فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عادل:

قل أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الطيِّب في القرآن على أربعة أوجه:
الأول: الحلال كهذه الآية.
الثاني: بمعنى الظَّاهر كقوله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أي: ظاهرًا.
الثالث: بمعنى الحَسَن قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] أي: الحسن، ومثله {والطيبات لِلطَّيِّبِينَ} [النور: 26] أي: الكلام الحسن للمؤمنين.
الرابع: الطيِّبَ: المؤمن قال تعالى: {حتى يَمِيزَ الخبيث مِنَ الطيب} [آل عمران: 179] يعني: الكافر من المؤمن. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

سؤال: كيف جمع اليتيم على يتامى؟ واليتيم فعيل، والفعيل يجمع على فعلى، كمريض ومرضى وقتيل وقتلى وجريح وجرحى، قال صاحب الكشاف: فيه وجهان:
أحدهما: أن يقال: جمع اليتيم يتمى، ثم يجمع فعلى على فعالى، كأسير وأسرى وأسارى، والثاني: أن يقال: جمع يتيم يتائم، لأن اليتيم جار مجرى الأسماء نحو صاحب وفارس، ثم يقلب اليتائم يتامى.
قال القفال رحمه الله: ويجوز يتيم ويتامى، كنديم وندامى، ويجوز أيضا يتيم وأيتام كشريف وأشراف. اهـ.
سؤال ثان: وهو أنا ذكرنا أن اسم اليتيم مختص بالصغير، فما دام يتيما لا يجوز دفع ماله إليه، وإذا صار كبيرًا بحيث يجوز دفع ماله إليه لم يبق يتيما، فكيف قال: {وَءاتُواْ اليتامى أموالهم} والجواب عنه على طريقين: الأول: أن نقول المراد من اليتامى الذين بلغوا أو كبروا ثم فيه وجهان: أحدهما: أنه تعالى سماهم يتامى على مقتضى أصل اللغة، والثاني: أنه تعالى سماهم باليتامى لقرب عهدهم باليتم وإن كان قد زال في هذا الوقت كقوله تعالى: {فَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} [الأعراف: 120] أي الذين كانوا سحرة قبل السجود، وأيضًا سمى الله تعالى مقاربة انقضاء العدة، بلوغ الأجل في قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] والمعنى مقاربة البلوغ، ويدل على أن المراد من اليتامى في هذه الآية البالغون قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أموالهم فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] والإشهاد لا يصح قبل البلوغ وإنما يصح بعد البلوغ.
الطريق الثاني: أن نقول: المراد باليتامى الصغار، وعلى هذا الطريق ففي الآية وجهان:
أحدهما: أن قوله: {وآتُواْ} أمر، والأمر إنما يتناول المستقبل، فكان المعنى أن هؤلاء الذين هم يتامى في الحال آتوهم بعد زوال صفة اليتم عنهم أموالهم، وعلى هذا الوجه زالت المناقضة.
والثاني: المراد: وآتوا اليتامى حال كونهم يتامى ما يحتاجون إليه لنفقتهم وكسوتهم، والفائدة فيه أنه كان يجوز أن يظن أنه لا يجوز إنفاق ماله عليه حال كونه صغيرا، فأباح الله تعالى ذلك، وفيه إشكال وهو أنه لو كان المراد ذلك لقال: وآتوهم من أموالهم، فلما أوجب إيتاءهم كل أموالهم سقط ذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قالوا: إن اليتيم من لا أب له ولا جد، والإيتاء: الإعطاء قال أبو زيد: أتَوْتُ الرجلَ آتُوه إتاوَةٌ، وهي الرّشوة.
وقال الزمخشري: الأيتام الذين مات آباؤهم، وَالايُتْمُ: الانفراد، ومنه الرملة اليتيمة، والدُّرة اليتيمة.
وقيل: اليتيم في الأناسي من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات.
قال: وحق هذا الاسم أن يقع على الضعفاء والكبار لمن يبقى معنى الانفراد عن الآباء، إلا أنَّ في العرف اختصّ هذا الاسم بمن لم يبلغ، فإذا صار مستعينً بنفسه في تحصيل مصالحه عن كافله، زال عنه هذا الاسم؛ وكانت قريش تقول لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَتِيم أبي طَالِبٍ، إمَّا على القياس، وإما حكاية للحال التي كان عليها حين صغره ناشئًا في حجر عمه توضيعًا له.
وأما على قوله عليه السلام: «لاَ يتم بَعْدَ بُلُوغ» فهو تعليم للشريعة لا تعليم للغة.
وروى أبو بكر الرازي في أحكام القرآن أن جده كتب إلى ابن عباس يسأله عن اليتيم متى ينقطع يتمه؟ فكتب إليه: إذا أونِسَ منه الرشد انقطع يتمه.
وفي بعض الروايات: إن الرجل ليقبض على لحيته ولم ينقطع عنه يتمه بعدُ فأخبر ابن عباس أن اسم اليتيم يلزمه بعد البلوغ، إذا لم يؤنس منه الرُّشْدُ، ثم قال أبو بكر: «واسم اليتم قد يقع على المرأة المفردة عن زوجها».
قال عليه السلام: «تستأمر اليتيمة في نفسها» وهي لا تستمر إلاَّ وهي بالغة.
قال الشاعر: [الرجز]
إنَّ الْقُبٌورَ تَنْكِحُ الأيَامى ** النِّسْوَةَ ولأرَمِلَ الْيَتَامَى

