فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا في اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُم أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}.
أباح الله للرجال الأحرار التزوج بأربع في حالة واحدة، وأوجب العدل بينهن، فيجب على العبد أن يراعي الواجبَ فإنْ عَلِمَ أنه يقوم بحق هذا الواجب آثر هذا المُباح، وإنْ عَلِم أنه يقصُر في الواجب فلا يتعرَّض لهذا المباح، فإنَّ الواجبَ مسؤولٌ عنه. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ}.
أي: أن لا تعدلوا: {فِي الْيَتَامَى} أي: يتامى النساء.
وقال الزمخشريّ: ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور، وهو جمع يتيمة، على القلب، كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم.
{فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مّنَ النّسَاء} أي: من طبن لنفوسكم من جهة الجمال والحسن أو العقل أو الصلاح منهن.
{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} ومعنى الآية: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن، بإساءة العشرة أو بنقص الصداق، فانكحوا غيرهن من الغريبات فإنهن كثير ولم يضيق الله عليكم.
فالآية للتحذير من التورط في الجور والأمر بالاحتياط، وإنّ في غيرهن متسعًا إلى الأربع.
وروى البخاريّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رَضِي اللّهُ عَنْهَا- أن رجلًا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عَذْق (أي: نخلة) وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت فيه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي.
وفي رواية لهم عن عائشة هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سُنّتِهِن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بعد هذه الآية فأنزل الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النّسَاءِ} [النساء: من الآية 127].
قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنّ} [النساء: من الآية 127]، رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال.
قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن، إذا كن قليلات المال والجمال.
وفي رواية في قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النّسَاء} إلى آخر الآية.
قالت عائشة- رَضِي اللّهُ عَنْهَا-: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك، زاد أبو داود رحمه الله تعالى: وقال ربيعة في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} قال يقول: اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعًا.
لطائف:
الأول: (ما) في قوله تعالى: {ما طاب لكم}، موصولة، وجاء بـ (ما) مكان (من) لأنهما قد يتعاقبان، فيقع كل واحد منهما مكان الآخر، كما في قوله تعالى: {وَالسّمَاء وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، وقوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 5].
{فَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45]، قال بعضهم: وحسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء، وهن ناقصات العقول.
الثانية: في إيثار الأمر بنكاحهن على النهي عن نكاح اليتامى، مع أنه المقصود بالذات، مزيدُ لطف في استنزالهم عن ذلك، فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه، كما أن وصف النساء بالطيب على الوجه الذي أشير إليه، فيه مبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن، وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى-، أفاده أبو السعود-.
الثالثة: اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة.
الرابعة: مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة، ومحلهن النصب على أنها حال من فاعل (طاب) مؤكدة لما، أفاده وصف الطيب من الترغيب فيهن، والاستمالة إليهن، بتوسيع دائرة الإذن، أي: فانكحوا الطيبات لكم، معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا، حسبما تريدون.
فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت: الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى.
فإن قلت: فلم جاء العطف بواو دون (أو)، قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك، ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثًا ثلاثًا أو أربعة أربعة، أعلمتَ أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها، فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو.
وتحريره أن الواو: دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاءوا متفقين فيها، محظورًا عليهم ما وراء ذلك، أفاده الزمخشري.
بحث جليل:
قال الرازي: ذهب قوم سَدّى (كحتى، موضع قرب زُبَيد باليمن. اهـ. قاموس) إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد، واحتجوا بالقرآن والخبر:
أما القرآن: فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النّسَاءِ} إطلاق في جميع الأعداد بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلًا.
والثاني: أن قوله: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} لا يصلح تخصيصًا لذلك العموم لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجر مطلقًا فان الإنسان إذا قال لولده: افعل ما شئت، اذهب إلى السوق، وإلى المدينة، وإلى البستان، كان تنصيصًا في تفويض زمام الخيرة إليه مطلقًا، ورفع الحجر والحرج عنه مطلقًا، ولا يكون ذلك تخصيصًا للإذن بتلك الأشياء المذكورة بل كان إذنًا في المذكور وغيره، فكذا هاهنا، وأيضًا فذكر جميع الأعداد متعذر فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النّسَاءِ} كان ذلك تنبيهًا على حصول الإذن في جميع الأعداد.
والثالث: أن الواو للجمع المطلق فقوله: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} يفيد حل هذا المجموع وهو يفيد تسعة بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط بل عن اثنين اثنين، وكذلك القول في البقية.
وأما الخبر فمن وجهين:
الأول: أنه ثبت بالتواتر: «أنه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم مات عن تسع»، ثم إن الله تعالى أمرنا باتباعه فقال: {فَاتّبِعُوهُ} وأقل مراتب الأمر الإباحة.
الثاني: أن سنة الرجل طريقته، وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك سنة له، ثم إنه عليه السلام قال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فظاهر هذا الحديث يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.
واعلم أن معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين:
الأول:
الخبر: وهو ما روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمسك أربعًا وفارق باقيهن».
وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة فقال عليه الصلاة السلام: «أمسك أربعًا وفارق واحدة».
واعلم أن هذا الطريق ضعيف لوجهين:
الأول: أن القرآن لما دل على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخًا للقرآن بخبر الواحد، وإنه غير جائز.
والثاني: وهو أن الخبر واقعة حال، فلعله عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإمساك أربع ومفارقة البواقي، لأن الجمع بين الأربعة وبين البواقي غير جائز إما بسبب النسب أو بسبب الرضاع.
وبالجملة فلهذا الاحتمال قائم في هذا الخبر فلا يمكن نسخ القرآن بمثله.
الطريق الثاني: وهو إجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع، وهذا هو المعتمد، وفيه سؤالان:
الأول: أن الإجماع لا يَنسخَ ولا يُنسخ فكيف يقال: الإجماع نسخ هذه الآية.
الثاني: أن في الأمة أقوامًا شذاذًا لا يقولون بحرمة الزيادة على الأربع، والإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين لا ينعقد.
والجواب عن الأول:
أن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم.
وعن الثاني: أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا عبرة بمخالفته. انتهى كلام الرازي، وقوله (من أهل البدعة) لا يجوز أخذه على عمومه لما ستراه.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في وبل الغمام: الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب وصار كالمجمع عليه عندهم، أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثرًا يحتج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة كانت صيغة العدل المفرد في قوة تلك الأعداد، فإن كان مجيء القوم مثلًا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وكانوا ألوفًا مؤلفة، فقلت: جاءني القوم مثنى، أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا.
فإن قلت: مثنى وثلاث ورباع، أفاد ذلك أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة، فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلًا، بل غاية ما يستفاد منها أن عددهم متكثر تكثرًا تشق الإحاطة به.
ومثل هذا إذا قلت: نكحت النساء مثنى، فإن معناه نكحتهن اثنتين اثنتين، وليس فيه دليل على أن كل دفعة من هذه الدفعات لم يدخل في نكاحه إلا بعد خروج الأولى، كما أنه لا دليل في قولك: جاءني القوم مثنى، أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلا وقد فارقك الاثنان الأولان، إذا تقرر هذا فقوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين وثلاثًا ثلاثًا وأربعًا أربعًا.