فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأبو البقاء في عبارته إشْكَالٌ، فلابد من التعرض إليها ليُعرف ما فيها، قال: {هنيئًا} مصدر جاء على وزن فَعِيل، وهو نعت لمصدر محذوفٍ، أي: أكْلًا هنيئًا، وقيل: هو مصدر في موضع الحال من الهاء والتقدير مُهَنَّأً، و{مريئًا} مثله، وتلمريء فعيل بمعنى مُفْعِل، لأنَّك تقول: أمْرَأَنِي الشَّيْء، ووجه لمصدر محذوف؟ وكيف يفسر {مريئًا} المصدر بمعنى اسم الفاعل؟
ذهب الزمخشري إلى انَّهُمَا وصفان قال: فإنَّ الهنيءَ والْمَريءَ صفتان من هَنُء الطعام ومَرُؤ إذا كان سائغًا لا تنغيص فيه. انتهى.
وَهَنَا يهْنَا بغير همز- لغة ثانية أيضًا- وقرأ أبو جعفر: {هنيًّا مريًّا}، بتشديد الياء فيهما من غير همزة، كذلك بري وبريون وبريَّا، ويقال: هَنَأَني الطعامُ ومرأني، وإن أفردت مَرَأنِي، وهذا كما قالوا: أخَذَهُ ما قَدُمَ وَمَا حَدُثَ، بضم الدَّال من حدث مشاكلة لقَدُمَ، ولو أُفرد لم يستعمل إلاَّ مفتوح الدال، وله نظائر أخر، ويقال: هَنَأتُ الرجل أهْنِئُهُ بكسر العين في المضارع أي: أعطيته. واشتقاق الهنيء من الهِناء، وهو ما يُطْلَى به البَعير للجرب كالقطران قال: [الطويل]
مُتَبَدِّلًا تَبْدُو مَحَاسِنُهُ ** يَضَعُ الْهَنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ

والمريءُ مَا سَاغَ وَسَهُلَ من الحق، ومنه قِيل لمجرى الطَّعَام من الحُلْقُوم إلى فم المعدة: مَرِيء. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا في اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُم أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}.
أباح الله للرجال الأحرار التزوج بأربع في حالة واحدة، وأوجب العدل بينهن، فيجب على العبد أن يراعي الواجبَ فإنْ عَلِمَ أنه يقوم بحق هذا الواجب آثر هذا المُباح، وإنْ عَلِم أنه يقصُر في الواجب فلا يتعرَّض لهذا المباح، فإنَّ الواجبَ مسؤولٌ عنه.
قوله جلّ ذكره: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىٍ مِّنْهُ فَكُلُوهُ نَفْسًا هَنِيئًا مَّرِيئًا}.
دلَّ هذا على أن طعامَ الفتيان والأسخياء مريء لأنهم لا يُطعِمون إلا عن طيب نَفْسٍ، وطعام البخلاء رديء لأنهم يرون أنفسهم، وإنما يُطعِمون عن تكلّف لا عن طيب نَفْس. قال صلى الله عليه وسلم: «طعامُ السخيِّ دواء وطعام البخيل داء». اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}.
والمقصود بـ {صَدُقَاتِهِنَّ} هو المهور، و{نِحْلَةً} هي العطية، وهل الصداق عطية؟ لا. إنه حق وأجر بضع. ولكن الله يريد أن يوضح لنا: أي فليكن إيتاء المهور للنساء نحلة، أي وازع دين لا حكم قضاء، والنحلة هي العطية.
وانظر إلى اللمسات الإلهية والأداء الإليهي للمعاني، لأنك إن نظرت إلى الواقع فستجد الآتي:
الرجل يتزوج المرأة، وللرجل في المرأة متعة، وللمرأة أيضا متعة أي أن كلا منهما له متعة وشركة في ذلك، وفي رغبة الانجاب، وكان من المفترض ألا تأخذ شيئا، لأنها ستستمتع وأيضا قد تجد ولدا لها، وهي ستعمل في المنزل والرجل سيكدح خارج البيت، ولكن هذه عطية قررها الله كرامة للنساء {وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة} والأمر في {آتُواْ} لمن؟ إما أن يكون للزوج فقوله: {وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} يدل صارت زوجة الرجل، وصار الرجل ملزما بالصداق ومن الممكن أن يكون أن يكون دينا على أن المرأة إذا تزوجها بمهر في ذمته يؤديه لها عند يساره، وإمّا أن يكون الأمر لولي أمرها فالذي كان يزوجه أخته مثلا، كان يأخذ المهر له ويتركها دون أن يعطيها مهرها، والأمر في هذه الآية- إذن- إما أن يكون للأزواج وإما أن يكون للأولياء. وحين يُشرع الحق لحماية الحقوق فإنه يفتح المجال لأريحيات الفضل.
لذلك يقول: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}.
لقد عرّف الحق الحقوق أولا بمخاطبة الزوج أو ولي الأمر في أن مهر الزوجة لها لأنه أجر البضع. ولكنه سبحانه فتح باب أريحية الفضل فإن تنازلت الزوجة فهذا أمر آخر، وهذا أدعى أن يؤصل العلاقة الزوجية وأن يؤدم بينهما. والمراد هنا هو طيب النفس، وإياك أن تأخذ شيئا من مهر الزوجة التي تحت ولايتك بسبب الحياء، فالمهم أن يكون الأمر عن طيب نفس. {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} والهنيء هو الشيء المأكول وتستسيغه حين يدخل فمك. لكنك قد تأكل شيئا هنيئا في اللذة وفي المضغ وفي الأكل ولكنه يورث متعبة صحية. إنه هنيء لكنه غير مريء. والمقصود هو أن يكون طيب الطعم وليس له عواقب صحية رديئة. وهو يختلف عن الطعام الهنيء غير المريء الذي يأكله الإنسان فيطلب من بعده العلاج.
إذن فكل أكل يكون هنيئا ليس من الضروري أن يكون مريئا. وعلينا أن نلاحظ في الأكل أن يكون هنيئا مريئا.
والإمام عليّ- رضوان الله عليه وكرم وجهه- جاء له رجل يشتكي وجعا، والإمام عليّ- كما نعرف- مدينة العلم والفتيا، وهبه الله مقدرة على إبداء الرأي والفتوى.
لم يكن الإمام عليّ طبيبا. لكن الرجل كان يطلب علاجا من فهم الإمام عليّ وإشراقاته.
قال الإمام عليّ للرجل: خذ من صداق امرأتك درهمين واشتر بهما عسلا، وأذب العسل في ماء مطر نازل لساعته- أي قريب عهد بالله- واشربه فإني سمعت الله يقول في الماء ينزل من السماء: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا} [ق: 9].
وسمعته سبحانه وتعالى يقول في العسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وسمعته يقول في مهر الزوجة: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء: 4] فإذا اجتمع في دواء البركة والشفاء الهنيء والمريء عافاك الله إن شاء الله. لقد أخذ الإمام عليّ- رضوان الله عليه وكرم وجهه- عناصر أربعة ليمزجها ويصنع منها دواء ناجعا، كما يصنع الطبيب العلاج من عناصر مختلفة وقد صنع الإمام عليّ علاجا من آيات القرآن. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوّج أيمة أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك ونزلت {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.
وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن ناسًا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ويأخذ أخت الرجل، ولا يأخذون كبير مهر. فقال الله: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {وآتوا النساء} يقول: أعطوا النساء {صدقاتهن} يقول: مهورهن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {نحلة} قال: يعني بالنحلة المهر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة {نحلة} قالت واجبة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جرير {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قال: فريضة مسماة.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: {النحلة} في كلام الواجب، يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {نحلة} قال: فريضة.
وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو أن رجلًا أعطى امرأة صداقًا ملء يديه طعامًا كانت له حلالًا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي لبيبة عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استحل بدرهم فقد استحل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن ربيعة «أن رجلًا تزوج على نعلين فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نكح امرأة وهو يريد أن يذهب بمهرها فهو عند الله زان يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة وأم سلمة قالتا: ليس شيء أشد من مهر امرأة وأجر أجير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فإن طبن لكم} قال: هي للأزواج.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة {فإن طبن لكم عن شيء منه} قال: من الصداق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} يقول: إذا كان من غير إضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء كما قال الله.
وأخرج ابن جرير عن حضرمي، أن ناسًا كانوا يتأثمون أن يراجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته فقال الله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: إذا اشتكى أحدكم فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحوها فليشتر بها عسلًا، وليأخذ من ماء السماء فيجمع هنيئًا مريئًا وشفاء ومباركًا.
وأخرج ابن سعد عن علقمة أنه كان يقول لامرأته: أطعمينا من ذلك الهنيء المريء، يتأوّل هذه الآية. اهـ.