فالحاصل أنّ اسم اليتيم بحسب اللُّغة يتناول الصغير والكبير.
فإن قيل: كيف جُمِعَ اليتيمُ على يتامى؟ واليتيم فعيل: فيجمع على فعلى، كمريض ومرضى وقتيل وقتلى، وجريح وجرحى؟
فقال الزَّمَخْشَرِيُّ: فيه وجهان:
أحدهما: أن يقال: إن جمع اليتيم، يَتْامَى، ثمّ يجمع فعلى على فَعَالَى كأسير وأسَارِى.
والثاني: أن نقول: جمع اليتيم يتائم؛ لأن اليتيم جار مجرى الاسم نحو صاحب وفارس ثم تنقلب اليتائم يتامى.
قال القفّال: ويجوز يتيم ويتامى كنديم وندامى، ويجوز أيضًا يتيم وأيتام كشريف وأشراف.
قوله: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ} وقد تقدَّم في البقرة قوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] أنَّ المجرور بالباء هو المتروك، والمنصوب هو الحاصل، وتفعل هنا بمعنى استفعل، وهو كثير، نحو تَعَجَّل وَتَأَخَّرَ بمعنى استعجل واستأخر ومن مجيء تبدَّلَ بمعنى اسْتَبْدَلَ قولُ ذي الرمة: [الطويل]
فَيَا كَرَمَ السَّكْنِ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا ** عَنِ الدَّارِ وَالمُسْتَخْلَفِ الْمَتِبَدِّلِ

أي: المستبدل.
قل الواحدي: تبدل الشَّيء بالشيء إذا أخذ مكانه.
قوله: بالطّيب.
هو المفعول الثاني لتتبدلوا.
قوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} في قوله ثلاثة أوجه:
أحدها: أن إلى بمعنى مع كقوله: {إِلَى المرافق} [المائدة: 6]، وهذا رأي الكوفيين.
الثاني: أنها على بابها وهي ومجرورها متعلّقة بمحذوف على أنَّه حال، أي: مضمومة، أو مضافة إلى أموالكم.
الثالث: أن يضمَّن تأكلوا بمعنى تضموا كأنه قيل: ولا تَضمُّوها إلى أموالكم آكلين.
قال الزمخشري: فإن قلت: قد حَرَّمَ عليهم أكل مال اليتامى، فدخل فيه أكله وحده ومع أموالهم، فَلِمَ ورد النهي عن أكلها معها؟
قلت: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله تعالى من الحلال، وهم من ذلك يَطْعمون منها، كان القبحُ أبلغ والذمُّ ألحق، ولأنهم كنوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم، وَنَّعَ بهم ليكون زجر لهم.
واعلم أنه تعالى، وَإن ذكر الأكل، فالمرادُ به سائر التصرفات المملكة للمال، وإنما ذكر الأكل لأنه معظم ما يقع التصرف لأجله.
قوله: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا} في الهاء ثلاثة أوجه:
حده: أنها تعود على الأكل المفهوم، من لا تأكلوا.
الثَّاني: على التبدُّلِ المفهوم من لا تَتَبَدَّلُوا الخبيث.
الثالث: عليهما ذهابًا به مذهب اسم الإشارة نحو: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] ومنه: [الرجز]
كأَنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ

وقد تقدم ذلك في البقرة، والأول أولى لأنه أقرب مذكور.
وقرأ الجمهور {حُوبً} بضم الحاءِ، ولحسن بفتحها، وبعضهم: حَبًا بالألف، وهي لغت في المصدر، والفتح لغة تميم.
ونظير الحوْب والحاب، والقول والقال، والطُّرد والطَّرْد- وهو لإثم- وقيل: المضموم اسم مصدر، والمفتوح مصدر وصله من حوب الأبل، وهو زجرها فسُمِّي به لإثم؛ لأنه يزجر به، ويطلق على الذَّنب أيضًا؛ لأنه يزجر عنه، ومنه قول عليه السلام: «إنَّ طَلاقَ أمِّ أيُّوبَ لَحُوبْ» أي: لذنب عظيم. وقل القرطبي: والحوبُ الوحشة، ومنه قوله عليه السَّلام أبي أيوب «إن طلاق أم أيوب لحوب».
قال القفال: وكأن أصل لكلمةِ من لتَّحوُّبِ وهو التَّوجُّعُ، فالحوبُ هو ارتكاب ما يتوجَّعُ لمرتكبُ منه، يقال: حَابَ يَحُوب، حَوْبًا، وحَابًا وحِيابة.
قال المخبل السعدي: [الطويل]
فلا يَدْخُلَنَّ الدَّهْرَ قَبْرَكَ حُوبُ ** فَإنَّكَ تَلْقَاهُ عَلَيْكَ حَسِيبُ

وقال آخر [الوافر]
وإنّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ ** غَدَاتَئِذٍ لَقَدْ خَطِئَا وَحَابَا

والحَوْبةُ: المرة الواحدة، والحَوْبَةُ: الحاجة، ومنه في الدعاء إليكَ أرفع حَوْبَتِي، وأوقْعَ اللهُ الْحَوْبَة، وتحوَّب فلان إذا خرج من الحَوْب كتحرَّج وتَأَثَّمَ، والتضعيف للسَّلْبِ، والحَوِأب بهمزة بعد الواو المكان الواسع والحوب الحاجة، يقال: ألحق اللهُ به الحوبةَ، أي: [المسألة] والحاجة، والمسكنة ومنه قولهم باب بحيبة سوء، وأصل الياء الواو، وتحوَّب فلان أي: تعبد وألقى الحوب عن نفسه، والتحوُّب أيضًا التحزُّن، وهو أيضًا الصياحُ الشديد كالزَّجْرِ. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}.
مَنْ أُقيم بمحلِّ الرعاية فجاء على رعيَّتِه فَخَصْمُه ربُّه؛ فإنه سبحانه ينتقم لعباده ما لا ينتقم لنفسه. فَوَلِيُّ اليتيم إنْ أَنْصَفَ وأَحْسَنَ فحقُّه على الله، وإنْ أَساء وتعدَّى فَخَصْمُه اللهُ. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [2].
{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} شروع في تفصيل موارد الاتقاء ومظانه بتكليف ما يقابلها أمرًا ونهيًا.
وتقديمُ ما يتعلق باليتامى لإظهار كمال العناية بأمرهم ولملابستهم بالأرحام، إذ الخطاب للأولياء والأوصياء، وقلما تفوض الوصاية إلى الأجانب.
واليتيم من مات أبوه، من اليتم، وهو الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة، والقياس الاشتقاقيّ يقتضي وقوعه على الصغار والكبار.
وقد خصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم.
كما روى أبو داود بإسناد حسن عن عليّ عليه السلام عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لا يُتْمَ بعد احتلام».