ووجوب الامتثال، وإظهار الاسم الجليل لتأكيده وتقديم الجار لرعاية الفواصل. اهـ.

.قال الثعالبي:

وفي قوله تعالى: {إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}: ضرْبٌ من الوعيدِ، قال المُحَاسِبِيُّ: سألتُ أبا جَعْفَرٍ محمدَ بْنَ موسى، فقلْتُ: أجمل حالاتِ العارفين ما هِيَ؟ فقال: إن الحال التي تَجْمَعُ لك الحالاتِ المَحْمُودةَ كلَّها في حالةٍ واحدةٍ هي المراقبةُ، فَألْزِمْ نفْسَكَ، وقَلْبَكَ دَوَامَ العِلْمِ بنَظَرِ اللَّه إليك؛ في حركَتِك، وسكونِكِ، وجميعِ أحوالِكِ؛ فإنَّك بعَيْنِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ في جميعِ تقلُّباتك، وإنَّك في قبضته؛ حيث كُنْتَ، وإنَّ عين اللَّه على قلبك، ونَاظِرٌ إلى سِرِّك وعلانيتِكَ، فهذه الصفةُ، يا فتى، بحْرٌ ليس له شطٌّ، بَحْر تجري منْه السواقِي والأنهارُ، وتسيرُ فيه السُّفُن إلى معادِنِ الغنيمةِ. انتهى من كتاب: [القصد إلى اللَّه سبحانه]. اهـ.

.قال أبوحيان:

قال عليه الرحمة:
وقيل: يجوز أن يكون أراد بالتقوى تقوى خاصة، وهو أن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله.
فقيل: اتقوا ربكم الذي وصل بينكم بأن جعلكم صنوانًا مفرعة من أرومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعض ولبعض، فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه.
وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة.
وقال ابن عباس: المراد بالتقوى الطاعة.
وقال مقاتل: الخشية.
وقيل: اجتناب الكبائر والصغائر.
والمراد بقوله: من نفس واحدة آدم.
وقرأ الجمهور: {واحدة} بالتاء على تأنيث لفظ النفس.
وقرأ ابن أبي عبلة: {واحد} على مراعاة المعنى، إذ المراد به آدم، أو على أن النفس تذكر وتؤنث، فجاءت قراءته على تذكير النفس.
ومعنى الخلق هنا: الاختراع بطريق التفريع، والرجوع إلى أصل واحد كما قال الشاعر:
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ** وهذا الموت يسلبني شبابي