.تفسير الآية رقم (5):

قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمر بدفع أموال اليتامى والنساء إليهم، ونهى عن أكل شيء منها تزهيدًا في المال واستهانة به، وكان في النساء والمحاجير من الأيتام وغيرهم سفهاء، وأمر بالاقتصاد في المعيشة حذرًا من الظلم والحاجة نهى عن التبذير، وقد حث سبحانه على حسن رعاية المال في غير آية من كتابه لأنه «نعم المال الصالح للرجل الصالح» رواه أحمد وابن منيع عن عمرو بن العاص رفعه؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل ما يهمه من الدنيا، وما لم يتمكن من تحصيل ما يهمه من الدنيا لا يمكنه أمر الآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة ما يكفيه من المال- لأنه لا يتمكن في هذه الدار التي مبناها على الأسباب من جلب المنافع ودفع المضار إلا به، فمن أراده لهذا الغرض كان من أعظم الأسباب المعينة له على اكتساب سعادة الآخرين، ومن أراد لنفسه كان من أعظم المعوقات عن سعادة الآخرة فقال تعالى: {ولا تؤتوا} أيها الأزواج والأولياء {السفهاء} أي من محاجيركم ونسائكم وغيرهم {أموالكم} أي الأموال التي خلقها الله لعباده سواء كانت مختصة بكم أو بهم، ولكم بها علقة بولاية أو غيرها، فإنه يجب عليكم حفظها {التي جعل الله} أي الذي له الإحاطة بالعلم الشامل والقدرة التامة {لكم قياما} أي ملاكًا وعمادًا تقوم بها أحوالكم، فيكون ذلك سببًا لضياعها، فضياعها سبب لضياعكم، فهو من تسمية السبب باسم المسبب للمبالغة، في سببيته {وارزقوهم} متجرين {فيها} وعبر بالظرف إشارة إلى الاقتصاد واستثمار الأموال حتى لا تزال موضعًا للفضل، حتى تكون النفقة والكسوة من الربح لا من رأس المال {واكسوهم} أي فإن ذلك ليس من المنهيّ عنه، بل هو من معالي الأخلاق ومحاسن الأعمال {وقولوا لهم} أي مع ذلك {قولًا معروفًا} أي في الشرع والعقل كالعدة الحسنة ونحوها، وكل ما سكنت إليه النفس وأحبته من قول أو عمل وليس مخالفًا للشرع فهو معروف، فإن ذلك ربما كان أنفع في كثير من الإعطاء وأقطع للشر؛ والحجر على السفيه مندرج في هذه الآية، لأن ترك الحجر عليه من الإيتاء المنهي عنه. اهـ.