فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا} لأن النشر في الأرض يجب أن يكون خاصا بالرجل، فالحق يقول: {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] والحق يقول: {فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِه} [الملك: 15] والأنثى تجلس في بيتها تديره لتكون سكنا يسكن إليها، والرجل هو المتحرك في هذا الكون، وهي بذلك تؤدي مهمتها.
وبعدما قال: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} يقول: {اتَّقُواْ اللَّهَ} لقد قدم الدليل أولا على أنه إله قادر، وخلقكم من عدم وأمدكم وسخر العالم لخدمتكم، وقدم دليل البث في الكون المنشور الذي يوضح أنه إله، فلابد أن تتلقوا تعليماته، ويكون معبودا منكم، أي مطاعا، والطاعة تتطلب منهجا: افعل ولا تفعل، وأنزل الحق القرآن كمنهج خاتم، ويقول: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ}.
انظر إلى القفشة، للخلق الجاحد، إنه سبحانه بعد أن أخذهم بما يتعاملون ويتراحمون ويتعاطفون به أوضح لهم:- أنتم مع أنكم كنتم على فترة من الرسل إلا أن فطرتكم التي تتغافلون عنها تعترف بالله كخالق لكم.
وأنت إذا أردت إنقاذ أمر من الأمور، وتريد أن تؤثر على من تطلب منه أمرًا، تقول: سألتك بالله أن تفعل ذلك، لقد أخذ منهم الدليل، فكونك تقول: سألتك بالله أن تفعل ذلك فلابد أنك سألته بمعظّم، إذن فتعظيم الله أمر فطري في البشر، والمطموس هو المنهج الذي يقول: افعل ولا تفعل. والإنسان من هؤلاء الجاحدين عندما يسهو، ويطلب حاجة تهمه من آخر، فهو يقول له: سألتك بالله أن تفعل كذا. ومادام قد قال: سألتك بالله فكأن هناك قضية فطرية مشتركة هي أن الله هو الحق، وأنه هو الذي يُسأل به، ومادام قد سئل بالله فلن يخيّب رجاء من سأله.
إنه في الأمور التي تريدون بها تحقيق مسائلكم تسألون بالله وتسألون أيضا بالأرحام وتقولون: بحق الرحم الذي بيني وبينك، أنا من أهلك، وأنا قريبك وأمُّنا واحدة، أرجوك أن تحقق لي هذا الأمر. ولماذا جاءت {الأَرْحَامَ} هنا؟ لأن الناس حين يتساءلون بالأرحام فهم يجعلون المسئولية من الفرد على الفرد طافية في الفكر، فمادمت أنا وأنت من رحم واحد، فيجب أن تقضى لي هذا الشىء. إذن فمرة تسألون بالله الذي خلق، ومرة تسألون بالأرحام لأن الرحم هو السبب المباشر في الوجود المادي، ومثال ذلك قول الحق: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] لقد جاء لنا بالوالدين اللذين هما السبب في ايجادنا، والله يريد من كل منا أن يبر والديه، ولكن قبل ذلك لابد أن ينظر إلى الذي أوجدهما، وأن يُصعد الأمر قليلا ليعرف أن الذي أوجدهما هو الله سبحانه.
ويختم الحق الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} لأن كلمة {اتَّقُواْ} تعني اجعل بينك وبين غضب ربك وقاية بإنفاذ أوامر الطاعة، واجتناب ما نهى الله عنه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، والرقيب من رقب إذا انظر ويقال: مرقب، ونجد مثل هذا المرقب في المنطقة الت تحتاج إلى حراسة، حيث يوجد كشك مبنى فوق السور ليجلس فيه الحارس كى يراقب. ومكان الحراسة يكون أعلى دائما من المنطقة المحروسة، وكلمة رقيب تعني ناظرا عن قصد أن ينظر، ويقولون: فلان يراقب فلانا أي ينظره، صحيح أن هناك من يراه ذاهبا وآتيا من غير قصد منهم أن يروه، لكن إن كان مراقبا، فمعنى ذلك أن هناك من يرصده وسبحانه يقول: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} فليس الله بصيرا فقط ولكنه رقيب أيضا- ولله- المثل الأعلى.
نحن نجد الإنسان قد يبصر مالا غاية في إبصاره، فهو يمر على كثر من الأشياء قيبصرها، لكنه لا يرقب إلا من كان في باله. والحق سبحانه رقيب علينا جميعا كما في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وبعد أن تكلم سبحانه عن خلقنا أبا وأما وأنه بث منهما رجالا كثيرا ونساء، أراد أن يحمى هذه المسألة وأن يحمى المبثوث. والمبثوث قسمان: قسم اكتملت له القوة وأصبحت له صلاحية في أن يحقق أموره النفعية بذاته، وقسم ضعيف ليست له صلاحية في أن يقوم بأمر ذاته، ولأنه سبحانه يريد تنظيم المجتمع؛ لذلك لابد أن ينظر القادرون في المجتمع إلى القسم الضعيف في المجتمع، ومن القسم الضعيف الذي يتكلم الله عنه هنا؟ إنهم اليتامى، لماذا؟
لأن الحق سبحانه حينما خلقنا من ذكر وأنثى، آدم وحواء، جعل لنا أطوارا طفولية، فالأب يكدح والأم تحضن، ويربيان الإنسان التربية التي تنبع من الحنان الذاتى ونعرف أن الحنان الذاتى والعاطفة يوجدان في قلب الأبوين على مقدار حاجة الابن اليهما، الصغير عادة يأخذ من حنان الأب والأم أكثر من الكبير، وهذه عدالة في التوزيع، لأنك إذا نظرت إلى الولد الصغير والولد الكبير والولد الأكبر، تجد الأكبر أحظهم زمنا مع أبيه وأمه والصغير أقلهم زمنا، فيريد الحق أن يعوض الصغير فيعطى الأب والأم شحنة زائدة من العاطفة تجاهه، وأيضا فإن الكبير قد يستغنى والصغير مازال في حاجة، ولذلك قال سبحانه في إخوة يوسف: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] أي أنهم أقوياء وظنوا أنه يجب على أبيهم أن يحب الأقوياء. وهذا الظن دليل على أن الأب كان يعلم أنهم عصبة لذلك كان قلبه مغ غير العصبة، وهذا هو الأمر الطبيعي، فهم جاءوا بالدليل الذي هو ضدهم.
إذن فحين يوجد الناشئ الذي يحتاج إلى أن يربى التربية التي يعين عليها الحنان والعطف، فلابد من أن نأتى لليتيم الذي فقد الحنان الأساسى ونقنن له، ويأتى الحق سبحانه وتعالى ليوزع المجتمع الإنسانى قطاعات، ويحمل كل واحد القطاع المباشر له، فإذا حمل كل واحد منا القطاع المباشر له تتداخل العنايات في القطاعات، هذا سيذهب لأبيه وأمه ولأولاد أخيه، وهذا كذلك، فتتجمع الدوائر. وبعد ذلك يعيش المجتمع كله في تكافل، وهو سبحانه يريد أن يجعل وسائل الحنان ذاتية في كل نفس، ومادام اليتيم يقيم معنا كفرد فلابد من العناية له.
إن اليتيم فرد فقد العائل له ولذلك يقولون: درة يتيمة أي وحيدة فريدة، وهكذا اليتيم وحيد فريد، إلا أنهم جاءوا في الإنسان وفى الأنعام وفى الطير وقالوا: اليتيم في الإنسان من فقد أباه، واليتيم في الأنعام من فقد أمه، لماذا؟ لأن الأنعام طلوقة تلقح الذكور فيها الإناث وتنتهى. والأم هي التي تربى وترضع؛ فإذا جاء أحد آخر يمسها تنفر منه.
أما اليتيم في الطير فمن فقدهما معا. فالطير عادة الزوج منها يألف الآخر؛ ولذلك يتخذان عشا ويتناوبان العناية بالبيض ويعملان معا ففيه حياة أسرية، والحق سبحانه وتعالى جاء في اليتيم الذي هو مظهر الضعف في الأسوة الإنسانية وأراد أن يقنن له فقال: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ...} اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {خلقكم من نفس واحدة} قال: من آدم {وخلق منها زوجها} قال: خلق حوّاء من قصيراء أضلاعه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {خلقكم من نفس واحدة} قال: آدم {وخلق منها زوجها} قال: حوّاء من قصيراء آدم وهو نائم فاستيقظ فقال: أأنا..؟! بالنبطية امرأة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عمرو قال خلقت حوّاء من خلف آدم الأيسر، وخلقت امرأة إبليس من خلفه الأيسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {وخلق منها زوجها} قال: خلق حواء من آدم من ضلع الخلف وهو أسفل الأضلاع.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجال، فاحبسوا نساءكم. وخلق الرجل من الأرض، فجعل نهمته في الأرض.
قوله تعالى: {وبث منهما رجالًا} الآية.
أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولدًا: عشرون غلامًا، وعشرون جارية.
وأخرج ابن عساكر عن أرطاة بن المنذر قال: بلغني أن حوّاء حملت بشيث حتى نبتت أسنانه، وكانت تنظر إلى وجهه من صفاء في بطنها، وهو الثالث من وِلْد آدم، وإنه لما حضرها الطلق أخذها عليه شدة شديدة، فلما وضعته أخذته الملائكة، فمكث معها أربعين يومًا، فعلموه الرمز ثم رد إليها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {واتقوا الله الذي تساءلون به} قال: تعاطون به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية يقول: اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {تساءلون به والأرحام} قال: يقول: أسألك بالله وبالرحم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: هو قول الرجل: أنشدك بالله والرحم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم {تساءلون به والأرحام} خفض. قال: هو قول الرجل: أسألك بالله وبالرحم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن. أنه تلا هذه الآية قال: إذا سئلت بالله فأعطه، وإذا سئلت بالرحم فأعطه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام وصلوها.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {الذي تساءلون به والأرحام} قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا، وخير لكم في آخرتكم».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اتقوا الله وصلوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا، وخير لكم في الآخرة».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الله وصلوا الأرحام».
وأخرج ابن جرير عن الضحاك إن ابن عباس كان يقرأ {والأرحام} يقول: اتقوا الله لا تقطعوها.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس: اتقوا الأرحام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها، نصب الأرحام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {إن الله كان عليكم رقيبًا} قال: حفيظًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: رقيبًا على أعمالكم، يعلمها ويعرفها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الصلاة وخطبة الحاجة. فأما خطبة الصلاة فالتشهد. وأما خطبة الحاجة فإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ثم يقرأ ثلاث آيات من كتاب الله {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا} {اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} [الأحزاب: 70] ثم تعمد حاجتك. اهـ.