قال: في ري الظمآن، ودلت الإضافة على جواز إضافة الشيء إلى الأصل الذي يرجع إليه، وأن يعد ذلك الراجع إلى التوالد والتعاقب والتتابع.
وعلى أنّا لسنا فيه كما زعم بعض الدهرية، وإلا لقال: أخرجكم من نفس واحدة، فأضاف خلقنا إلى آدم، وإن لم نكن من نفسه بل كنا من نطفة واحدة حصلت بمن اتصل به من أولاده، ولكنه الأصل انتهى.
وقال الأصم: لا يدل العقل على أنَّ الخلق مخلوقين من نفس واحدة، بل السمع.
ولما كان صلى الله عليه وسلم أميًّا ما قرأ كتابًا، كان معنى خلقكم دليلًا على التوحيد، ومن نفس واحدة دليلًا على النبوّة انتهى.
وفي قوله: من نفس واحدة إشارة إلى ترك المفاخرة والكبر، لتعريفه إياهم بأنهم من أصل واحد ودلالة على المعاد، لأن القادر على إخراج أشخاص مختلفين من شخص واحد فقدرته على إحيائهم بطريق الأولى.
وزوجها: هي حواء.
وظاهر منها ابتداء خلق حوّاء من نفسه، وأنه هو أصلها الذي اخترعت وأنشئت منه، وبه قال: ابن عباس، ومجاهد، والسدّي.
وقتادة قالوا إن الله تعالى خلق آدم وحشًا في الجنة وحده، ثم نام فانتزع الله تعالى أحد أضلاعه القصرى من شماله.
وقيل: من يمينه، فحلق منها حواء.
قال ابن عطية: ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام: «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها» انتهى.
ويحتمل أن يكون ذلك على جهة التمثيل لاضطراب أخلاقهن، وكونهن لا يثبتن على حالة واحدة، أي: صعبات المراس، فهي كالضلع العوجاء كما جاء خلق الإنسان من عجل. ويؤيد هذا التأويل قوله: إن المرأة، فأتى بالجنس ولم يقل: إن حوّاء.
وقيل: هو على حذف مضاف، التقدير: وخلق من جنسها زوجها قاله: ابن بحر وأبو مسلم لقوله: {من أنفسكم أزواجًا} {ورسولًا منهم} قال القاضي: الأول أقوى، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة.
ويمكن أن يجاب عنه بأن كلمة من لابتداء الغاية، فلما كان ابتداء الخلق وقع بآدم، صح أن يقال خلقكم من نفس واحدة.
ولما كان قادرًا على خلق آدم من التراب كان قادرًا على خلق حواء أيضًا كذلك.
وقيل: لا حذف، والضمير في منها، ليس عائدًا على نفس، بل هو عائد على الطينة التي فصلت عن طينة آدم.
وخلقت منها حواء أي: أنها خلقت مما خلق منه آدم.
وظاهر قول ابن عباس ومن تقدم: أنها خلقت وآدم في الجنة، وبه قال: ابن مسعود.
وقيل: قبل دخوله الجنة وبه قال: كعب الأحبار ووهب، وابن إسحاق.
وجاءت الواو في عطف هذه الصلة على أحد محاملها، من أنَّ خلق حواء كان قبل خلق الناس.
إذ الواو لا تدل على ترتيب زماني كما تقرر في علم العربية، وإنما تقدم ذكر الصلة المتعلقة بخلق الناس، وإن كان مدلولها واقعًا بعد خلق حواء، لأجل أنهم المنادون المأمورون بتقوى ربهم.
فكان ذكر ما تعلق بهم أولًا آكد، ونظيره: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} ومعلوم أنّ خلقهم تأخر عن خلق من قبلهم.
ولكنهم لما كانوا هم المأمورين بالعبادة والمنادين لأجلها، اعتنى بذكر التنبيه على إنشائهم أولًا، ثم ذكر إنشاء من كان قبلهم.
وقد تكلف الزمخشري في إقرار ما عطف بالواو متأخرًا عن ما عطف عليه، فقدر معطوفًا عليه محذوفًا متقدمًا على المعطوف في الزمان، فقال: يعطف على محذوف كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها وخلق منها زوجها، وإنما حذف لدلالة المعنى عليه.
والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حوّاء من ضلع من أضلاعها.
ولا حاجة إلى تكلف هذا الوجه مع مساغ الوجه الذي ذكرناه على ما اقتضته العربية.
وقد ذكر ذلك الوجه الزمخشري فقال: يعطف على خلقكم.
ويكون الخطاب في: يا أيها الناس الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمعنى: خلقكم من نفس آدم، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه، وخلق منها أمكم حوّاء انتهى.
ويجوز أن يكون قوله: {وخلق منها زوجها} معطوفًا على اسم الفاعل الذي هو واحدة التقدير من نفس وحدت، أي انفردت.
وخلق منها زوجها، فيكون نظير {صافات ويقبضن} وتقول العرب: وحد يحد وحدا ووحدة، بمعنى انفرد.
ومن غريب التفسير أنه عنى بالنفس الروح المذكورة فيما قيل أنه قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بكذا وكذا سنة» وعنى بزوجها البدن، وعنى بالخلق التركيب.
وإلى نحوه أشار بقوله تعالى: {ومن كل شيئين خلقنا زوجين} وقوله: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم} ولا يصح ذلك في النبات إلا على معنى التركيب.
وبدأ بذكر الزوجين والأزواج في الأشياء على أنها لا تنفك من تركيب، والواحد في الحقيقة ليس إلا الله تعالى انتهى.
وهذا مخالف لكلام المتقدمين، قال بعضهم: ونبه بقوله: {وخلق منها زوجها} على نقصها وكمالها، لكونها بعضه.
وبث منهما أي من تلك النفس، وزوجها أي: نشر وفرق في الوجود.
{واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} كرر الأمر بالتقوى تأكيدًا للأول.
وقيل: لاختلاف التعليل وذكر أولًا: الرب الذي يدل على الإحسان والتربية، وثانيًا: الله الذي يدل على القهر والهيبة.
بنى أولًا على الترغيب، وثانيًا على الترهيب.
كقوله: {يدعون ربهم خوفًا وطمعًا} و{ويدعوننا رغبًا ورهبًا} كأنه قال: إنه ربك أحسن إليك فاتق مخالفته، فإن لم تتقه لذلك فاتقه لأنه شديد العقاب. اهـ.
ثم رد رحمه الله على كلام البصريين ومن وافقهم فقال:
وما ذهب إليه أهل البصرة وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية: من امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح، بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك وأنه يجوز.
وقد أطلنا الاحتجاج في ذلك عند قوله تعالى: {وكفر به والمسجد الحرام} وذكرنا ثبوت ذلك في لسان العرب نثرها ونظمها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وأما قول ابن عطية: ويرد عندي هذه القراءة من المعنى وجهان، فجسارة قبيحة منه لا تليق بحاله ولا بطهارة لسانه.
إذ عمد إلى قراءة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بها سلف الأمة، واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير واسطة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت.