فصل: الحكم الثاني: هل يعطى اليتيم ماله قبل البلوغ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثاني: هل يعطى اليتيم ماله قبل البلوغ؟

دلّ قوله تعالى: {وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ} على وجوب دفع المال لليتيم، وقد اتفق العلماء على أن اليتيم لا يعطى ماله قبل البلوغ لقوله تعالى في الآيات التالية: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فقد شرطت البلوغ، وإيناس الرشد، والحكمة أن الصغير لا يحسن التصرف في ماله وربما صرفه في غير وجوه النفع، وللعلماء في تفسير هذه الآية وجهان:
الوجه الأول: أن يكون المراد باليتامى البالغين الذين بلغوا سن الرشد، وسمّوا يتامى (مجازًا) باعتبار ما كان أي الذين كانوا أيتامًا.
الوجه الثاني: أن المراد باليتامى الصغار، الذين هم دون سن البلوغ، والمراد بالإيتاء الإنفاق عليهم بالطعام والكسوة، أو المراد بالإيتاء ترك الأموال وحفظها لهم وعدم التعرض لها بسوء. وهذا الوجه قوي وذلك أن بعض الأوصياء كانوا يتعجلون في إنفاق مال اليتيم وتبذيره، فأمروا بالحفاظ عليه واستثماره فيما يعود بالنفع على اليتيم، حتى إذا بلغ سن الرشد سلّموه له تامًا موفورًا، ولعلّ الوجه الأول أقوى وأرجح والله أعلم.

.الحكم الثالث: هل الأمر في قوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ} للوجوب أم للإباحة؟

ذهب الجمهور إلى أن الأمر في قوله تعالى: {فانكحوا} للإباحة مثل الأمر في قوله تعالى: {وَكُلُواْ واشربوا} [البقرة: 187] وفي قوله: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57].
وقال أهل الظاهر: النكاح واجب وتمسكوا بظاهر هذه الآية، لأن الأمر للوجوب، وهم محجوبون بقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا} إلى قوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء: 25].
قال الإمام الفخر: فحكَمَ تعالى بأن ترك النكاح في هذه الصورة خيرٌ من فعله، فدل ذلك على أنه ليس بمندوب فضلًا عن أنه واجب.

.الحكم الرابع: ما معنى قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}؟

اتفق علماء اللغة على أن هذه الكلمات من ألفاظ العدد، وتدل كل واحدة منها على المذكور من نوعها، فمثنى تدل على اثنين اثنين، وثُلاث تدل على ثلاثة ثلاثة، ورُباع تدل على أربعة أربعة، والمعنى: انكحوا ما اشتهت نفوسكم من النساء، ثنتين ثنتين، وثلاثًا ثلاثًا، وأربعًا أربعًا حسبما تريدون.
قال الزمخشري: ولما كان الخطاب للجميع وجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم: درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى. أي لو قلت للجَمع اقتسموا المال الكثير درهمين لم يضح الكلام، فإذا قلت: درهمين درهمين كان المعنى أن كل واحد يأخذ درهمين فقط لا أربعة دراهم.
وفي هذه الآية دلالة على حرمة الزيادة على أربع، وقد أجمع العلماء والفقهاء على ذلك ولا يقدح في هذا الإجماع ما ذهب إليه بعض المبتدعة من جواز التزوج بتسع نسوة بناء على أن الواو للجمع وأن المراد أن يجمع الإنسان اثنتين وثلاثًا وأربعًا.
قال العلامة القرطبي: اعلم أن هذا العدد {مثنى وثلاث ورباع} لا يدل على إباحة تسع كما قاله مَنْ بَعُد للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة، وعَضَد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعًا وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة، والرافضةُ وبعض أهل الظاهر، وذهب بعضهم إلى أقبح من ذلك، فقالوا بإباحة الجمع بين (ثمان عشرة) وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة والتابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع، وقد أسلم (غيلان) وتحته عشر نسوة فأمره عليه السلام أن يختار أربعًا منهن ويفارق سائرهن.
وقد خاطب تعالى العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول: تسعة وتقول: اثنين وثلاثة وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول: أعط فلانًا أربعة، ستة، ثمانية، ولا يقول ثمانية عشر.
أقول: إن الإجماع قد حصل على حرمة الزيادة على أربع، وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء الشذّاذ المخالفين، فلا عبرة بقولهم فإنما هو محض جهل وغباء وكما يقول الشاعر:
ومن أخذ العلوم بغير شيخ ** يضل عن الصراط المستقيم

وكم من عائب قولًا صحيحًا ** وآفته من الفهم السقيم

أعاذنا الله من حماقة السفهاء وتطاول الجهلاء؟!

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- البشر جميعًا يرجعون إلى أصل واحدٍ، وينتسبون إلى أبٍ واحد، هو آدم عليه السلام.
2- جواز التساؤل بالله تعالى كقولهم: أسألك بالله، وأنشدك بالله.
3- حق الرحم عظيم ولهذا أمر الله تعالى بصلة الأرحام وعدم قطيعتها.
4- وجوب رعاية اليتيم والحفاظ على ماله ودفعه إليه عند البلوغ.
5- إباحة نكاح النساء في حدود أربع من الحرائر وبشرط العدل بينهن في القسمة.
6- وجوب الاقتصار على واحدة إذا خشي الإنسان عدم العدل بين نسائه.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
مسألة تعدد الزوجات ضرورة اقتضتها ظروف الحياة، وهي ليست تشريعًا جديدًا انفرد به الإسلام، وإنما جاء الإسلام فوجده بلا قيود ولا حدود، وبصورة غير إنسانية، فنظّمه وشذّبه وجعله دواءً وعلاجًا لبعض الحالات الاضطرارية التي يعاني منها المجتمع. جاء الإسلام والرجال يتزوجون عشرة نسوة أو أكثر أو أقل- كما مرّ في حديث غيلان حين أسلم وتحته عشر نسوة- بدون حدّ ولا قيد، فجاء ليقول للرجال: إن هناك حدًا لا يحل تجاوزه هو (أربع) وإن هناك قيدًا وشرطًا لإباحة هذه الضرورة في (العدل بين الزوجات) فإذا لم يتحقق ذلك وجب الاقتصار على واحدة {فواحدة أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم}.
فهو إذًا نظام قائم وموجود منذ العصور القديمة، ولكنه كان فوضى فنظّمه الإسلام، وكان تابعًا للهوى والاستمتاع باللذائذ، فجعله الإسلام سبيلًا للحياة الفاضلة الكريمة.
والحقيقة التي ينبغي أن يعلمها كل إنسان أن إباحة تعدد الزوجات مفخرة من مفاخر الإسلام، لأنه استطاع أن يحل مشكلة عويصة من أعقد المشاكل، تعانيها الأمم والمجتمعات اليوم فلا تجد لها حلًا إلا بالرجوع إلى حكم الإسلام، وبالأخذ بنظام الإسلام.
إن هناك أسبابًا قاهرة تجعل التعدد ضرورة كعقم الزوجة، ومرضها مرضًا يمنع زوجها من التحصن، وغير ذلك من الأسباب التي لا نتعرض لذكرها الآن، ولكن نشير إلى نقطة هامة يدركها المرء ببساطة.
إن المجتمع في نظر الإسلام كالميزان يجب أن تتعادل كفتاه، ومن أجل المحافظة على التوازن يجب أن يكون عدد الرجال بقدر عدد النساء، فإذا زاد عدد الرجال على عدد النساء، أو بالعكس فكيف نحل هذه المشكلة؟
ماذا نصنع حين يختل التوازن ويصبح عدد النساء أضعاف عدد الرجال؟
أنحرم المرأة من (نعمة الزوجية) و(نعمة الأمومة) ونتركها تسلك طريق الفاحشة والرذيلة كما حصل في أوربا من جراء تزايد عدد النساء بعد الحرب العالمية الأخيرة؟ أم نحل هذه المشكلة بطرقٍ شريفة فاضلة نصون فيها كرامة المرأة، وطهارة الأسرة، وسلامة المجتمع؟ أيهما أكرم وأفضل لدى العاقل أن ترتبط المرأة برباط مقدس تنضم فيه مع امرأة أخرى تحت حماية رجل بطريق شرعي شريف، أم نجعلها خدينةً وعشيقة لذلك الرجل وتكون العلاقة بينهما علاقة إثم وإجرام؟!
لقد اختارت ألمانيا (المسيحية) التي يحرم دينها التعدد، فلم تجد خيرة لها إلاّ ما اختاره الإسلام فأباحت تعدد الزوجات رغبة في حماية المرأة الألمانية من احتراف البغاء، وما يتولد عنه من أضرار فادحة وفي مقدمتها كثرة اللقطاء.
تقول أستاذة ألمانية في الجامعة: (إن حل مشكلة المرأة الألمانية هو في إباحة تعدد الزوجات... إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء لرجل ناجح على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه.. إن هذا ليس رأي وحدي بل هو رأي نساء كل ألمانيا).
وفي عام 1948 ميلادية أوصى مؤتمر الشباب العالمي في (ميونخ) بألمانيا بإباحة تعدد الزوجات حلًا لمشكلة تكاثر النساء وقلة الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.
ولقد حلّ الإسلام المشكلة بأشرف وأكرم الطرق، بينما وقفت المسيحية مكتوفة الأيدي لا تبدي ولا تعيد، أفلا يكون للإسلام الفضل الأكبر لحل مثل هذه الظاهرة التي تعاني منها أمم لا تدين بدين الإسلام؟!
ويجدر بي أن أنقل هنا بعض فقرات لشهيد الإسلام (سيد قطب) من كتابه السلام العالمي في الإسلام حيث قال تغمده الله بالرحمة:
إن ثرثرةً طويلةً عريضة تتناثر حول حكاية تعدد الزوجات في الإسلام، فهل هي حقيقة تلك الآفة الخطرة في حياة المجتمع؟
إنني أنظر فأرى كل مشكلة اجتماعية قد تحتاج إلى تدخل من التشريع إلاّ مسألة تعدد الزوجات فإنها تحل نفسها بنفسها.
إنها مسألة تتحكم فيها الأرقام، ولا تتحكم فيها النظريات ولا التشريعات.
في كل أمة رجال ونساء، ومتى توازن عدد الرجال مع عدد النساء فإنه يتعذر عمليًا أن يحصل رجل واحد على أكثر من امرأة واحدة.
فأما حين يختل توازن الأمة، فيقل عدد الرجال عن النساء كما في الحروب، والأوبئة التي يتعرض لها الرجال أكثر، فهنا فقط يوجد مجال لأن يستطيع رجل تعديد زوجاته.
فلننظر إذًا في هذه الحالة وأقر الأمثلة لها الآن (ألمانيا) حيث توجد ثلاث فتيات مقبال كل شاب، وهي حالة اختلال اجتماعي، فكيف يواجهها المشرع؟!
إن هناك حلًا من حلول ثلاثة:
الحل الأول: أن يتزوج كل رجل امرأة، وتبقى اثنتان لا تعرفان في حياتهما رجلًا، ولا بيتًا، ولا طفلًا، ولا أسرة.
والحل الثاني: أن يتزوج كل رجل امرأة فيعاشرها زوجته، وأن يختلف إلى الأخريين أو واحدة منهما لتعرف الرجل دون أن تعرف البيت أو الطفل، فإذا عرفت الطفل عرفته عن طريق الجريمة، وحملته ذلك العار والضياع.
والحل الثالث: أن يتزوج الرجل أكثر من امرأة، فيرفعها إلى شرف الزوجية، وأمان البيت، وضمانة الأسرة، ويرفع ضميره عن لوثة الجريمة، وقلق الإثم، وعذاب الضمير، ويرفع المجتمع عن لوثة الفوضى واختلاط الأنساب.
أي الحلول أليق بالإنسانية، وأحق بالرجولة، وأكرم للمرأة ذاتها وأنفع؟! اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {صَدُقَاتِهِنَّ}.
مفعول ثانٍ، وهي جمع صَدُقة بفتح الصَّاد وضمَّ الدَّال بزنة سَمُرة، والمرادُ بها: المهر وهذه هي القراءة المشهُورَةُ، وهي لُغَةُ الحجاز.
وقرأ قتادةُ: {صُدْقاتهن} بضمِّ الصَّادِ وإسكان الدَّال، جمعُ صُدْقَةٍ بزنة غُرْفَةٍ.
وقرأ مجاهدٌ وابن أبي عبلة بضمهما وهي جمع صدقة بضم الصاد والدال، وهي تثقيل الساكنة الدَّال للاتباع.